أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله















المزيد.....

الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2030 - 2007 / 9 / 6 - 10:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما نعود إلى موضوع الجدل الذي يتأسس على صراع الحياة والموت داخل الوعي الحضاري الإنساني، نجد بأن الأسئلة الأولى التي سألها الإنسان تتعلق بهذا الجدل، على الأقل هذا ما يخبر به أقدم تراث تركه الإنسان، ملحمة كلكامش تدور حول رحلة الإنسان للبحث عن الخلود. الإهرامات ليست سوى حلم بالعودة إلى الحياة، سفينة نوح هي الأخرى محاولة (ناجحة) للعبور على تهديدات الموت، الزقورات، المعابد الأختام.. كلها تتحدث عن الموت ومع ذلك، أي مع أن عملية البحث عن حل للموت، أو إجابة على الأسئلة التي يثيرها قديمة غير أنها لم تقدم للإنسان شيئاً. ليس للإنسان منجز بخصوص الموت، كل منجزات الإنسان تتعلق بالحياة، لكن من جهة أخرى نستطيع أن نقول بأن منجزات الإنسان بخصوص الحياة لا تعدو أن تكون فعاليات لإدامتها، عليه فهي صيغة أخرى من صيغ النجاح على صعيد الموت، لكن من اللافت للنظر بأن الإنسان الذي نجح لأبعد حد بمحاصرة الموت، والالتفاف على حصاراته لم ينجح بفك ألغازه، فالموت بقي موتاً، سريعاً خاطفاً مباغتاً وفوضوياً.
نعم نجح الإنسان بتلافي مخاطر الفيضانات وأكثر الأوبئة وحشية، ونجح بالتخلص من خطر الحيوانات المفترسة والقضاء على وحشية الجوع، لكن الغريب أنه لم ينجح بتقليل حجم الخسائر التي يتكبدها بسبب الموت، وكأن الموت ينجح دائماً بخلق فرصة جديدة يلتهم من خلالها أعداداً هائلة من أرواح البشر. الحربان العالميتان دليل واضح، الأسلحة النووية، الأمراض الجديدة. حتى أنني وعندما أتذكر انفلونزا الطيور أشعر بأن المبادرة ستبقى بيد الموت وبشكل مخيف جداً. ففي أي لحظة يمكن له أن يركب أي فيروس عابر ليقضي من خلاله على الإنسان، أو ينفخ من تحت أي بركان قوي أو يضرب بيده على ساحل أحد المحيطات أو حتى يوقد ناراً كبيرة في أي من القطبين ويترك للماء عملية إنجاز وعده الذي قطعه على نفسه يوماً بأن لا يترك على وجه الأرض كائناً بشرياً حياً.
لكن، هل هنالك حقاً، وعد بهذا الخصوص؟
هل حقاً يخاف الإنسان من يوم يركب فيه الموت أصغر خيوله، وهو ينفخ في الهواء الذي يتنفسه ذلك الإنسان فيروساً مميتاً وسريعاً ولا يمكن علاجه، فيروس لا يمكن الإمساك بسرعته ولا خفته ولا مرونته وهو يزوغ من مختبرات الإنسان الواحد تلو الآخر.. عندها سيكون الإنسان بمواجهة الموت بشكل غير مألوف لديه، وفي آخر ملحمة بين الوجود ونفيه سينتصر النفي ويجهز العدم على هذا الكائن المشاكس.
أبحاث كثيرة تتحدث عن أن الحياة على الأرض شهدت نهايات وبدايات كثيرة، وكان بين كل بداية ونهاية ملايين السنين. وعندما أقرأ مثل تلك الأبحاث أسأل نفسي بمرارة: هل هي لعبة يلعبها الموت معنا؟ هل هي أحجية تدور في فراغ الأبد وتنتظر من ينجح بحلها أخيراً؟
إذن فرحلة كلكامش باتجاه نبتة الخلود لم تبدأ من أرض سومر، نعم ربما أرخ لها السومريون، رصعوا طينهم بمساميرها، لكنهم لم يبتكروها، إن ابتكار هذه الاسطورة جاء تعبيراً مباشراً عن حاجة الإنسان للبقاء وسعيه وراء إطالة أمده. أول إنسان أدرك معنى أن الموت نهاية ووقف منذ ذلك اليوم على حافّة العدم المحض، هو الذي بشر برحلة البحث عن نبتة الخلود. منذ ذلك الإنسان ورحلة البحث هذه مستمرة، وستستمر إلى أن يتوقف آخر نفس بشري، لن يتوقف الإنسان، كما أن الموت لن يتوقف، الأحجية غريبة وطلاسمها غير قابلة للحل، واللعبة مريعة وهي تستمر بلا هوادة.. الخاسر الوحيد هو الإنسان، ذلك الكائن الذي سُلب منه فناؤه وأقحم جراء ذلك بلعبة (كريهة) أسمها الحياة.
كلما دخلت مقبرة ممتدة، كمقبرة النجف، المترامية الأطراف بشواهدها العالية وصفير ريحها المخيف، وسراديبها التي تنفخ رائحة الموت من دون تعب، كلما وقفت هناك، على حافة الوجود، أرى شبحاً بعيداً، مهيباً وواثقاً وجريئاً ومتواصلاً، أجده دائماً يسرج خيولاً بلا عدد ويختار من بينها فرسا مخيفة يسميها الفناء الأخير.
كلما وقفت هناك عند حافَّة العدم تخيلت لحظة بريئة ومتواصلة ومباغتة، لحظة تشبه الغفلة من الزمن التي انبثق منها تسونامي. فذلك الموج الهادر أيضاً أتخيله وكأنه عبارة عن حصان جامح يحمل فوق سرجه فارساً أسمه (الوعد النافذ والأخير). كلما وقفت هناك عند حافَّة العدم التفت إليَّ ذلك (الشبح الفارس) ليبتسم ابتسامته الماكرة، تلك الابتسامة التي لا تعلن شيئاً يستحق الاحترام أكثر من الإصرار على تنفيذ المهمة الأخيرة.
هل يستطيع احد أن لا يخاف من فارس يتهيأ لمعركته الأخيرة منذ الأبد وإلى الآن، أية معركة تستحق كل هذا الإعداد، أي فارس هذا الذي يربت على ظهر جواده الدهر كله.. إنه الموت، ذلك الانطفاء الذي لم نتعامل معه إلا بخوفنا منه، إلا بجبننا عن مواجهته كمصير لا بد منه، وكحل مناسب لأحجية الحياة. خاصَّة عندما تترهل بشكل لا يطاق. الموت حكمة مجسدة بفعل أزلي.. الموت إرادة لا تختلف عن إرادة الحياة ولا تتخلف عنها. الموت يستحق منا أكثر من الخوف. الموت فارس لا يقل شأناً عن ذلك الفارس الذي يمنح الحياة.
إذن ثمة فارسان، أحدهما يوقد والآخر يُطفئ، والحرب بينهما سجال. وكانت خيانتنا الوحيدة أننا وقفنا بصف أحدهما من دون الآخر، من دون مبرر يستحق. نعم كانت خيانة حقيقية. فعلى الرغم من أن الإنسان جرب بؤس الحياة ولم يجرب بؤس الموت، وعلى الرغم من أنه ذاق مرارة أن يوجد ولم يتحسس مرارة أن يُعدم، على الرغم من ذلك إلا أنه يصر وبشكل يضحك الثكلى على أن يقف بصف مأساته الوحيدة.
كلما دخلت مقبرة ممتدة كمقبرة النجف أدرك خواء الإنسان وهو يصر على تكذيب الموت.. نعم وإلا فماذا يمكن لنا أن نسمي كل تلك الشواهد، فتلك الأحجار لا تشهد على غير إرادة البقاء، جسد الميت الذي يتفسخ ويذهب هباء بيد الموت لا يمكن الإبقاء عليه، لذلك يهرع الإنسان لجسد بديل يثبت من خلاله لنفسه، لخوفه، لبلاهته، أن الموت لم يحصل بعد، لكن مع ذلك فهذا الجسد البديل يرفض الإصغاء لغير حديث العدم، ولا يخبر بغير خبر الموت. أراد الإنسان أن يقيم مدينة للأموات، أرض يتخيل أنها فضاء أخضر يمرح فيه أمواته والغبطة تملاءهم، هناك حيث لا يحجبهم عنه إلا غشاء رقيق سرعان ما يتمزق ليعود الشمل ليلتئم من جديد... أراد الإنسان أن يبني مدينة الأموات لتنقذه من هاجس الفناء، فإذا بها ترفض أن تحدثه إلا بحديث الموت. وهو نفسه الحديث الذي سمعته وأسمعه كلما دخلت مقبرة النجف، أكبر مدينة أموات في العالم.
ومع ذلك.. مع أن ثقافة الحياة لدى الإنسان جعلته (يبني مدينة للأموات) ويحاول أن يملأها بالشواهد المحملة بالأسماء والصور والتواريخ، مع أنها مصرة على أن تقلب الموت إلى حياة، غير أنني ودائماً أهمل حديثها وأرهف السمع لصهيل بعيد وغابر، تحمله ريح الأبد ويتحدث بأحاديث الامتداد الموحش والبعيد، عند ذاك سرعان ما ينفرج الأفق البعيد عن ابتسامة ماكرة جداً، وخبيثة إلى أبعد الحدود، وعند ذلك فقط أعلن للوعد البعيد والصادق والأكيد كل إيماني وأمنحه كامل ولائي وفرحي.





#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة عن الموت.. الحنين إلى الرحم الأول والملاذ الأخير
- الكتابة عن الموت... تداعيات ما قبل الشروع بالنهاية
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتميز والاقصاء (2-2)
- تفاحة آدم.. نبش العمق الانثروبولوجي للتمييز والاقصاء (1-2)
- عقلية المواجهة... قراءة في كتاب (امبراطورية العقل الأميركي) ...
- قرية العراق.. الحاجة للانثروبولوجيا السياسية
- العائد مع الذات
- مرض الزعامة
- سرد الشياطين
- العودة إلى القرية
- الواقع الافتراضي.. الانترنت بوابة العالم الخيالي الجديد
- محكمة الاطفال
- حصاد السنين
- وحده الحيوان لم يتغير
- التنين العربي (مشنوقا)
- منطق الثور الهائج
- الاختلاف والدين.. كيف يمكن إجراء مصالحة بين الدين والاختلاف؟
- يوم كان الرب أنثى
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة وال ...
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - الكتابة عن الموت... الموت يركب خيوله