أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مازن لطيف علي - ثلاثية النفط العراقي















المزيد.....



ثلاثية النفط العراقي


مازن لطيف علي

الحوار المتمدن-العدد: 2034 - 2007 / 9 / 10 - 12:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ثلاثية النفط العرا قي هذا هو عنوان الكتاب الجديد الذي صدر عن دار الغد وهو من تأليف الاستاذ والخبير العراقي المعروف فؤاد قاسم الامير ..يتكون الكتاب من ثلاثة فصول الاول "ملاحظات حول قانون النفط والغاز " اما الفصل الثاني "مرة ثانية :ملاحظات حول قانون النفط والغاز"اما الفصل الثالث "مرة ثالثة :ملاحظات حول قانون النفط والغاز " ويشمل الكتاب ايضا اربعة ملاحق ..يتكون الكتاب من 336 صفحة من القطع الكبير وهذا الكتاب هو الكتاب الرابع للاستاذ فؤاد قاسم الامير وقد صدر له (العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة_2004)(مقالات سياسية اقتصادية في عراق ما بعد الاحتلال 2005)(الطاقة والتحدي الاكبر لهذا القرن 2005) وثلاثية النفط العرقي هو الكتاب الاخير الذي صدر عن دار الغد..ميزة هذا الكتاب ان مؤلفه هو خبير وأختصاص في مجال النفط والاقتصاد وهو من الشخصيات اليسارية المتزنة جدا وصاحب رؤية مستقبلية في احداث العراق جاء في مقدمة الكتاب:
"ان هذا الكتاب يتضمن ثلاث دراسات كـتبتها حول "مسودة قانون النفط والغاز". نشرت الدراسة الاولى في 31/1/2007، بعد ان اطلعت على مسودة القانون المؤرخة في 15/1/2007، تحت عنوان "ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز". ونشرت الدراسة الثانية، تحت عنوان "مرة ثانية: ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز"، في 15/3/2007، بعد ان اطلعت على مسودة القانون المعدلة والمؤرخة في 15/2/2007 مع الملاحق الاربعة ، ومع مذكرة تفاهم بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة اقليم كردستان مؤرخة في 26/2/2007. اما الدراسة الثالثة فلقد نشرت في 9/5/2007، تحت عنوان "مرة ثالثة : ملاحظات حول مسودة قانون النفط والغاز"، وذلك بعد اجتماع مجلس النواب العراقي وعدد من الخبراء في دبي في 18/4/2007، وبعد صدور بيان وزير الثروة المعدنية لاقليم كردستان في 27/4/2007، نيابة عن حكومة الاقليم، يعارض فيها الملاحق الاربعة. لم اغيّر بالدراسات ، عدا بعض التعديلات اللغوية والاخطاء البسيطة. يلاحظ القارئ ان الدراسات تضمنت امورا كثيرة متعلقة بالسياسة النفطية العراقية وكيفية استغلال هذه الثروة، اضافة الى علاقة مسودة القانون بالدستور العراقي، وتفاصيل عن معنى عقود المشاركة بالانتاج، والدور المقبل لشركة النفط الوطنية حسب مفهوم مسودة القانون، كذلك حول اهمية وجود سياسة نفطية مركزية موحدة للسيطرة على الانتاج والتصدير، اضافة الى ردود على موقف حكومة اقليم كردستان. لذا فان هذه الدراسات لاتناقش بنود مسودة القانون فحسب بل تتعداها الى السياسة النفطية العراقية عامة، والضرر الذي سيصيب العراق في حالة تمرير القانون. ان الدراسات الثلاث مترابطة وتكمل الواحدة الاخرى. ارتأيت ايضا اضافة هذه المقدمة، التي قد تكون طويلة، ولكنها ضرورية لفهم السياسة النفطية.
لقد سرّني جدا تقبل القارئ العراقي والعربي والاجنبي لهذه الدراسات، اذ كانت قد تـُرجمت الى الانكليزية، سيما وان الدراسة الاولى نشرت لاول مرة مسودة قانون النفط "السرية جدا" حسب فهم معدّيها. استلمت الكثير من الرسائل والتعليقات سواء كانت من خلال البريد الالكتروني او من خلال ما نُشر في الصحف والمواقع، وشعرت ازاء هذا التقبل بان جهدي لم يذهب هباء، اذ ان الرسائل كانت من خبراء وسياسيين واقتصاديين وغيرهم، ومنهم عدد من الاجانب، وانني ادين بالشكر والتقدير لهؤلاء، اذ زادوني اندفاعا في البحث عما اعتقد هو الصحيح في هذا الامر المعقد. هذا ولقد طلب عدد منهم ان تنشر الدراسات الثلاث في كتاب، وقد قامت "دار الغد" – مشكورة – بطبع ونشر هذا الكتاب




امل ان لايستغرب القارئ عندما استهل هذه المقدمة بالكلام عن الصناعة العراقية، اذ سيرى لاحقا ان الامر مرتبط بموضوعنا الحالي وهو "النفط"!.
كنت قد نشرت في صحيفة "الغد" في 23/1/2004 دراسة بعنوان "ميزانية 2004 وخصخصة الصناعة"، اذ كانت هناك تصريحات مستمرة من قبل مسؤولين عراقيين واجانب في عراق مابعد الاحتلال حول خصخصة الصناعة، حيث لم يتجرأ احد في حينه في الحديث عن "خصخصة" صناعة الانتاج النفطي. اشرت في تلك الدراسة الى التخصيصات المالية المتواضعة جدا التي وُضعت في ميزانية 2004 لاعادة اعمار وتشغيل المنشآت الصناعية الجبارة في وزارة الصناعة والمعادن، ومنها صناعات حيوية جدا لاغراض النهوض بالاقتصاد العراقي مثل صناعة الاسمدة النتروجينية والفوسفاتية والبتروكيمياويات وصناعة السمنت ومواد البناء، حيث كانت مجمل معامل هذه الوزارة في حالة يرثى لها، نتيجة التدمير المباشر من قبل الاميركان في سنة 1991، والتدمير غير المباشر نتيجة الاهمال بسبب المقاطعة الاقتصادية للسنوات التالية لحين الاحتلال في سنة 2003. لقد ذكرنا في تلك الدراسة "ان القطاع الصناعي هو الاهم بنظرنا فهو معنى بمعيشة اكثر من نصف مليون عائلة، وان تأهيله وتشغيل جميع معامل وزارة الصناعة والمعادن والقطاع المختلط بالطاقة الكاملة سيساعد بدرجة كبيرة على الاستقرار الاجتماعي والتقدم المطلوب. وان فشل هذه المعامل في تحقيق طاقاتها او ايقافها سيكون احد العناصر الرئيسية التي تسبب عدم الاستقرار والقلق والفقر، وتخلق بالتالي الجو المناسب للارهاب، ولنأخذ درسا من مسألة حل الجيش اعتباطيا وكذلك حل وزارة الاعلام وكثير من منشآت التصنيع العسكري والنتائج السيئة التي ترتبت عليها"، واضفت "ان من الواضح ان واضعي الميزانية ومن وجههم عملوا كل ما بوسعهم لافشال المشاريع الصناعية الحكومية والقطاع المختلط واستمرار ايقافها او عملها بطاقات متدنية لكي تؤدي الى خسارتها". كذلك ذكرت "ان حتى لو اقتنع البعض باهمية الخصخصة (وهي كذلك لبعض الصناعات لو سارت بالطريق الصحيح)، فان من غير المعقول او المنطقي ان تباع المعامل وهي متوقفة عن العمل. ان البيع يتم اعتياديا وهي في احسن حالات التشغيل والانتاج، لان هذا الامر سيزيد من قيمة المعامل، كما سيقلل الى حد كبير من تأثير المشكلة الاجتماعية المتوقعة".
ان هذا الكلام كان في بداية سنة 2004، حيث تستغرب الدراسة من عدم تخصيص الحد الادنى للمبالغ المطلوبة لوزارة الصناعة والمعادن وتشكك في النوايا الاميركية، ومن سار في خطا الامريكان من العراقيين، ولكن لم نقل بصراحة ان هذا الاهمال والتوجه المدمر هو امر متعمد لانهاء صناعة القطاع العام، وهي مجمل الصناعة العراقية تقريبا. ان قولنا هذا كان سيدخلنا في "نظرية المؤامرة"!!، على حد رأي المقتنعين في حينه بالنوايا الاميركية "الحسنة" والتي زعمت انها ستخلق من العراق جنة على الارض!!. ولكن اهمال منشآت وزارة الصناعة والمعادن استمر لسنوات 2005، 2006 و2007، وبدأ الكثير من العراقيين يدرك "اللعبة"، وبدأت الصحافة الاميركية ولجان الكونغرس بكشف "الفضائح"، وذلك نتيجة الاخفاقات المستمرة للادارة الاميركية في عملها العسكري في العراق وانتهاء مشروع بوش الى الفشل الذريع، وبدأت الامور "المخفية" بالظهور، ومنها مايتعلق بمعامل وزارة الصناعة والمعادن. وماتبين لحد الان يرينا ان "نظرية المؤامرة"، هي ماحدث فعلا!!. ان الادارة الاميركية عملت المستحيل في سبيل عدم تشغيل المعامل واستمرار ايقافها وانهائها الى (سكراب)، لكي تنهي القطاع العام وتخلق دولة "الاقتصاد الحر"، و "العولمة المنفتحة"!!. انها عملت منذ اليوم الاول للاحتلال على اكمال هدم هذه المعامل استمرارا لما قامت به سابقا، كما وعرضتها عمدا لعمليات النهب و "الحواسم"، والامثلة كثيرة. اريد ان اشير هنا الى "الفضيحة" التي نشرتها مؤخرا صحيفة الواشنطن بوست (وهي الاقرب الى الحزب الجمهوري منها الى الحزب الديمقراطي) عن خطة الاحتلال بشأن المنشآت الصناعية. فلقد نقل الملف برس (واشنطن) في 21/5/2007 عن تقرير مفصل نُشر في الواشنطن بوست متضمنا "اسرار" عن موقف الادارة الاميركية، بضمنهم بول بريمر والسفارة، برفض اعادة اصلاح وتأهيل المصانع المملوكة للدولة رفضا قاطعا، اذ تؤكد الصحيفة ان رد المسؤولين الاميركان على موضوع التأهيل، بان "هذا الامر يعني العمل ضد اصلاحات السوق الحرة التي يجب ان تشجعها الولايات المتحدة في العراق". وتستمر الصحيفة لتقول: "ان اللاعبين الرئيسيين في اعادة اعمار العراق (ادارتي الدفاع والمؤسسة المدنية الاميركية) كانتا تعارضان بشدة جميع الطرق المقترحة لانعاش الاقتصاد العراقي المحتضر"، وتضيف "لقد حاول ممثل الادارة الاميركية في وزارة الصناعة العراقية السفير المتقاعد تيموثي كارتي حينذاك اعادة افتتاح عدد من المعامل ووقف بريمر بشدة ضد هذا الامر... كما انه اصدر تعليمات في سنة 2004 بمنع تمويل المشاريع المملوكة للدولة منعا باتا". وتتحدث الصحيفة باسهاب عن الخلافات التي حدثت لاحقا بين وزارتي الدفاع والخارجية، حيث شعرت الوزارة الاولى لاحقا وبقيادة مسؤول فيها يدعى بول برنكلي انه يجب تشغيل المعامل (لتجفيف مستنقعات الارهاب، واعادة مئات الالوف من العراقيين الى العمل) – على حد قول الصحيفة – ، فما كان من وزارة الخارجية الا ان رفضت الطلب رفضا قاطعا، وطلبت من المخابرات المركزية دراسة موضوع علاقة عدم تشغيل المعامل بالارهاب، وجاءت الدراسة على هواها بعدم وجود اية علاقة!!.
تحدثت عن الصناعة ونحن الان في مجال النفط، وذكرت مثلا واحدا عن موقف المحتل من الصناعة التي عمل على تدميرها وتركها (سكراب)، خوفا من ان يُقال او يُبرهن بان القطاع العام يمكن ان يسيّر نفسه وينجح، عند ذاك تمس عقيدة "السوق الحرة المنفتحة" بالضرر البليغ!!. لايهم تدمير هذه الصناعة الجبارة التي كلفت العراقيين من المال والعراق والروح ماكلفت، ولايهم ان يقف العراقي الابي الاشم متسولا قوت اطفاله ومتشردا ذليلا في ارجاء العالم كافة، المهم ان لاتمس عقيدة "السوق الحرة المنفتحة" باي خدش!!. ان هذا الامر يشبه موقف الادارة الاميركية بعدم الاهتمام بمئات الالوف من القتلى العراقيين طالما ابعدت الحرب عن اميركا، وما يقتلني ان القاتل بوش يقول هذا متباهيا وهناك من في الحكم في العراق من يعتز بهذا القاتل.
الآن نريد ان نرى هل حدث شيء مشابه في النفط، وهل سنقرأ فضائح جديدة؟. وهنا لا اتحدث عن "ان الحرب كانت بسبب النفط"، فهذا امر واضح جدا وكتبت عنه حتى اقرب الصحف الى ادارة بوش، ولكني اتكلم عن التقصير "المتعمد" في تحسين الصناعة النفطية، وهل "نظرية المؤامرة" مطروحة هنا ايضا؟!. ان جميع خبراء العالم يؤكدون دائما ان الكادر النفطي العراقي قادر جدا على تسيير الصناعة النفطية وانه الافضل في العالم الثالث والاكثر استعدادا للتعلم. ولكن هذا الامر سيخلق مشكلة للاحتلال، اذ ان ثقة الكادر النفطي بنفسه سيعيق المشاريع المتعلقة "بخصخصة" الانتاج النفطي كليا او جزئيا، مباشرة او بطريقة "الدخول من الشباك".
ان الامر الظاهر يرينا ان المحتل حافظ على وزارة النفط، وهي الوزارة الوحيدة التي حافظ عليها، وترك الباقي للنهب والسلب "والحواسم" والتدمير والقصص كثيرة في انه ايضا شجع على ذلك ولسنا هنا بصدد التكلم عنها. لقد حدث نهب وسلب في المنشآت النفطية ولكن لم يكن بالسعة التي حدثت في باقي منشآت الدولة. لاحقا تعرضت الخطوط الناقلة للنفط الخام او المنتجات النفطية لاعمال تخريبية عديدة. ان مايثير استغراب الكثير، ومايثير استهجان وغضب جميع فئات الشعب العراقي، هو ان الامور المتعلقة بالمصافي لتزويد العراقيين بالمنتجات، وكذلك المنشآت المتعلقة بانتاج النفط المصدّر تسير من سيء الى اسوأ وبدون ادنى بارقة للتحسن بالرغم من اننا في السنة الخامسة من الاحتلال. ليس هناك مايعيق تحسين هذه الاوضاع، اذ لايمكن تعليق هذا التقصير القاتل على "شماعة" الوضع الامني المتدهور، فالنفط هو عموما في المناطق الاكثر امنا في العراق، كما وان التوسع في انشاء المصافي، (ونفس الشيء ينطبق على الكهرباء)، يمكن ان يتم في المناطق الشمالية او الجنوبية الآمنة. اذا لماذا يُترك العراقي الجائع المرعوب من هول الهمجية الحالية ليعيش في ظلام دامس، بدون تدفئة في الشتاء او تبريد في الصيف، وعليه ان ينتظر ساعات بل احيانا اياما ليحصل على البنزين والنفط والغاز، في وقت تكون فيه اسعار السوق السوداء لهذه المواد حلم لايستطيع حتى تخيله ناهيك عن تحقيقه؟!. الكادر موجود والمال موجود والخبرة السابقة موجودة، اذا لماذا؟ هل هو الاهمال والتقصير وعدم كفاءة الذين قادوا وزارة النفط خلال سنوات مابعد الاحتلال؟ ام ان هناك "نية" للاحتلال ان يتمم في ميدان النفط مابدأ به في وزارة الصناعة، اذ سيقول الاحتلال عند ذاك ان العراقيين غير قادرين على تحسين الاداء في الامور النفطية، كما وان وبمرور الوقت ستزداد حوادث تدمير المنشآت النفطية وتصرف المليارات من الدولارات على استيراد المنتجات النفطية، عندئذ ستكون هناك "شحة" في النقد، ولذا يجب مجئ الاجنبي للاعمار والاستثمار!!. هل هذا الكلام جزء من "نظرية المؤامرة"؟!، لننظر ماذا تقول الحقائق الرقمية التي "ظهرت" لحد هذا اليوم، وستظهر حقائق اخرى في الايام القادمة لتعطي صورة افضل!!.
لقد صدر في (15) ايار من هذا العام ماسُميَ بتقرير GAO، و GAO هو
اختصار لاسم دائرة رقابية اميركية مهمة جدا تدعى "مكتب المحاسبة لحكومة الولايات المتحدة United States Government Accountability Office". التقرير موجه لمختلف لجان الكونغرس الاميركي، وهو بعنوان "اعادة اعمار العراق – قطاّعي النفط والكهرباء"، ويقع في (62) صفحة. نؤكد هنا ان التقرير الاميركي صادر من جهة رقابية مسؤولة اميركية وموجه الى الكونغرس الاميركي ويتحدث عن فعاليات واموال اميركية، والغرض منه "محاسبة" الجهات الاميركية المسؤولة. لكنه يتكلم عن العراق وبالذات عن موضوعنا الذي هو النفط (والكهرباء ايضا)، ولذا فهو يتحدث عن عمل وزارتي النفط والكهرباء للفترة الممتدة من بداية الاحتلال الى آذار/2007، اي انه يشمل عمل جميع وزراء الوزارتين لهذه الفترة!!. التقرير مهم جدا واثار ضجة كبيرة عند نشره، لانه كشف عن "فضائح"، قد تكون غير معروفة للكونغرس الاميركي، ولكن الشارع العراقي يتحدث عنها منذ بدء الاحتلال لحد هذا اليوم ولو انه لايعرف كامل مداها.
نحن لسنا بصدد مناقشة التقرير باكمله او البحث في تفاصيله، ولكن نود الاشارة الى نقطتين فيه.
النقطة الاولى:
وهذه تتعلق بالمبالغ الاميركية المخصصة والمصروفة على هذين القطاعين منذ 2003 ولنهاية 2006. وجاءت كما يلي:
* مامخصص من ميزانية الولايات المتحدة (مليار دولار)، ومامصروف:-
النفط
مليار دولار الكهرباء
مليار دولار المجموع
مليار دولار
المخصص 2.693 4.703 7.396
المصروف 2.127 3.008 5.135

* اضافة الى ذلك هناك مبالغ اخرى اضافية مصروفة على هذين القطاعين من قبل الولايات المتحدة، ولكن مأخوذة من اموال عراقية!!، وتبلغ (3.835) مليار دولار، منها للنفط (2.804) مليار دولار، وللكهرباء (1.031) مليار دولار.
هذا يعني انه تم صرف فعلي على وزارة الكهرباء (4.039) مليار دولار، وعلى وزارة النفط (4.931) مليار دولار، ولايزال هناك مبلغ من التخصيصات الاميركية مقداره (2.261) مليار دولار لم تستطع اجهزة وزارتي النفط والكهرباء صرفه – حسب ماجاء بالتقرير – !!. نحن هنا لانتكلم عن مبالغ مخصصة في ميزانية الدولة العراقية لهاتين الوزارتين، فهذه مبالغ اخرى لايتطرق اليها التقرير.
هناك تفاصيل كثيرة عن كيفية الصرف واسباب عدم الصرف واين ذهبت المبالغ حيث اكد التقرير ان الامور المتعلقة بالنفط والكهرباء لم تتحسن بالمرة بل ساءت جدا، ويذكر ذلك بالارقام وعما موجود فعلا من تقدم على الارض. كما تحدث التقرير بهذا الخصوص عن امر غريب، على الاقل بالنسبة لي، حيث ذكر ان وزارة النفط لم تستطع ان تصرف اكثر من 3% من المبالغ المخصصة لها لسنة 2006 (ضمن المبالغ اعلاه)، كما ان وزارة الكهرباء صرفت فقط 35% من التخصيصات لسنة 2006.
ان صرف هذه المبالغ الهائلة وبدون نتيجة وكذلك عدم امكانية الصرف للوزارات يعود – حسب التقرير – لعوامل عديدة منها المسائل الامنية، وعدم الكفاءة في العمل والاجهزة الحسابية والتخطيطية، كذلك لوجود تعليمات وقوانين تعيق العمل!! المهم عدم وجود الشفافية واحتمالات الفساد المالي العالية!!.
النقطة الثانية:
يتكلم التقرير عن وجود اختلاف في الارقام المتعلقة بكميات النفط المنتج، اذ ان ارقام (مكتب ادارة اعمار العراق IRMO Iraqi Reconstruction Management Office) دائما اعلى من ارقام (دائرة معلومات الطاقة EIA Energy Information Administration) – وهي دائرة تابعة لوزارة الطاقة الاميركية –. ان ارقام IRMO هي ارقام وزارة النفط العراقية، اما ارقام EIA فهي من عدة مصادر، والتقرير يعتقد انها الاصح. ان ارقام EIA تقل دائما بما يعادل 100-300 الف برميل يوميا في ضوء المخططات التي رسمت للانتاج اليومي (او الشهري) للسنوات الاربعة الماضية. ويضيف التقرير ان لو افترضنا ان سعر البرميل (50) دولار فان النفط "المفقود" يوميا تتراوح قيمته بين (5-15) مليون دولار يوميا، (اي مامعدله 3,5 مليار دولار سنويا). يأتي التقرير باسباب مختلفة ليشرح احتمالات الفرق، ليس بينها مسألة عدم وجود مقاييس دقيقة والتي اخذت "شهرة" كبيرة، اذ تحدثت وزارة النفط عن شرائها ونصبها في السنوات الاربعة الماضية، واعتقد انها لم تنصب لحد الان!!، علما انها ليست بالامر المعقد فنيا. يذكر التقرير اسبابا مختلفة قسم منها لايفسر لماذا الاختلاف بالناقص طول الوقت، علما ان قسما منها قد يفسر ذلك جزئيا مثل النفط الذي يـُفقد عند اعمال التخريب او النفط الذي يرجع الى الحقل نتيجة امكانية الخزن المحدودة، ولكنه يذكر سببا مهما ويؤكد عليه وهو احتمالات التهريب والفساد المالي، ويعطي التقرير الانطباع بان هذا السبب يمثل غالبية الحالات.
حسب علمي لم يصدر عن وزارة النفط جواب عن هذا التقرير بالارقام، او على الاقل لم ينشر مثل هذا الجواب، ومانشر كان كلاما عاماً عن وجود مبالغات في هذا التقرير الاميركي.
السؤال الذي يطرح نفسه الان هو، اين الحقيقة؟ والواقع على الارض ان الفرد العراقي لم يقبض اي شيء ملموس لحد الآن سواء من وزارة النفط او وزارة الكهرباء، وليس في الافق اية بادرة بانه سيقبض ذلك في المستقبل!!.
هذا ولغرض اعطاء القارئ معلومات اضافية، قد تكون متعلقة بالنقطة الثانية اعلاه، فان صحيفة "الغارديان" اللندنية كتبت تقريرا مفصلا حول تهريب النفط ومشتقاته في البصرة وذلك في 9/6/2007، تحت عنوان "التهريب يصبح الاقتصاد الحقيقي للعراق". ومن جملة الامور التي ذكرها عن عائلات وعصابات التهريب، ان احدى العائلات المشهورة في هذه العمليات "قد تحصل على خمسة ملايين دولار اسبوعيا" وانها "تصرف على اعمال الحماية المسلحة مايعادل 250 الف دولار اسبوعيا"، وان "النفط الخام المهرّب يصل الى الامارات واليمن والهند".

(2)

لنرجع الآن الى مسودة الى "مسودة قانون النفط والغاز"، حيث صُرّح رسميا في اواخر شباط الماضي ان مجلس الوزراء وافق عليها بالاجماع وارسلها الى مجلس النواب، لكي يكون ضمن الجدول الزمني الذي اتفق عليه بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان، والذي وافق عليه الجانب الاميركي، وهو تقديم "المسودة" للمجلس في تاريخ لايتجاوز (15) آذار ويصادق مجلس النواب على القانون في تاريخ لايتجاوز (31) ايار الماضي. ولكن "المسودة" لم يستلمها المجلس رغم التصريح اعلاه!!. ثم صرح وزير النفط من الرياض في (3) ايار، ان "المسودة" ارسلت الى المجلس في (2) ايار، ولكن لحد الان ونحن في اواخر حزيران لم يتم استلام النواب للمسودة لمناقشتها!!. هذا التأخير اثار اعصاب بوش والكونغرس، وجاءت "التهديدات" بصورة سمجة من الذين اُرسلوا للعراق لاعطاء "الانذار تلو الانذار" لرئيس الوزراء العراقي، ومن ضمن من تم ارسالهم نائب الرئيس الاميركي ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية ورئيس اركان الجيش الاميركي، واخيرا "بطل" انشاء فرق الموت في العالم نيغروبونتي، والذي نجح نجاحا باهرا بهذا الخصوص عندما عيّن سفيرا في العراق لتحقيق هذا الغرض. ولكن لحد الان لم تعرض المسودة ولم يمرر مجلس النواب المسودة وليس في الافق مايشير الى قرب تقديمها او تصديقها كقانون، وهذا امر لم تتوقعه لا الدوائر الاميركية ولا القيادات العراقية ، اذ ان معارضة القانون في ازدياد مطرد منذ ان نُشرت "مسودة" القانون الاولى في 31/1/2007 بعد "تهريبها" من العراق!! وكأنها "منشور سري"، وفعلا كان يُراد للقانون ان يُمرّر في السر وتحت جنح الظلام. وهنا اود ان اشير الى ماقالته الجريدة الاميركية المعروفة كرستان ساينزمونتر في 18 ايار الماضي، حيث اشارت الى اللائحة الاميركية التي بموجبها سمح الكونغرس بتمويل المبالغ التي طلبها بوش لاستمرار الاحتلال في العراق، واشترط الكونغرس وضع علامات وتواريخ واضحة لتقدم سياسي في العراق واهمها تمرير "قانون النفط والغاز"، والذي سمته اللائحة الاميركية المذكورة "تشريع عدالة توزيع الثروة الهيدروكربونية للشعب العراقي"، (وسنوضح هذا الامر لاحقا). ان الصحيفة تقول في الوقت الذي يريد الكونغرس الاسراع بتمرير القانون، ان موقف المشرعين العراقيين يختلف، حيث تستمر الصحيفة بالقول : "ومن جانبهم يرى المشرعون العراقيون ان موضوع النفط ينطوي على تعقيدات هائلة، ومن غير المناسب الاستعجال بشأنه، كما يتعين التعامل معه كآخر قضية يتعين حلها وليست القضية الاولى، والاكثر من ذلك ينوه العراقيون الى ان مقترح قانون النفط الجديد لايعالج القضايا التي يعتقد المشرعون الاميركيون انه جاء لحلها".
نود ان نضيف ان مجلس النواب قرر الاستمرار بدوامه في شهر تموز "بسبب وجود عدة قوانين مهمة يجب النظر بها ومنها قانون النفط"!!. هل هذا يعني ان القانون سيُقدّم الى المجلس في تموز؟!. علما وحسب المعلومات المتوفرة انه تم الاتفاق على صيغة "قانون الموارد المالية"، وسيُقدم الى مجلس النواب خلال الايام القادمة. انني قد اطلعت على مسودة القانون ولكن سوف لا اناقشه اذ هو موضوع منفصل عن قانون النفط، ولو ان البعض يحاول (بالاخص مجموعة بوش وحكومة اقليم كردستان)، تصوير الامر وكأنه جزء من قانون النفط. في كل الاحوال – وكما يظهر – ان في نية الحكومة تقديم هذا القانون وقانون النفط سوية الى مجلس النواب في شهر تموز.
في الواقع لااستطيع ان اتصور كيف يمكن لمجلس الوزراء ان يتجاهل جميع الاعتراضات على القانون ويستجيب للضغط الاميركي المستمر، ويحيل مسودة القانون الى مجلس النواب خلال شهر تموز. كما استغرب جدا ان يستطيع مجلس النواب تمرير هذا القانون المهم جدا، وبشكله الحالي، خلال شهر او شهرين او حتى اكثر من هذه المدة. وهنا اود ان اشير الى وثيقتين مهمتين منشورتين في الموقع الالكتروني "الغد". الوثيقة الاولى هي صورة جواب من مجلس شورى الدولة مؤرخ في 31/5/2007، وموجه الى الامانة العامة لمجلس الوزراء-الدائرة القانونية، يتضمن رأيهم بمشروع قانون النفط والغاز. يذكر مجلس شورى الدولة (13) ملاحظة على القانون، غالبيتها اعتراضات "اساسية"، وتحتاج الى فترة طويلة لحلها والاجابة عليها. ان الفقرة (1) تقول"ان تمت مفاتحة وزارتي المالية والتخطيط والتعاون الانمائي والجهات الاخرى ذات العلاقة للوقوف على ملاحظاتها بشأن المشروع استنادا الى احكام الفقرة (ب) من البند (ثانيا) من المادة (5) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979، وبسبب عدم ورود اجابة تلك الجهات رغم التأكيد عليها، وبسبب التأكيدات المستمرة على المجلس للتعجيل في المشروع، فلقد تم تدقيقه من دون ورود ملاحظات تلك الجهات"!!. اي عمليا يقول انه لم يكن جاهزا للاجابة. الاّ ان"التأكيدات المستمرة" اضطرته للاجابة حتى بدون اخذ رأي الجهات المعنية!. كما يذكر الكتاب في الفقرة (2) منه، "ان المجلس طلب من ممثلي وزارة النفط تزويده بنماذج العقود المشار اليها في مشروع القانون.... ولم يتم تزويد المجلس بها". وفي الفقرة (6) من الكتاب تقول "تنص بعض مواد مشروع القانون على اعطاء دور كبير لشركة النفط الوطنية العراقية رغم انها لم تؤسس بعد ولم يصدر قانون بتأسيسها وتنظيم اعمالها، مما يقتضي اعداد قانون شركة النفط الوطنية العراقية وتشريعه قبل نفاذ قانون النفط والغاز". ان مجلس شورى الدولة يستفسر هنا –وهو محق جدا– كيف يمكن اقرار قانون النفط ولم يقر قانون شركة النفط الوطنية، او يعرف ماهي نماذج العقود التي يشير اليها مشروع القانون؟!. ويرى المجلس في (6) فقرات اخرى من كتابه ضرورة اجراء تعديلات في مواد حددها في كتابه، وذلك لضمان حقوق المواطن العراقي. علما ان ارقان مواد مشروع القانون التي يذكرها الكتاب لاتنسجم مع ارقام مسودة القانون المؤرخة في 15/2/2007، وكأن المسودة المرسلة الى مجلس شورى الدولة تختلف بالترقيم ولكن لاتختلف في الفحوى عن مسودة (15) شباط 2007، ولقد ظهر مؤخرا جدا ان هناك مسودة جديدة للقانون اُكمِلت في حزيران/2007 اعتمدها مجلس شورى الدولة، رغم ان من المفروض ان المسودة كانت قد اُرسِلت اليه في نهاية شباط!!. اما الوثيقة الثانية فهي مذكرة مؤرخة في 11/6/2007، تشير الى قيام مجلس الوزراء بمفاتحة شورى الدولة في 28/2/2007، وكذلك الى كتاب مجلس الشورى في 31/5/2007 اعلاه، وتقترح ان يُعرض الموضوع على اللجنة القانونية، "تمهيدا الى لعرضه على مجلس الوزراء للسير في اجراءات تشريعه مع الاخذ بنظر الاعتبار الملاحظات الواردة في مجلس شورى الدولة، وعلى وجه الخصوص الملاحظات الواردة في الفقرات 1،2،6 من كتاب مجلس شورى الدولة"، والتي سبق ان اشرنا اليها. الآن لنسأل انفسنا هل يمكن ان تـُنفذ جميع هذه الفقرات في مدة 20-30 يوم ليتم عرض مسودة القانون على مجلس النواب في تموز؟ هل تكفي حتى عدة اشهر لتنفيذ ذلك؟. واذا كانت هذه المهمة الصعبة ستنفذ في هذه المدة القصيرة، فان هذا الامر سيكون استهانة كبيرة جدا بالشعب العراقي واهانة له. اما اذا وافق مجلس النواب عليه في خلال هذه الفترة الوجيزة فسيكون الامر استغلالا بشعا للظروف التعيسة التي يمر بها الفرد العراقي. ان هذا القانون اهم حدث يمر ليس في مجلس النواب العراقي فقط، وانما على نطاق العالم.
وهنا نرى الاشارة الى الفهم الخاطئ في اميركا لما يريده قانون النفط، سواء في الادارة الاميركية او الكونغرس او وسائل الاعلام. ان سوء الفهم هذا قد يكون ظاهريا ومتعمدا كما هو الحال عند قيادات الادارة الاميركية، او عن جهل فعلي بمضمون القانون كما هو الحال عند غالبية اعضاء الكونغرس والكثير من وسائل الاعلام الاميركية، ويؤكد هذا الامر (بين لاندو) مراسل شؤون الطاقة في وكالة "UPI United Press International" وذلك في مقالة نشرت له في (18)حزيران الجاري تحت عنوان "الاميركان يجهلون مضمون قانون النفط". والشيء المخجل ان الكثير من المسؤولين العراقيين الكبار يحاولون استعمال نفس تعابير بوش وزمرته التضليلية عند التكلم عن القانون وذلك بعد ظهور المعارضة العراقية الشديدة له، وكذلك المعارضة الاميركية له من قبل الجهات اليسارية والنقابات ومنظمات السلام الاميركية، ان القانون يُسمى الان في اميركا "قانون عدالة تقاسم الثروة النفطية في العراق". ان هذا الامر جعل جهات اعلامية وسياسية ونقابية ذات وزن كبير في الولايات المتحدة في مهمة صعبة لشرح مضمون القانون، وهو ان القانون ليس قانونا لعدالة توزيع الثروة النفطية على الشعب العراقي بجميع فئاته، اذ ان هذا الامر جاء في فقرة واحدة منه وفي كل الاحوال فان هذه الفقرة منقولة نصا من الدستور وتحتاج الى قانون منفصل عن قانون النفط، اما بقية القانون فهي لوضع هيكلية معقدة نتيجتها السماح للاستثمار الاجنبي باستغلال الثروة النفطية العراقية. ومن اهم من قام بهذا الامر هو دينيس كويسينيج، عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري!!، واحد المرشحين الجمهوريين لرئاسة الولايات المتحدة في انتخابات عام 2008!!، حيث اضطر لالقاء خطاب في الكونغرس لمدة تزيد عن الساعة، استهله بالقول: "لقد اُعطيت صورة عن قانون النفط تختلف عن الواقع وارى ان اوضح ذلك للنواب الاميركان.... ان بوش – والكونغرس – وضعا مؤشرا وتوقيتا زمنيا Benchmark للحكومة العراقية وفي مقدمته تمرير قانون النفط. ان الادارة الاميركية تركز على جزء ضئيل جدا منه، وهو مايسمى التوزيع العادل للثروة النفطية، وهذا الامر جاء في القانون بثلاثة جمل فقط. ان القانون الذي يقع في 33 صفحة، كـُتب بشكل لكي يضع هيكلية قانونية معقدة للسماح بخصخصة النفط العراقي. يجب علينا جميعا في الكونغرس ان نقرأ مسودة القانون بصورة جيدة، لان سيُسجل على الكونغرس انه شجع على خصخصة النفط، وهذا يعني ان الحرب كانت اصلا بسبب النفط. يجب ان لانكون جهة تـُعتبر من ضمن الادارة الاميركية التي تريد للشركات النفطية الكبرى ان تسيطر على الثروة النفطية العراقية. ان الادارة تضلل الكونغرس مرة اخرى بادعاء ان القانون هو توزيع عوائد الثروة النفطية كما خدعته سابقا حول الحرب العراقية... ان الحرب في العراق لوثة قذرة في تاريخ اميركا، دعونا لانلوث شعبنا اكثر بالمشاركة في الاستغلال البشع لشعب هو الان يعيش في حالة خراب بسبب تدخل الولايات المتحدة". ثم استمر لشرح مختلف بنود القانون.
ان دينيس كويسينيج كان يخاطب بالاساس الاعضاء الديمقراطيين في الكونغرس الذين لم يريدوا تمرير ميزانية الحرب على العراق، التي طلبها بوش، الاّ بعد تحديد جدول زمني للانسحاب واستعمل بوش في حينه الفيتو. لهذا رجعوا ثانية ووافقوا على شرط تحقيق "مكاسب" سياسية في فترة محددة اهمها تمرير قانون النفط، باعتبار ان الامر سيكون في صالح العراقيين (لعدالة توزيع الثروة)! وللاميركان كذلك!. هذا الامر كان ينطوي على الظاهر، ولكن الاحتمال الاكبر وفي ضوء تحليل عمل السياسة الاميركية، هو ان الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري وجهان لعملة واحدة، اذ كليهما يريدان ان يكون النفط تحت النفوذ الاميركي، وان الديمقراطيين بشرطهم هذا يعتقدون انهم يضغطون على حكومة عراقية ضعيفة للقبول بالقانون. لقد وضع الحزب الديمقراطي ايضا في لائحته الجديدة التي اُقرّت بموجبها تخصيصات الحرب المطلوبة، شرط قيام الادارة الاميركية بتقديم تقرير اولي في تموز القادم حول مدى التقدم في العراق يتضمن وضع قانون النفط، وثم تقدم الادارة مرة اخرى تقريرا نهائيا في ايلول القادم حول النتائج النهائية. لهذا نرى الان وفود الادارة الاميركية المتتالية والمستمرة الى بغداد تحمل "التهديدات" المكررة الى رئيس الوزراء بضرورة اكمال قانون النفط قبل نهاية تموز، وتم تثبيت "مس بيل"، الاميركية، اي "مس ميغين او سيلفين"، في السفارة الاميركية في بغداد، طبعا مع فارق العمر والشكل عن مس بيل البريطانية، وذلك للقيام بمهمات خاصة منها تمشية قانون النفط!!، اذ ان "صبر" الاميركان قد نفد، وفي حالة عدم اكمال "قانون النفط" و"قانون المصالحة" فان الديمقراطيين، الذين هم الاكثرية في الكونغرس، سيفرضون جدولا زمنيا للانسحاب!!. وهذا الامر
–كما يظهر– يقلق كثيرا الادارة العراقية الحالية التي ترى بقاءها مقترنا ببقاء القوات الاميركية!!. علما ان السيد رئيس الوزراء قد يصرح في الخطابات العلنية بانه يرفض التهديدات، ومثال ذلك ماقاله في (18) حزيران الجاري في المؤتمر الاول للمحافظين ومدراء الشرطة، ان "ليس من حق اية جهة ان تضع لنا توقيتات زمنية"، وبنفس اليوم نقل بيان اصدره المكتب الاعلامي للسيد رئيس الوزراء عنه قوله: "اننا نضع لانفسنا التوقيتات وفقا للاعتبارات الانسانية والوطنية. وان احساسنا بمعاناة المواطنين تضعنا امام مسؤولياتنا لكي نحدد توقيتات وجداول زمنية، لايجاد حلول لمشاكل المواطنين ولكي نخرج القرارات الى حيز الوجود". بالواقع ان تهديدات الولايات المتحدة المتكررة ووضعها للجداول الزمنية لرئيس الوزراء تحرج الحكومة الحالية جدا، لان هذا الامر يعني ان الحكومة العراقية الحالية "صنيعة" اميركا، ويستطيع الاميركان اسقاطها متى شاؤوا!!، ولكن ما العمل وحكومة بوش رعناء وذات غباء سياسي منقطع النظير!. ان الموقف "المنطقي" لمن في الحكم الحالي في العراق والذي يؤيد الوجود الاميركي، هو ان لايمرر القانون، لان تمريره يعني ازاحته عن السلطة، عليه ان يشترط على الاميركان تمرير القانون بعد ان "يعم السلام" في العراق "بمعونة" القوات الاميركية!!. اما بالنسبة لي شخصيا فان امنيتي واملي ان لايمرر القانون للاسباب المذكورة في سياق الدراسات المذكورة في طيات هذا الكتاب، وبنفس الوقت اتمنى ان ينفذ الديمقراطيون تهديداتهم بالانسحاب او جدولته ويضغطوا على بوش بان لايستعمل الفيتو، والقيام بتحريك الشعب الاميركي كما حدث في فيتنام ، وعند ذاك يحصل الشعب العراقي على الطريق والحل الذي يمهد الى الاستقرار وثم الازدهار، من خلال العقلاء الاحرار من العراقيين.
على اية حال فان عضو الكونغرس المذكور اعلاه يقود حاليا حملات مع اعضاء آخرين من الكونغرس غالبيتهم من الديمقراطيين لعدم الضغط على العراقيين بتمرير قانون النفط، وتتعاون معهم النقابات الاميركية الرئيسية ومنظمات السلام واهمها مايسمى "US Labor Against War Organization، منظمة عمال الولايات المتحدة ضد الحرب"، والتي لها تعاون وثيق مع نقابات عمال النفط في العراق/البصرة، وسنأتي على ذكر دورها المهم والفعال في الوقوف ضد تمرير هذا القانون الذي يعمل ضد مصالح الشعب العراقي. كذلك هناك في العالم، وخصوصا في اميركا وبريطانيا، تنظم حملات لتوقيع عرائض احتجاج ضد القانون وتوعية الرأي العام فيهما بمضاره.

(3)


جرى الكثير من الحديث عمن كتب مسودة القانون، وهل تم ذلك من قبل ايدٍ عراقية ام اميركية. بالنسبة لي ان هذا الامر يعتبر امرا ثانويا، المهم ماذا يتضمن القانون وليس من كتبه. رغم ذلك ساحاول ان اكتب شيئا عن هذا الموضوع.
لقد ظهر جليا الآن ان الاحتلال كان بسبب النفط، وتوجد حاليا العديد من الدراسات والمقالات بهذا الخصوص، ولقد ذكرت في حينه بعض المعلومات عن هذا الامر في كتابي "العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة"، الذي صدرت طبعته الاولى في حزيران/2004، وهنا سأضيف وباختصار بعض المعلومات الاضافية تمهيدا للتحدث عن موضوعنا حول من كتب القانون.
لقد تأسس في سنة 1993 "المركز الدولي للضريبة والاستثمار ITIC،
International Tax and Investment Center" . والذي ضم في عضويته حوالي (110) من كبريات الشركات العالمية، بضمنها الشركات النفطية العملاقة مثل شل، وبريتش بتروليوم، و كونوكو فيليبس، واكسن موبيل، وشيفرون تيكسكو وهاليبرتون وغيرهم. ومن اهم فعاليات هذا المركز هي الدراسة التي اصدرها في سنة 2004 تحت عنوان "النفط ومستقبل العراق"، متضمنا التوصيات التالية: "ان عقود المشاركة بالانتاج تعتبر النموذج القانوني والمالي المناسب لتسهيل عملية النهوض بالصناعة النفطية العراقية. كذلك، فان الاستثمار الاجنبي المباشر من قبل اعضاء هذا المركز أي ITIC، والذي يتم من قبل اي من الشركات العملاقة المنتمية له يعتبر خطوة اولى مهمة على طريق تفعيل الاقتصاد العراقي".
كان ديك تشيني (نائب الرئيس الاميركي حاليا)، قبل وظيفته الحالية، رئيسا لشركة هاليبرتن الشركة النفطية المعروفة، وكان نشطا في مجال عمله، بنفس الوقت كان مستعدا للدخول في مجالات "الفساد المالي"، وكذلك ادخال شركة هاليبرتن بذلك، وفي كتابي "مقالات سياسية اقتصادية في عراق مابعد الاحتلال"، الذي صدر في نيسان /2005 ذكرت الكثير من فضائح تشيني وشركته.
تكلم تشيني في "معهد النفط Institute of Petroleum " في سنة 1999، امام عدد من من الشركات النفطية الكبرى مؤكدا ان "في سنة 2010 سنحتاج الى كميات اضافية من النفط تعادل 50 مليون برميل يوميا. من اين سنأتي بهذه الكمية من النفط؟. من الواضح ان الحكومات والشركات النفطية الوطنية تسيطر على مايقارب من 90% من الاحتياطات النفطية العالمية، وبهذا يبقى النفط بصورة رئيسية عمل حكومات, وبينما تقدم مناطق كثيرة في العالم امكانيات عالية من تجهيز للنفط، ولكن الشرق الاوسط يملك ثلثي نفط العالم وبأقل كلف انتاج، فهو في النهاية موطن (الجائزة). بالرغم من ان الشركات تحاول جاهدة ان تحصل على احتياطات اكبر، فان التقدم فيها لايزال بطيئا دون المستوى". لقد رُشّح ديك تشيني ليكون نائبا للرئيس بوش من قبل اللوبي القوي للشركات النفطية الاميركية العملاقة. ولم يقصّر تشيني عندما حصل على المنصب، فلقد طوّر علاقاته مع دول الشرق الاوسط النفطية، ولعب دورا اساسيا في حرب احتلال العراق، وفي رأيه ان من يحتل العراق يسيطر على نفطه ونفط الشرق الاوسط.
قام ديك تشيني بتشكيل ماسميَ "مجموعة التطوير Development Group" وتسمى ايضا "القوة الاساسية Basic Force لديك تشيني" والتي شملت رؤساء اكبر شركات الطاقة الاميركية، وتم في آذار/2001 وضع "السياسة الوطنية للطاقة National Energy Policy". اوصت مجموعة التطوير هذه بأن "على الحكومة الاميركية اخذ المبادرات في منطقة الشرق الاوسط، وذلك بالضغط على حكوماتها بفتح اسواقها للاستثمارات الاجنبية".
وهكذا بدأ التحضير للاحتلال، لم يكن التحضير للامور العسكرية فحسب، وانما لامور تتعلق بادارة الدولة العراقية وفي مقدمتها النفط، اذ اعتقد بوش جازما انه سيبقى في العراق طالما ان هناك نفطا في الشرق الاوسط، وستسقط ايران تلقائيا، هذه كانت احلام بوش وزمرته. اخذت وزارة الخارجية الاميركية على عاتقها اعداد الخطط لمستقبل العراق منذ نيسان/2002، وشكلت (17) مجموعة عمل، تضم كل مجموعة (10-20) شخصا من الخبراء العراقيين الموجودين في الخارج، ومن خبراء عالميين آخرين تم اختيارهم من قبل وزارة الخارجية، كانت اهمها مجموعة عمل "النفط والطاقة"، التي اجتمعت اربع مرات بين كانون/2002 ونيسان/2004، وتوصل (15) خبيرا عراقيا واجنبيا الى "ان العراق يجب ان ينفتح على الشركات الاجنبية العالمية بأسرع فرصة ممكنة.... وان عليه ان يؤسس الظروف الملائمة للعمل لجذب الاستثمار الاجنبي في العمليات النفطية وفق عقود المشاركة بالانتاج وبصيغ مرنة بحيث تجذب المستثمرين الاجانب". لم تنشر – حسب المعلومات التي لدي – قوائم باسماء مجاميع العمل، ولكن تناقلت بعض الجهات اسماء اصبحت فيما بعد ضمن مجلس الوزراء العراقي، ولااريد ذكر اسماء هنا لعدم الحاجة الى ذلك، اضافة الى انني غير متأكد مما تناقلته هذه الجهات.
في هذه الفترة وبُعيد بدء الاحتلال، بدأ ايضا اعداد الدراسات التقييمية لكميات النفط الموجود في العراق، فلقد كتب في 12/5/2003 كال لوفت، احد مدراء المعهد المعروف، "معهد تحليل الامن العالمي IAGS Institute for the Analysis of Global Security" مقالا بعنوان "كم يملك العراق من النفط؟". اشار فيه الى ان منظمات محترمة عديدة، وخبراء معروفين قريبين من وزارة الطاقة الاميركية ودائرة معلومات الطاقة التابعة لها، يقومون بدراسات عن احتياطيات النفط العراقي. ويقول ان الشيء الاكيد هو ان الاحتياطي الثابت يبلغ (112) مليار برميل، ولكن العراق يعتبر اقل دولة نفطية تمت فيها التحريات المطلوبة، ولهذا هناك احتمالات لاحتياطيات اضافية عالية، فالمجلة الرصينة "مجلة اقتصاديات البترول Petroleum Economic Magazine" تـُوصّل الاحتياطي الى (200) مليار برميل، اما دراسة "اتحاد العلماء الاميركان Federation of American Scientists" فلقد اوصلت الاحتياطي الى (215) مليار برميل، كما توصلت دراسة مشتركة بين "هيئة العلاقات الخارجية Council of Foreign Relations"، و"معهد بيكر في جامعة رايس James Baker III Institute Rice University" الى (220) مليار برميل، كما اوصل "مركز دراسات الطاقة العالمية Center for Global Energy Studies and Petrolog and Associates" الى ان الاحتياطي عالٍ جدا ويبلغ (300) مليار برميل. هذا وان دراسة "مجلة النفط والغاز Oil and Gas Journal" كانت قد توصلت في كانون اول/2002 بان كلفة انتاج النفط في العراق لن تتجاوز (1,5) دولار للبرميل، وبهذا يكون النفط العراقي هو الارخص كلفة في العالم.
بهذا توصلوا الى ان العراق يحوي ربع احتياطي العالم من النفط، وكلفة انتاج النفط فيه هي الاقل في العالم. لقد وجدوا "الكنز" او ماسمّاه تشيني "الجائزة"، والحصول عليها يجب ان يتم من خلال الاحتلال!!. ولكن عندما احتلوا العراق وجدوا ان الحصول على "الجائزة" ليس بالامر السهل او الواضح، اذ رغم صرف مئات المليارات من الدولارات ومقتل الالاف من جنودهم واستشهاد مئات الالوف من العراقيين لم يستطيعوا حتى رؤية هذه "الجائزة"، ناهيك عن الحصول عليها. لقد حاولوا اثناء حكومة اياد علاوي ان يحصلوا على النفط (بدون قانون)، ولكن هذا الامر كان مستحيلا، اذ ان اول من عارض ذلك هي الشركات الاميركية الكبرى. يجب الحصول على النفط قانونيا، والتشريعات الموجودة لاتسمج بذلك، لذا يجب المجئ بحكومة "دستورية"، تقوم باصدار "تشريع" جديد يسمح للاجانب بالدخول على النفط العراقي. يجب ان يكون التشريع ضمن المبادئ التي وُضعت اصلا للاستثمار، وهي "عقود المشاركة بالانتاج". ولكن تبين لهم بصورة لا لبس فيها ان العراقيين يرفضون هذا النوع من العقود ولذا بدّل الاسم في القانون المقترح، واصبح عقود التطوير والتنقيب بدلا من عقود المشاركة بالانتاج، ولكن اُبقيَ على الفحوى!!.
سيجد القارئ في دراسات هذا الكتاب تفاصيل عن هذا الموضوع، وسيرى اننا ذكرنا ان المسودة الاولى للقانون كـُتبت بالانكليزية ومؤرخة في حزيران/2006 باسم ثلاثة من الخبراء العراقيين وهم السادة فاروق القاسم، وطارق شفيق وثامر غضبان. بالرغم من انني اطلعت عليها في حينه، وكان من المفروض ان يطلع عليها غيري وتـُناقش علنيا، الا ان المسودة اُعتبرت وثيقة سرية بالنسبة للعراقيين ولم تكن سرية بالنسبة للولايات المتحدة والشركات الاجنبية الكبرى وصندوق النقد الدولي.
لقد جاء وزير الطاقة الاميركي بودمان Bodman الى بغداد في تموز/2006 خصيصا لمعرفة الى اين وصل قانون النفط، واعلن فرحا قبل مغادرته ان امور القانون سائرة بصورة جيدة، وكما يظهر فانه اطلع على المسودة الانكليزية المشار اليها اعلاه، والمتوقع انه اخذها معه لابداء الملاحظات حولها. وكما يظهر ايضا ان هذه المسودة قد عُرضت على الشركات الاميركية الكبرى، سواء من قبل الحكومة العراقية او الحكومة الاميركية، لابداء الملاحظات ايضا، ثم عُرضت على صندوق النقد الدولي في بداية الربع الرابع من 2006 ولنفس الغرض. على ضوء الملاحظات اُعدت مسودة (15) كانون الثاني/2007، باللغة العربية، والتي نشرت عالميا وبذلك "فـُضحت" سرية القانون كما بيّنا سابقا. ثم عدّلت هذه المسودة مرة اخرى لتظهر المسودة النهائية في (15) شباط مع الملاحق. من الواضح ان المناقشات والتعديلات التي تمت على المسودة الانكليزية المؤرخة في حزيران/2006، لم يشترك فيها السيدان فاروق القاسم وطارق شفيق، اذ كما سيرى القارئ في سياق الكتاب انهما اصدرا مذكرة مشتركة بالفروقات بين مااعدّاه اصلا والمسودة النهائية المطروحة، واعتبرا ان ليس لهما يد في المسودة الاخيرة التي لايتفقان مع مضمونها.
سأذكر بعض الاخبار المتعلقة بالموضوع والتي وردت في صحف ومجلات اميركية
محترمة وبدون تعليق، اذ اترك التعليق للقارئ اللبيب. تتحدث المجلة الاميركية "المحامي الاميركي The American Lawyer" وهي مختصة بشؤون المحامين والمحاماة، وذلك في مقال صدر في 25/4/2007 تحت عنوان "رجُلنا في العراق Our Man in Iraq"، عن المشاكل التي تجابه قانون النفط العراقي، وحيرة الادارة الاميركية في كيفية تمريره. لقد جاء عنوان المقالة بصورة مشوّقة وكأنه قصة بوليسية على غرار رواية كراهام كرين البوليسية الساخرة والتي كانت بعنوان "رجُلنا في هافانا". فالمقال يتكلم عن شخص له خبرة جيدة في القوانين وتمشيتها في انحاء مختلفة من العالم اسمه رونالد جانكر Ronald Janker، الذي عينته وزارة الخارجية الاميركية في العراق لمتابعة تمرير القانون وحل الصعوبات الناجمة عنه. ان هذا الشخص – حسب المجلة – بعيد جدا عن الاضواء ولايجيب على محاولات من المجلة للاتصال به. ولما سُئل المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية عنه، اجاب المجلة "ان رجالنا يساعدون العراقيين في كتابة وتمرير القانون"، ولم يضف اية معلومات عن رونالد!!.
اما "منظمة عمال الولايات المتحدة ضد الحرب US Labor Against War Organization"، والتي لها علاقات وثيقة بنقابات عمال النفط العراقية، كما سنبين لاحقا، فلقد ذكرت في نشرتها في (5) حزيران/2007، بان المؤسسة الحكومية الاميركية المعروفة على نطاق العالم كله، باعتبارها مؤسسة للمساعدات الاميركية واسمها "مكتب الولايات المتحدة للتطوير العالمي USAID US Agency for International Development". ان هذه المؤسسة الحكومية الاميركية دفعت (240) مليون دولار الى شركة "بيرنك بوينت Bearing Point"، وهي مقاول من ولاية فرجينيا، والغرض من دفع هذا المبلغ هو " ان تساعد في كتابة قانون النفط والدعاية له lobby وتمريره في مجلس النواب العراقي"!!. وتضيف هذه المنظمة "ان هذا الامر انتهاك للقوانين العراقية والاميركية"، وكذلك تتسائل "هل ان هذا المبلغ الكبير هو لتمرير قانون النفط ام لتغطية امور وخدمات اخرى؟". سنرجع مجددا الى شركة بيرنك بوينت عندما نتكلم عن الحركة النقابية العراقية.
والآن نحن نسأل القارئ، هل العراقيون هم من كتبوا مسودة القانون؟ وفي كل الاحوال هل ان هذا الامر مهم؟!!.

(4)


من الامور المهمة التي ظهرت على الساحة العراقية المضطربة والمعقدة، وفيما يخص قانون النفط المقترح، هو الدور الذي لم يتحسب له الاحتلال الاميركي وشركاته النفطية، ولا العاملين معه من العراقيين لتمرير القانون، الا وهو الدور البارز جدا لاتحاد نقابات عمال النفط في البصرة والذي يضم مايزيد على (26) الف شخص، قد استطاع برفضه قانون النفط ليس فقط الى تعطيل تمريره وانما استطاع ايضا وباسلوب يدعو الى الفخر بهذا الاتحاد، ان يوثق علاقته بنقابات العمال العالمية وحركات السلام والحركات المناهضة للحرب والعولمة، ويجعلها تنظر في القانون الجائر بالنسبة للشعب العراقي ورفضه ايضا، ونشر هذه المفاهيم بين الجماهير في عقر دار الاحتلال اي في اميركا وانكلترا، وجعل هذا الموضوع من اوائل اهتمامات الدوائر الاعلامية الغربية. ان كل ما هو مكتوب هنا مأخوذ من الصحافة والاعلام العالميين، وتعمدت ان لاآخذ اية معلومات من الاتحاد نفسه او من العراقيين، سواء مايتعلق بالاحداث او الاسماء، وفقط حاولت ان اتاكد من مواقع العمل في البصرة حول صحتها.
ان اول عملية جماهيرية واضحة ضد القانون هي ماقام بها اتحاد نقابات عمال نفط البصرة (وسنسميه فيما بعد الاتحاد) في اجتماعهم العلني الكبير في البصرة في 6/2/2007 الذي تركز على معارضة القانون. انهم دعوا للاجتماع ولم تكن لديهم تفاصيل دقيقة عن مسودة القانون، التي ظهرت للعلن في اوائل شباط، ولكن كانت لديهم معلومات واضحة عن النوايا. لهذا نرى ان الدراسات التي قدمت في الاجتماع كانت تتحدث عن مسألة محاولة الاحتلال في فرض قانون في صالح استغلال النفط العراقي من قبل الشركات الكبرى، وذلك من خلال عقود المشاركة بالانتاج. وظهر في هذا الاجتماع رئيس اتحاد نقابات عمال النفط حسن جمعة عواد كقائد عمالي من الطراز الاول، واضح الفكر وثابت الجنان ليحذر الشركات الاجنبية، وخصوصا الاميركية "من الدخول الى مواقعنا النفطية عبر قانون لايراعي مصلحة الشعب العراقي... اذ ان اهم العوامل الرئيسية لشن الحرب على العراق هي ثروته النفطية". وسيرى القارئ تفاصيل اكثر عن هذا الاجتماع في سياق الكتاب.
بالرغم من الاهمية الكبيرة لهذا الاجتماع، لانه الاول ولانه فتح الباب لاجتماعات اخرى في معارضة القانون، ولكن كما يظهر فان الجهات العراقية السائرة في تمرير القانون لم تدرك معانيه، كما تم تعتيم اعلامي عليه. ولكن قيادة الاتحاد لم تقف عند هذا الحد، اذ استمرت على المعارضة الداخلية كما اخذت في نشر مفاهيم ضرر القانون بين القوى العمالية العالمية وغيرها. ففي 13/5/2007 ارسل الاتحاد "رسالة مفتوحة الى اعضاء الكونغرس الاميركي المعادين للحرب"، وارسل ايضا "رسالة مفتوحة الى البرلمانيين الاوروبيين المعادين للحرب". ذكر الاتحاد في هاتين الرسالتين "ان القانون لايخدم الشعب العراقي وانما يخدم بوش ومؤيديه والشركات الاجنبية على حساب الشعب العراقي"، كما اكد "ان الشعب العراقي مقتنع تماما بان بوش يريد الاسراع بقانون النفط لكي يقول انه خرج من العراق منتصرا، لان مشاريعه تسقط يوميا".
تقول نشرة في 10/5/2007 للحركة العالمية "ارفعوا ايديكم عن نفط العراق Hand off Iraqi Oil Campaign" والتي لها علاقة وثيقة بالاتحاد بان "الاتحاد ليس مرتبطا باي حزب سياسي وله اعضاء من كل الاحزاب السياسية، وان الاتحاد له اتصالات ومـُؤيَّد جدا من قبل اتحادات العمال ومنظمات العمل المدني في كل انحاء العالم، ومنها "الكونفدرالية العالمية لنقابات الصناعة الكيمياوية والطاقة والمناجم وعموم العمال International Confederation of Chemical, Energy, Miners and General Workers Unions ICEM" والتي مقرها الرئيسي في بروكسل. وكذلك الاتحادات العمالية الاميركية AFL-CIO، (وهو اسم الموقع الرسمي لاتحاد نقابات العمال الاميركية American Federation of Labor Congress of Industrial Unions). واتحاد العمال البريطاني "TUC Trade Union Congress". والاهم منها جميعا الحركة العمالية
الاميركية القوية والضخمة التي تضم (3) ملايين شخص والتي تسمى "عمال الولايات المتحدة ضد الحرب US Labor Against War"، اضافة الى اتحاد نقابات العمال الايطالي من خلال حركة اوقفوا الحرب Un Ponte Per.
وتنقل حركة "ارفعوا ايديكم عن نفط العراق" بنفس التاريخ عن حسن جمعة عواد قوله "ان قانون النفط العراقي لايناسب طموحات الشعب العراقي وسيدخل الشركات الاجنبية ويخصخص النفط العراقي من خلال مايسمى بعقود المشاركة بالانتاج"، واضاف "ان اتحادنا ليس الاتحاد الوحيد الذي ادان هذا القانون، فان المعارضة له تشمل جميع النقابات العمالية العراقية، وعدد من الاحزاب السياسية العراقية ومايزيد عن (60) خبير نفطي عراقي". كذلك ينقل عن نائب رئيس الاتحاد عماد عبد الحسين "يجب ان تكون للحكومة المركزية الملكية الكاملة والسيطرة التامة على انتاج وتصدير النفط"، وحذر من عقود المشاركة بالانتاج "اذ يجب عدم المضي بها واختيار انواع اخرى من العقود لايكون فيها مستوى السيطرة على النفط والارباح التي تحصل عليها الشركات الاجنبية حسب مفاهيم قانون النفط المقترح". كذلك ينقل عن فاروق الاسدي، سكرتير الاتحاد، قوله "ان وزير النفط اختار ان ينسى ان حق الاضراب مصان دستوريا، نحن اخترنا الطريق القانوني"، مشيرا الى اضراب عمال نفط البصرة، ويضيف "ان الكثير من اعضائنا ومسؤولي الاتحاد تم تهديدهم من قبل احزاب نشطة في العملية السياسية".
اما حركة "عمال الولايات المتحدة ضد الحرب" التي اشرنا اليها، فانها قامت بدعوة عدد من مسؤولي النقابات التابعين للاتحاد لزيارة الاولايات المتحدة، لشرح القضية النفطية العراقية، وفي نشرة لها مؤرخة في 29/5/2007، تضع تفاصيل المنهاج، وتطلب من اعضائها المشاركة مع ممثلي الاتحاد فالح عبود عمارة، السكرتير العام لنقابة عمال نفط الجنوب، وهاشمية محسن حسين رئيسة نقابة الخدمات الكهربائية في الاتحاد، وذلك في مسيرة في واشنطن في (5) حزيران الى مقر شركة بيرنك بوينت Bearing Point التي سبق ان تكلمنا عن استلامها (240) مليون دولار لتمرير قانون النفط. ووضع شعار للمسيرة "اوقفوا سرقة النفط العراقي". كما تضع النشرة جدولا زمنيا لمقابلات ومحاضرات واجتماعات للوفد في مجمل الولايات المتحدة بين 5-28 حزيران.
لقد وضح التضامن العالمي مع الاتحاد في الاضراب الذي قامت به نقابة الخطوط والانابيب المنضوية تحت مظلة الاتحاد في الثالث من حزيران، ودخول الجيش بدباباته ومدرعاته الى مواقع الاضراب. علما تم تعليق الاضراب لاجراء مفاوضات اخرى مباشرة مع السيد رئيس الوزراء بدلا من السيد وزير النفط، لقد جاء في تقرير بين لاندو مراسل الطاقة في "اليونايتد برس العالمية United Press International UPI" في 6/6/2007 تفاصيل حول هذا الموضوع، اذ ذكر ايضا ان الجيش العراقي احاط بعمال النفط ، وان رئيس الوزراء اصدر مذكرات اعتقال بحق رؤساء النقابات النفطية، ضمن الاتحاد، الامر الذي ادى الى احتجاجات عنيفة من مؤيديهم من العاملين، ومن اتحاد النقابات العالمية. ونقل التقرير من منظمة نفطنا Naftana البريطانية، المؤيدة للاتحاد، ان رئيس الوزراء هدد بانه "سيستعمل اليد الحديدية ضد كل من يوقف جريان النفط". اما رئيس الاتحاد حسن جمعة عواد فلقد اعلم المراسل من خلال الهاتف من احد مواقع الاضراب بان "هذا الامر سوف لن يوقفنا لاننا ندافع عن حقوق الجماهير". لقد ارسل السكرتير العام للفيدرالية العالمية لعمال الطاقة والمناجم والذي مقره في بروكسل، والتي سبق ان اشرنا اليها، ارسل في 6/6/2007، اي في يوم دخول الجيش، رسالة الى رئيس الوزراء يدين فيها طريقته في تعامله مع الاضراب قائلا "ان النقابات ركن اساسي في الديمقراطية، وبنفس الوقت هم قوة للسلام والتسامح والاستقرار في المجتمع". كذلك ادان اتحاد النقابات البريطانية TUC التدخل العسكري ومذكرات التوقيف.
علما ان الاضراب كان اصلا حول مطالب معيشية ورفع المستوى المعاشي وتحسين ظروف الحياة، كذلك كانت هناك مطالب من الاتحاد في ضرورة اشراكه في المفاوضات حول القانون وطريقه تمريره. وكما يظهر ان السيد رئيس الوزراء الذي "تعهد" بتمشية قانون النفط، تقلقه جدا توجهات الاتحاد الواضحة ضد القانون، سيما وان هذه المعارضة هي من المنطقة الجغرافية التي تحوي مايزيد عن 70% من نفط العراق. ان استخدام "اليد الحديدية" ان تم، فستكون له نتائج عكسية واضحة على الحكومة العراقية الحالية. هل سيعيد التاريخ نفسه؟، فلقد قامت الحكومة العراقية العميلة للاستعمار الانكليزي بضرب الحركة العمالية النفطية في كاورباغي كركوك في سنة 1946 وادت الى مذبحة كبيرة لعمال النفط، والتي كان نتيجتها ان وضعت العمال ونقاباتهم وقياداتهم في مقدمة نضال الشعب العراقي ضد الاستعمار الانكليزي... وتوصلت الحركة الوطنية الى قانون 80/1961 والى قوانين تأميم النفط. هل سيعيد التاريخ نفسه وتفتح الحركة العمالية النفطية في البصرة الطريق لانهاء الاحتلال الاميركي للوصول الى العراق الحر، ووضع النفط بصورة نهائية تحت تصرف الشعب العراقي، للوصول الى الحياة السعيدة التي ناضل من اجلها قرنا من الزمن؟"



#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنانة العراقية ناهدة الرماح : المسرح داخل العراق يحتاج إلى ...
- فيرا العراقي..بساطة الرجل وصعوبة المهمة
- عميد الصحافة العراقية فائق بطي: الصحافة العراقية في العراق ت ...
- د. فهمية شرف الدين : المثقفة العربية تعاني من تمييز ضدها في ...
- دُور السينما في بغداد.. تأريخ فني كبير... آل الى التهميش وال ...
- عراق الصراع والمصالحة..الكتاب الشهري الثاني للحوار المتمدن
- تقييم ثورة 14 تموز عام 1958
- مذكرات الرصافي بعد عقود من وفاته
- قراءة جديدة لثورة 14 تموز .. الأسباب والأهداف
- مدرسة فرانكفورت النقدية
- أدلجة المثقف العراقي
- حوار مع الباحث العراقي جمعة عبد الله مطلك
- حوار مع الشاعر زهير الدجيلي
- فارس كمال نظمي : قراءة سيكولوجية في أنماط الشخصية العراقية ا ...
- الكتاب الشهري والمطبوع الاول للحوار المتمدن - نحو مجتمع مدني ...
- سلام عبود : مشكلتنا المزمنة هي أننا لا نقف موقفاً ناقداً من ...
- د.عبد الخالق حسين :الآيديولوجيات أشبه بالأوبئة، لها مواسم وت ...
- سعدي يوسف :لا يمكن لثقافة وطنية ، في بلدٍ محتلٍ ، أن تنهض إل ...
- د. سعيد الجعفر: المثقف العراقي لم يكن مثلاً للمثقف العصامي ا ...
- حوار مع عزيز الحاج


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مازن لطيف علي - ثلاثية النفط العراقي