أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - رفقتي مع السياب














المزيد.....

رفقتي مع السياب


هادي الحسيني
(Hadi Alhussaini)


الحوار المتمدن-العدد: 2045 - 2007 / 9 / 21 - 06:46
المحور: الادب والفن
    




بعد ان انتقل بدر شاكر السياب شاعر العراق الكبير من مدينته البصرة الى العاصمة بغداد ليكمل دراسته في دار المعلمين العالية , ربطتني به علاقة صداقة حميمية جداً ، وكان عندما ياتي الى معهد العالية تطرز ملامح
وجه الابتسامة ، ومن تلك الابتسامة اعرف بانه كتب قصيدة جديدة ،
وعلى الفور يصطحبني الى ساحة المعهد ويقرأ عليّ ما كتب من شعر جديد ..
وكنت دائماً اقول له يا بدر انك شاعر كبير دون شك ، ويضحك ..
مازالت ضحكته لا تفارق خيالي حتى هذه اللحظات
ومازالت قصائده الاولى احتفظ بها لنفسي ولا افكر بيوم من الايام ان انشرها ولا ابيح بها لشخص على الاطلاق .
وعندما سافر الى بيروت بدعوة من مجلة شعر كان اودنيس يتربص له ، كي يوقعه في فخاخ هو بعيد عن لعبتها ، الا ان اودنيس فشل في اصطياده بتلك الفخاخ الملعونة ، وان كانت فخاخ شعرية ...
لكنها خبيثة ؟
ولما داهمه المرض اللعين اصر بدر السياب ان يصطحبني معه في علاجه داخل العاصمة البريطانية لندن ، وعلى مضض وافقت على رفقته مكهراً لعدم تحملي مثل هذه الامور التي يكون عبئها كبيراً على اي انسان ..
كانت الطائرة التي اقلتنا من بغداد الى لندن من النوع البويينك 700 القديم وبينما كانت المُظيّفة تقدم لنا الطعام والشراب ، حاول بدر السياب ان يتغزل بها بطريقة مهذبة تدلل على انه خجول لدرجة كبيرة ، فما كان من المُظيّفة الا ان ابتسمت له ابتسامة عريضة اجبرته ان يكتب قصيده جميلة !
وفي لندن كاد السياب ان يفارق الحياة لولا عناية الله التي حمته بذلك اليوم من مرضه الذي كان يعاني منه !
كانت التفاتتي في انقاذه باللحظات الاخيرة بعد ان عرفت ان تنفسه شبه منقطع اسرعت على عجل لغرفة الاطباء ، وجاءوا مسرعين لأنقاذه .
وما ان فاق من الغيبوبة الطويلة طلب مني ان اوضح له الامر .
ولمّا اوضحت الامر له ، انهمر عليه البكاء بطريقة خرافية لم اشهد مثيلا لها عند انسان اخر ، حينها احسست ان هذا الشاعر الكبير والصديق الحميم يحمل في داخله كل احزان الوطن العراق التي كانت تتبلور في دموعه و ما توقفت قط ..
في تلك الساعة عرفت ان الشعر والشاعر هما الحياة والعيش المزمن في الحزن والجوع والمرض والموت الذي لا يرحم الا من الخيبات التي تنتاب الانسان في حياته ، ... وفي طريق العودة من لندن الى الوطن كادت الطائرة تسقط بنا فوق البحر الابيض المتوسط لولا قصيدة السياب" ثعلب الموت" التي قرأها ونحن والركاب في لجة الخوف من وشك السقوط والتي قال فيها :
كم يُمضُّ الفؤاد أن يُصبح الإنسان صَيداً لرميةِ الصيّاد ؟
مثل أيِّ الضبِّاءِ , أيِّ العصافير , ضعيفا
قابعاً في ارتعادة الخوف
يختضُّ ارتياعاً , لأنَّ ظلاَّ مخيفا
يرتمي ثمَّ يرتمي في اتِّئادِ.
ثعلبُ الموت , فارس الموت , عزرائيل يدنو ويشحذ
النَّصْلَ . آه منه آهٍ......
وبعد ان اكمل السياب قصيدته , جميع الركاب اصبحوا في سبات عميق من النوم الامر الذي اضطر عزرائيل ان يعّدل عن قراره ويترك الطائرة تسير بامان الى العاصمة بغداد , هذه الحادثة اذكرها باستمرار في كل موقف حرج أمرُ به ، خاصة عندما اكون على متن طائرة اثناء السفر من دولة الى اخرى ..
وفي ايام السياب الاخيرة فقد اصبح لا يستطيع المشي وليس قادرا على فعل اي شيء سوى ان يكتب الشعر ، وكأنه يثأر من الموت القادم اليه ، هكذا يحس القاريء في شعر بدر السياب حين يقرأه قراءة متأنية وصافية ، فقد ابتعد عني ابتعاداً كلياً واصبح رفيقه الوحيد هو الشعر ، وكان يتحدث اليه الطبيب اثناء علاجه وهو يكتب الشعر ، من دون انقطاع ..
واذكر جيدا في العام 1965 كيف ان انسي الحاج تحدث عن صديقي بدر السياب في ملحق جريدة النهار البيروتية قائلاً عنه :
"انه جاهلي بدوي فولكلوري خرافي انسكلوسكسوني على واقعي هجاء ورثاء مداح بكاء , يسيل به الشعر حتى الموت "
وعندما حدثت السياب عن انسي الحاج وما تحدث به عنه ، ضحك السياب وقال لي بصوت دافيء تسبقه شهقات الموت :
ان انسي الحاج اختصر كل ما يقال عني بهذه الكلمات البسيطة وهو محق بذلك ؟
وتمضي الايام مسرعة وينقل بدر السياب الى المستشفى الاميري بالكويت ليموت هناك , ويستريح من معاناته وآلامه في المرض ، ونأتي به الى بصرته انا وصديقه السبتي لندفنه هناك ، كي يلقي بجسده النحيف على تلك الارض المباركة التي انجبته ، ليثريها بكنوز شعره الذي اصبح مشاعلا تستنير بها الاجيال لتشق
طريقها نحو الحب والموت والانسان ...
والحديث عن السياب اثناء صداقتنا يحتاج له الكثير من الكتب لكي يُدّون بشكل صحيح ، بعيداً عن المجاملات والصداقات لكنني أجلته الى يوم اخر وساعة اخرى وظروف افضل ، خاصة ان حرية الكتابة اصبحت في متناول العراقيين ويعبروا بالطرق التي يرتأوها وعلى الطريقة التي يظنوها تخدم المجتمع والانسان ..
لكن ولكن ولكن
السياب رحمه الله قد وافته المنية في أواخر عام 1965
وانا قد جئت الى الدنيا في أواخر عام 1963
هذا المقال عبارة عن كامرة الثقافة الخفية ، فلا تصدقوه



#هادي_الحسيني (هاشتاغ)       Hadi_Alhussaini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاك ووتر وساحة النسور
- رمضان الذي لم يتفق عليه
- فيزياء كربلاء
- عمار الحكيم دبلوماسياً
- انتربول موفق الربيعي
- سنجار والشاحنات الاربع
- تسيّس النصرالكروي
- في الذكرى الثامنة لرحيل البياتي / الحرية والشعر
- مئذنة الشعر
- كيمياء الفرقة القذرة
- مرثية إلى علي الصغير
- فيزياء النفط والغاز
- فيزياء الفساد !
- مسكينة يا جنائن بابل
- حتى لا يطير الدخان
- حثالات البرلمان العراقي
- شبح الموت مثل امرأة ثكلى
- ايران ورجل البياض
- طوق امني على سامراء
- سامراء مرة اخرى


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - رفقتي مع السياب