أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - Setup















المزيد.....

Setup


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 2041 - 2007 / 9 / 17 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


في الفصل الابتدائي كان ( محروس ) يمتلك كل السمات والصفات التي تجعله يصنّف ضمن فئة ( الأولاد السيئين ) .. كان ذو رائحة كريهة وشعر قذر غير ممشط دائما ووجه شاحب متسخ به خطوط داكنة كثيرة وعينان منطفئتان مملوءتان بالعماص .. كان يرتدي مريلة باهتة اللون مقطوعة في أكثر من جزء وبنطلون قديم مهتريء وحذاء بوت بلاستيكي رخيص والذي عادة ما يلبسه أبناء الفقراء .. كان ( محروس ) يسب ويقول ألفاظا وسخة ويصدر أصواتا بذيئة من فمه ويعمل حركات وإشارات قليلة الأدب بيديه ، وبالطبع اعتاد دائما على مضايقة الأولاد المؤدبين أبناء الناس المحترمين مثلي .
في هذه الفترة كنت أسمع كثيرا عن ( الضرب بالحذاء ) .. كثيرا جدا .. كان أبي مثلا يقول لي بصوته الغليظ ولهجته التهديدية الشرسة : ( لو فعلت كذا سأضربك بالحذاء ) .. كذلك الناس في الشارع الذين كنت أظل أراقبهم من الشرفة لأوقات طويلة ، والممثلون في التليفزيون ، والمدرسات في المدرسة ، وغيرهم .. كلهم كانوا يتحدثون ببساطة وبتلقائية متناهية عن الضرب بالحذاء فأدركت أن هذا الفعل عاديا للغاية ومن بديهيات الحياة .
لا أتذكر ماذا فعل ( محروس ) في هذا اليوم .. كل ما أعرفه أنه فعل شيئا غبيا جدا جعلني أغضب بشدة وبما يفوق قدرتي على تجاهله أو بمعنى أدق تفادي المزيد من تصرفاته السخيفة ، و أيضا بما لايكفي معه أن أخبر أي من المعلمات ـ ومن ضمنهم أمي التي كانت معلمة في نفس المدرسة ـ كي يقمن بمعاقبته .. كان لابد أن أعاقبه بنفسي .. هكذا .. اندفعت بشدة تجاهه وأنا مصمم بداخلي أن أفعل به شيئا محددا .. لم أنتبه في قمة غضبي وتصميمي إلى أن ( محروس ) يجري أمامي للمرة الأولى محاولا الهرب .. دائما كنت أنا الذي أخاف وأتحاشى الاحتكاك به .. لكن ربما كان رد فعلي مفاجأة كبيرة له بالفعل فقرر مرتبكا عدم التورط في مواجهة لم يعتادها وبالتالي غير مضمونة النتائج .. كان لحاقي بـ ( محروس ) والامساك به أمرا سهلا لأنه ببساطة كان أعرجا .. لم نكن نعرف ماهو الحادث الذي جعله هكذا ، ولا متى حدث رغم أننا كنا في المدرسة الابتدائية بما يعني أنه أصيب بالعرج وهو صغير جدا .. ذات مرة خلع أمامنا حذاءه ليرينا قدمه المصابة .. كان منظرها بشعا للغاية .. قطعة لحم طولية ضئيلة مهروسة في بعضها تتدلى منها أطراف أصابع صغيرة متشابكة ومتلاصقة للغاية كخيوط من العجين .. بدت قدمه وكأنها بقايا أو أشلاء أعيد تجميعها عشوائيا بعد خروجها من مفرمة .. المهم .. أمسكت بـ ( محروس ) وحاصرته في ركن بأحد طوابق المدرسة ثم خلعت حذائي ونزلت به ضربا على رأسه ...
وأنا أضرب اكتشفت عدة أشياء غريبة .. أنني لم أشاهد أحدا من قبل يضرب أحدا آخر بالحذاء .. الأمر كله كان أولا وأخيرا مجرد كلام سمعته كثيرا فحسب ، وأن هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها ضربا واقعيا بالحذاء بل وأكون أنا الذي أقوم به .. اكتشفت أيضا أنه فعل قاس جدا .. مهين ببشاعة .. أن تمسك بشخص وتحاصره وتقبض بكفك بمنتهى القوة على يديه لتمنعه من حماية نفسه وتنزل بقبضتك الأخرى الممسكة بالحذاء فوق رأسه المنحني للغاية تحت سيل الضربات المتعاقبة .. اكتشفت أنها جريمة قذرة .. لكنني رغم إحساسي بكل هذا لم أتمكن من التوقف ـ وهذا اكتشاف آخر ـ كان في الأمر متعة أن تكون قويا ومسيطرا وقادرا على إخضاع أحد كان سببا دائما في ضيقك وغضبك وشعورك بالعجز والخوف كي تنتقم منه .. أن تتمكن من أن تؤلم شخصا كان منذ لحظات سببا في ألمك وأن تسمع توجعه وطلبه منك أن تتوقف عن ضربه .. أيضا تصورت أن استمراري في ضربه سيجعل مني بطلا بشكل ما داخل المدرسة حينما يعلم الجميع أن التلميذ المؤدب ابن الناس المحترمين أثبت أنه ليس ضعيفا ولا جبانا وليس في حاجة لأحد كي يأخذ له حقه بل ضرب بنفسه ( محروس ) الولد السيء المعروف بكونه بلطجيا صغيرا ويخاف منه التلاميذ .. لم يضربه فحسب بل هزمه وأذلّه ولقنه درسا قاسيا لن ينساه .. كل هذه الأفكار كانت تمر في رأسي وأنا أضرب ( محروس ) .. ما لم أكن أتوقعه أبدا بل وصدمني للغاية أن مدرسي ومدرسات المدرسة غضبوا مني بشدة وخاصموني جميعا بسبب ما فعلته : ( هذه ليست أخلاقك ) ، ( مهما حدث لا يصح أن تضرب زميلك بالحذاء ) ، ( نحن متضايقون منك ومما فعلته جدا ) ، ( هل تعلمت في البيت والمدرسة أن تفعل ذلك ؟!! ) ، ( هل ترضى أن يضربك زميلك بنفس الطريقة ؟!! ) .. سمعت كل هذا وأكثر خلال الأيام التي تلت هذا الحدث وكان رد فعلي الوحيد والثابت هو الصمت التام .. لم أحاول أن أشرح لأحد أو أجعلهم على الأقل يعرفون حكايتي مع مقولات ( الضرب بالحذاء ) ، ولا اعترافي بمدى سوء الفعل الذي قمت به ، ولا رغبتي القوية التي كنت أراها عادلة جدا وقت ضربي لـ ( محروس ) في رد الاعتبار لنفسي بأي شكل .. لم أحاول أن أجعل أي أحد يفهم أي شيء .. كان لدي شعور ما بأنهم لن يقتنعوا أو لن يتمكنوا من استيعاب ما أقصده أصلا .. لكنني بعد مرور أكثر من عشرين سنة حصلت على اكتشافات أخرى قد تكون غريبة أيضا .. أنني الآن مثلا لا أعتبر ( محروس ) ولدا سيئا ، كما أن ضربي له بالحذاء لم يكن جريمة بشعة ، وأن الأشياء التي نعتبرها خيرا أو جمالا أو عدلا أو ... هي الشرور الحقيقية التي تمنع العالم من تدمير نفسه لتحافظ على بقائه كقوة تعذيب متزايدة .

* * *
الأزرق يحتضن الأصفر

السماء غيمة واحدة كبيرة

مطر

والشارع أصبح فجأة موطن للملائكة

من الذي أهدى النافذة أرجوحة كهذه ؟

برودة حريرية ترفعها لأعلى

هاهي الدنيا ممتدة وراء البيوت البعيدة

تنزل بها لأسفل

كائن بالأبيض والأسود

لم يدخن أية سيجارة

ولم تنزل جوفه قطرة ( ستلا )

ولم يسب أحدا بأمه

ولم تخرج من عضوه نقطة سائل منوي

هييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييه


* * *

Fido ذو الجسد الأبيض الضئيل والأنف الأسود

تعوّد لسنوات أن يقفز خارج كوخه المطلي بالأحمر والأخضر

ليمسك بالعظمة الثابتة على عتبة الكوخ

Fido لم يمسك بالعظمة أبدا

كان لا يعرف أنها بلاستيكية

ولا تصلح للأكل

لم يكن يعرف أنه هو نفسه بلاستيكي مثلها

إلا بعد أن بدأت التشققات تزحف في جسده

Fido لم يكن حزينا

بالعكس

ظل مبتسما ويواصل القفز خارج الكوخ

ليحاول مسك العظمة

وحينما وصلت التشققات إلى أقدامه

لم يستطع القفز

فراح يتششم العظمة من مكانه

بينما الإصبع الصغير الذي يكبر تدريجيا

يحثه على الخروج



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلل بسيط في برمجة السعادة
- آدم وحواء
- المُدافع
- كأحلام غير مزعجة داخل رأس ترتدي الخوذة الواقية الوحيدة
- دروع بشرية لحراسة الغيب
- وقت قصير يمنعني من إخباركم بكل الخسائر
- السماء المرسومة في كتاب الحكايات
- قصص قصيرة جدا
- أيادي مرفوعة إلى سقف الحظيرة
- رسول العاطفة الإلهية
- نار هادئة
- أحسن تكوين
- تساؤلات الكمال الإنساني في مواجهة البلطجة الدينية
- الألم
- كوميديا لم يكن هناك وقت لمشاهدتها
- العائدون من الموت
- بينما ننتظر آخر خبر عاجل
- حارس الأنقاض
- النمو بطريقة طبيعية
- الألم الذي يقتل / .. للشاعرة الأمريكية : أندريا فينزيمير


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - Setup