أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - جندوبا 7















المزيد.....

جندوبا 7


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2036 - 2007 / 9 / 12 - 10:39
المحور: الادب والفن
    



"زربتوا على فرنســــــا" بهذه الكلمات الموغلة في جراحات الذات ، والمتجذرة عميقا في السخرية الماكرة ، علق احد المواطنين المستاءين من عبث الإدارة ، في مكتب بريدي مركزي بالقنيطرة .
المواطن المغربي القادم من وراء البحر في عطلة سنوية ، لم يقف عند هذا الحد، بل واستطرد، والزبد يتطاير من فمه: مازال خص فرانسا تربيكم...؟؟؟؟؟

كانت الساعة تشير إلى التاسعة إلا 20 دقيقة من صباح يوم الثلاثاء 31 يوليوز بساعة المكتب الرئيسي لبريد القنيطرة المركزي ، والوقت حر، حيث سجل مؤشر الرصد الحراري 36 درجة ، حين وقف بباب المكتب "الحلي جندوبا " شاب في حولي 40 من عمره ، دكالي حتى النخاع، ولد وترعرع في بجعد ، وحين بلغ الثامنة عشر من عمره ، ركب هواه، وحركْ مثل أغلب ابناء الفقيه بنصالح وخريبكة واليوسفية.. ،في رحلة محفوفة بالموت ذات صيف ممتطيا باطيرا رفقة 63 مهاجرا سريا ، قضوا ، ونجا رفقة ستة مهاجرين أغلبهم من دول جنوب الصحراء .
لم تكن والدته ، رحيمو ، التي باعت نقرتها ، وتاجرت في كل شيء من اجل توفير تكاليف الهجرة ذات جاه وبنين..لقد أنجبت إبراهيم الملقب بجندوبا بعد عقم دام 10 سنوات ، دون ولي أ ونصير، وأوصدت قرون الوالدة إلى اجل يعرفه والده أحميدة ، الذي ظل جندوبا يحلم بمعانقته حين عودته من بلاد الغربة ، وهو يقبل يده ريكتو فيرسو ، أمام أولاد الدرب لدقائق ، ثم وهو يزدح باب سيارة الميكان الايطالية ذات النوافذ المعتمة ، بدل أن يختلس النظر إليه عبر شباك حديدي بسجن عكاشة ، حيث يقضي ألان عقوبة السجن المؤبد في جريمة قتل اقترفها رفقة تاجر مخدرات .
دلف إبراهيم المكتب عبر بوابته الرئيسية ، وكمن يعرف خروب بلاده ، حتحت جيوبه بحثا عن أوراق الإقامة ، ووثائق السيارة ، راكمهما جهة الصرة خوفا من سرقتهما ،ثم اقتحم المكان كمن ينوي على شر.
كان إبراهيم قرر أول أمس ، التوسط لدى مدير إحدى الشركات بميلانوا من اجل عقدة عمل ، حتى يتسنى له ضمان مستقبل رفيق طفولته ، عليلو ، وهو يسعى إلى ذلك وفق ما يتطلبه القانون ، وضرورات السفر ،كل ذلك في إطار عمل موسمي متجدد ، مقابل عمولة لم يتم الرسو على صفقتها بعد .
ولهذا الغرض، فهو مطالب بتحويل مبلغ 15 ألف درهم على شكل حوالة الكترونية إلى إدارة فندق هناك ،من اجل حجز إقامة لمدة شهرين .
الخطوة ألأولى في هذا الاتجاه، تقتضي مراجعة النقود ، والتأكد من المبلغ وهو ما قام به في توتر ، ثم وقف آخر الطابور.
مسح بعينيه فضاء المكان الضاج ، و صعق للوهلة الأولى ، حين لفح سحنته تيار من الهواء الساخن ، كانت أرقام الشبابيك متسلسلة من واحد إلى ستة تؤشر بألوان حمراء... فهي على الأقل توحي بان الأمور ستكون على ما يرام ، لكن الذي لا يسر ، هو أن موظفا واحدا فقط ينوب عن الشبابيك الفارغة من ، المستخدمين الخمسة كلهن نساء ، وقد استفدن من عطلتهن السنوية بفارق زمني ضئيل وغير منسجم مع شروط الإدارة المتزنة.
كان الداخل غاصا بالبشر ، وبصهد المكان الذي يكره . كان صدره الممشوق بخرقة تظهر زغبات إبطه يزداد ضيقا كلما نزل إلى أسفل. وهو يتأفف من انتشار أنفاس بشرية تدعو إلى التقزز ، هو ابن البلد صحيح ، لقد هاجر إلى ايطاليا قبل عقدين ، اعتقد خلالها إن أشياء كثيرة بالمغرب تغيرت ..قطارات المغرب ...واتصالاته ، الحافلات ، والفنادق ،والنافورات، الطرق، ومؤخرات جيل من فتيات البورطابل والبارابول والكليبات وعلب الليل الموغلة في لذة الخمر والكوكايين بأصنافه وتصنيفاته ، وكذا المباني الإدارية وواجهات المحلات ....
وظل لزمن طويل يقنع أخت زوجته التي تعمل مترجمة بسفارة روسيا بروما .كلما فتح جهاز التلفزيون كي يستمع إلى نشرة أخبار الدوزيم أو الأولى هناك. إن المغرب تغير .. انظري..الملك يصافح المواطنين مباشرة...ولا يشعر بضيق وهو يعانق شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة..إنهم هناك يلقبونه ملك الفقراء..او الملك الذي عرشه فوق سيارته.
نبه زوجته الايطالية إلى الحذر في حال مغادرة السيارة لغرض طارئ، قبل أن يتغافل مفتاح السيارة ، بهدير محركها القوي الذي ما فتئ يدور، والمروحة تعصف ريحا فاترا بين الفينة والأخرى ، في محاولة ناجحة للحد من حرارته . في انتظار عودته بعد انجاز مهمته ،ظلت "سوليتا" تعتقد أن العملية لن تستمر أكثر من 15 دقيقة .... وكلما مر وقت ،كان جندوبا يقنعها كما يقنع نفسه بضرورة الصبر و التساكن مع هذا الانتظار الممل.. ،كان يردد : ليس مهما : إننا في المغرب يا سوليتا...رجاء ..تحملي ...دقائق و ينتهي الأمر ...
كان يقولها بعيدا عن أي انفعال ، سيما وهو يحب سوليتا ، التي بفضلها استقر هناك وحصل على أوراق الإقامة بنجاح ، انه ابن الجبل والمدى ، ابن جيل يحب الخير لبلده ، مهما طمست الغربة هويته تحت طائل الفقر والاغتراب القاتل

وقف لحظة يتفرس في الوجوه الشاحبة لمواطنين على عجل وهم يتكدسون ..ويتكدسون ، سيدة مسنة تتشاجر مع شابة حول رقمها في الصف ... شاب فتش جيب جندي ، ولما لم يعثر على شيء ،هدده طالبا إياه الصمت تحت تهديد جدي بسلاح ابيض.. رجل يبيع بيضا مسلوقا..ولا يشعر بأدنى حرج وهو يلقى قشورعباد الشمس ، وبقايا معلبات.. أينما اتفق...سيدة تتسول بثلاثة أطفال متقاربين في السن ..وأخرى تدخن سيجارة ..وتبيع أخرى .. وظلت أذناه على مدى ثلاث ساعات ترتشف كلاما مألوفا ، ساقطا ، تردد على مسامعه طوال سنوات : الحمار...ياولد القح...على خنز....:
....كان حجم الصراخ مرتفعا.. والزعيق الذي يملا فضاء مكتب البريد المركزي ، أشبه بورش نجارة بأفواج من المتدربين .
لم يتمكن جندوبا من معرفة رقم الشباك الذي سيساعده على القيام بمهمته المستعجلة وسط فوضى المكان . انه يسعى لضبط بيانات استمارة الكترونية ، ستفي بالغرض رغم كلفتها الباهضة، كان متوقعا حسب المعمول به، أن يتوصل مدير شركة استئجار ايطالية بالحوالة بعد ساعتين من إرسالها ، وفق تعاقد ملزم ، وأي خلل في ذلك يتحمله الطرف المخل كامل التبعات . انه يحمل تصورا حضاريا للمسالة ، كما عايشها في مكاتب بريد ايطاليا ، فما يكاد يقف حتى تفاجئه موظفة البريد بابتسامة تشد الروح ، فتربكه ، وحين يستجمع ذاته ، تسلمه الموظفة الجميلة وصل الإيداع ، وتطالبه بابتسامة إغراء عينها ، بالانصراف وترك الفرصة للذي يلي ..لكنه الآن بدكالة .. بالمغرب العتيق .

فيما قدرالمسكين الذي ترك زوجته داخل سيارة في مكان ممنوع الوقوف فيه ، ومحرك السيارة يدور ، أن العملية قد لا تتطلب أكثر من 15 دقيقة . لينصرف بعد ذلك إلى قضاء بعض لوازمه حيث لم يبق له في بلده سوى أيام معدودات..فقد حدث ما لم يكن في الحسبان .
عزيز باكوش



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير في شأن ليلية ظلامية1
- القنفذ الجائع / على هامش اقتراع 7 شتنبر 2007
- من الافضل للمثقف العربي ان يموت الان
- باكالوريا جهة فاس بولمان برسم 2007 أرقام ومعطيات
- - شوف تشوف- لكاتبه رشيد نيني، هل تتغير بعد 20 سنة؟؟
- حماسُ بالرفع حماسٍ بالكسر مع التنوين
- ابو جهل القرن21: البصل يخرج من الملة والدين
- الطريق الى-ريزكَار-
- مجالس التدبير بالمؤسسات التعليمية، عطب ينضاف
- جريدة صدى فاس ترد الاعتبار لأربعة من وجوه مؤسسيها
- فاطمة الزهراء فرح تصدر -مساءات ارض تستحق زرقة السماء-
- الثقافة الصوفية تسائل البشر والتنمية
- الشعر في القرويين ابداع لغوي وسمو بالقيم
- شاعر يابى حداثة نتنة في كفن من حرير
- الاعلام المكتوب هل يختفي بعد 40 عاما؟؟
- قراءة الصحف والمجلات عبر الانترنت فضول ام حاجة1
- ايقاعات ملونة كتاب جديد للدكتور الموساوي
- صورة المدرسة في السينيما المغربية
- الحياة والموت بين العلم والاسلام والتحليل النفسي
- الاضراب في قطاع التعليم عبث لاحدودله


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - جندوبا 7