أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - كريم جاسم الشريفي - بين حكومة التأهيلي الدينية والحكومة الليبرالية.















المزيد.....

بين حكومة التأهيلي الدينية والحكومة الليبرالية.


كريم جاسم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2044 - 2007 / 9 / 20 - 09:38
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


أدب السجون(2)

*((التأهيلي هو أحد أقسام سجن أبي غريب الرهيب / في قسم الأحكام الخاصة. وهو عبارة عن دهليز بطوال 15 متر تقريباً وعرضه متراً ونصف، ينتهي الى قاعة بعرض 5 أمتار وبطول 12 متر تقريباً ، وعلى الجانب الأيسر من دخول الممر المؤدي الى القاعة ثلاثة غرف تتوسطها دورة المياه ، ومن الجهة الثانية غرفة واحدة)).

نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ، كانت حكومة البعث تفتقر الى السطوة الأمنية القوية على كل مفاصل الحياة في المجتمع العراقي مثلما حدث فيما بعد. رغم حدوث الحرب العراقية ـ الإيرانية التي بدأها نظام البعث مثلما مثبت في الوثائق الدولية. والحرب أعطته كل الشروط اللازمة لتثبيت سطوته القاسية، وفتحت أمامه فرص بلا مديات لممارسة العنف والقتل على أوسع وجه وأكمل شكل، وكان أفضل من إستغلها لتصفية حسابات يمكن تأجيلها ، لكن كما هو معروف عنه أراد قمع وترويع الجميع مرة واحدة والى الأبد ، لأنه يظّن إن الفرصة مؤاتية ولاتتكرر للتخلص من كل المخالفين ، والمناؤئين ، والمعارضين، والكارهين له، طالما الحرب تبرر ذلك من جهة ، وكل وسائل الإعلام ، المحلية ، والإقليمية ، والعالمية مشغولة بمسارات العمليات العسكرية وتطوراتها ، مركزةً على جبهة الحرب التي يخوضها بالنيابة عن العالم الذي يدعمه ، ويشاركه في هذه الحرب. كانت العمليات العسكرية لكبر حجمها ،وإمتداداتها على طول الحدود مع ايران تغري وسائل الإعلام لتحقيق السبق الصحفي مرةً ،وآخرى لطمس الحقيقة وجعل النظام يدافع عن حرية الغرب ، وثروة الخليج التي كرستها الكويت والسعودية والأمارات الصغيرة الآخرى لخدمة ودعم (صدام) وحماية نفسها من امتداد الثورة الإيرانية خشية إبتلاعها من الخريطة. قبل قرار الحرب الذي إتخذه رأس النظام البعثي في العراق، والذي قام أمام شاشات التلفاز العالمية بتمزيق إتفاقية الجزائر ، التي وقعها بنفسه مع شاه إيران السابق وبحضور الرئيس الجزائري الأسبق ( هواري بومدين) عام 1974. والتي كانت تنصّ على ( إنهاء نزاع الحدود مع ايران، والإعتراف بالمزاعم الإيرانية في شط العرب). وبعد إنتصار الثورة في ايران أقدم صدام على إلغاء الإتفاقية عام 1980 . وفي آب من عام 1990 أعلن رغبته في إستئناف المحادثات حول شط العرب على أساس إتفاقية الجزائر . هذه التراجيديا التي أودت بحياة الملايين من الشعبين العراقي والإيراني كانت رهن مزاج (صدام)، وماسببته من تدمير نفسي وإجتماعي وبيئي ، فضلاً عن هدر وإستنزاف رهيب للثروات. انها الملهاة بعينها . كان (صدام) يبرر قبوله إتفاقية الجزائر هو عدم الكف عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي للقوات الكردية التي كانت تقاتل من أجل الإنفصال والإستقلال وهذه من الأسباب الرئيسية التي دفعيه لتوقيع تلك الإتفاقية. سببت تلك الإتفاقية المُذلة حرمان القوات الكردية ـ البيشمركة ـ من الدعم الإيراني فعجزت تماماً عن الصمود بوجه الجيش العراقي الكبير نسبياً،بعد الإتفاقية. قبل أكثر من ستسون ألفاً من المقاتلين الأكراد وأقاربهم عرض الشاه عليهم بالبقاء في الأراضي الإيرانية والحصول على الجنسية الإيرانية ، وتلقى زعماء الأكراد مرتبات عالية تماثل مرتبات الضباط الإيرانيين. ووضع مايقرب أكثر من 400 منزل قرب طهران تحت تصرف الزعيم الكردي الراحل (مصطفى البرزاني) وأقاربه المقربين. رغم ذلك كله وشعر الأكراد بخيبة أمل مريرة.
قبل قرار الحرب بعامين تقريباً نقض ( حزب البعث ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية ) مع الشيوعيين التي أقاموها عام 1973 في بغداد وقعها رئيس الجمهورية آنذاك (أحمد حسن البكر) من جانب حزب البعث، وسكرتير الحزب الشيوعي من جهة آخرى السيد (عزيز محمد) . عندما أصبحت تتوسع جماهيرية الحزب الشيوعي بدأ النظام البعثي يخشى على سلطته، فحاول إفتعال أسباب كثيرة للإنقضاض على الحزب الشيوعي ومحاولة ضربه بيدّ من حديد ، وقام بأعدام اكثر من 10 أعضاء من الحزب الشيوعي عام 1978 . هربت كوادر وقادة الحزب الشيوعي للخارج ، وبقيت قواعده والكادر الوسط ، الذي أصبح لقمة سائغة للبعث ، محاولاً إجبارها على التنازل والتبرئ من الحزب ، ومحاولة تبعيثها قسراً بقرار رقم 200 السيئ الصيت تحت عنوان الصف الوطني. وكان الكثير يقف بالرتل ينتظر دوره ليبصم على ذلك القرار، لكن عدد كبير لم يبصموا ، وحاولو فيما بعد إعادة صلاتهم مع تنظيم الخارج ، والغريب استطاع النظام أن يخترق هذه التنظيمات مما أدى بالعشرات الى مقصلة الإعدام ، وإعتقال المئات . وكانت تحدث هذه الإعدامات تحت مظلة (الحرب). والحقيقة إن الحرب كانت غطاء لكل ممارسات التنكيل والقتل التي مارسها نظام البعث داخل العراق.
أما الحركة الدينية ممثلةً بفصيلها الأول وربما الأوحد بدأت تنغص على (صدام) برامجه وأهدافه ، لذلك حاول التعجيل لإلحاق أكبر قدر ممكن من التدمير بهذا التنظيم وبعثرة صفوفه، مستغلاً الظروف المحلية والدولية لصالحه أمنياً. أعتمد خطة أمنية شاملة أقرها في إجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة ، والقيادة القطرية لحزب البعث ، وأطلع الكادر المتقدم من أعضاء الفروع ، والشُعب والفرق الحزبية عليها، وكان أساس الخطة هو إعتقال كل معارض من كادر وسط أو متقدم ينتمي الى أي حركة دينية حزب الدعوة على رأسها ، ويتم ذلك الإعتقال بشكل سري أو علني ، وفي أي مكان أو زمان . وإختطاف أي شخص يشتبه به .
كانت مديريات الأمن تنكر وجود أي معتقل لديها عند مراجعة ذوي المخطوف أو المسجون ، مما سبب هذا حيرة للمواطنين وإرتباكاً لمصير أولادهم . أراد النظام إسكات هذه المطالبات من قبل ذوي المعتقلين ، أصدر تعليمات جديدة معدلة على خطته الى الأجهزه الأمنية تنص على تصعيد المواجهة الشاملة على كل حزب أو جماعة أو فرد يريد النيل من (صدام) أو حزبه. وبدأت الإعتقالات الكيفية وبشكل سافر لم يسبق لها مثيل في التأريخ ، وصاحب هذه الإعتقالات إطلاق نار ،وإغتيالات كما حدث لأشخاص كاتب هذه السطور يعرفهم جيداً.
بدأت (محكمة الثورة السيئة الصيت) برئاسة المجرم ـ مسلم هادي مسلم الجبوري ـ الذي حاكم شخصياً كاتب هذه السطور في أواسط عام 1981 . تنظر في القضايا المعروضة أمامها ،والمُحالة إليها من مديرية الأمن العامة، ورئاسة المخابرات العامة، والشعبة الخامسة للإستخبارات العسكرية، ومديرية أمن الكاظمية ، وأخذت تصدر أحكامها المعدة سلفاً من قبل مايسمى( بلجنة السلامة الوطنية) المرتبطة بصدام مباشرةً . كانت الوجبة الأولى التي صدر بحقها الإعدام تتكون من 12 مجاهد من ضمنهم الداعية (سهيل طاهر العلي) وتم التنفيذ بهم في قاطع الإعدام في سجن أبي غريب. بالمقابل صعّدت المعارضة السريّة مواجهتها وكان حزب الدعوة المبادر الأول لمواجهة النظام بالكفاح المسلح ، ومحاولة إسقاطه عسكرياً. شعر النظام بهذه المواجهة ، فقام بإجراء لم تألفه الدولة العراقية منذ تأسيسها ، وهو الإشراف الكامل عن سير التحقيقات الجارية وربط (المخابرات العامة، ومديرية الأمن العامة، وشعبة الإستخبارات العسكرية) بديوان رئاسة الجمهورية . كما كان يقوم صدام بنفسه بزيارات متتابعة للأمن العامة. وكانت اللجان الأمنية تعمل ليل ونهار . وكان أعمدة النظام من الجلادة على هذه الأجهزه الأمنية ـ برزان التكريتي شقيق صدام من الأم ، وفاضل البراك ، وصابر الدوري، وفاضل الزرقاني، وعلي الخيقاني ـ منح صدام هيئات التحقيق صلاحيات مطلقة لإنتزاع الإعترافات وبشتى السبل من ممارسة التعذيب ، حتى بدأ ضباط ومفوضوا الأمن يتبارون في إنتزاع الإعترافات من الضّحية وبأي ثمن في سبيل نيل المكافآت والترقيات التي خصصها لهم صدام نفسه. هذه الإجراءات التعسفية الغير مسبوقة بساديتها سببت بإعتقال الآلاف من الأشخاص لمجرد ورود اسماءهم في التحقيق دون أن تكون لهم أي صلة بأي تنظيم أو حزب. الكثيرين من المُعتقلين كان يورد أسماء من حوله من الأصدقاء ، والجيران،والأقرباء عسى أن يتخلص من اللإعدام ، وكانت تجري الأهوال في مديرية الأمن العامة ، حيث بشاعة التعذيب ، وفضاعة الأساليب المستعملة.
2/ حميد أحمد عبد

أواسط عام 1981 صعدت السلالم الخمسة من السرداب الى قفص الإتهام مباشرةً يفصل السلالم عن قفص المحكمة ممر بطول مترأ ونصف في بدايته باب وفي نهايته باب تبعد مترين تقريباُ عن قفص الإتهام في محكمة الثورة ، وإذا بالجلاد رئيس المحكمة (مسلم هادي مسلم) وببهلوانية مُمسرحة دامت دقائق قرأ قرار( التجريم) وإذا بي نقلت بسيارة نقل البضائع مقيّد المعصمين ، ومعصوب العينين ، وكان معي أريعة أشخاص آخرين يشاركونني سيارة النقل الى سجن أبي غريب / قسم الأحام الخاصة (( دخلت السجن الرسمي في الثامن من تموز .. تتبعني أصوات الجلادة المبّحوحة ، وهمهمة الحراس البعثيون. سجلني الحراس سجيناً ضّد البعث وكان ذلك شرفاً لي)) .مع الإعتذار للشاعر سعدي يوسف على هذا التهجين .
دخلت السجن الإنفرادي ، كان مكتظاً ، نتناً، تشم رائحة الموت منه، ملئ بالأشباح الآدمية . إستقبلني (أبو باقر) وأدخلني الزنزانة الأولى , بدأت التطميانت والدعاوى بالفرج تنهال عليّ ، وإنشا لله يكون الفرج قريب ، ثم بدأت الأسئلة وكانت مركزة حول أصدقاء ،أو رفاق ، أو اخوة يريدون معرفة أخبارهم ، تركوهم في زنزانات الأمن المختلفة. بدأت العصيان على تقاليد الزنزانة من اللحظة الأولى ، حيث طقوس ، وسلوكيات الزنزانة جعلتني أنفر في هذه الحالة ، عليك أن تقرر من اللحظة الأولى وتتمرد ، حتى تتجنب الوصايا ،والتلبس في شخصية غير شخصيتك. فعندما إكتشفو (أبو باقر ومساعده) إنني صعب المراس وليس من السهل أن أُمارس خلاف ما أقتنع به من طقوسهم الدينية ،حاولو تسهيل نقلي الى زنزانة آخرى ، لكنها أكثر بؤساً ، عبارة عن غرفة مساحتها 16 متر مربع ينام فيها 45 شخص والنوم (شفتات) ننام (مدروزين)مثل ماتحتويه علبة السردين. وهذه كارثة لنا ، لأننا الآن في السجن وأخذنا الحكم القطعي . أما مثل هذه المكانات كنا نعيش فيها في مديريات التحقيق وهي على الأرجح لاتطول أكثر من سنة ونصف في كل الأحوال. بدأت أتكيف على الوضع الجديد وإستمريت بممارسة هوايتي التي تعلمتها وهي قتل البراغيث والقمل وهذه أول ممارسة (للأنتقام) بالاشعور. بدأت قتل هذه الحشرات التي لولا أجسادنا الخاوية لأصابتها المجاعة ، بالحقيقة نحن نشفق عليها ونراها بالمجرد وهي تمتص دماءنا التي لايوجد فيها مايشبع رمقها. والغريب إني شاهدت قمل أبيض اللون ويكبر القمل الأسود بخمسة أضعاف ، وكانت تسير أسراب طويلة منه ، ونحن نتابعها الى أن تصل محاجرها فأما يكون حجرها أبط لسجين،أو شعرٌ كث أو حاشية بطانية يلتحفونها 5 أشخاص . كانت تعيش تلك الأسراب من القمل معنا تشاركنا المكان ونعرف محاجرها وكهوفها المتراصة على الأرض الأسمنتية ،ألفناها وألفتنا وكنا نرثي لكلانا .
جاءني أول سجين للتعرف عليه إسمه ( حميد أحمد عبد) لازمنلي لمدة خمسة سنوات آخرى من الإعتقال ، كان يعاني من عاهات بدنية جراء التعذيب حصلت له في ( شعبة الإستخبارات العسكرية) . وجه اجتماعي وعمالي طيب القلب ، نقي السريرة ، محب للخير ، سباق للمساعدة لا تفارقه الأبتسامة ، يعشق الفكر والعلم كأي شيوعي آخر ، زحف بين الأجساد التي تملئ الممرات والزنزانة التي كان يقطن بها، تجشم هذا العناء لمساندتي بعد أن شاهد رفضي وانصياعي الى – روزخونيات- (ابو باقر) . أفترقت عنه عام 1986 . وأول مرة رأيته ثانيةً كان عام 2004 بعد سقوط الطاغية ، وللأسف رأيت ظهره تقوس بشكل مخيف ، قال هذا حدث لي جراء ضربة قاتلة من أحد الجلادة عام 1992. رحب بي حميد وجاورني لمدت ستة أشهر آخرى في نفس المكان ،وكان رائعاً كنا نتبادل أطراف الحديث ونتذكر الأحبّة الذين لايعرفون عنّا أي شيئ. جُل حديثنا كان الأدب والشعر والسياسة بطبيعة الحال وذكريات آخرى ، إن معاناة السجن تكون أصعب وأقسى على السجين إذا كان له إرتباط عاطفي أنقطع عنه فجأةً! إنتقلت الى ـ قسم التأهيلي ـ وهو مجاور للسجن الإنفرادي ، أدخلونا من باحة الإنفرادي الى ممر دلفنا بابه بسرعة البرق تطاردنا هراوات الجلادة ولايسلم أي سجين من الضرب حتى المرضى ـ اكثر المرضى كانوا بسبب التعذيب ـ دخلنا التأهيلي وكنا أكثر من 60 سجيناً. أخذنا أماكننا الجديدة والحق إن التأهيلي كان بمثابة فندق خمس نجوم مقارنةً بالإنفرادي . تفتحت الأسارير ، وبان ترف المكان على الوجوه بسرعة، أصبح بإمكاننا المشي والتزاور من غرفة الى آخرى . أتخذت من الممر بالقرب من الباب التي تؤدي الى الباب الرئيسية مكاناً بجوار الجدار ، وله قصة طويلة هذا الخيار . كان النشاط الوحيد هو الصلاة لأكثر من 98% من السجناء في هذا القسم كنت (الزنديق) الوحيد في هذا المكان . لدينا سجين يدعى (رسول) كان يدرس علم المنطق. إقترح على تكملة تدريس محاضرات في علم المنطق قد بدأها قبل الإنتقال الى ـ التأهيلي ـ بدأ حلقات جديدة للإستفادة من الوقت بالتثاقف والمثاقفة من خلال حلقات لحفظ القرآن ، وتدريس مبادئ الفقه الجعفري ،ومواضيع آخرى . كان يئم السجناء للصلاة شخص يدعى سيّد (علي) . كان ممثلاً بارعاً في سلوكه ، وكانت مجموعة تلتف حوله من المريدين. في الغرفة المحاذية للقاعة شخصية أكثر إتزان يدعى (علي عمارة) ، وفي حلقة حفظ القرآن شخص يدعى (عامر الحلي) . دفعني الفضول للإستماع أولاً الى ( رسول) إستاذ المنطق ، إستحسنت الدرس وفيه معارف جديدة إستأذنت الإستاذ فالتحقت بحلقة دراسة المنطق وكان (رسول) يشعر بأرتاح لي لكن لايظهره ، عرفت السبب فيما بعد . على أية حال التحقت بمجموعة الأشخاص التي تدرس المنطق وكانو متقدمين في دراسة المواضيع ، لكنني حضرت أول محاضرة وكان الموضوع اسمه ( إصطلاحات القياس) ويقسم الى خمسة أقسام:
1- صورة القياس: تعني هيئة التأليف الواقع بين القضّايا.
2- المقدمة: تعني كل قضية تتألف منها صورة القياس.
3- المطلوب: وهو القول اللازم من القياس.
4- النتيجة: وهي الحصيلة من القياس .
5- الحدود: وهي الأجزاء الذاتية للمقدمة.
للتوضيح بمثال قال المحاضر السجين: 1- شارب الخمر: فاسق. 2- وكل فاسق: تُردّ شهادته 3- شارب الخمر تُردّ شهادته . كل واحدة من القضّيتين 1و2 تسمى : مقدمة. وشارب الخمر ، وتُرد شهادته تسمى: حدود . والقضّية رقم 3 تسمى مطلوب ونتيجة. والتأليف بين المقدمتين تسمى : صورة القياس.
إستحسنت هذه المعرفة الجديدة ، لكن لاأعرف لماذا مثال شارب الخمرفي تلك الأجواء! (في سجون لاحقة قررنا الأضراب عن الطعام ، وكان جُل حديثنا عن أشهى صنوف الأكلات العراقية). لاأعرف علة هذه المفارقة بالنقائض. واظبت بعد ذلك على محاضرات علم المنطق الى أن وصلنا الى موضوع المغالطات.وحدث تطور مفاجئ وهو إشتداد المعارك على جبهة القتال مع ايران ، وكانت المعارك محتدمة وقتها حيث قامت القوات الإيرانية بتحرير ( المحمرة) التي احتلها الجيش العراقي في وقت سابق ، وكانت خسائر الجيش العراقي عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من 45 ألف أسير وهذا بمثابة إنهيار للنظام البعثي في الحرب كان ذلك عام 1982 ،كانت هذه الأخبار تأتينا من مصدرنا الوحيد هو أبو فارس( ـ العنقرجي ـ يعني الشخص الذي يجلب الأكل للمساجين ) وهو الوحيد الذي يربطنا مع العالم الخارجي. وكنت أول شخص التقيه لأنني أنام بالمّمر القريب من الباب التي يدخل لنا منها الأكل. قطعنا حلقاتنا الدراسية ، وبدأ البحث في كيفية التعاطي مع هذا التطور المهم الذي سيؤدي حتماً الى سقوط الطاغية. شكلنا حكومة مؤقتة ، وتم تقسيم المهام على اللجان التي ستتولى الأمن ، والجيش ، والداخلية ، ورئاسة الحكومة ، والإتصال بزملائنا في الأقسام الآخرى لنشركهم في الخطة . ونعين ساعة الصفر بعد أن نؤمن قناة الإتصال معهم ، بدأ حراك غير مألوف في (التأهيلي) ، أخذ أكثر من أسبوعين وتقرر تحطيم أبواب السجن ، والبدأ بالثورة من هذا المكان . والحقيقة كانت عند الكثير شجاعة وبسالة وجرأة للإنتقام ، والأستعداد للشهادة وكنت أحد هؤلاء بل أكثرهم إندفاعاً . لكن الطامة الكبرى إن خلاف خطير دبّ بيننا كاد يؤدي الى معركة دامية ،بسبب عدم عدالة توزيع المناصب، وكانت وزارة الداخلية محل الخلاف الأكبر، حيث حاول إمام الصلاة الأستئثار بها ، وحاول حجز بعض المناصب لأشخاص خارج السجن ليعينهم، وكان الفصل بيدّ المرشد الذي سيفوض وكلائه لأختيار الأصلح .كان المرشد سجين أيضاً ، وهذا أصبح محل خلاف. لم يكن لدينا برنامج تصالح مع أقطاب النظام ، ولادعوات حوار ، ولم نفكر بالمطلق العفو عن الجلادة ، مثلما فعلت الحكومة المؤقتة بعد عقدين من الزمن. لقد حلت التكتلات ، والإرتياحات ،والتجمعات وبدأ التثقيف ضد الآخر ولم نتخلص من ذلك المرض( الطفولي) الى أن تفرقنا الى أماكن مختلفة . وفشلت حكومتنا المُصغرة التي ولدت في قاعة التأهيلي ،وماتت في نفس المكان ، وبقينا سجناء ، وبعدها إستعاد النظام سطوته وجبروته بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية. ( بعد خروجنا من السجن عرفنا ذلك وقرأناه موثقاً) . أعاد مكانته (صدام) بالأموال الكويتية وإعلامها، والسعودية وملياراتها، وإستعاد بطشه وجبروته بعد إنهيار أكيد.
بعد عقدين من الزمن ،تغيرت الظروف وهذه المرة على يدّ الحليف (السري) الذي ساعد عميله للوقوف مؤجلاً نهايته التي لم تّحن بعد آنذاك . وتكرر المشهد ثانيةً عندما قال (صدام) بإلتهام حلفاء الأمس ( الكويتين) عام 1990. وظّل في السلطة مرةً ثانية الى أن إحترقت ورقته نهائياً عام 2003. جاءت حكومة مُعينة ، ودعت الى إنتخابات ، وباركها المرشد (المرجع) وحصلت تحالفات وإئتلافات عجيبة ومن خلفيات حزبية مختلفة، وتجمعات متباينة ، لانعرف كيف ستشكل الحكومات المقبلة ، وماهي شروط النجاح لهذه الحكومات هل ستكون مثل حكومتنا التي أقمناها في سجن ـ التأهيلي ـ عام 1982 أم تختلف هذه المرة!
التأريخ يعيد نفسه ، لكن في المرة الأولى على شكل سخرية،وفي المرة الثانية على شكل تراجيّديا.




#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الأنسان العراقي بين انتهاكات الأمس وتجاوزات اليوم..
- لماذا نتجاهل الحقيقة والتأريخ..
- روايات في أدب السجون السياسية
- الحاجة الى مرشدّين ومصلحين اجتمّاعيين اليوم أكثر إلحاحاً من ...
- مجتمع مدنّي أم مجتّمع عشائري!


المزيد.....




- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - كريم جاسم الشريفي - بين حكومة التأهيلي الدينية والحكومة الليبرالية.