أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (11)















المزيد.....


قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (11)


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2043 - 2007 / 9 / 19 - 12:13
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


33
"وتنتصر ثورة 14 تموز" هو عنوان الفصل الثالث عشر من الجزء الثاني من كتاب عزيز سباهي. يتناول الكاتب فيه بشكل وافٍ كيفية قيام منظمة الضباط الأحرار بتنفيذ الخطة العسكرية لإسقاط النظام الملكي وإستلام السلطة، مستغلين مرور اللواء العشرين، الذي يعسكر في جلولاء ـ ديالى، ببغداد وهو في طريقه الى الأردن لإسناد نظام الملك حسين. كان بالإمكان إن تنتقل قيادة اللواء بسهولة الى العقيد الركن عبد السلام عارف وهو من أقرب الضباط للزعيم الركن عبد الكريم قاسم، رئيس اللجنة العليا للضباط الأحرار، الذي يعسكر لواؤه التاسع عشر في منصورية الجبل وبالقرب من اللواء العشرين. واللوءان يعودان للفرقة الثالثة للجيش العراقي. وجاء توقيت التحرك ملائما للخطة بسبب وجود أقطاب الحكم الثلاثة (فيصل وعبد الإله ونوري السعيد) في بغداد، وهذا ما كان يحرص عليه قادة "الإنقلاب". وكانت أهم مشكلة تواجه التحرك هي توفير العتاد، الذي لاتزود به القطعات المارة ببغداد. وقد تم تذليل هذه المشكلة بمساعدة الضابط الشيوعي الملازم الأول رشاد سعيد آمر مخازن السلاح في منصورية الجبل (1).

في الساعة الخامسة من صباح 14 تموز دخل اللواء العشرين بغداد وتوجهت قطعاته كل نحو هدفه المحدد. وسارع الضباط الأحرار في معسكرات بغداد للسيطرة على المعسكرات وإسناد القوات الزاحفة على بغداد. وقبل ذلك بادر اللواء التاسع عشر الذي يقوده عبد الكريم قاسم بإعتقال قائد الفرقة الثالثة غازي الداغستاني في مقره. وعند قصر الرحاب حيث تقيم العائلة المالكة، جرت معركة قصيرة مع القوات العسكرية التي تحمي القصر، وإنتهت المعركة بالقضاء على الملك فيصل وولي العهد عبد الإله وبعض أفراد العائلة المالكة الآخرين. وجرح في هذه المعركة الضابط الشيوعي مصطفى عبد الله، وشارك فيها الضابط الشيوعي عبد الرزاق غصيبة. أما نوري السعيد الذي تمكن من الفرار من بيته، فقد ميزه الناس وهو متنكر بزي إمرأة وقضوا عليه فوراً، في اليوم التالي (2).

وفي الساعة السادسة من صباح نفس اليوم، تلى العقيد الركن عبد السلام عارف بصوته البيان الأول من دار الإذاعة معلناً نهاية الحكم الملكي وقيام الجمهورية العراقية. وفور الإستماع الى هذا النبأ العظيم، سارع الضباط الأحرار الى الأستيلاء على المعسكرات، وإعتقال كبار الضباط وكذلك أي ضابط حاول التحرك ضد "الإنقلاب". وقبرت أهم محاولة تحرك ضد "الإنقلاب" في مهدها وهي محاولة قائد الفرقة الأولى عمر علي ، وقد ساهم في إحباطها الفلاحون بدفع من الشيوعيين، كما سبق الإشارة الى ذلك. وهكذا أسدل الستار على نظام الحكم الملكي الموالي للإستعمار، والذي عانى الشعب منه كثيراً طوال ثلاثة عقود (3).

إنطلقت الجماهير الشعبية في كل مكان وفي جميع أنحاء البلاد،وهي تعلن عن فرحتها بالثورة، وتعبر عن عزمها على إسنادها وحمايتها. وذلك منذ لحظة إعلان البيان الأول في الصباح الباكر، ومع النداءات التي كان يطلقها عبد السلام عارف من الإذاعة لدعم الثورة. لقد إنطلقت الجماهير الشعبية الى الشارع وهي تجمع بين الفرح العارم بالثورة وسخطها على الحكام السابقين. و تظاهرت أعداد غفيرة من العراقيين، وكانت المظاهرات تتعاظم مع كل ساعة تمر على قيام الثورة. وأثار هذا التحرك الجماهيري الهلع والخوف لدى قوى النظام السابق ومؤيديه (4).

ويعلق الباحث بطاطو على ذلك بالقول " كان لخروج مئة الف شخص الى الشوارع، والوحشية التي عبر فيها بعضهم ـ على الأقل ـ عن مشاعره، وزن كبير في تحديد النتيجة التاريخية لذلك اليوم المصيري... فقد عرقلت هذه الحركة أي أعمال مضادة معادية ممكنة لسدها الشواع والجسور، لا في بغداد فحسب بل في مدن أخرى أيضاً. والأهم من هذا هو أنه كان للجماهير، بفضل عنفها، تأثير نفسي هائل، إذ إنها زرعت الرعب في قلوب مؤيدي الملكية وأسهمت في شل إرادتهم، وأعطت الإنقلاب طابع العمل الذي لا سبيل الى مقاومته، وهو ما شكل الحصن الحصين له" (5) .

أما الدوائر الإستعمارية والدوائر الرجعية الحاكمة في المنطقة التي تتعاون وإياها، فقد هالها سقوط النظام الملكي في العراق، الذي كانت تعتبره إحدى الركائز الأساسية في المشاريع الإمبريالية. وشرعت هذه القوى بالتحرك ضد الثورة. فقد سارعت الولايات المتحدة إلى إنزال قواتها في لبنان، وكذلك بادرت بريطانيا الى إنزال مظييها في الأردن. ولم تتمكن هذه الدول أن تتدخل عسكريا لإعادة العجلة الى الوراء لعدم توفر قاعدة لثورة الردة. ويعود الفضل في ذلك بالدرجة الرئيسية إلى ذلك الحصن الحصين من الجماهير الذي أشار اليه بطاطو.

يقول سباهي: "كانت الدوائر الإستعمارية تدخل في حساباتها السبل الأجدى للتعامل مع الثورة حفاظاً على مصالحها من جانب، كما كانت تأخذ في الحسبان توازنات القوى الدولية وما يمكن أن تجره تحركاتها من ردود أفعال دولية، تشجعها في ذلك اللغة المرنة والمعتدلة التى صيغت بها بيانات الثورة الأولى، وتأكيدها الإيجابي على التعامل مع جميع الدول وفقاً للمصالح المشتركة من جانب آخر"(6). ما يشير إليه سباهي هو عين الصواب، ولكنني أعتقد بأن كل ذلك يأتي بعد السبب الرئيسي (الحصن الحصين) الذي سبق وأن ذكرته آنفاً، والذي غيّر طبيعة الحدث الى ثورة شعبية. وكان لابد وان تكون لهذه المساهمة الشعبية إستحقاقاتها، التي تحولت لاحقاً الى إنجازات أثرت بعمق على مصائر طبقات إجتماعية بأسرها.

ويشير سباهي الى أن الثورة بصفتها حلا للتناقضات الأساسية التي تأصلت في المجتمع العراقي، كانت تؤلف موضوعياً جزءاً من الثورة العالمية ضد الإمبريالية وجزءاً من حركة التحرر العربية. لهذا السبب، كانت الجمهورية العربية المتحدة أول دولة تعترف بالجمهورية العراقية بعد ست ساعات من ولادتها، وبعد ثلاث ساعات من إعتراف الجمهورية العراقية بها. وسارع الإتحاد السوفيتي من جانبه الى الإعتراف بالجمهورية العراقية والى دعمها بأشكال مختلفة. فقد رد الإتحاد السوفييتي بحزم على تهديدات تركية ودول حلف بغداد والإنزال الأمريكي والبريطاني في لبنان والأردن على التوالي. وأعلن عن إجراء مناورات عسكرية ضخمة بالسلاح الحي على الحدود البلغارية ـ التركية وفي القفقاس، محذراً تلك الدول من مغبة أي عدوان يشن على العراق (7).

ويقول عزيز سباهي في الصفحة 269 من الجزء الثاني، وهو محق في ذلك، ما يلي: " وإذ نشير الى عظمة الثورة، والتي بدت جلية منذ لحظة إنطلاقها، والأثر المباشر الذي أحدثته في ساعاتها الأولى، داخلياً وإقليمياً وعالمياً، لا ينبغي أن ننسى أن هذه الثورة ومنذ لحظة إنطلاقها أيضاً، قد حملت معها عوامل ضعفها الأساسية، والتى ستدفع بها لاحقاً الى هلاكها، وضياع الكثير من منجزاتها، وما كانت مؤهلة لتحقيقها لو سارت في طريق قويم. في رأس هذه العوامل كون الدكتاتورية كانت كامنة في صلب الحكم الثوري الجديد، ومنذ لحظة ولادته".

34

"الحزب الشيوعي العراقي يستقبل الثورة" هذا هو عنوان الفصل الرابع عشر من الجزء الثاني من كتاب عزيز سباهي. يفيدنا الكاتب سباهي بأنه في مساء العاشر من تموز بلغ رشيد مطلك (حلقة الوصل بين الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم) الحزب بنبأ إستعداد الضباط الأحرار للزحف صوب بغداد وإعلان الثورة. فبادر سكرتير اللجنة المركزية، سلام عادل وعضو المكتب السياسي جمال الحيدري، الى إجراء تبليغات عاجلة في 12 تموز الى أعضاء اللجنة المركزية والكادر الأساسي في بغداد، مبلغان إياهم بأن عملا خطيراً قد يطرأ مما يتطلب دعم الحزب الشيوعي ومؤيديه والجماهير عامة... وزُود جميع الكادر الأساسي بتوجيه خاص خال من التوقيع ومؤرخ في 12 تموز. وقد وزع هذا التوجيه على الكادر الأساسي في جميع منظمات الحزب. ولأهمية هذه الوثيقة التاريخية أدرجها سباهي بنصها في الكتاب وبدورنا نعيد نشرها كاملة لنفس السبب.


توجيه عام

نظراً للأوضاع السياسية المتأزمة، الداخلية والعربية، ووجود إحتمالات تطورها بين آونة وأخرى.. بغية ضمان وحدة النشاط السياسي في منظماتنا الحزبية في الظروف الطارئة أو المعقدة نرى من الضروري التأكيد في الوقت الحاضر على أن شعارتنا الأساسية هي :
1. الخروج من ميثاق بغداد، وإلغاء الإتفاقية الثنائية مع بريطانيا والوقوف ضد مبدأ آيزنهاور.
2. إطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب (حرية التنظيم الحزبي والنقابي وحرية النشر والإجتماع ...الخ) وإعلان العفو العام عن المحكومين السياسيين وإطلاق سراحهم، وإلغاء المراسيم والقوانين الدستورية التي تستهدف ضرب الحركة الوطنية.
3. إتخاذ التدابير الفعالة لحماية ثروتنا الوطنية وإقتصادنا الوطني والعمل على حل المشاكل المعيشية لجماهير الشعب.
4. قيام حكومة تنتهج سياسة وطنية عربية مستقلة تدعم نضال الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية وتخدم السلم... وتحول "الإتحاد العربي الى إتحاد حقيقي بين الأردن والعراق يضمن مصالح شعبنا ويخدم النضال ضد الإستعمار والصهيونية، ومن أجل الوحدة العربية، وإقامة إتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة.

ونرى من المناسب التأكيد على: (1) ضرورة تجنب إبراز شعارات مبهمة أو متطرفة أو تلك التي تمجد هذا الزعيم أوذاك من قيادة الحركة الوطنية أو العربية على حساب طمس شعاراتنا الأساسية، والتقليل من شأن نضال الجماهير الشعبية والجبهة الوطنية. (2) ضرورة إبداء اليقظة السياسية العالية تجاه مختلف المناورات والمؤامرات وتجاه نشاط عملاء الإستعمار، والعمل بحزم وأمانة تامة لسياسة الحزب. وإعتبار أن واجبنا الأساسي في كل الظروف هو تعبئة أوسع الجماهير الشعبية ولفها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعينة، حول الشعارات الكبرى في حركتنا الوطنية الديمقراطية.

12 تموز 1958 (8)

التأكيد رقم واحد في الفقرة الأخيرة ينم عن قابلية التنبؤ بمسار الأحداث وإحتمالاتها. ويعلق بطاطو الذي أورد التوجيه موضحاً إستحقاق إيراده نصاً في كتابه بقوله: " ليس فقط لأنه حدد المواقف الأساسية عشية الإنقلاب، بل أيضاً لأنه ينظر الى ما بعد 14 تموز (يونيو) وينذر بالنزاع المأساوي القومي ـ الشيوعي الذي كان له أن يأتي" (9).

وقد أسهم الشيوعيون العسكريون، كما يذكر سباهي في الصفحة 276 من الجزء الثاني، ولا سيما الضباط منهم، بكل ما يملكون من قوة لدعم الثورة. وكان للضباط الشيوعيين في بعض المواقع دور متميز وحاسم. ويشار هنا بوجه خاص الى مساهمة الرئيس سعيد مطر في الإستيلاء على معسكر الرشيد وإعتقال رفيق عارف، رئيس أركان الجيش. كما يشار أيضاً الى دور الملازم الأول رشاد سعيد في توفير العتاد للواء العشرين الزاحف الى بغداد. إضافة الى مساهمات الرئيس مصطفى عبد الله وستار العبوسي وعبد الرزاق غصيبة في الإستيلاء على قصر الرحاب. وذكر الكاتب وقوف الرئيس جواد كاظم التعيسي والملازم الأول إحسان البياتي والرئيس الأول كاظم عبد الكريم وطارق درويش في وجه تمرد عمر علي قائد الفرقة الأولى في الديواتية. والدور الذي لعبه العقيد إبراهيم الجبوري في تنظيم ميليشيا محلية مسلحة في الناصرية للسيطرة على المدينة، بعد أن تردد العقيد رشيد مصلح في تأييد الثورة إثر تمرد عمر علي. يضاف الى ذلك الدور البطولي الذي قام به قاسم أمين الجنابي بإعتقاله قائد الفرقة الثالثة بعد البيان الأول مباشرة، حسب رواية ثابت العاني (10) .

ولولا إعتقال عدد من قادة التنظيم العسكري الشيوعي يوم 12 تموز، في حادث لا علاقة له بخطة الإنقلاب، و بينهم الرئيس فاضل البياتي والمحامي حمزة السلمان العضو المرشح للجنة المركزية وأحد العاملين البارزين في الحقل العسكري، لكانت مساهمة الشيوعيين اكبر. فقد سبب إعتقالهما تعذر إبلاغ الشيوعيين العسكريين الذين يرتبطون بهما، فلم يتمكنوا من المساهمة إلا بعد سماع البيان الأول من الإذاعة. بيد أن مساهمة الحزب الشيوعي في تعبئة وتحريك المظاهرات الجماهيرية يوم الثورة هي الأهم والأكبر.

35

أما على الصعيد الرسمي فإن أول عمل قام به الحزب في صباح ذلك اليوم المشهود هو إرسال برقية الى مجلس السيادة والى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، سلمها سلام عادل بنفسه في بريد الأعظمية وهذا نصها:

بغداد ـ مجلس السيادة للجمهورية العراقية
رئيس مجلس الوزراء السيد عبد الكريم قاسم

نهنئكم من صميم قلوبنا على خطواتكم المباركة التي وضعت نهاية حاسمة لعهد طويل من المآسي والمحن التي قاسى منها شعبنا المجاهد النبيل على يد الإستعمار وأعوان الإستعمار.

إننا نعبر عن تفاؤلنا بأن هذه الخطوة الحاسمة ستكون فاتحة عهد جديد، عهد حرية وتطور عراقنا الحبيب، وتبوء شعبنا البطل مركزه في الموكب الظافر، موكب العروبة المتحررة الناهضة المحبة للسلام، وموكب الإنسانية العامل من أجل تحررها الى الأبد من أنيار الإضطهاد والإستعمار.

إن شعبنا العراقي، بعربه وأكراده، سيسجل لكم بفخر جرأتكم وتفانيكم من أجل تحقيق أهدافه الوطنية الكبرى، وهو يحي ويصون بدمائه الغالية جمهوريته الوطنية الفتية. وإنه لعلى ثقة كبرى من قدرته على القيام بهذا الواجب المقدس، ومن مساندة القوى التحررية العربية في جميع ديارها وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة، ومن قوى الحرية والسلام في جميع أنحاء العالم وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي.

إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي تضع قوى الحزب الى جانب مؤازرتكم للدفاع عن جمهوريتنا البطلة.

سلام عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (11)

وأردف الحزب الشيوعي برقيته هذه ببيان وجهه الى الشعب العراقي قيًم فيه الثورة وقال إنها "حدث تاريخي جليل جدير بالترحاب العظيم والتأييد الواعي الذي قابلته به جماهير الشعب وقواه الوطنية". وطرح الحزب في هذا البيان المطالب المتعلقة بالسياسة الخارجية والعربية التي ينبغي إتباعها والواردة في التوجيه العام الذي صدر عشية الثورة. ودعا البيان الى إتباع سياسة صارمة تجاه كافة الخونة وعملاء الإستعمار وتطهير جهاز الدولة منهم... ثم خاطب البيان جماهير الشعب، مذكراً إياها بضرورة اليقظة ودعاها الى تأليف لجان الدفاع عن الجمهورية وتنظيم فصائل المقاومة... وذكر البيان بأن الشيوعيين يعاهدون الشعب على شرف النضال مع سائر القوى الوطنية من أجل تحقيق الأهداف التي قامت الجمهورية من أجلها.

وبعد ساعات من إعلان الثورة، أصدر المكتب السياسي توجيهات مستعجلة الى منظمات الحزب يدعوها الى إرسال البرقيات المؤيدة لقيام الثورة، والتأكيد على الجبهة والإتحاد الفيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة. ودعا الحزب الى تنظيم مظاهرات تحمل شعاراتنا، وتشكيل لجان الدفاع عن الجمهورية. ونبّه الحزب المنظمات الى اليقظة وعدم زج الكوادر المختفية في النشاطات العلنية، والمحافظة على سرية المنظمات. وأكد على تنظيم الجماهير العمالية والفلاحية (12).

وكان لهذه التوجيهات أثر فعال وكبير لإطلاق طاقات الجماهير وإنتشار شعارات الحزب، حيث إمتلأت ساحات بغداد وشوارعها بشعاراته . وقد كان ذلك موضع غضب وإحتجاج زعيم البرجوازية الوطنية كامل الجادرجي، وقد عبر عن غضبه أمام ممثل الحزب الشيوعي العراقي عزيز الشيخ (13) .

في اليوم الثاني للثورة بعث الحزب الى رئيس الحكومة الزعيم عبد الكريم قاسم، مذكرة ضافية بإسم اللجنة المركزية، ضمنها ملاحظاته حول مسار الثورة في يومها الأول وتوجهات الحكم عامة كما بدت في ساعاتها الأولى. وتناولت المذكرة بالبحث ثلاثة أمور وهي : أ) الدعوة للهدوء والسكينة. ب) عدم إستفزاز الإستعمار. ج) ووجهة وسائل الدعاية والإعلام الحكومية. وعبر الحزب عن إعتقاده بأن أخذ ملاحظاته، الواردة في المذكرة، التي تستهدف صيانة الجمهورية، بنظر الإعتبار، يقتضي :

أولاً ــ سياسة وطنية واضحة وحازمة. وهذا يستوجب في الظرف الراهن إعلان إنسحاب العراق فوراً من ميثاق بغداد، وإلغاء الإتفاقية الثنائية مع بريطانيا، وإعلان الإتحاد الفيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة واليمن، وإعادة النظر في علاقات العراق الخارجية على أساس مستقل، وتبادل التمثيل السياسي مع الإتحاد السوفيتي والبلدان الإشتراكية الصديقة والوفية في الملمات.

ثانياً ــ سياسة تعتمد على الثقة بالشعب وعلى يقظته ووعيه وطاقاته الخلاقة وهذا يقتضي إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتشجيع قيام اللجان الشعبية للدفاع عن الجمهورية وتكوين فصائل المقاومة الشعبية وتسليحها حالا...الخ

ثالثاً ــ فرض رقابة سريعة وحازمة على مؤسسات شركات النفط والبنوك والموانئ والمخازن والمؤسسات الإقتصادية الكبرى... الخ

رابعاً ــ إن تجربة اليوم الأول من قيام الجمهورية تؤكد على ضرورة إتخاذ تدابير سريعة أيضاً في نطاق التوجيه والإذاعة بما يضمن تعبيرها تعبيراً صحيحا عن أهداف الحركة ومحتواها الوطني الديمقراطي. وتجنب كل ما من شأنه فتح ثغرات في صفوف الشعب. وقد لاحظنا خلال اليوم الأول تجاهلاً صارخاً للشعب الكردي وموقفاً متعسفاً من عشرات ومئات البرقيات التأييدية بسبب من طابعها الوطني الديمقراطي. إننا نعتقد بالأهمية الكبيرة لتسليم جهاز الدعاية والإذاعة الى أيد وطنية ديمقراطية تحسن التعبير عن إرادة حركتكم المباركة...الخ (14).

ويتساءل سباهي قبل إيراد نص المذكرة قائلاً: "هل قصد الحزب منها (المذكرة) أن يوقف البرجوازية الوطنية عند حدها وهي في أولى خطواتها في توجيه السلطة؟ هل أخذ في الحسبان ردة الفعل لدى عسكريين ما زالوا في نشوة النصر ويتمتعون بمزاج خاص؟ ثم هل كان على دراية بمزاجهم فعلا، أم كان يريد منها جس نبض هؤلاء؟" (15) .

لا أشاطر سباهي تساؤلاته لأن المطاليب المطروحة في المذكرة هي من ميثاق جبهة الإتحاد الوطني وبرنامج الضباط الأحرار، إضلفة الى أنها من متطلبات صيانة الثورة ومنسجمة مع مصالح البرجوازية الوطنية التي إستلمت السلطة، ولم تستهف المذكرة إيقاف هذه البرجوازية عند حدها بقدر ما تستهدف شل تذبذبها ودفعها الى الأمام نحو تحقيق الخطوات الأكثر الحاحاً في المرحلة الوطنية الديمقراطية. ولم يكن من بين المطالب أي مطلب تعجيزي. وإن أموراً مصيرية كهذه لا ينبغي أن تخضع لمدى إنسجامها أو عدم إنسجامها مع مزاج هذا أو ذاك من قادة الثورة. لقد كان الحزب على معرفة، منذ اليوم الأول للثورة، بوجود نزعتين في القيادة، إحداهما قومية يمينية والثانية وطنية ديمقراطية، وإن المطالب الواردة في المذكرة من شأنها أن تبّصر قادة النزعة الثانية بالطريق الصحيح، وتحاصر وتضغط على النزعة الأولى. وكان للمذكرة نتائج إيجابية. ويشير الى هذه النتائج سباهي نفسه بعد أن يورد نص المذكرة بقوله: " سارعت حكومة الثورة الى إتخاذ عدد من الإجراءات ذات علاقة بما ورد في مذكرة الحزب. وسواء كانت هذه الإجراءات قد جاءت رداً على المذكرة أو أن الحكومة قد إتخذتها بمبادرة منها، فإن عديد منها قد تطابق مع ما ينشده الحزب، بينما جاء بعضها الآخر مغايراً لما كان يريد". ويذكر سباهي كل ذلك بالتفصيل في الصفحة 285.
________________________________________
(1) راجع سباهي مصدر سابق، ص257 ـ 259.
(2) راجع سباهي مصدر سابق، ص259 ـ 261.
(3) راجع سباهي مصدر سابق، ص260.
(4) راجع سباهي مصدر سابق، ص262.
(5) بطاطو. مصدر سابق، ص115.
(6) سباهي مصدر سابق، ص264.
(7) راجع سباهي مصدر سابق، ص266 وما يليها.
(8) راجع سباهي مصدر سابق، ص273 ـ 275.
(9) بطاطو مصدر سابق، ص113
(10) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص211.. راجع كذلك سباهي مصدر سابق، ص278.
(11) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص214
(12) راجع سباهي مصدر سابق، ص289 وما يليها. راجع كذلك ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص217.
(13) راجع زكي خيري. "صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم"، ص183. ويذكر خيري هنا بأن الجادرجي قد أطلق سراحه من السجن في نفس يوم ثورة 14 تموز. وهذا غير صحيح، فقد أطلق سراحه في آذار 1958. وزاره في الشهر المذكور للتهنئة وفد، من خمسة طلاب، يمثل منظمات الحزب الشيوعي العراقي في كليات بغداد، فلم تكن جامعة بغداد قد أنشئت بعدُ، من بينهم هايك صاموئيليان وعادل حبه. وأفاد الأخير بهذه المعلومة.
(14) راجع سباهي مصدر سابق، ص281 ـ 284. وقد أورد نص المذكرة. راجع كذلك ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص218 ـ 220.
(15) سباهي مصدر سابق، ص280.

يتبع



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
- هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
- حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
- كتاب - لحقيقة كما عشتها
- التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- رسائل عزيزة
- نبذة مختصرة عن مدينة كربلاء


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (11)