أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود حمد - دعاء-ام حسن-!














المزيد.....

دعاء-ام حسن-!


محمود حمد

الحوار المتمدن-العدد: 2031 - 2007 / 9 / 7 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"ام حسن" امراة عراقية في الستين من العمر، من سكان "حي الثورة بـ" العمارة،وحي الثورة سمي بهذا الاسم تيمنا بمدينة الثورة في بغداد كونه مثل مدينة الثورة اكثر اجزاء العاصمة العراقية بؤسا ، وكذا حي الثورة في "العمارة"..
والعمارة ليست مدينة وليست منطقة حضرية - بالمعنى الانشائي للمدن الحديثة - رغم ثراء عقول ابنائها، وسخاء ارضها، وغنى تاريخها، ومجد تراثها الوطني..فهي مستنقع للبؤس حوصر فيه الناس ليستوطنوه ، ويجعلوا منه ملاذا لهم، مع رفيق عمرهم (الحرمان)..
وكم من مرة تحاورنا والاصدقاء..من مفاوضات الجبهة الوطنية والقومية التقدمية حتى حوارات المصالحة الوطنية ! ..ونحن نتساءل:
كيف يمكن تحويل شبكة الوحول النتنة التي يرقد على حافاتها العراقيون في مجمعات كبيرة تسمى مدنا مثل العمارة..الى (مدن) كمدن العالم المتمدنة ولا اقول المترفة..
وذات يوم كانت "ام حسن" تسمعنا ونحن نخوض بحقول هذا الحلم ..فقاطعتنا بلهجتها الازيرجاوية اللذيذة:
 يمه اهجموها ودكو ولاية غيرها عد علي الغربي خالية من السيان والذبان.*
بعد ثورة الرابع عشر من تموز وفي اجواء صدور قانون الاصلاح الزراعي اصدر الشخصية الوطنية والمفكر الاقتصادي والانسان(العاقل) الدكتور مكرم الطالباني دراسة عن الاصلاح الزراعي والاقطاع في العراق..اورد في دراسته القيمة هذه:
ان اشد انواع الاقطاع تعسفا في تاريخ الانسانية كان في الصين، لكنه يأتي بالدرجة الثانية بعد الاقطاع في العمارة من حيث حجم اغتصابه للارض الزراعية!.
بعد انتفاضة 1991 حيث كنت في مدينة العمارة كواحد من اولئك الذي شهدوا شجاعة الشعب وصدق نواياه، وخواء الشعارات وزيف نوايا السياسيين، كانت ام حسن " تتلظى بين حجرة بيتهم الخاوية وبين البيت الذي يستضيفني، تبحث عن منجاتا لسمعتها من نسيبها الذي فرض نفسه عليهم مذعورا في البيت، وهو الملطخة ذمته وايامه بقهر الناس وتخريب مصائرهم كمسؤول بعثي في العمارة..وذلك في الساعات والايام التي كانت فيها الانتفاضة تتفاقم والآمال بالخلاص من الدكتاتورية تتسع....وكانت "ام حسن" ممزقة بين "النخوة الازيرجاوية" لاغاثة المستغيث وبين ذلك الرجل الذي سيلوثهم بسيرته المشينة..وحسمت امرها:
 لايمه ماسلمه الهم..الدنيا هسة هيجان.. بس اطيه الهم يكطعونة وذر .. لجن من تصفة الامور اسلمه بيدي للحكومة الجديدة..وهي تاخذ حكه منه!
ولم تفشي سر اختفائه في بيتها لأحد إلاّ لجارتها..
واغتيلت الانتفاضة..
وتفرعن نسيبهم – المذعور- على الناس وعليهم ، وكان على رأس احد الزمر التي تسوق المنتفضين الى المقابر الجماعية..
وبعد شهر ..
وفي الساعة الثالثة فجرا..
استباحت قوة من "الكوماندوز" المدججين بالكراهية والسلاح، من ذوي الملامح واللهجات الغريبة عن العمارة ..استباحت الحي المحيط ببيت "ام حسن"..
وانفجر الرصاص ممزقا سكون ليل الفقراء المذعورين..
واقتحموا بيت "ام حسن" وعاثوا فيه رعبا وموتا لساعات ..
وعند انبلاج الفجر الاسود ..عم صمت رهيب ومريب ، تلصص فيه الجيران من ثقوب الجدران الى ساحة الموت ..(الى بيت ام حسن)..
كان اربعة فتيان لم يتجاوزوا العشرين من العمر .. ممزقين بالرصاص .. ومرميين في وحل الدروبونة .. هم اولاد "ام حسن" الثلاثة وضيف لهم..
بقيت الجثث الى الليل لا احد يجرؤ على حملها .. ولا احد يقوى على معرفة مصير الآخرين داخل بيت "ام حسن" ..
وحدها جارتهم "ام حيدر" استشاطت وداً لصاحبتها ورفيقة دربها في اربعينية الحسين كل عام..رفضت كل المخاوف والتحذيرات التي حالت دون عبورها السياج الفاصل بين المنزلين وهي ابنة الستين عاما المبتلية بالامراض الموهنة..
بعد دقائق خرجت "ام حيدر" تثغب من الباب عبر بركة الدم :
"ابو حسن" مصوب..وام حسن مسحونة روحها!
وبقي ابو حسن "مصوب" حولا كاملا حتى فارق الحياة..
وظلت "ام حسن" بعده تتطلع الى الطريق بانتظار من اختطفوا منها بالرصاص امام عينيها ..
كان "حسين" ابنها الاوسط بملامحه النحيلة وروحة النقية وسلامه الهامس يلتقيني في الطريق الخلفي لحي الثورة ، ويسألني عن حلمه بالانظمام الى القوة البحرية في البصرة ليكون قريبا من ابنة خالته التي يهواها..
سألته ذات يوم وقد مر بي شارد الذهن دونما سلام:
مالذي يشغلك ياحسين ..؟
اجاب بعفوية رائقة:
 اريد اصير بالبحرية ..والناس تزور الحسين بدون خوف.. واتزوج فلانة........!
وصمت حياءا دون ان يذكر اسمها..
كان حسين واحدا من اولئك الفتيان الذين لن انسى بسالتهم ونزاهة سلوكهم واحترامهم لمن حولهم..الذين مزقت الدكتاتورية ارواحهم واجسادهم امام انظار ابويهم.
وجاء الاحتلال ..
وازيحت الدكتاتورية عن قمة السلطة دون ان تزاح من جسد الدولة والمجتمع..
واستمر بيت "ام حسن" بالتداعي، وعافيتها بالوهن، واحبائها بالانقراض ومنهم صديقتها ام حيدر..
وقبل ايام هاتفني احد الاصدقاء من العمارة ومن بين من سألت عنهم كانت ام حسن ..
اجابني بألم:
لقد فارقت الحياة محزونة ..لم يسأل عنها احدا .. حتى اصدقاء اولادها الشهداء..ممن اعتلى عرش المغانم..
بعسر حصلت على هاتف لأحد من بقايا اسرتها ..
كانت ابنتها الصغرى..
اجابتني عند سؤالي عن ايام ام حسن الاخيرة..
قالت باكية:
تمضي الوقت بالصلاة والدعاء للخلاص ممن جلبوا المآسي - للوادم *** - ..مثلما كانت تفعل ايام صدام!.
------------------------------------

*(ترجمة النص لغير الناطقين بلهجة اهل الجنوب:ياابنائي اقلعوها من الجذور وابتنوا لكم مدينة جديدة بجوار منطقة على العربي شمال العمارة لانها منطقة خالية من الوحول والذباب!)
**(انقطعت عني اخباره منذ زمن ليس بالبعيد.. اتمنى ان يكون بخير وان يكون في موقع المسؤولية في هذا الزمن الشائك الذي يحتاج فيه الوطن لابنائه العقلاء).
***(الوادم) تعني الناس بلهجة اهل جنوب العراق.



#محمود_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم-القيادة المتطرفة والطائشة-بحق الانسان والوطن!؟
- إبنُ السبعين يُعَلَّقُ لِشِباكِ القَصّابين!ّ؟
- رسالة مفتوحة الى اجتماع قادة القوى السياسية العراقية المشارك ...
- صباح عراقي؟
- هل يمكن للمثقف ان يتواطئ مع المحتل !؟
- صباح عراقي
- مقاومة الاحتلال والارهاب..خاصية قيمية ملازمة للمثقف!؟
- المثقفون العراقيون بين احتلالين!؟
- الكتاتورية..جسر لعبور الغزاة !؟
- هل يخرج الامريكيون من العراق والمنطقة!؟
- يوسف الصائغ..يقطع-الرشيد- الى الازقة الخلفية!؟
- تُعرَضُ عشتارٌ في سوقِ غنائِمِهِم مَغلولة!
- 2-المثقفون خصوم الاحتلال وضحاياه
- وعي (الاحتلال) وحقيقة الاستقلال؟!
- لماذا يفتك الارهابيون بالمثقفين العراقيين؟!
- هل بامكان نواب المحاصصة انتاج حكومة كفاءات وطنية عراقية؟!
- هل توجد بلد في الدنيا ليس بها فقراءٌ من ميسان؟!
- ما سر عدم كشف الحكومة العراقية اسماء المتورطين بالارهاب من ا ...
- أبحثُ عن -نوزاد-!
- قبور جوّالة تخرج من اروقة الدولة العراقية وتٌفَجَّر


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود حمد - دعاء-ام حسن-!