أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - تلك المدينة..( الفيصلية) -2-















المزيد.....

تلك المدينة..( الفيصلية) -2-


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 2042 - 2007 / 9 / 18 - 07:16
المحور: الادب والفن
    



اشتق اسم الفيصلية ، تيمنا، من اسم الملك فيصل الثاني .اُسكن آخرون في منخفض ارضي واسع، اطلق عليه " العالية" تيمنا ايضا بأسم ام الملك ، غير بعيد عن الفيصلية ، التي اتسعت وتناسلت وانشطرت الى اماكن عدة، الموفقية، ايجار واخرى بالاسم ذاته ولكن "أملاك" آلت ملكيتها الى شركة نفط البصرة، ثم الاصمعي، او بالاساس "الومبي" بنوعيه" الجديد والقديم". اشتق اسم "الومبي" من اسم الشركة التي تقاولت على بناء مساكنها، ضمن خطة مجلس الأعمار الملكي، بعيدا بقليل عن مكينة الثلج في اطراف الفيصلية، و بمحاذاة أقدم أمكنة البصرة" صبخة العرب" مأوى الاسلاف والعمومة والخؤولة النازحين من أرياف الغراف والشطرة والرفاعي وسوق الشيوخ والمجر الكبير، والميمونة، والاهوار،قبل زمن العثمانيين وبعدهم. آوت الفيصلية:..عمال بناء، حمالين، دوارة- قبل عهد "العتاكة" ،صباغي احذية، تمّارين يعملون خلال موسم جني التمر ويوزعونه على عوائل الفيصلية بصناديق تحملها اللوريات العائدة لمعامل تمور: اصفر.. وبيت مارين.. والداود.. ومجيد سلومي..الخ ، من اجل إخراج النوى منه- في عملية تسمى بـ"التفشيك"- ليجوب ذلك التمر الـ"مفشق" ، بعد معالجته في المعامل مع الجوز والفستق وغيرهما ، اسواق اوربا او يرسل بطلب من ارستقراطيي البصرة ،الذين اندثروا الآن، الى مَن يعرفون في العالم المتحضر هدايا لا اجمل منها. "تفشِّق"..عوائل الفيصلية وأطفالهم ليل ونهار صناديق التمور، حتى تتقرح الاصابع وتتلون الشفاه، ويغدو اكله وتذوقه شيئا فشيئا مثيرا للاشمئزاز ولدرجة التقيؤ..وتسلّم الصناديق بشرط ان يسلّم النوى لوحده.. لقاء أثمان بخسة قد تعين العوائل لتسديد شئ من ديون قديمة او شراء حاجة ملحة..وثمة ايضا في الـ"فيصلية" فلاحون مهجرون- مهاجرون، القت بهم مهانات ريف جنوب العراق الملكي، مقهورين، قنوطين، معبأين بـ"البلهاريزيا" وأنينههم عند تبلوهم الدموي الدائم، ذوو حرف بدائية لا تتطلب مهارات ، فتنحصر احلامهم في ان يغدوا شرطيين ، فراشين جالسين على كراس امام ابواب القضاة ، او صغار الموظفين ، كناسي شوارع ، حراسا ليلين يحملون بنادق برنو عتيقة وخمس إطلاقات طويلة كل مساء من مركز الشرطة مع صفارة ..تنوح كأحلامهم المتآكلة، يتردد صداها ليلا في فضاء "الفيصلية". قليل من "الفيصليين" موظفون صغار والاقل عددا معلمون والندرة مدرسون.وثمة عمال شركة نفط البصرة وملابسهم الزرقاء المميزة، ويقف العمال عادة مبكرين ينتظرون سيارات الشركة الصفراء-الزرقاء يصعدون بصفوف منظمة.
غير بعيد عن " الفيصلية" يقبع مقر"شركة نفط البصرة" وجواره ما يطلق عليه "المكينة" ، وملعب تنس الشركة، حيث نقف حفاة لنرى، الانكليزيات وهن بـ" الشورت" القصير الابيض ومعهن بعض البصريات ، والانكليز وبعض البصريين ممن نعرف اسماءهم فقط لكونهم اولياء نعمة مشهورين بوظائفهم الكبيرة في الشركة.. نلتصق بسياج الـ(بي.آر.سي) محدقين في ذلك (العري الفاضح) الغريب علينا،حفاة ، بدشاديش كتان ممزقة من الخلف و تلصق عليها قطعة قماش في الغالب من لون آخر.. نلتصق بالسياج برؤوس حليقة واجساد هزيلة وملابس تعلوها الخصاصة - مغرمين مدهوشين بالشورتات القصيرة واحمرار السقيان .. متحفزين لاصطياد كرة التنس البيضاء الصلبة القوية التي قد تطيح بها ضربة طائشة خارج السياج فتكون حصة اكثرنا قدرة على الركض بها بعيدا عن ملعب التنس ..لم يرق التصاقنا، وصراخ صبانا وعيوننا التي استوطنها الـ"تراخوما"، بالسياج، خاصة عصر يوم الاحد، لأولي الامر من ازواج اللاعبات البصريات..فعمدوا لتنسيب "ابو صلاح" مجهزينه بحصان وسوط ..ويظل" ابو صلاح " المخمور الدائم" بجثته الضخمة التي ينوء تحتها حصانه، وملابس الحوذي التي يرتديها،وحذائه الاحمر اللامع الذي يصل ركبتيه، وقبعته الانكليزية المربوطة بخيط اسفل فكيه، ممتطيا حصانه ، يدورعلى السياج ذاهبا غاديا..يصرخ بنا و يهشنا بسوطه الذي ترك ندوبا على ظهور بعضنا ، شاخصة حتى اللحظة. يطاردنا ويطردنا "ابو صلاح" بحصانه وسوطه بعيدا عن السياج الى ان نرمي كرة التنس التي طارت خارجه..لم تفلح تلك التحوطات و"ابو صلاح" وحصانه وسوطه في ابعاد تلصص عيوننا في بدء شبقها على اللاعبات.. فعمدوا لاقامة سياج عال من البردي المضغوط المسنود بركائز حديدية درءا لنظراتنا ..اختفى بعده "ابو صلاح" وحصانه وسوطه ولم نعد نذهب هناك ولم تهمنا حتى كرات التنس المتطايرة ..لا بل كان بعضنا يعمد لاعادتها بأحتقار مقصود عبر السياج الى ملعب التنس ثانية ،طاوين احلامنا المتهافتة على الشورتات البيضاء القصيرة وما خلفها فقط عند انتهاء اللعب ومغادرتهن الملعب جالسات في سيارات صغيرة خاصة.. متألقات قادمات من كوكب آخر.. القلة منهن تخفي بمنشفتها ما يظهر اسفل الشورت.
بسبب عمال النفط باتت "الفيصلية" تربة خصبة للنشاط السياسي السري، فغالبا ما تطفو المنشورات السرية على شوارع الفيصلية متحولة لنداءات علنية .. من اجل درء العدوان الثلاثي على مصر او لمهاجمة حلف بغداد او تحمل مطاليب سكان الفيصلية البسيطة او الدعوة لجبهة وطنية اواسناد الفلاحين المقهورين في ارياف العراق الملكي ..الخ .كان لتلك المنشورات السرية دوي بين "الفيصليين" عندما تفقد سريتها و تظهر للعلن صباحا او بعد ظهر القيلولة في قيظ البصرة ورياحها الشرقية الدائمة وخلو الشوارع من الراصدين ..
جاء الى "الفيصلية" الحاج" جيتا بائي كوكل" وهو مسن ثري ،من اصول غير عراقية، ويملك شركة للاستيراد والتصدير، اعدم بعد انقلاب 17 تموز مع مجموعة من العراقيين بتهمة لا يعلم الا الله مدى دقتها وحقيقتها، وعلقت جثثهم في بغداد.. اما الحاج "جيتا" فعلقت جثته مع اثنين من المتهمين معه في ساحة "ام البروم" وظل الناس يتقاطرون لرؤية جثث معلقة تدور حولها الصرخات و الشعارات والمسيرات.. جثث معلقة تتلاعب بها منذ الصباح الريح وهي تتخلل حشود العوائل وتقافز اطفالها في حديقة ام البروم في نزهة يوم الجثث المعلقة تلك . اقول جاء الحاج "جيتا" وابتنى مسجدا في الفيصلية ..شيئا فشيئا نهض المسجد و منارته وبابه الرحب وريازته .. ودارت حوله الدكاكين و خادمه الباكستاني واسرته ومسكنه المجاور لمغتسل موتى و قتلى " الفيصلية"..



#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك المدينة..(الفيصلية*) -1-
- شؤون العراقيين ووطنهم وشكاواهم
- الفنان التشكيليّ -هاشم تايه-:أعي أن جزءاً من خصوصيّة أيّ عمل ...
- واقع الحقوق والحريات في العراق خلال عام 2006
- مباحثات بغداد آلان او في المستقبل
- الكاتب -جاسم العايف--: سنبقى نلتفت للماضي بغضب..واشمئزاز من ...
- استذكار حزين ل-:يوم الصحفيين العراقيين
- ملاحظات لابد منها حول.. مهرجان المربد الرابع
- جولة نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة ورسالته غير المشفرة
- -قاسم عبد الأمير عجام--:.. بعيدا عن الرثاء
- العراق..ومؤتمرات دول الجوار الإقليمي
- في سقوط النظام الصدامي واحتلال الوطن العراقي 2-2
- في سقوط النظام الصدامي واحتلال الوطن العراقي1 -2
- الجماليات المسرحية.. بين التاريخ والآركيولوجيا
- الزاوية والمنظور:.. اتهام النقد .. دفاع القص
- المستشارون العراقيون
- ماذا بعد الخطة الامنية الجديدة..؟؟
- الصمت والاهمال..*1-2
- الصمت والاهمال2-2
- الصمت والاهمال*1-2


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - تلك المدينة..( الفيصلية) -2-