|
شهادة أخرى
يعقوب زامل الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2047 - 2007 / 9 / 23 - 09:58
المحور:
الادب والفن
اعتاد قسم كبير من أهالي حي أور على رؤية " أبو ســمية " في ذهابه وايابه من محل عمله الى البيت أو من البيت الى السوق وبالعكس ،تصحبه أبنتة " سمية " ، الصبية التي لم يتجاوز عمرها العشر سنوات . الجميع كانوا يرون " ابو سمية " منحنيا نحو أبنته التي يضع راحة كف على كتفها ، ولكيس الحاجيات كفه الأخرى .. يوشوشان معا . . يمضغان الحلوى .. يبتسمان . كانت لهما أبجدية خاصة بمعرفة الأشياء وتفسيرها . يتعاطانها بكثير من الود والألفة والمرح ، وأحيانا بجدية ، حتى غدت لأبي سمية خارطة موسوعية وهو الضرير للمكان والناس . بات يعرف من خلال " سمية " مكان وجود فلان من المعارف والأصدقاء أو الجيران . وبذكائه الغير عادي كان يتعرف على مسكن فلان ومجلسه أو مجلس مجموعة المعارف في أوقات معينة أمام الدار او بركن معين ليلقي عليه أو عليهم التحية وربما الوقوف للحديث ، وهو المتحدث اللبق الجاد والفكه الشفاف بما تحمله نفسه من كرم ولياقة جملية على أدارة دفة الحديث أو الأستماع اليه . لم تكن سمية بعيدة عن انشاء هذه الموسوعية الأجتماعية التي لاتخلو من تفرد من تناول بعض اطراف الموضوعات السياسية أو الدينية حين يدلي بدلوه فيها . المفارقة في الموضوع ان " أبو سمية " الضرير الذي يعيش ظلمته الأبدية ، قد سمي بعد ولادته بأسم " صباح " الذي لم يره يوما كباقي المبصرين . لكنه وقد تعرف بروحه أهمية ان يصلح ما أفسد من ود بين نفسه وبين الحياة ، ليساهم في عمارتها من خلال مثابرته فيها دون كلل . تعلم منذ نعومة أظافره العمل ومارسه بروح رياضية . فكان يمارس الكدح في مجالاته العديدة بين بيع وشراء ومقايضة ، نسيئة ونقدية ، تجارة عامة شعارها الشرف والخوف من الله . ولما كان قد نشأ بين كنف عائلة عراقية كريمة ومجتمع جنوبي يعزز الكرم والأريحية ، فقد جبل كريما بشكل محرج لمن لا يتقنون فنون شجاعته . ومن خلال ممارسته للعمل وتحديه لضرورات الظلمة القاسية وحاجة الناس لاعادة تعمير ما فسده الدهر من بعض حاجياتهم ، فقد أتقن صناعة اعادة لف شبكة الماطورات لبعض الأجهزة الكهربائية وتصليحها . كانت سمية عونا وعينا وأنيسا لهذا الرجل المكافح . فليس بسبب حاجته اليها ، ولا لكرم متجذر في نفسه، حين كان يخصها بلذيذ المأكل والمكسرات والحلوى وبأطيب العصائر والمثلجات فحسب ، انما لكونها مكملا بيولوجيا ونفسيا في عناده الموتور مع اسباب ظلمته الأبدية ، وخصومته معها . لم تكن وهي الغضة الطرية ، التي تعطلت حاجتها للأقران واللعب معهم ، بعيدة عن أدوات أبيها في صراعه الدؤوب . كانت المنحة البديلةس التي تأخذ بيديه لتلك الأدوات والتي معها كان يتعامل مع خارطة الأشياء ومساراتها الدقيقة . في وقت متأخر من صباح يوم الثلاثاء في الأسبوع الأول من شهر رمضان المحبة والخير من عامنا هذا والشبيه بعام سبقه وفي نفس المكان نفسه تطوحت أجساد متناثرة هنا وهناك .. نسوة وشيوخ وشباب وأطفال صادف وجودهم في السوق الشعبي أو قريبا منه ، فكانت أما مشوهة أو محترقة أو ملتصق بعضها بمكونات الأشياء . وكان توقف السيارة المفخخة المفاجىء في عرض الطريق وشكوك بعض الناس حولها سببا في هلع القريبين الذين تدافعوا باتجاهات متباينة طلبا للنجاة من هول كارثة لم يكن ميقاتها كافيا ليمهل " سمية " مواصلة حياتها انسانا وأنيسا وبصرا لرفيق حياة سقط جريحا نائحا كالنساء على فقدانه لمكملات حياته .
#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكي لا نفاجىءبالموت أيضا
-
قصة قصيرة
-
بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان
-
الفوضى الخلاقة .. لماذا ؟
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
خطوة في الفراغ الجميل
-
لقاء مع الدكتور ميثم الجنابي
-
لقاء مع المناضلة والكاتبة المعروفة سعاد خيري
-
السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
-
لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق
...
-
مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|