أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حكمت الحاج - مفاهيم سبتمبرية جديدة حول الإرهاب والحروب الإستباقية وحقوق الإنسان والقانون الدولي















المزيد.....


مفاهيم سبتمبرية جديدة حول الإرهاب والحروب الإستباقية وحقوق الإنسان والقانون الدولي


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 10:05
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ﻻ أدري ما الذي حل في مصير تلك المجلة العربية الرائدة في مجال تخصصها الفريد، وأعني بها "المجلة العربية لحقوق اﻻنسان" والتي كانت/ أو ما زالت/ تصدر في تونس عن المعهد العربي لحقوق اﻻنسان، ولكن بين يدي اﻻن عدد من هذه المجلة بالرقم 10 وكان صدر قبل ما يقارب السنوات الثلاث وذلك بمناسبة ذكرى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 . وبما اننا نعيش هذه اﻻيام ذكرى مرور اﻷحداث نفسها، وجدت من المناسب قراءة بعض ما وجدته في هذا العدد الدسم من المجلة المذكورة.

ففي ظرف يتميّز بتدهور خطير للأوضاع الدولية عامة والأوضاع العربية خاصة، وبظهور مفاهيم جديدة تتناقض ومبادئ حقوق الإنسان وتتعارض والشرعية الدولية وتتجاهل المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة، جاء العدد العاشر من المجلّة العربيّة لحقوق الإنسان متضمنا العديد من الدراسات والأبحاث التي تتناول بالعرض والتحليل أهم تلك المفاهيم التي باتت تهيمن على مجمل العلاقات الدولية في الوقت الحاضر.

ويشكل مفهوم "الحرب على الإرهاب" وكذلك مفهوم "الحرب الوقائية" و"الحرب الاستباقية" وتصنيف دول معينة ضمن "محور الشرّ" ترعى الإرهاب، وأخرى ضمن "محور الخير" تدافع عن القيم الحضارية الغربية، أهم المعطيات الجديدة التي فرضتها الأوضاع المعاصرة.

ويرى د. الطيب البكوش رئيس تحرير المجلّة العربيّة لحقوق الإنسان، في كلمته التي تصدرت العدد المذكور من المجلة، إن المفاهيم المذكورة لا تقف لوحدها، بل تحف بها العديد من المفاهيم الفرعية التي تحوّل الحرب العدوانية إلى "حرب تحرير" شعوب ترزح تحت نير الدكتاتورية الغاشمة وتحوّل المقاومة والدفاع عن الأوطان إلى إرهاب يقتضي شنّ الحرب عليه. ويضيف د. البكوش في كلمته قائلا: "إن الولايات المتحدة الأمريكية قد لاقت في حربها الأولى على أفغانستان تعاطفا دوليا هاما نسبيا إثر أحداث 11/9/2001 فتمكّنت من إسقاط نظام طالبان وملاحقة تنظيم القاعدة، أما في حربها الأخيرة على العراق فإنّ العالم أجمع يكاد يكون ضدها، لا لأنه يتعاطف مع نظام البعث الذي كان يحكم، وإنما لافتقار الإدارة الأمريكية للحجج المقنعة مما يجعل من هذه الحرب عدوانا خارجا على القانون، مخلاّ بالشرعية الدولية، مفتقرا للمشروعية، مندرجا ضمن منطق القوّة وقانون الغاب، ضاربا عرض الحائط بالقيم والأخلاق وحقوق الإنسان والشعوب".

في هذا العدد من المجلّة العربيّة لحقوق الإنسان نقرأ أيضا، وضمن ملف يعنى بالتوجهات الواردة أعلاه، ومن وجهة نظر حقوقية، عدة دراسات تبحث في خلفية الأحداث الأخيرة، لكل من: محمد نور فرحات وعبد الحسين شعبان وعبد الله
التركماني وهيثم منّاع وأمين مكي مدني وصلاح الدين الجورشي، تناول مؤلفوها العلاقة بين الإرهاب وحقوق الإنسان والحروب الوقائية وأثرها في العالم العربي وعلى الأمن الدولي وعلى أوضاع المنظمات المدنية ومواقفها.

فمنذ نهاية الحرب الباردة ومع بروز عناصر القوة الأمريكية وأدوارها الدولية، انشغل الساسة والمؤرخون وعلماء العلاقات الدولية بتحليل النظام الدولـي، وطرح التساؤلات التي يثيرها دور هذه القوة المهيمنة، وقد أجمع أغلب دارسي العلاقات الدولية على أنّ العالم مازال يمر بمرحلة انتقالية تتسـم بـ "الفوضى" بالرغم من طموح شعوب العالم إلى تطوير أنماط جديدة من الحياة الدولية المعاصرة تعبّر عن حاجة العالم إلى نظام دولي جديد يتماشى مع
حقائق الحياة، ويوفّر الأمن والعدل والتّقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام لشعوب ودول العالم، وصولا إلى نظام يقوم على أساس من الحقائق الرئيسية للتعددية الثقافية وتعدد الأقطاب والاعتماد المتبادل وتوازن
المصالح واستقلالية الدول، والحق بالمشاركة الجماعية في إدارة هذا النظام ومؤسساته الفاعلة. وهكذا، أصبح التساؤل الجاد في هذا السياق: إلى ماذا ستقودنا جملة الأحداث الضخمة التي يشهدها النظام الدولي وما هي سمات
المرحلة الجديدة التي تبدو بازغة في الأفق؟

من هذا التساؤل ينطلق د. عبد الله التركماني في دراسته الموسومة "مخاطر تحوّل النظام الدولي" ليحدد "المسألة العراقية" باعتبارها المحك الرئيسي
لتحوّلات جذرية في بنية النظام الدولي، هيكلا وتفاعلا، باعتبارها إحدى أهم القضايا المحورية في إعادة تشكيل هذا النظام. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني
1990 سمح النظام الدولي، في ظل معادلات قوة معينة، بإمكانية استخدام القوة العسكرية ضد العراق بعدما اجتاح الكويت، حيث كان هذا إيذانا ببدء الانفراد
الأمريكي والانسحاب السوفياتي من قيادة النظام الدولي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 أعاق النظام الدولي إصدار قرارٍ بناءً على رغبة أمريكية باستخدام
القوة العسكرية بصورة تلقائية ضد العراق، وبالتالي لم يمكّن مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض هيمنتها على النظام الدولي، وهذا قد
ينطوي، بناء على رأي الباحث، على تحوّلات تجري تحت السطح لإعادة التوازن لقيادة العالم، بالحد من الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة.

ويبدي الباحث تفاؤلا كبيرا حين يقول أنّ فسحة من النقاش الجدي حول دور الهيمنة الأمريكية، تدور في الغرف الخلفية لمراكز القرار الدولي، ولعل بعض
ما تم تداوله من هذا النقاش يعطينا الفرصة لإلقاء بعض الضوء على جوانب من الزوايا المعتمة في هـذا النقاش. ودائما مع د.التركماني، فإنّ الشرط الحقيقي
لحياة أكثر حرية هو وجود بيئة دولية أقل تورطا في إنتاج العـداوات، بعدما تبين أنّ بيئة مؤهلة لإنتاج الكراهية والحقد ليست آمنـة حتى لو امتلكت أعتى
ترسانة أسلحة في العالم، فهل يتجه الميـزان الأمريكي نحو الحفاظ على قيمة الحرية، بالتحول من بيئة بارعة بإنتاج الأعـداء إلى بيئة قـادرة على حفظ
أمنها بالعدل لا بهيبة القوة بعدما سقطت كأداة ردع استراتيجي في منظومة الأمن الأمريكي؟

وفي دراسته المعنونة "أسئلة الإرهاب وحقوق الإنسان: حوار العقل والمشترك الإنساني" يقول د. عبد الحسين شعبان انه في ظل أجواء ما بعد أحداث 11 أيلول
سبتمبر 2001 أعاد المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون طرح وجهة نظره مجدداً عندما دعا إلى تأصيل فكرة "صدام الحضارات" باعتبار ما جرى في نيويورك
وواشنطن وفي أعقاب مؤتمر "دوربان" حول العنصرية، مؤكّدا نظريته التي تضمنها كتابه حول "صدام الحضارات". وحسب وجهة النظر هذه، فإن صراع الثقافات أمر
محتوم خصوصاً وأنّ الإسلام بقيمه وتراثه، يعتبر العدوّ الجاهز، الذي يقف بوجه انتصار الليبرالية على المستوى السياسي والاقتصادي، وكذلك البوذية
والكونفوشيوسية التي تواجه الحضارة المسيحية اليهودية الغربية. وهو نفس ما دعا إليه أيضا المفكر الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما، الذي اشتهر
بنظريته حول "نهاية التاريخ" والذي اعتبر إن ما حدث في العالم يوم 11 أيلول سبتمبر 2001 قد أكّد ما ذهب إليه سابقاً، إذ لا بد من تشديد الصراع لإحراز
النّصر النّهائي وتحقيق عالم ما بعد التّاريخ.

لقد وضع المفكرّان، هنتنغتون وفوكوياما، الإسلام كعائق أمام تقدّم البشرية، متّهمين إيّاه بالإرهاب، بما يتطلب شحذ جميع الأسلحة العسكرية والفكرية
والسياسية والاقتصادية والنفسية لمقاومته، لأنّه، حسب وجهة نظريهما، مصدر الإرهاب والبيئة المشجعة على إنتاجه وتعميمه.

ويتوقف د. شعبان مطولا أمام السياسة الازدواجية والمواقف الانتقائية للولايات المتحدة الأمريكية إزاء القانون الدولي وإزاء الإرهاب الدولي تحديداً ليبين حجم التحدي الذي تواجهه البلدان النامية ومنها المنطقة العربية والإسلامية بخصوص قضايا الإرهاب الدولي حاضراً ومستقبلاً.

ويمضي الباحث قائلا انه إذا كانت الدعوة اليوم تنطلق عالياً ضد الإرهاب فإنّ نكوص المجتمع الدولي في إيجاد تعريف للإرهاب سيساهم في المزيد من الالتباس والإبهام خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة وسياسات الكيل بمكيالين والازدواجية في التعامل والانتقائية والتجزيئية التي تريدها الولايات المتحدة، مما يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ناهيك عن جهد دبلوماسي في المحافل الدولية من أجل إيجاد تعريف يتم التوافق عليه للإرهاب الدولي لا يتعارض مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

وتحت عنوان عريض هو "الإرهاب وحقوق الإنسان"، يتحدث د. محمد نور فرحات عما يسميه "الإرهاب الأصغر" و"الإرهاب الأكبر" في معرض تعليقاته على التقرير بالغ الأهمية الذي أعدته السيدة كوفا كياليوبي، المقرر الخاص للأمم المتحدة لموضوع الإرهاب وحقوق الإنسان، وهو تقرير يتسم بقدر كبير من التجرد والنزاهة والموضوعية لجملة أسباب من بينها، حسب ما يقول الكاتب، أنه قد وضع في يونيو حزيران 2001 أي قبل خمسة أشهر من وقوع أحداث سبتمبر أيلول من نفس العام، في الولايات المتحدة، وما تبعها من ارتفاع وعلو لهجة التشنج والعصبية في الخطاب السياسي والحقوقي المتعلق بمسألة الإرهاب على وجه العموم، وفي علاقته بحـقوق الإنسان على وجه الخصوص .

وكانت السيدة "كياليوبي" قد لاحظت في تقريرها أن تعريف الإرهاب بالاستناد فحسب إلى المحتوى السلوكي للعمل الإرهابي، أمر قد باء حتى الآن بالفشل على
المستوى الدولي، وانه في هذا المقام، ينقسم الإرهاب إلى الإرهاب الذي تقوم به الدولة، والإرهاب المدعوم من الدولة، والإرهاب الذي يقوم به الأفراد أو تقوم به الجماعات الخاصة .

ويرجع مفهوم إرهاب الدولة في العصر الحديث إلى أنظمة الرعب التي صاحبت الثورات الكبرى، مثل إرهاب روبسبيير واليعاقبة إبان الثورة الفرنسية،
وإرهاب ستالين إبان الثورة البلشفية، وتندرج تحته صور متعددة من سلوكيات الدول الشمولية والعنصرية المعاصرة، مثل فظائع هتلر في ألمانيا النازية،
وجرائم عيدي أمين في أوغندا، وبوكاسا في أفريقيا الوسطى، وموبوتو في زائير،
ونظام بول بوت في كمبوديا، وممارسات الطغمة العسكرية في أمريكا اللاتينية
المدعومة علنا أو سرا من الولايات المتحدة الأمريكية واستخباراتها، كما في
الأرجنتين وتشيلي.

وكما قد يمارس الإرهاب بواسطة الدول الشمولية والعنصرية، فإنه يمارس أيضا
بواسطة بعض الدول التي تزعم تبنيها النهج الديموقراطي. يحدث ذلك عندما
تتعرض الدولة لأحداث طارئة تهدد أمنها الوطني، أو لحروب أهلية، أو لهجمات
إرهابية فتنخرط هي نفسها في أعمال إرهابية تحت شعار مقاومة الخطر، والإرهاب
بالإرهاب. إذ إن دولة مّا لا تقدم على دعم أعمال العنف في دولة أخرى، إلا

بعد توفير غطاء سياسي وإيديولوجي لتبرير هذا الدعم لمقاومة الشيوعية تارة،
أو لنشر الديمقراطية تارة ثانية، أو لاستئصال الإرهاب تارة ثالثة، وهلم جرا .

وتأتي في المرتبة الأخيرة، صور الإرهاب الفردي كافة، أو الذي تمارسه جماعات
غير رسمية ، من أجل تحقيق أهدافها الخاصة، وهي في الغالب أهداف ترتدي أردية
ذات طابع سياسي أو عقائدي أو إيديولوجي وثمة أسباب كثيرة لانتشار مظاهر
الإرهاب الفردي والجماعي من هذه الأسباب، حرمان جماعات عرقية معينة من
ممارسة حقها في تقرير المصير، ممارسة القهر والاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان
في حق جماعات بعينها، شيوع الظلم الاجتماعي والحرمان من الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية، انتشار التعصب وغيبة التسامح في النسيج الاجتماعي والثقافي
العام، مصادرة حقوق الشعوب في السيادة الوطنية والاستيلاء على أرضها بالقوة.

ويخلص د. فرحات الى القول انه إذا كان الإرهاب محل إدانة إنسانية شاملة،
فإن انتهاك حقوق الإنسان بذريعة مكافحة الإرهاب، يجب أن يلقى إدانة أشد،
وإن مواجهة الإرهاب بالقوة وحدها، متحررة من أية قيود أخلاقية أو قانونية،
لهي استبدال الإرهاب الأكبر بالإرهاب الأصغر.

وفي العدد الجديد من "المجلة العربية لحقوق الإنسان" هذا الذي بين أيدينا،
نقرأ أيضا دراسة هامة للأستاذ د . أمين مكّي مدني لعنوان "التدخل والأمن
الدوليان: حقوق الإنسان بين الإرهاب والدفاع الشرعي" جاء فيها إنّ ممارسة
حق الدفاع الشرعي وفق القواعد القانونية تقتضي أن يكون هناك خطر ماثل، وأن
تكون ممارسة ذلك الحق ضرورية لدرء ذلك الخطر، وتفادي وقوع الأذى والضرر،
وينتفي الحق في ممارسة الدفاع الشرعي تماماً عند زوال الخطر، ليحل محلّه
تطبيق القانون على المعتدي بتوجيه التهمة إليه ومحاكمته وعقابه، إن ثبتت
إدانته. ففي حالة أحداث 11 سبتمبر أيلول 2001 كان الضرر قد وقع بالفعل ولم
يكن هناك خطر ماثل مباشر يستدعي ما قامت به الولايات المتحدة فيما بدا
بسبيل الانتقام من عدو مفترض، وليس منعه عن القيام باستهداف آخر بما أنّ
اتهام تنظيم "القاعدة" لم يكن سوى افتراض يستند على قرائن الأحوال، فإن
الإجراء القانوني كان يقتضي إجراء التحقيقات اللازمة سعياً لتحديد الجهة
المسؤولة، ومن ثم فرض العقوبات القانونية عليها سواء من واقع القانون
الدولي أو القانون الأمريكي، بحسب الحال .

من هنا يأتي السؤال عما إذا كان هناك مبرّر قانوني وراء قرار مجلس الأمن
بتدمير أسلحة الدمار الشامل في العراق على وجه الخصوص، فربما كان المبرّر
الوحيد هو قبول العالم أن يسمح لمجموعة من الدول بالتسلح بجميع أنواع
الأسلحة مقابل مسئوليتها عن حفظ السلم والأمن الدوليين لحماية بقية الدول
التي قبلت بموجب اتفاقات دولية أن لا تحوز تلك الأسلحة مقابل تلك الحماية.
هنا يأتي السؤال الثاني عما إذا كان قبول هذه المجموعة الثانية بعدم تملك
تلك الأسلحة ملزماً إن تخلّت المجموعة الأولى عن التزامها بتوفير الحماية
للمجموعة الثانية.

وينتهي الباحث في ختام دراسته إلى أن بعض حالات انتهاكات حقوق الإنسان قد
تكون بقدر من الجسامة والضراوة قد تتداعى معها احتمالات انتشار على المستوى
الإقليمي تصل إلى مرحلة تهديد السلام والأمن الدوليّين ممّا قد يستدعي أن
يقوم مجلس الأمن باتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية واقتصادية سعياً لوقف تلك
الانتهاكات. إنّ بعضاً آخر من حالات الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى مصاف
خرق القانون الدولي الإنساني كالإبادة الجماعية والتطهير العرقي ونقل
السكان وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية قد تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة
لحماية الضحايا كخلق مناطق عازلة وآمنة بين الأطراف المتحاربة وتقديم
الإغاثة للمنكوبين وإنقاذ أرواح الضحايا، ممّا يقتضي تدخّلاً عاجلاً من المجتمع
الدولي بدوافع إنسانية عن طريق قيام مجلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة
بموجب الفصل السابع تبيح التدخل بالقوة العسكرية.

أنّ ممارسة حق الدفاع عن النفس تعتبر مسألة استثنائية لدرء الخطر الماثل
ومؤقتة حتى يتمكن مجلس الأمن من مزاولة صلاحياته المتعلقة بالحفاظ على
السلم والأمن، بمعنى أنّ الدولة التي تدّعي أنّها اضطرت للقيام بعمل عسكري
ينبغي أن تقوم، هي أو الأمين العام للأمم المتحدة، بإبلاغ مجلس الأمن
للقيام بدوره، ومتى تمكن مجلس الأمن من مباشرة دوره هذا ينتهي دور الدول
المعنية في استمرار تدخلها بدواعي الدفاع عن نفسها .

ويتطرق د. هيثم مناع في دراسته "مترتّبات السياسة الأمريكية في حقوق الإنسان
على الأوضاع العربية" إلى ان التصور والممارسة من قبل القوة الأعظم في
العالم اليوم، سيتركان أثرهما دون شك على صعيد التكوين المجتمعي العربي،
وأولويات الصراع الاجتماعي السياسي والقدرة على امتلاك هامش للمبادرة
والدينامية على صعيدي الدولة والمجتمع، وأخيرا وليس آخرا، على المستقبل الجيوسياسي والحقوقي لهذا الجزء من العالم .

إن أية حالة حرب في زمن العولمة، ودائما مع د. هيثم مناع، تعني أن الأثر
لا يمكن أن ينحسر بحدود الأطراف المشاركة فسواء كانت الصواريخ دقيقة في
توجهها للهدف أم لا، فإن البشرية مستهدفة بشكل مباشر أو غير مباشر. ويمكن
القول إن الإدارة الأمريكية، تتصرف قولا وفعلا منذ الحادي عشر من سبتمبر
أيلول 2001 كحكومة في حالة حرب .
ثم جاءت الأنظمة القومية في قطار التخطيط الوطني والوحدة القومية
والسيادة الوطنية، ولم تودعنا بعد إلا وقدمت هذه السيادة على طبق 1441 الذي
تجرعته السلطات السورية باسم المجموعة العربية في الأمم المتحدة ، وتسعى
السلطات العراقية لتنفيذه باسم إنقاذ الوطن من الحرب. إن رفض معظم الأنظمة
العربية الحج إلى شعوبها، والتعاون مع الإدارة الأمريكية في مشاريعها
الإقليمية، قد جعل منها ليس فقط السلطة التي تنتهك حقوق مواطنيها وترفض أي
انفراج وإصلاح سياسي، بل أحد أهم المنتجين للعنف المجتمعي . وهنا مكمن
الخطر والداء ففي النماذج السياسية العربية المعاصرة، غطت الوفرة
الاقتصادية حينا على عيوب الاستبداد السياسي، أو أعطيت حريات سياسية مقننة
لتخفيف الضغط الاجتماعي. من هنا، كما يخلص الى ذلك د. هيثم مناع، يصبح من
الضحالة بمكان حصر الحرب على العراق بموضوع صدام حسين ونظامه، بقدر ما تعني هذه الحرب وضع إيران بين فكي كماشة وجعل منطقة الخليج ساقطة عسكريا وسورية مكشوفة الظهر والبطن بكلمة، الانتقال من السيادة الوطنية إلى السيادة
الأمريكية بالمعنى المباشر للكلمة .

وتحت عنوان "منظمات حقوق الإنسان ومنعرج ما بعد 11 سبتمبر أيلـول"، يكتب
الاستاذ صلاح الدين الجورشي عن عسكرة السياسة الدولية، ومستقبل حركات حقوق
الانسان في ظل المتغيرات الدولية الجديدة. وحرصا منها على جر العالم
للاصطفاف وراءها لخوض حرب بدون حدود ضد عدو غامض يحمل اسم الإرهاب أعادت الإدارة الأمريكية رفع شعار خطير سبق لها أن استندت عليه أثناء الحرب
البادرة ألا وهو "من ليس معنا فهو ضدنا" وأدى ذلك على المستوى العملي إلى
عسكرة السياسة الدولية، وتقديم الخيار الأمني على بقية الخيارات السياسية
والاجتماعية والثقافية .وهو التوجه الذي حولته الإدارة الأمريكية الحالية
إلى استراتيجية ما أسمته بـ الحرب الوقائية، وهو مصطلح شديد الغموض
والخطورة، يجعل من الحرب المفتوحة وسيلة أساسية ليس فقط لحل النزاعات ولكن لتبرير الاعتداء واحتلال الشعوب .وقد مارست واشنطن كل الضغوط لإجبار الأمم المتحدة على إضفاء الشرعية الدولية على سياستها الجديدة المتعارضة كليا مع
المبادئ والفلسفة التي قام عليها المنتظم الأممي .

وإذا كان صحيحا من الناحية النظرية والمبدئية القول بأن مصداقية منظومة
حقوق الإنسان ومستقبلها ليسا مرهونين بتوجهات السياسة الأمريكية لكن بحكم
المكانة الدولية التي تحتلها الولايات المتحدة، وتأثيرها القوي على مجريات
الأمور على الأصعدة الإقليمية والعالمية، فإن النفق الأخير الذي دخلته
إدارة بوش أحدث أضرارا واسعة النطاق بقيم حقوق الإنسان والمؤسسات التي قامت بحمايتها خلال المرحلة الماضية .

إن الإطار الدولي والإقليمي الجديد يفرض على منظمات حقوق الإنسان مراجعة
أولوياتها وربما استراتيجيتها ووسائل عملها.فالخطر لم يعد يكمن في بعض
الأنظمة الدكتاتورية التي لا تزال متشبثة بمصالحها الضيقة، أو في حركات
سياسية متطرفة وعنيفة، وإنما تحول الخطر الآن إلى توجه إمبريالي جديد
تتبناه الولايات المتحدة وتحاول فرضه بالقوة على الجميع من أجل إحكام
السيطرة على العالم. وهكذا لم تعد المعركة محدودة داخل نطاق جغرافي مرتبط
بدول الجنوب، أو تتعلق بتوسيع رصيد المكاسب التي تحققت خلال المراحل
الماضية، وإنما أصبحت معركة شاملة تخص الشمال بدرجة أكثر حدة من الجنوب،
وترتبط عضويا بنوعية النظام العالمي الذي يراد فرضه بالحرب والوصاية.وبناء
عليه لم يبق الصراع فقط ثقافيا يرتكز بدرجة أساسية على نشر قيم حقوق
الإنسان ودعم آليات الدفاع عن الأفراد والجماعات في كل مكان فالذي يجري
حاليا داخل فلسطين وفي العراق يفرض على مناضلي حقوق الإنسان توسيع دائرة
اهتماماتهم ويدعوهم إلى ضرورة الالتحام بالمعارك السياسية الدائرة على
النطاقين المحلي والدولي .

وباختصار، يمكن اعتبار هذه المقالات مساهمة هامة في توضيح الرؤى، وتحديد
المفاهيم الجديدة وكيفية التعامل معها، وتحليل الأوضاع دوليا وعربيا من زاوية حقوق الإنسان بأبعادها القانونية والقيمية والسياسيّة.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. الطيب البكوش: إن مساعدة الشعب العراقي أعسر تحت الاحتلال، ...
- بين الهندسة والبستان: قصيدة نثر طويلة عن المساءات الخمسة عشر
- غرفة في فندق الراحة أو مديح العذراء كريستينا ستوكهولم السعيد ...
- المفكر التونسي د. فتحي بنسلامة في حوار مع حكمت الحاج
- سبعُ قصائد
- البيت قرب البحر كالمجهول باهر وساطع
- التّحليل النّفسيّ على محك الإسلام
- حساب الغبار
- كلام عن سينما ما بعد الحداثة
- لا تذهَبْ أبداً
- بدم بارد
- إنصاف
- مائة وهم حول الشرق الاوسط أم مائة اكذوبة؟
- كاسيت لأغاني سليمة مراد
- مقاربة وسائطية ميديالوجية للتراث
- خنجر أكادير
- عمارة يعقوبيان بين الفيلم والرواية وحياة الواقع
- السينما باختصار هي 24 صورة في الثانية
- عن السياب ولحظته التاريخية
- حوار مع الباحث اليمني د. عبد الباقي شمسان- العرب يجهلون فنون ...


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حكمت الحاج - مفاهيم سبتمبرية جديدة حول الإرهاب والحروب الإستباقية وحقوق الإنسان والقانون الدولي