أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - مهزومون















المزيد.....

مهزومون


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 2033 - 2007 / 9 / 9 - 09:21
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



أسس صعود صدام حسين وهيمنته التامة على السلطة في العراق أواخر السبعينات، بعملية سطوه الطويلة على الدولة والمجتمع، لأكبر عملية هجرة أو هروب جماعي عاشه العراقيون في تاريخهم، وكما يبدو فان الهجرة ستكون قدرا وجوديا للعراقيين طالما بقوا حاملين لهويتهم العراقية. ابتدأت الهجرة الأولى في أواخر السبعينات، اثر فرط عقد الجبهة الوطنية بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث الحاكم، ليتواصل مسلسل الهروب خلال الحرب العراقية الإيرانية الطويلة(1980-1988)، والتي سبقتها ورافقتها عملية تهجير قسري لمواطنين عراقيين بحجة التبعية لإيران، ليتبعها فيما بعد الهروب الجماعي الثاني في التسعينات اثر هزيمة النظام في حرب الكويت وتفاقم أزمته في فترة الحصار.

بهذه الهجرة انقسم العراقيون إلى فئتين( عراقيو الداخل وعراقيو الخارج) تصارعتا في ساحات المنفى لتتصاعد وتائر هذا الصراع أكثر بعد سقوط النظام وستدعي كل فئة منهما أدوارا وتتطلع إلى مواقع مفترضة بحسب الادعاء والزعم.

كان الشيوعيون العراقيون من بين أول المهاجرين، ولان هجرتهم جاءت نتيجة لصراع سياسي مع النظام فقد أثارت، ومازالت تثير، بعض التاويلات حول الظروف التي أحاطت بالواقع السياسي آنذاك وبأسباب الهجرة ومعانيها. وبعد سقوط النظام، وانفتاح ساحة الداخل على ساحة الخارج، صار بالامكان سماع أصوات من كانوا مخنوقين بمحصارة النظام البعثي الفاشي لهم وللمجتمع برمته. فعرفنا أن هناك شعور كبير بالمرارة من شيوعيي الداخل على شيوعيي الخارج مقرون بتحميلهم مسؤولية تخليهم عنهم.

لمناقشة هذه الفكرة وتناول الموقف بشكل عام يتطلب التذكير ببعض الأوليات المعروفة ليمكن الارتكاز عليها في النقاش. أولا ليست هناك بطولة مطلقة تتحلى بها فئة دون الأخرى فالبطولة مثلما هي موجودة لدى من تحدى النظام وتحمل مشاق الهجرة ومعاناة المنفى هي أيضا موجودة عند من بقي في الداخل، وكذلك هو حال الضعف او اللابطولة فإنها موجودة في المكانين وان بدرجات مختلفة. ثانيا إن الحزب الشيوعي العراقي متمثلا بقيادته قد تخلى عن رفاقه وتركهم من غير أي سند أو خطة منظمة تؤمن لهم انسحابا آمنا، وبقي عضو الحزب يعتمد على مبادرته الشخصية وقدرته على توفير الظروف وعلى ميله للاختيار بين أن يبقى أو يخرج، بين أن يستسلم للنظام أو يعمل على إعادة التنظيم بجهود فردية منعزلة وبلا أمل.

تأسيسا على ما تقدم يتضح إن المسالة بعموها هي موقف فردي واستعداد شخصي. فتخلي الحزب عن قاعدته وكوادره لا يمكنه أن يكون سببا كاملا لأنه كان يشمل الجميع تقريبا إلا بعض الاستثناءات، وغالبية من اختاروا الخروج( الهروب) تصرفوا بمبادرتهم الشخصية، وخيارهم ذاك، مهما أُختلف في تقييمه، كان ينطوي على مستوى من الجرأة والاستعداد للتضحية، فالمنفى حينها لم يكن نعيما كما حدث حينما تحول الوطن إلى جحيم بسبب الحروب، وهنا يكمن، برأيي، الفارق الجوهري بين من بقي، بغض النظر عن دوافع بقائه، وبين من اختار صعوبة المنفى ومجاهله. ولا يدخل في دائرة هذا النقاش من التحقوا بحركة الأنصار إلا بحدود ضيقة جدا لان خيارهم كان من مستوى آخر يختلف نوعيا عن الخيارين الآخرين. الفرق إذن جوهري بين خياري البقاء والخروج. فالمنفى حينها لم يكن خلاصا مثلما صار عليه الحال بعد أن اشتعلت الحروب بقدر ماهو ورطة ومأزق. فان يدخل المرء بلدا لا يعرف فيها احد ويترك وراءه رفاهه الشخصي ويرهن حاضره ومستقبله للمجهول ويتحمل قسوة الغربة واذلالاتها ليس قرارا سهلا، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن النظام البعثي كان حينها في عز قوته وجبروته، ومواجهته والتمرد عليه كانت شكل من أشكال العبث، وفي هذا كان يكمن الجانب القوي، ولا أقول البطولي، في خيار المنفى. صحيح إن هناك من استفاد من هذه الظروف وحصل على مالا يمكنه الحصول عليه في ظروف أخرى؛ شهادة أكاديمية وحياة مستقرة ورفاهية. لكن البعض الآخر عانى في بلدان فقيرة وكافح من اجل أن يعيل نفسه في ظروف شاقة وغير مناسبة لخلفياتهم التعليمية والاجتماعية. كما كان أيضا من بين هؤلاء من عانى بقدر مضاعف بسبب من اختلافه مع الحزب وإبعاده عن التنظيم والذي كان يعني من بين أشياء أخرى، انه فقد كل سند له يعينه في غربته، حتى السند المعنوي الذي يمكن أن توفره له علاقته بالحزب. بل إن هؤلاء فقدوا تقريبا المبرر لخروجهم وهجرتهم. وهنا أكاد اجزم استطرادا من انه لو لم تشتعل الحرب العراقية الإيرانية التي أغلقت باب الوطن بوجه أبنائه لشهد الحزب حركة انسحاب واسعة في صفوفه حتى من داخل حركته المسلحة لأسباب عديدة أولها خيبة الأمل به.

في نهاية السبعينات، إبان الهروب الأول، كان العراق في وضع اقتصادي جيد والكثيرون كانوا سيخسرون إذا ما اختاروا الخروج. وما لايجوز إغفاله بهذا الصدد هو أن هناك بعض الفروق الشخصية التي يمكنها أن تؤهل شخص ما لهذا الخيار أو ذاك، فصغار السن الذين هم بغير أي التزام في حياتهم كانوا أكثر ميلا واستعدادا، بحكم السن والوضع الاجتماعي، للمغامرة. لهذا كانت خياراتهم هي الخروج للمنافي أو الالتحاق بحركة الأنصار، على العكس مما هو عليه حال المتقدمين في السن من ذوي العوائل والالتزامات الاجتماعية، فهؤلاء كانوا بحاجة إلى حسابات اكبر ومحفزات أقوى من تلك التي عند الآخرين. وعموما ينطوي موقف هؤلاء ممن قرروا الخروج على قدر اكبر مما لدى الآخرين من الجرأة والاستعداد للتضحية.

لكن تطور الأوضاع لاحقا، وبسبب الحروب صار خيار الخارج ( نعيما) لان أزمة الحرب خلقت خيارا وميلا عامين لدى المجتمع يهدف إلى الخلاص الفردي، سواء في الداخل أم في الخارج. وهذه المصادفة هي التي قلبت المعادلة. فرب ضارة نافعة، وصار الوطن جحيما والمنفى نعيما، وحتى خيار الالتحاق بالأنصار، ولنتحدث بصراحة ووضوح، الذي كان هو أكثر الخيارات صعوبة، كان قد تحول مقارنة بأوضاع الحرب وويلاتها، إلى نوع من الحياة الآمنة. وهذا لم يكن هدف من التحقوا بالحركة بطبيعة الحال.

صحيح أن البقاء على قيد الحياة في درجة حرارة خمسين وبدون كهرباء هو ضرب من البطولة ولكنها للأسف بطولة مفروضة على الجميع ولا فضل لأحد باجتراحها. فنحن نعرف أن خيار من بقوا في الداخل في غالبه الأعم كان لاعتبارات شخصية، فهم لم يشاءوا أن يفرطوا بحياتهم واستقرارهم واثروا الوظيفة ودعة الحياة على أن يختاروا الأصعب. والأصعب حينها كان الارتماء في أحضان المجهول، والمنفى كان حينها ( وربما لا يزال) هو هذا المجهول عينه. ولكن هذه الصورة لا تجعلنا نغمط حق أولئك الذين اختاروا موقف البقاء في الداخل بسبب عدم اقتناعهم بوضع الحزب ومسار سلوكه السياسي والتنظيمي. واجزم أن موقفهم ذاك انطوى على جرعة كبيرة من المرارة والعدمية.

في المحصلة العامة وكما أثبتت الوقائع لاحقا لم يكن أي من الخيارين فعال خارج الإطار الفردي. بمعنى إن حالة الخروج لم تصنع أي نصر ولا البقاء كرس هزيمة. وقد يكون بيننا أبطالا، لكننا جميعا، ولنقر بذلك بصراحة، مهزومون. من بقي منا ومن هرب، من حمل السلاح وضحى ومن انتفع من ألازمة وكسب الثمار، من استشهد ومن بقي على قيد الحياة، من هو لا يزال يمارس النشاط السياسي( التنظيمي) ومن هو بغيره. جميع هؤلاء هزمتهم فاشية صدام حسين. ولم يكن احد في تلك المعادلة منتصرا غير صدام حسين ونظامه، والذي انتهى، بمصيره المعروف، بابشع الهزائم. وكأنه بهزيمته تلك أكمل لنا لوحة الهزيمة المطلقة التي عاشها ويعيشها وسيعيشها العراقيون.
8-9-2007



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن / الواقع واحتمالاته
- مهرجان الوطنية
- الاحتلال الخفي
- احراجات الاسئلة الصريحة
- المصالحة الوطنية وشروط عودة البعث-2
- المصالحة الوطنية وشروط عودة البعث
- طلاسم عراقية
- الانشوطة
- قتلة الحلم
- بشتاشان مسارقضية
- من قانا الى تل ابيب
- مغامرة ام مقامرة
- مالايمكن تحقيقه
- ذاكرة الانصار الشيوعيين
- حكومة المالكي والتحول في مسار الواقع السياسي
- إختلافاتنا البهية
- بشتاشان ذاكرة التاريخ
- ربطة العنق التي ستخنق العراقيين
- سيف البغي
- صفعة على خد ناعم


المزيد.....




- حاول اختطافه من والدته فجاءه الرد سريعًا من والد الطفل.. كام ...
- تصرف إنساني لرئيس الإمارات مع سيدة تونسية يثير تفاعلا (فيديو ...
- مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟
- عدد من أهالي القطاع يصطفون للحصول على الخبز من مخبز أعيد افت ...
- انتخابات الهند.. قلق العلمانيين والمسلمين من -دولة ثيوقراطية ...
- طبيبة أسنان يمنية زارعة بسمة على شفاه أطفال مهمشين
- صورة جديدة لـ-الأمير النائم- تثير تفاعلا
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 50 مسيرة أوكرانية فوق 8 مقاطعات
- مسؤول أمني عراقي: الهجوم على قاعدة كالسو تم بقصف صاروخي وليس ...
- واشنطن تتوصل إلى اتفاق مع نيامي لسحب قواتها من النيجر


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - مهزومون