أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - احلام















المزيد.....

احلام


خالد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2043 - 2007 / 9 / 19 - 05:01
المحور: الادب والفن
    



الكلب الخشبي

الريح المحمّلة بالغبار والحصى والزيزان الميّتة تهبّ من جهة مدينة دير الزّورعلى ضفاف الفرات وتصفع زجاج نوافذ الحافلة التي تحملنا في دروب الجبال الوعرة الى مكان لا أستطيع تحديده، في مهمّة غامضة، في زمن غريب يقع بعد العصر بقليل وقبل الفجر بقليل.
كأنّنا ذاهبون الى حفل زفاف: قرويات بأثواب مزركشة، كهول بلحى بيضاء طويلة وقبّعات صوفيّة يزدردون بلثّات حافية صفائح قمرالدّين، أطفال من مختلف الأعمار دون السادسة وفتيات بالزيّ المدرسيّ الأزرق. وشابّة (تزعم أنّها ملكة جمال الجزائر) بثوب زفافها تقف خلف السائق وترجوه بإصرار أن يسمح لها بقيادة الحافلة قليلاً.
الحافلة تسير في طريق يحاذي شاطئ الفرات. تتوقّف من حين لآخر، يترجّل منها راكب، اثنان أو ثلاثة، يخطون على الرمل المبلّل مهمومين مغتمّين، وما ان تلامس أقدامهم ماء النهر حتّى يعلقون في شباك جنود الاسكندر المكدوني المرابطين على الضفّة الأخرى لاصطياد رجال يعزّزون بهم صفوف جيشهم الّذي ينوي السيطرة على هذه الربوع قبل مغيب الشمس.
تنعطف الحافلة المهلهلة عن طريق الشاطئ وتصعد وئيدا دروب الجبال الخاوية فتلاحقها الرّيح محمّلة بالأتربة والزيزان النافقة، ويطاردها فرسان الأسكندر على خيول وعربات تجرّها خيول ويتلقّفون كلّ ما وكلّ من يفلت من الحافلة.
أنا في الحافلة؛ أشغل مقعدين في آن واحد: أجلس في المقعد الأماميّ المحاذي لمقعد العروس/ ملكة جمال الجزائر الّتي كفّت عن إلحاحها على قيادة السيّارة، وأراني، كلّما التفتّ الى الخلف جالسا في المقعد الأخير بين كهلين مجوسيّين متشابهين تماما، بمعطفين من كتّان أسود وعمامتين خضراوين يبرز منهما قرنان ملفوفان بشرائط من حرير أصفر. أسأل من على يميني عن الوقت فيجيبني من على يساري ويداه تتحسّسان دجاجاً حيّاً مكدّساً في سلّة من القصب بين ساقيه. يتناول من السلّة حجري صوّان (ساعته!) يقدح بهما ثلاث شرارات، يعيد حجريه الى السلّة، يعتدل في جلسته ويجيب على سؤالي بمقطع من قصيدة لشاعر يونانيّ:
"قالوا لنا ستنتصرون حين تنكسرون
أنكسرنا، فوجدنا رمادا
قالوا لنا ستنتصرون حين تحبّون
أحببنا، فوجدنا رمادا
قالوا لنا ستنتصرون حين تموتون
متنا، فوجدنا رمادا.
وجدنا رمادا، وعلينا أن نجد حياتنا من جديد. الآن، حيث لا نملك شيئا غير قناعتنا بأن ذاك الذي سيبدأ حياته من جديد سيكون مثلنا، ولكن بذكريات أكثر قسوة".
الممرّ الضيّق بين مقاعد الحافلة يتحوّل الى سوق قديم مسقوف تعجّ حوانيته بالحصر والعطور والخضار والتوابل والأواني الخزفيّة والزيت والحرير والفواكه الجفّفة. لا أحد سواي في هذا المكان والسكون يطغي على كل شيء تخدشه أنّات جرو مخنوق تنبعث من احدى السلال الملأى بالبصل المعروضة على الرصيف. أمعن النظر في رؤوس البصل المكدّسة في السلال مفتّشا عن مصدر الأنين فتستوقفني سلّة تتململ رؤوس البصل فيها. أهزّ السلّة بقدمي فيطلع منها الجرو نابحا ومتحفّزا للانقضاض عليّ. تسري في جسدي قشعريرة خوف. وحين يشتدّ نباحه أتجاسر عليه، أقبض على عنقه فيتحوّل في يدي الى كلب خشبيّ أخضر حول عنقه خطّ أحمر. أطرح القطعة الخشبية على الأرض فتدبّ الحياة فيها وتعود كلباً نابحا بعنق مذبوح ينزف. أمسك به فيتحوّل من جديد الى قطعة خشب صامتة بلهاء أبقي أصابعي مشدودة عليها.




































يوم القيامة

تغيّب معلم فيزياء الصفّ الثامن فجاءنا مدير المدرسة بمدرّس بديل هو أبوعزيز السمكري الذي يعمل ويعيش في مشغله الكائن في أطراف الحيّ منذ هجرته امرأته المتصابية الحرون.
دخل أبوعزيز، الأسمر الستّيني النحيل غرفة الصفّ بساقه الوحيدة يتوكأ على عكّازة تحت ابطه الأيسر ويحمل بيده اليمنى حقيبة معدنية ثقيلة احتوت على كرات نحاسية باحجام مختلفة وأجهزة مخبرية أخرى نضّدها بعناية على الطاولة، ثم أخرج صورة كبيره ل " لافوازية" وعلقها على الجدار. ابتسم له المدير ورفع ابهامه تعبيرا عن الرضى وغادر. تصفّح ابوعزيز كتاب الفيزياء وقال:
"سنتحدث اليوم عن يوم القيامة".
ركن عكّازه جانبا وانتصب على ساقه الوحيدة امام السبّورة، اغمض عينيه الصغيرتين هنيهة، تمتم بكلمات مبهمة ثم فتح عينيه وسأل مبتسما:
"من منكم يعرف الجواب؟".
إشرأبّت أصابع بعض التلاميذ بصخب وابتهاج وصاح أحدهم:
"شجرة الكرز!".
"صحيح"، هتف المعلم وصفّق التلاميذ.
أغمض ابوعزيز عينيه ثانية، تمتم بالأحجية التالية وحين فتح عينيه كانت الأصابع مرفوعة. أشار الى أحدهم فأجاب:
"تاج الملك".
"لا، ولكنّك اقتربت من الاجابة الصحيحة"، قال المعلم وأوعز لتلميذ آخر فأجابه:
"توت السياج!".
أهتاج أبوعزيز للإجابه الخاطئة وأخذ يصرخ:
"غلط، غلط، غلط.".
إكفهرّ الجوّ وساد الوجوم وتحوّلت اللعبة المرحة الى نكد. كان أبوعزيز ما زال غاضبا حين إختار اعتباطيا أحد التلاميذ قائلا بحزم:
"أجب أنت!".
وقف التلميذ المشار اليه مرتبكا وأجاب بصوت خفيض بعد تردّد:
"شيخ غاضب في طريقه الى الكنيسة!".
أبهجت الاجابة المعلّم فهتف بحبور:
"صح!".
ثم إستدار الى السبورة يكرز على ساقه وكتب بخط منمّق:
"يوم القيامة تختلط الأناشيد".
سمع طرق خفيف على الباب الذي فتح ودلف منه الآذن واجما حزينا يتأبّط كومة من الأوراق. دنا من كرسيّ المعلّم صامتا جادّا وجلس عليه دون استئذان. وضع الأوراق على الطاولة وأخذ ينادي التلاميذ بأسمائهم الثلاثيّة حسب ترتيبها في دفتر التفقّد:
ابراهيم عبدالهادي أبوهاشم
ابراهيم نايف فيّاض
أحمد محمد أبوحميدة
اسماعيل محمود عبّاس
اسماعيل محمود عزّام
حسن محمد السعدي
حسين منصور سالم
خالد أحمد درويش
خليل علي بستوني
ويسلّمهم واحدا تلو الآخر خاصّتهم من الأوراق المكدّسة بين يديه. ولم تكن تلك الأوراق سوى نعوات للمدير الذي مات في مكتبه للتوّ؛ واعلان عن انّ جنازته ستنطلق بعد ظهر اليوم من الجامع الشمالي.
عند الباب الخشبي لبيت المدير المكوّن من غرفة واحدة مبنيّة من طين كان الناس محتشدين؛ الكبار يدخنون مكفهرين والنساء يبكين ويثرثرون والصغار يحاولون الوصول الى الباب للنظر عبر شقوقه وثقوبه الى الجثة العارية المسجاة على طاولة غسل الموتى ثمّ ينكفئون خائفين ليفسحوا في المجال لغيرهم. دفعني الفضول لأرى ما يرون، زاحمت فوصلت الباب وعبر ثقب في الخشب المهتري رأيت فردوس أرملة المرحوم الفاتنة، رأيتها تستحم في جرن واسع قدّ من صخر بماء تغرفه من صفيحة تمزج فيها الماء الساخن بالماء البارد وتسكبه على شعرها الكستنائي فتنساب القطرات على الكتفين والنهدين والبطن والساقين لتستقر في الجرن. سمّرني المشهد بخشب الباب وأيقظ فيّ خرير الماء المتدفق على جسد فردوس المتناسق الأبيض البضّ أحاسيس لم يألفها جسدي الصغير بعد. شعرت بيد أمي تنأى بي عن مشهد الموت فإحتل مكاني غيري. وكان الصبية يتناوبون على الباب للتفرّج على طقوس غسل الجثّة وتعطيرها بالحناء وتكفينها بعد ملء المحجرين والفم والعانة بالقطن المملح. أفلتّ من رقابة أمي وزاحمت من كان بالباب من الأولاد ورحت أحدّق في جسد فردوس التي تنبّهت لخرخشات الباب الذي ناء بفضول الصغار فتوتّرت وسترت جسدها بمئزر أزرق و هرعت حانفة تفتح الباب وهي تشتم أولاد الحارة الذين تفرّقوا سريعا وإختبأوا وراء الأبواب وعلى أغصان شجرة التّوت العالية .
هربت من زوبعة غضب فردوس الى سور قريب أستعيض عن بعضه المنهار بشجيرات بلّان جافة وأخذت أراقب بحذر ومهابة الرجال وهم يخرجون بنعش المدير عبر الباب فتتلقّفه الأكتاف وتمضي الجنازة عبر الزقاق الضيق الى الشارع، الى المسجد، الى المقبرة.
لم يبق سواي هنا، أنا وشقوق الباب الخشبي المغلق على الماء الذي يغسل جسد فردوس. حبست أنفاسي وخطوت بتؤدة الى الباب. كانت زهرات رغبتي تتفتّح عميقا في جسدي وتتعرّى من تويجاتها ورقة ورقة. وقفت بالباب أحدّق في شقوقه كحطّاب على مشارف الغابة في مساء الخريف. فضحتي لهاثي فتحوّلت رغبتي الى ما يشبه الخوف. قرّرت الهروب ولكنها، ياإلهي، إستدارت نحوي وإبتسمت. كان الهباب يتصاعد من جسدها فتهبّ في جسدي نسائم النشوة. أخذت أخرمش خشب الباب بأصبعي وأطرق طرقات خفيفة وخجولة فانفرجت ابتسامتها وراحت تداعب ثديها كمن يحنو على قطّة أليفة. صعّدت جلبتي فتحوّلت إبتسامتها الى قهقهات تنذر بشرّ وشيك فهربت الى المقبرة.
كان الرجال يهيلون التراب على الجثة الممدّدة في لحدها. لمحت غياث زميل صفّي الكسول الذي عاقبه المعلّم يوم أمس بالضرب لأنّه لم يكن يعرف جواب (8×6). وحين رآني أتاني في طريق متعرجة بين القبور، شبك ذراعي بذراعه وانتحى بي جانبا ليبوح لي بسرّ شريطة كتمانه. ولمّا أقسمت له بالله وبكسرة الخبز الّتي أخرجها من جيب سرواله الفضفاض على كتمان سرّه قال:
"أنا أحبّ فاطمة، وفاطمة تحبّني!".
كان على غياث أن يقطع ريبتي بحجّة دامغة. تقيأ في راحة كفّه مضغة من لحم أحمر، غسلها ببصاقه من الدم والقيح والبلغم لتتّضح حروف اسم فردوس منقوشة عليه بجراح ما زالت تنزف. لقد خدعني غياث. ألمّت بي غيرة حانقة وهجمت عليه فأفلت منّي ضاحكا بعد أن ضحك عليّ. ابتلع قلبه وراح يناور. حاولت الإمساك فلم أفلح إذ كان يتملّص منّي بمهارة عجزت ازاءها فأخذت أردّد شامتا:
"8×6، 8×6، 8×6...".
تضايق غياث مني، من 8×6 بالتحديد ووعدني، مقابل صمتي أن يبوح لي بسرّه الحقيقي فتغاضيت عن غيرتي وتبعت خطواته المتعثّرة على الأرض الصعبة بين الصخور وشواهد القبور. عرفت أننا نمشي الى المغارة التي تفضي الى داخل قبر المدير، وعرفت أن القيامة ستندلع هناك حال وصولنا.
تردّدت عند أوّل المغارة واستمرّ غياث في النزول بجسارة، ثمّ تبعته مدفوعا بنشوة البحث عن القيامة واضعا قدميّ في التجاويف وعلى النتوءات التي تتركها أقدامه، كان غياث يطأ الشقوق التي بنت فيها العصافير أعشاشها، ويهتدي في الظلام بدراية أكتسبها من تجربته الطويلة في تسلق الآبار والمغر والأودية بحثا عن الطيور والحرادين والمرح.
ناداني غياث من قاع المغارة حيث بلغ مشارف سرّه الكبير بهتاف مفعم بالحبور. ارتعشت جدران المغارة، اهتزّت الأرض وهبطت بنا دفعة واحدة الى واد سحيق. أخذت القبور من حولنا تتفجّر فينتثر التراب ويتطاير الحصى وتطلع منها هياكل عظمية بسيقان مربوطة ببالونات ملونة كتبت عليها بيانات عن حامليها. انتشرت الهياكل بين الأحياء تتفرّس في وجوههم بحثا عن معارفها، فيما راح الأحياء يتهجّون بيانات الموتى بحثا عن أقربائهم الغائبين. في الوادي الذي هبطت اليه الأرض كان الأحياء والموتى يتسامرون متّكئين على العشب ينتظرون وصول جرّة بمقاعد شاغرة من تلك الجرار الكبيرة المتدحرجة من القمة الى المدفن المنبوش. كانت الجرار الهائلة تصل محملّة بركّاب من شتّى الجنسيّات والأنواع والألوان، يترجّل بعضهم، يغسلون وجوههم وأرجلهم بالماء، يمسحون المكان بنظرات بلهاء ثمّ يعودون الى جرارهم لتتدحرج بهم الى قيعان أخرى.
رغبت في الذهاب الى تلك القيعان فأخذني غياث سيراً على الأقدام. مشينا على أرض بنفسجية طريّة تحت سماء بنفسجيّة بتدرّج أقل. لم يكن ثمة رغبات ولا آلام. فجأة حلّقت االجرار فوقنا كطيور خرافيّة. قال غياث:
"الجرار تتدفّق!".
صحّحت له:
"الجرار تحلّق".
توقّف غياث، نظر في عينيّ مبتسما وتمتم بتحدّ واضح:
"تتدفّق!".
سئمت منه ومن مناكفته، تذكّرت قلبه المجروح باسم فردوس فصرخت في وجهه محتدّا: "الجرار تحلّق يا تيس، يا حمار، يا جاهل. تحلّق يا 8×6 !".





حليب، ماء، حليب...

ذهبت بي أمي الى عيادة "الأنروا". عاينني الطبيب بوضع مجسّ سمّاعته البارد على صدري وكنت أخشى ًمن أن يرسلني إلى غرفة الآنسة ماري التي كانت تحقن مؤخرات المرضى وراء الباب الموارب بابر غليظة موجعة. لم يرسلني الطبيب الى الآنسة ماري ولكنّه قال لأمي:
"حمّى، حمّى، إنّه مصاب بحمّى من نوع خاص. لا يحتاج الى دواء؛ عليه فقط أن يتفادى الماء. لا بأس عليه إن لم يمسّه الماء، قطرة ماء واحدة على جسمه تميته!".
من عيادة الطبيب الى المدرسة، الى غرفة الصفّ الصاخبة بجلبة التلاميذ في انتظار دخول المعلّم. كنت جالسا على مقعدي مغتمّا حين جاءني غياث، أقلّ التلاميذ كفاءة وأكثرهم شغبا بكوب من الحليب وهمس مازحاً:
"سأحوّل هذا الحليب الى ماء وأرشّك به!".
وبمهارة كيميائيّ صبّ الحليب في وعاء نحاسي ثم أعاده الى الكوب ماء صافياً وهو يضحك فخوراً بإنجازه. رحت أحدّق مذعوراً في الماء القاتل وأرجوه أن يكفّ عن مزاحه. إمتثل غياث لرجائي، فشنّج عضلات وجهه وقال:
"حليب!".
فصار الماء حليباً في الحال. ولكنّه عاد وصاح وهو يقهقه بخبث:
"ماء!"
فتحول الحليب الى ماء.
"حليب، ماء، حليب،ماء، حليب..."
وكنت أتوتّر وأسترخي لتحولات السائل في الكوب الى أن عصى الحليب ارادة غياث فظلّ حليباً. حينها أخذ غياث يردّد موتوراً:
"ماء، ماء، ماء، ماء!".
لم يستسلم غياث ليأسه، أهمل كوب الحليب، وجّه نظرات ثاقبة، عبر النافذة المفتوحة الى السماء الزرقاء المشمسة فتلبّدت في الحال بغيوم قاتمة مشبعة بالمطر. ابتسم غياث راضيا ثمّ إلتفت نحوي متشفّيا وتمتم مشيرا الى الجوّ المكفهرّ:
"ليبق الحليب حليباً، ولكنّك ستصل البيت مبلّلا بماء المطر!".
طويت دفاتري وكتبي ومضيت الى البيت مسرعا. انعطفت يمينا، كعادتي أسلك دربا يطيل طريقي الى المنزل، ولكنّه الدّرب الذي يمرّ ببيت زينب، أجمل فتيات الحارة ومحيّرة قلوب فتيانها. لم يسبق لزينب أن اهتمّت باكتراثي المثابر بها، ولكنّها، ما ان حاذيت بيتها حتى فتحت الباب، ابتسمت لي بوضوح ومشت أمامي في الزقاق الخالي. وقبل ان تنعطف الى الزقاق التالي التفتت اليّ ملوّحة بيدها البيضاء. تبعتها جزلا. من شارع لشارع ومن جدار الى جدار حتى غابت البيوت وظهرت أسوار المسجد. حين تنتهي البيوت تبدأ أسوارالمسجد وحيث تنتهي الحياة/ حياتي يبدأ الماء. أجل، ثمّة وراء السجد كان النهر يتدفّق سريعا. وقفت على ضفافه أنظر ذاهلاً الى زينب وهي تجلس عارية على صخرة تحت سطح الماء تستحمّ بما يخترق سطح النهر من ماء الشلال الساقط من خاصرة الصخرة العالية. أحسست بالعطش. الماء في النهر وفي الخابية المركونة تحت الدالية في باحة البيت. الماء في المطر الذي سيهطل بعد قليل، في الندى وفي شفتي زينب. الماء في حليب غياث وفي آنية الزهور.. الماء في كل شيء.
سئمت تهديد الماء وزينب تفتح لي ذراعيها، تناديني من تحت الماء. قرّرت الامتثال، واقتربت عارياً من النهر. أخذ رذاذ الشلال يبلّل جسدي...فيما كان قلبي يلوح لأمي بآخر خفقاته.



#خالد_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشر حالات
- قصائد


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - احلام