أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - تلك المدينة..(الفيصلية*) -1-














المزيد.....

تلك المدينة..(الفيصلية*) -1-


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 2034 - 2007 / 9 / 10 - 07:12
المحور: الادب والفن
    


الى والدي رحمه الله
المكان الذي ((كلما نبتعد عنه نظل دائماً نستعيده ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادية، ذلك الاحساس بالحماية والامن اللذين يوفرهما لنا))
غالب هلسا
تبعنا أبي/ كالخراف/ في عصر يوم شتوي خمسيني،أمي وأنا وأختي وأخي الصغير،مشيا ًمن مكان معمل الـ(ببسي كولا الاهلي) ،الذي لم يكن له وجود في تلك الأيام ، وقد اجهزت عليه قوات التحالف، في ما سمي بـ(حرب تحرير الكويت) ، كمأوى او جزء من أسلحة الدمار الشامل التي في حوزة النظام!!..وتطايرات شظايا قنانيه ومعداته لتصيب من اخطأته حمم الـ(الكروز) والـ(توما هوك) القادمة من ساحلي البحر الابيض و الاحمر و مياه الخليج العربي كذلك.
أبي يمسك فأسه وأمي تحمل على رأسها(طاسة) البناء المملوءة بالجص المخلوط بالبورك، تجرجر قدميين صغيرتيين حافيتين، منهوكة ، منتفخة البطن، في شهرها الاخير، وأنا أنوء بحمل المسحاة وأخي الصغير، النحيل، قتيل عام1987بفعل قذيفة حرب قادمة من ضفاف نهر عراقي،علمت خلال ذلك العام فقط ان اسمي يشابه اسمه،خال من الماء يقع في أقصى بقعة من جنوب شرق ارض الرافدين . اخي مسك خيط البناء ، وأختي حملت الأوتاد الخشبية التي صنعها أبي بيديه..سرنا، فريقا مهزوما صامتا مقهورا خائفا ، من غضب أبي الدائم وسخطه الذي يعوض به جفاء ايامه، ومرارة زمنه ، باتجاه الغرب نستكشف ما يفترض مدينة خيالية بالنسبة لنا، ولم نر فيها غير بضعة بيوت بُنيت بالطابوق تقاولت على بنائها شركة(تاجريان) خصصت للدرجات الدنيا في سلم موظفي المملكة العراقية آنذاك..أما نحنُ سلالة سكان الصرائف و بيوت الطين،السومرية، فعليهم أن يرحلوا خلال أسبوع أو أقل من أرض لا نعلم لمن تؤول ملكيتها،استحوذنا عليها مؤقتا ، بحكم الحاجة لمسكن لا يقينا حرا او بردا، صرائف قصب نصبناها مقابل مقر "شركة نفط البصرة" لعلنا نشم رائحة بترولها ، الذي يفيض على العالم البعيد عنا، ولم يصلنا منه غير القهر والعذاب والتسلط والبربرية والضنى وديمومة الحاجة والفقر..:
"آه..لهذا البترول
الذي اطفأ دجلة"
الشاعر الراحل مصطفى عبدالله
سرنا وثمة مَنْ كان امامنا وخلفنا.. نحو المدينة الجديدة ،مدينة الآمال البسيطة والأحلام المتواضعة،تدغدغنا بشارة الـ(طابو الأبيض) الذي وُعدنا بتحوله مع الأيام والسنوات الى الـ(طابو الأسود) وعبره سنتحول الى(ملاّك) ستسجل اسماء ابائنا لأول مرة في سجلات البلدية بعد كانت مسجلة، موثقة بشهادة المختارين ، في دوائر التجانيد الاجبارية فقط.. لم نجد، بعد وصولنا،غير ارض (سبخة) تحولنا فيها الى عرصات و شواخص أرقام وكنا (العرصة رقم 74) في (الفيصلية):
- مَنْ اطلق على تلك(السبخة) و جزرها الملحية المتناثرة، هذا الاسم الملكي؟.
بسمله أبي اولا وحمد وشكر ثانيا، ثم نهرنا بصوت عال لنكف عن المزاح، وبدأ يدق الأوتاد ويمد الخيط ويوشحه بـ(الجص والبورك) باستقامة الرصاصة التي يعرف كيف يطلقها على الهدف وهو البنّاء الذي دعي في الاربعينيات إلى جندية الاحتياط ، في فوج "المقدم الركن عبد الكريم قاسم"، نحو فلسطين..وهناك ربتَ على كتفه قائلاً له بفراسة ،أدهشت الضباط المحيطين به-:
- أأنت بَنّاء!؟.
اطرق أبي ثم همهم بحياء: نعم سيدي. رد عليه:
- هذا واضح من قدرتك على إصابة الهدف في التدريب!!؟. وأمر له بمكافأة قيمتها نصف دينار من ماله الخاص.
بعد ان ثبت أبي الأوتاد ومد الخيط وحدد مساحة العرصة ـ100م2ـ أمرنا بالحفر..وثمة إلى جوارنا مَنْ لا يعرف كيف يفعل ذلك؟..قام أبي بتخطيط (العرصة) العائدة له ولصغاره واغلبهم من البنات وأمرهم كذلك بالحفر..حدث ذلك في /أول لاين/ من "الفيصلية"...الفيصلية التي تناسلت واتسعت بشوارع مستقيمة ترابية.."الفيصلية" التي امتدت شمالا وجنوبا واختلطت فيها الأعراق والأجناس والأديان والطوائف العراقية ولا من يسأل عن ذلك او يؤسس عليه...ثمة../عرب/ أكراد/ تركمان/ فيليون/ بلوش/ هنود/ باكستانيون/ إيرانيون/افغان.. مسلمون/مندائيون/ارمن/ارثذوكس/بروتستانت/ كاثوليك/..يهوديات،مسيحيات، مندائيات ، متزوجات من مسلمين/..جامع (سيد حيدر)..غير بعيد عن حسينية (السهلاني)..وفي كل صباح من يوم الأحد تكنس أمهاتنا الطريق الى (الكنيسة) ويرششنه بالماء كي لا يتطاير الغبار ويلتصق بملابس المسيحيات الأنيقات الجميلات ، الذاهبات للصلاة في (الكنيسة) عصرا، ونصغي الى دقات ناقوس الكنيسة. ونتابع ،بشغف طفولتنا الفقيرة..متطهرين بمياه نهر "الفيصلية" مقلدين مشغوفين بطقوس "مندائي الفيصلة" ، وأذان الجامع وقراءة " الوائلي" ، وجلسات "المحيبس" التي تمتد الى آذان الإمساك في رمضان، و ارتيادنا و عوائلنا السينما الصيفية في اطراف (الفيصلية) . لا ثمة سؤال وتمييز بين الاديان و المذاهب والأعراق..عراقيون..في الطرقات ، المقاهي، ساحات كرة القدم، المدارس، حفلات الزواج، المآتم، الجوامع .. وفي الاسواق التي تختلط فيها (الفيصليات)العراقيات،سافرات او غير سافرات، مؤمنات أو غير مؤمنات، و"شاي العباس" ومعجناته التي تقدمها المسلمات والمسيحيات والمندائيات واليهوديات لكل الـ(الفيصلين)في أزقة و طرقات "الفيصلية"..
-: ايها العراق.. ايها الناس..أين اختفى ذلك كله الآن..؟؟!!.
ـــــــــــــــــــــــــ
(* )محلة شعبية في البصرة كانت محاطة بجزر الملح خصصت لإيواء سكان الصرائف المحيطين بمركز منطقة العشار وأطراف البصرة وللمهاجرين من الأرياف.



#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شؤون العراقيين ووطنهم وشكاواهم
- الفنان التشكيليّ -هاشم تايه-:أعي أن جزءاً من خصوصيّة أيّ عمل ...
- واقع الحقوق والحريات في العراق خلال عام 2006
- مباحثات بغداد آلان او في المستقبل
- الكاتب -جاسم العايف--: سنبقى نلتفت للماضي بغضب..واشمئزاز من ...
- استذكار حزين ل-:يوم الصحفيين العراقيين
- ملاحظات لابد منها حول.. مهرجان المربد الرابع
- جولة نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة ورسالته غير المشفرة
- -قاسم عبد الأمير عجام--:.. بعيدا عن الرثاء
- العراق..ومؤتمرات دول الجوار الإقليمي
- في سقوط النظام الصدامي واحتلال الوطن العراقي 2-2
- في سقوط النظام الصدامي واحتلال الوطن العراقي1 -2
- الجماليات المسرحية.. بين التاريخ والآركيولوجيا
- الزاوية والمنظور:.. اتهام النقد .. دفاع القص
- المستشارون العراقيون
- ماذا بعد الخطة الامنية الجديدة..؟؟
- الصمت والاهمال..*1-2
- الصمت والاهمال2-2
- الصمت والاهمال*1-2
- توثيقية المكان والاستذكار


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - تلك المدينة..(الفيصلية*) -1-