أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الكاظم العبودي - رمضان وتكريس البغض الطائفي في العراق















المزيد.....


رمضان وتكريس البغض الطائفي في العراق


عبد الكاظم العبودي

الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 01:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قمر ثاني يدور بالتأني في مدارات الحَوَََل الطائفي
رمضان وتكريس البغض المذهبي

كلما استمعت الى هدايات رجال الدين وفتاواهم في بلادنا، ميزت مرة اخرى مسار التاريخ العربي والاسلامي ومحنته في ما بين رسل وأنبياء الله وشرائعهم من جهة وبين تلك الاصنام البشرية التي لا تختلف عن تلك الاصنام الحجرية التي اسقطها الرسول محمد (ص) في الكعبة عند فتح مكة ، يوم حرر العرب من قيود أوثانهم.
هل كتب علينا في كل رمضان ان نصطف مع آخرين فنزيح من العقل معقوله ومنطقه باقصى الازاحات ونقبل بالعبث واللامعقول في مداركنا بنواميس الطبيعة حين يفتي الحجر الاصم بمنطوق من الكلام المرجعي، ويمرر خطابه متماهيا من خلال لغة يحسبها على القرآن ويدس فيها ما يريد من تنزيل ملكوت السماء والاحاديث.
هل نسكت والى الابد تحت حكم التقليد والتبعية ونتواطؤ على انفسنا في حق الادراك السليم ونرتهن لما هو خلاف الحقائق العلمية ومكتشفاتها لكي يتمايز البعض علينا بالتقليد الى مشائخهم او بالتبعية لحوزاتهم لا غير. ان العلماء والفيزيائيين والفلكيين الذين تجتز رؤوسهم على مذبح شهوات الافتاء والاجتهاد الاستنباطي ترمي برأس كل منهم مرتهنا باقرب تابع ارضي، لصيق الارض، الا وهو القمر في متاهات من الفتاوى المتعصبة للجغرافية احيانا اوالمكان وللسياسة الفئوية احيانا أخرى.
أما آن لنا ان نقول كلمتنا، كعلماء وباحثين في حقل العلوم الطبيعية، ان السكوت على الجهل هي مشاركة في تكريس"الفتنة " ذاتها، والعمل لها، ونحن نراقب انشقاق الامة في بدء صيامها وفي اعيادها. والخلافات يراد تكريسها ،لا في السياسة فقط بل في إفتعال الخلاف حتى في مشاهدة ظاهرة طبيعية التي يراد منها ان توظف كجزء من مشهد الانشقاق المدمي بين منائر العراق ومساجده وحسينياته.
وهذا لا يدخل في باب الخلاف الذي يسميه البعض "رحمة"؛ بل في التشبث في ظاهرة مرذولة وهي تمزيق الامة ممن خلال رؤى تتصف بالحول المذهبي او الطائفي عند رؤية كثير من القضايا المصيرية للامة.
اننا نسقط في الشرك مرة اخرى عندما نكذب حقيقة الله في وحدانية نواميسه ومنها الادراك بوجود قمر وحيد لاغيره، لم زال يدور م الازل حول كوكبنا ومنذ خلق الله الكون بمجراته ومنظومته الكونية ومنها شمسنا وارضنا وقمرها التابع الوحيد.
واذا اختلف قطر عن آخر أو منطقة جغرافية من الارض عن أخرى في مشاهدة ورصد الهلال؛ فقد يبرر للبعض قبول بعض الاختلاف من موقع زاوية الرؤيا او الرصد في ظروف مناخية تحجب الرؤى او نتيجة لموقع الرصد في تضاريس المكان وموقعها الجغرافي.
أما نختلف في مشاهدة الهلال ونحن في نفس النقطة الجغرافية وفي نفس المدينة او القرية، ففي هذا الاختلاف كما يقول أهل الشك "فيها إنَ" وفيها يكمن الغل الدفين . ونتسائل هنا لماذا كتب على العراقيين، من دون غيرهم من الامم والشعوب، أن يصابوا بالحَوَل الطائفي عندما يرون في الهلال في سماء بلادهم صورتين متباعدتين زمنيا . ويحتكمون الى هيئات ولجان تزرع في بصيرتهم عمى البصائر ويذهبون الى خلافات يصورها لهم "البعض" تنحصر في تخطئة أحدهما الاخر برؤية هلالين متعاقبين في الظهور وبينهما مدى زمني قرابة يوم أو يومين، لا في الظهور القمري، أول الشهر الهجري؛ بل حتى عند الافول والظهور القمري " الهلال" في بداية الشهر التالي. وهكذا كتب علينا الانفصال ، فلا أول رمضان كان واحدا ولا العيد للجميع كان مشتركا.
يجري هذا ونحن نحاول أن نؤمن بيقين صدق المقولة القائلة بـ "اننا امة محمد" واننا "امة واحدة" وإن الله " فضلنا على العالمين".
وان لم نقف امام مثل هذا الهراء العلمي المنطوق على اسماعنا " باسم لجان الاهلة" وحاشيتها الطائفية والمذهبية، فاننا سنبقى مهزومين لا محالة امام تقدم العالم المحيط بنا ، وتطور وسائط رصده لكل لحظة من حياته ولك مستقبله البعيد. ويقيني ان العالم المعاصر سيضحك من حولنا ونحن نرى هلالين من موقع واحد، ومن بقعة جغرافية محدودة الابعاد، قد لا تتجاوز مساحة البلدة والقرية الواحدة، وفي كل الاحوال ان المراصد الطائفية والمذهبية لاترى أبعد من دوائرها الضيقة. وانها قياسا للابعاد الكونية المرصودة فلكيا لاتساوي في حدودها حدود قيمة الصفر المتري مساحة وابعادا على بقعة ارضنا. ولماذا لا يرى البعض في سمائنا الا هلالين تراها العيون والمدارك المصابة بالحول الطائفي وهي حالة معيبة فيها من التعصب اكثر منه من العقل والحكمة والمنطق.
والمفارقة في هذا الحول انه لا تتطابق رؤياه للهلال الا في وقتين يفصل بينهما يوم او حتى يومين أحيانا. ويتكرر المشهد وكأننا امة خارج الزمن وفي معزل عن العلوم والمعارف الانسانية أوخارج الابداع في التقانة والمراصد الفلكية في عصر البرامجيات الرقمية البالغة الدقة والحساب.
ان الامة تعيش بين تقليدين يجب على الصحيح منهما ان يسود ويبقى اما ان يكون غيبيا او واقعيا ومجسدا في حركة الكون التي نحسها ونلمسها بحواسنا وآلاتنا معا. وفي جدل حول ظاهرة فلكية بسيطة كظهور الهلال باتت مرصودة ومفهومة ومتنبأ بها وقتا ومكانا لمدى مئات والوف السنين الماضية والقادمة. ان التقليد العلماني والعلمي في تحديد ظاهرة فلكية، كظهور الهلال يجب ان يزيح التقليد الغيبي الاخر طالما ان القضية لا تحتمل المزيد من الاجتهاد والتنظير النظري والغيبي والرصد من داخل الغرف المغلقة والمظلمة. انها قضية تقدم المجتمع وتحرير ذهنياته من ظلامة القرون الوسطى.
الا نسئ الى الله عز وجل في ممارساتنا لمثل هذا العقوق في اول كل شهر من رمضان وفي آخره من كل عام ويكرر البعض هذا العقوق على مر الاجيال والعقود والقرون.
ان تأكيد الحقيقة للظاهرة الطبيعية ورصدها العلمي الدقيق هي تعزيز لآيات الله ؛ أما التعمد في إلغائها بجهل متعمد من أحد يطلق على نفسه صفة المرجع او المقَلَد. وتتبعه جمهرة من أبناء الطائفة ويتحمس له كثير من المقلدين يدفعون الاخرين طلائعا وافواجا نحو التعصب والغاء اهم شرط في الاسلام الا وهو وحدة المسلمين في شعائرهم وجوهر ايمانهم وتسامحهم وفهم بعضهم البعض.
ظل العراق مشغولا لقرون طويلة بمثل هذا النموذج السلبي من العبادات والطقوس، وهو البلد الاسلامي العريق والمعروف بتطور علوم الفلك فيه منذ العصر البابلي وبعده العباسي وبما عرف عن تواجد المراصد الفلكية في ارجائه وتوفر سجلات الرصد الفلكي "الازياج" التي لولاها لما تقدم تيغو براهيه ومن عده كبلر وكوبرنيكوس وغاليلو.
رغم كل تلك الحقائق الفلكية التي سجلها تاريخ العراق العلمي، لكنه كتب عليه ان يكون الوحيد من أقطار العالم الاسلامي والعربي، الذي ظل يصوم ويفطر وهومنشطرا ومقسما بشكل عجائبي ويدفع بـ "نموذجه المتفجر دماء وترابا وأشلاء بفعل هذا الموروث الطائفي والتقليدي المحروس بحراس اشداء من المغذين له والفاعلين باسمه سرا من قوى خارجية علنية وسرية".
وان استمرار مثل هذا التقليد وشيوع غرابة ثقافته في تكريس انقسام الامة يظل يترك تراكماته وإفرازاته ليشكل حالة من الانفصام المرضي تسئ الى الدين نفسه والى الطوائف التي ما فتئت تسير بتضليل مراجعها على درب التعصب باسم التقليد او العودة لرأي المرجعيات المنكفئة المنعزلة عن تغيرات العلم واستكشاف آفاقه وحله لمشكلات عويصة، وخاصة في المجال الفلكي وكل ما يتعلق بتحديد الاشهر الهجرية وحساب التقويم الهجري وخضوعه للمعادلات الرياضية .
وبغض النظر عن الدلالات اللسانية والاصطلاحية لكلمة المرجعية والمقلدين المرتبطين بها كحالة طبيعية للاعجاب الديني والصوفي للمقلد وارتباطه بشيخه او تعلق الفرد بأمامه الدنيوي. لكننا نرى فيها انها حالات لا تنفصم عن تدني في مدارك الفرد وببداياته الفطرية التكوينية والثقافية الموروثة. ولكن المفارقة تكمن في ان خروج هذا الاعجاب والتعلق وتطوره الى حالة من الارتباط والتنظيم المافيوي من خلال الاعلان والدعوة لتكون اشكال من تلك الارتباطات تذهب بعيدا في تمادي التعلق والتعصب الى حالة مرضية وغير متوازنة مع حقائق الحياة وعصرانيتها، ويدفع البعض لكي يصبح شكل الارتباط بالمقلد أو الشيخ أو الامام ليصبح سنة اجتماعية ترسم حولها هالات من القدسية والاعجاز، وبذلك ستتجاوز علاقة المقلد بشيخه والطائفة بإمامها الى اعلان أشكال من التمظهر والتمترس، والتظاهر المتعصب بها سواءتم ذلك سرا أعلانية مما يدفع بالحشود والدهماء نحو التزمت و بقصد الترهيب والتخويف والتلويح بالقطيعة وكيل التهم للفرد بالمروق بالمعصية الطائفية . وفي نهاية المطاف خلقت لهذه الحالات آليات تدفع الى الوصول بها لتخلق حالة مفتعلة ومنفعلة وشاذة عن الدين وشعائره وممارساته التي يجب ان لا تتعدى تلك العلاقة الازلية بين الانسان وربه من دون اكراه.
أضحت مثل هذه الامور والمناسبات المرتبطة بها رموزا للاستبداد الديني والقمع الثيوقراطي وهما سمتان مستفحلتان في العراق؛ " فالتلازم القسري بين التقليد والمذهبية والطائفية " اضحى ظاهرة، لدى البعض، عقائد تتجاوز الاسلام ذاته كدين وعقيدة يفترض ان يكون واحدة وموحدة، وهي تتجاوز شرط التوحيد في المسائل العامة ان لم يكن قد تتجاوزت كليا الاية الكريمة [لا اكراه في الدين].
والايمان لا يقبل الفرض والتعسف، فكيف لو ان شرط الفرض المفروض لا يتطابق مع الحق في القبول لما هو علمي ومنطقي ومتطابق مع سنن الله في نواميسه الكونية.
يجب ان تجلى الحقائق عن الظواهر الطبيعية بعيدا عن الغموض وتجرى مناقشتها في إطرها الجدلية والفلسفية والمعرفية، وعلى ضوء حقائق العلم واكتشافاته وتطبيقاته التقانية. علينا أن نضم اصواتنا الى الجهد الفكري الذي يعيد الى المرجعيات الدينية والمشايخ المقلدة هنا وهناك رشدها وتحرير رجالها ومقلديها من مذاهب التعصب المذهبي والطائفي، ومنعهم من الايغال بعيدا في شق وحدة الامة من خلال إيلاء أهمية لعلاج وتصحيح هذا الحَوَل الطائفي لمن يريد ان يبصرنا بالاسلام دينا وعقيدة ونظام حياة.
لا اريد ان ادخل في التفصيلات العلمية والكليات الكونية وشرح الظاهرة الطبيعية في موضوعنا، كونها الظاهرة الابسط في الكون، والمتعلقة بدورة ومسار القمر حول الارض، فهي ، في يقيني اول وابسط ظاهرة فلكية كونية وطبيعية اكتشفها انسان ما قبل التاريخ ورصدها بفضول من على سطح الارض اينما عاش ذلك الانسان، وهي لم تغير امامه لا في مواقيتها ولا في اشكال القمر وهو ينتقل في اشكاله في ارباعه قمرا أو هلال. وهكذا ظل الانسان ينتظر تكرارها وتعاقبها، فتعلم بفطنته منها حساب الشهور القمرية وتعداد السنين والارقام والاعداد التي تجاوزت أعشار اصابع كفيه.
وإزاء الذين تسيسوا وتعصبوا حتى بظاهرة رصد الهلال وتحديد اشهر السنة الهجرية، واعياد المسلمين يمكن القول أنهم يبعثون الشعور بالحيرة والاستغراب من أمرهم، فهم يرون في انفسهم انهم مسلمون بإمتيازات ويمارسون بانتقائية خاصة حتى بالنسبة للايات الالهية المنزلة في عدد كبير من الايات الكونية عند الاشارة الى ظواهرفلكية منها المعقدة ومنها العادية. وهم بانتقائياتهم تلك انما يمارسون طقوسا غريبة على علمية الاسلام وتفهمه لحقائق كل عصر ومكتشفاته . ان ممارسة عصيان الايمان بكل ذلك التبسيط والوضوح القرآني ولما تركته مكتشفات العلوم المسلمين الفلكية انما هم يمارسون العقوق ذاته بحق العلم . وعندما يفرضون حالة الالزام على غيرهم بما يعتقدونه فانهم ايضا يخالفون الاية القرآنية القائلة "وأمرهم شورى بينهم" عندما لا يحرصون على التشاور مع غيرهم من علماء المسلمين اوحتى عوامهم .
ونتسائل مرة اخرى لم لا تجد هذه الشورى، المطلوب منا ، طاعتها الهيا وبالانصات لحكمة مبدأ التشاور قبل اتخاذ القرارات الغيبية والتحريض لها في اشكال من الخطاب المذهبي والطائفي وفي فتاوي وتوجيهات ونصوص تنسب الى تلك الحوزات والمرجعيات والمشايخ الدينية. كم تمنيت ان اسمع عن لجنة مراقبة الاهلة من دون تنسيب لها للوقف والمرجعية السنية او الشيعية.
اشم من تقسيط الصيام في بلادنا والزامه لبوسا طائفيا ان للحكم وللسياسة تدخلا في حياة الناس لا داعي لإكسائه مظهرا فلكيا او علميا متحيزا، على حساب الدقة والمناظير الرقمية والحاسوبية وحتى البصرية والعينية الانسانية احيانا.
هل سننتظر 1400 سنة اخرى لنحقق للامام علي(ع) استشرافه بالقول"سيأتي زمان ليس فيه شئ أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل". وهو زماننا يؤكد مصداقية الحق واكاذيب البواطل. ومن اهم الحقائق التي على المسلمين إدراكها ان ديننا الاسلامي كدين خاتم للاديان لا يختص بزمان معين ولا بمكان محدد، بل هو دعوة لكل الازمان والاماكن. ومن جوهر الدين وصيرورته السعي الى تنظيم الحياة وتقدمها لا النكوص بها والتراجع بشكل ظلامي عن نور العلوم. واذا الدين كما يقول دعاته "رحمة للعالمين" فلماذا لاترحموننا في وحدة صيامنا واعيادنا كمسلمين.
ان الحراك الفكري للفقه والدعوة في مسائل تنظيم حياة الناس بات مطلوبا وخاضعا لعاملي الزمان والمكان. وكل حادثة او موضوع يهم حياة المسلمين واستقرارهم الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، شأنه شأن مناحي الحياة الاخرى، سيكون، بمرور الوقت تحت تأثير الظروف الزمانية والمكانية؛ وحتى متأثرا بالعلاقات الاقتصادية والسياسية العالمية والاقليمية والقطرية. فمتى يدرك البعض هؤلاء وهم يقدمون في دور الافتاء موافقاتهم وتعارضاتهم حول اجندات العطل الرسمية والدينية في بلداننا.
واذا كان الفقه الشيعي اتصف بالتحرك والتحرر من كثير من المعوقات الذهنية يتراجع بهذا الشكل المعيب، ويصاب بالحول الطائفي والزوغان في رؤية كثير من الحقوق العادية للانسان ومنا حق رؤيته العلمية للهلال، فما قولنا بحق المذاهب الاخرى.
ان كل دورة من دورات رمضان تقتل الاجتهاد وتدفنه تحت اتربة الارتزاق السياسي والطائفي الضيق. لا ادري كيف هو حكم الفقهاء وهم يرون في الشوارع من كان معلنا إفطاره وسط الصائمين او مشاهدة فردا اوجماعة وهي مستمرة على صيامها وقت كان أناس آخرون يأمون صلاة العيد في مساجدهم وهم في حالة افطار وأطفالهم يخرجون مبتهجين بحلول العيد وهناك في المعسكر الآخر بقية من الامة لازالت صائمة ومؤجلة لعيدها واطفالها منتظرون. كم من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية علينا ان نرصدها في بلدنا جراء هذا التمادي في الحَوَل الطائفي في رؤية هلال لاغير.
وكيف يمكن ان يعلن الفقهاء احكامهم وسط هذا الخلط العجيب بين الناس وعقائدهم بسبب اصرارهم على الخطايا الفقهية في زمن العولمة والقرية الكونية. ان الاختلاف حول مسائل بسيطة مثل هذا واصرار البعض على تكريس الفرقة بها وسط ابناء الامة يعني ان القائمين على دور الفتوى والمرجعية ممن يطلقون على انفسهم "الفقهاء" او"العلماء" او"رجال دين" يريدون ان يعبروا ،من خلال تكريس الاختلاف، عن استبطان لرؤى شاذة ويعكسون بوضوح عن حالة انحراف ديني وتعصب اعمى، وانسياق وراء الاهواء الدنيوية، وتكالب على تثبيت الخلاف بدل الوحدة الوطنية والاسلامية.
وفي كل الاحوال يبقى غياب الذات الاسلامية الواعية يمثل جانبا من جوانب انحطاط الواقع الاسلامي والامة الاسلامية. وان خلاف اجزاء من الامة الاسلامية حول رؤية الهلال في زمن يدور حول الارض واحد من اكبر المراصد الفلكية "هافل" يسجل أي حدث كوني على بعد ملايين السنوات الضوئية ويسجلها بالصورة والطيف لكل مكون من مكونات نجمنا الشمس وكواكبها واقمارها وتوابعها في الوقت الذي تتحول عندنا مواقيت اعلان بدء الصيام او حلول عيد الفطر الى حالات من الاستنفار الطائفي والتمزق المقيت في وحدة ونسيج الامة من خلال التلاعب المقصود في توحيد مواقيت شعائرها وبسبب الاستماع الى مرجعيات التقليد، سنية كانت ام شيعية.
وللأسف باتت قضية "ثبوت رؤية الهلال" تتأكد في ممارساتها المضللة للامة من خلال رؤيتها ورصدها في منظار مذهبي وطائفي غالبا ما كان مصابا بالحَوَل الطائفي. وكأنهم بذلك ارادوا، وبتعمد ترك الدليل العقلي والتقاني والعلمي لينطبق عليهم قول القرآن في نصه من سورة البقرة الاية 17: [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون].
ان ممارسة العبادات بغياب العقل متاهة طالما فصلت تلك العبادات عن التعلم والعلم وتطبيقاته في الحياة وهذه الممارسات في حياتنا الدينية والعلمية لا تقبل التجزئة والانتقاء وفق مزاج المرجع او المثقف ايضا. ان الظاهرة الفلكية التي يراد التشكيك في دقتها من خلال احتسابها وفق أمزجة ونفسية بعض المراجع انما هي تدخل في باب العقوق. ان الدقة الفلكية للظاهرة ابعد من كل اجتهاد ولا يمكن تفسير الايات في غير موقعها وما جاء في نص الايات، وهي كثر، يشير الى دقة وانتظام حركة الكون الفلكية. ومنها ما جاء في سورة يونس الاية 5:[هو الله جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون]
ولا شك ان هذا الموروث الطائفي في زمن الاحتلال وممارسته انما هو عبادة للموروث الذي تجاوزه زمننا ويعبر عن حالة عبودية منكسرة مرتبطة بحالة من العجز الذي ينبغي تجاوزه. وعلى المفكرين والعلماء والمثقفين الاقتراب من مثل هذه الموضوعات ولا يمارسون من حولها جدلا لفظيا بعيدا عن العلم. ان الاحتلال وتوابعه يمارسون عن قصد استخدام هذه الشعائر ويقسمون شعبنا في صيامه وفي اعياده. ويبدو ان منظومات الاقمار الامريكية التابعة للبنتاغون والدائرة حول العراق كل لحظة وهي تمسحه بيتا بيتا ومنارة منارة لا ترى في القمر في سماء العراق شكله وهو هلال كسائر أهلة الارض بل قمرا اريد له ان يكون مشطورا بهلالين متعاكسين في التحدب والتقعر كلا له وجهة وقبلة وصلاة وآذان.
هلالان احدهما محسوبا على رؤية أهل الشيعة وآخر لايراه الا أهل السنة. وفي كل عام يعاد الرصد نحو قمرين لا ثالث لهما . الاول سني سيظهر من افق ارض نجد والحجاز، وثاني للشيعة غالبا ما ينهض في مداره متأخرا ليطل من خلف بادية النجف او قم من الجهة الشرقية للعراق . لماذا يرصد الناس في كل بقاع الارض الاهلة من جهة الغرب وعند الغروب او في الفجر، ولكنهم في بلادي يرصدونه الا من جهة الجنوب او الشرق. يبدو لي، فلكيا، ان قمر مسلمي العراق يدور خلاف القاعدة الفلكية من شمال القطب الارضي الى جنوبه، وليس من غرب الارض الى شرقها. اما ثمة هلالين في العراق، فهي معجزة مسلمي العراق، تعبرعن دورة تخالف كل نواميس الطبيعة.فالى متى نحن ساكتون.



#عبد_الكاظم_العبودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوش في الانبار يعيد لي ذكرى حكاية جدتي
- القادمون على ظهر الدبابات الامريكية لا تمنحوهم -شرفا-... او ...


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الكاظم العبودي - رمضان وتكريس البغض الطائفي في العراق