أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10















المزيد.....

فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 08:02
المحور: الادب والفن
    


أي فائتة ، لدرجة غدا فيها قادراً على مسح شوارع المدينة ومحالها بأقل جهد .. محل فلان ، يحاذيه محل فلان وفلان ، الشارع كذا يتفرع إلى كذا وكذا ، ويمكن الوصول منه إلى كذا.. ذاكرة نشطة تعمل على تخزين كل ما تقع عليه العين ، وعقل متقد لا يكف عن الاستدعاء والتدخل عند الضرورة من أجل تثبيت وقائع راسخة في الثابت من خلايا الدماغ .
وكان الأب في البدء ، حذراً في إعطاء الأحكام الحادة التي تضع الأمور في مجسمات التصنيف . كان ينتظر نتائج الامتحانات نصف السنوية حتى يقرر استمرار السماح ببيع بطاقات صفر خمسة تسعة إلى جانب الدراسة، أو التوقف عنها نهائياً ؛ حتى لا تثقل عليه في حصد النتائج . وكان فؤاد بدوره يعرف تماماً إلى ما يرمي إليه صمت أبيه حيال هذا الأمر، وعدم المكاشفة فيه ، الأمر الذي زاد من أعباء السعي نحو التوفيق بينهما من أجل إثبات الحضور الفاعل على مستوى الدراسة ، وبغية عدم التوقف في وجه مشروعه الذي يوفر له مزيداً من الخبرة والمال معاً ، لا سيما وأن تحقيق نتائج متقدمة في الدراسة يحتاج إلى توفير مراجع عديدة من الكتب لا يقدر الأب على توفيرها؛ نظراً لأسعارها المرتفعة، وضعف الدخل، واحتياجات البيت، بما فيه احتياجات إخوانه الآخرين .
وجاءت النتائج نصف السنوية للامتحانات مطابقة للتوقعات . فرد جناحيه في البيت وأخذ يحلق منتشياً لما حققه ، كأن به وضع حداً لشكوك أبيه . وفجأة لفه الصمت بردائه الغامض، وحاصرته الأفكار من كل صوب . وقف عند مفترق القرار الصعب وعليه أن يتحمل مسؤولية الخطوة المقبلة . وكان الأب يرقب التطورات بعين ثاقبة ، تساءل في سره بعد أن رأى الغموض يلف ابنه : لماذا لا يشركني في اتخاذ القرار ؟ إن قرار على هذا المستوى من الخطورة أكبر من أن يتحمل مسئوليته منفرداً !
استمر الوضع أياماً دون أن يجرؤ أي من أفراد الأسرة على مكاشفة فؤاد ، عن الأسباب التي دفعته إلى الركون للصمت والانكفاء على الذات بعيداً عن المرح الذي كان يشغل مساحة تكفي لإضفاء البهجة والسرور على البيت ، أصبح شخصاً غير الذي يعرفه الجميع على غير توقع أو مقدمات تمهد لهذا التحول ، بيد أن أحداً لم يعرف الأسباب أو يستطيع سبر غوره . كان غامضاً أكثر مما يجب ، ولم تبدر منه شارة تقود إلى تفسير منطقي يضع حداً للاحتمالات .
غير أن قلب الأم ، دائماً ، صادق الحدس . استشعرت على نحو فطري ، أن ثمة تغير طرأ على فؤاد آخذ بالتبلور شيئاً فشيئاً باتجاه الأفضل ، وليس هناك ما يخيف بقدر ما هو صمت ضروري لا بد منه عند المفترق ، إذ أن حالة التحول من شيء إلى آخر لا بد له من المرور بمرحلة التركيم قبل الانتقال إلى الجديد مع ما يحمله من ميزات وخواص .
وذات مساء ، كان الجو مشحوناً بالقلق جراء عدم قدرة الأب على توفير رسوم القسط الجامعي للابن البكر . يحاول جاهداً الإطلال على نافذة ينبعث منها أمل الحصول على المبلغ المطلوب قبل بدء الامتحانات التي لا يتقدم لها سوى الذين سددوا الرسوم المطلوبة دون جدوى . وعندما أعيته الحيلة ، أصابته الكآبة فتلمسوا الأبناء أمراً جللاً ، ولكن لا أحد يعرف ما أصاب الأب وما هي دوافع الاكتآب ؟ الزوجة وحدها القادرة على قراءة أفكاره . منذ سنوات يتوسدون الأحلام واللحظات ، حلوها ومرها، فكيف لا تقرؤه ؟
أخذته على غفلة من أمره قبل ذلك المساء وباغتته بالسؤال : ما الذي يشغل بالك ويضفي عليك وحشة الكآبة ؟ وعندما ألحت بالسؤال لمعرفة السبب الحقيقي لم يجد مناصاً من الإجابة : إنها قلة الحيلة وعدم قدرة توفير قسط الرسوم الجامعية !
رنت الإجابة في أذن فؤاد رنينها الموجع . قذفت به في أتون الصمت والانطواء على الذات ، وتجاوز السؤال في عقله ، حده القاطع .. أخذ يدوي في أعماقه كمحرك آلة عملاقة : ماذا علي أن أفعل ؟ لا بد من فعل شيئاً مفيداً يدخل السرور إلى قلب أبي !
أخذ قراره بإصرار طفل عنيد لا يعرف التراجع . وعندما كان الجو مشحوناً في ذلك المساء ، أعلن أمام الجميع عن قراره بعد أن أخرجه بشكل لبق لا يجرح الكبرياء ، أو يحط من مقدار الوفاء . قال وفي طبقات صوته رنة الحسم :
ـ أشعر أن ثمة حاجة ملحة للعمل حتى أتمكن من تقديم يد المساعدة ، وتلبية احتياجات البيت الآخذة في الازدياد يوماً بعد يوم .
نظر إلى وجه أبيه ؛ كي يسبر تأثير وقع الكلمات عليه ، ثم واصل :
ـ من غير الجائز أن أترك أبي يتدبر شؤون البيت وحده . إن كل أب ينتظر اللحظة التي يكبر فيها أبناؤه ؛ حتى يساعدوه في التحايل على الواقع الاقتصادي ، وأنا لست جاحداً ، ولن أكون ولداً عاقاً يتنكر للوالدين والأخوة .
وقبل أن يعلن عن قراره ، عاود النظر إلى أبيه ، فوجده ، لأول وهلة ، غارقاً في تفكير أكثر عمقاً من أخدود حفرته دواليب سيارة أعيتها الطريق المتربة الموحلة فلم تستطع مواصلة السير ، ولكنه لا ينظر صوب أحد . ثم أعلن قراره :
بعد كل الذي أشرت إليه قررت التوقف عن الدراسة لصالح العمل حتى أرفع مستوى الدخل وأساعد في تلبية الاحتياجات الضرورية !
رفع الأب عينيه باتجاه فؤاد وبدأ يحدجه، وحالة من الغضب تصعد من داخله شيئاً فشيئاً . وفجأة انسابت الدموع فبللت العينين .. دموع تعصفها المرارة ويلهبها الاشتعال الممزوج بالفرح الذي يعبر عن استعداد الابن التنازل عن مستقبله بغية بناء مستقبل العائلة .. مسح الأب دموعه ونهض حتى أضحى أمام ابنه ، ثم احتضنه بين ذراعيه وأخذ يضغط على صدره وكتفيه برفق ينم عن حالة انتشاء غير متوقعة ، فيما كانت الأم وباقي أفراد الأسرة يترقبون الخطوة المقبلة بحذر شديد .. تركه في الوقت الذي بدأ فيه الحديث فقال :
ـ ما زال المستقبل أمامك وعليك دائماً التطلع نحوه . لا تجعل أي من المؤثرات تقف حاجزاً بينك وبين طموحك العلمي ، ثم إن نتائج الامتحانات تؤكد تفوقك على زملائك ، فلا تدع هذا التفوق تعصف به الرياح، وتؤثر عليه القرارات المتسرعة . كن صبوراً ولا تغريك الأرباح الفورية ؛ العلم أولاً ، وبعد ذلك فكر كما يحلو لك.
ـ ولكن ...
ـ دون ولكن ، فأنا لم أقصر معكم في شيء ، ولم أشكو أمري لأحد . وفضلاً عن ذلك، أنتم رصيدي الحقيقي في هذه الدنيا ، لا أقوى على المساس بكم .
ـ ما تقوله حسناً ، غير أني - معذرة يا أبي - سمعت الحديث الذي دار بينك وبين أمي منذ أيام، ولا أستطيع الصمود أمام عذابك في الحصول على القسط الجامعي في الوقت الذي يمكنني فيه المساعدة، ثم أنك أنت من زرع فينا حب مساعدة الآخرين ، فما بالك إذا كنت أنت الآخرون!
ـ لا عليك يا ولدي ، فأنا مستعد لأن أبيع إحدى كليتي من أجل أن تتعلموا، وتصبحوا ذو شأن، قادرين على حماية أنفسكم في هذه الأنواء العاصفة غير مأمونة الجانب . فالمستقبل يبدو الآن أكثر خطورة من الحاضر !
لأول مرة ، يرى فيها فؤاد دموع أبيه تتسلل من المآقي . كان يعتقد فيما مضى ، أنه أكثر قوة وتماسكاً من كل رجال الدنيا ،فإذا كان في لحظة يتصور ، أن الرجال تخونهم القوة ويضعفون ، فقد كان دائماً يستثني أباه من هذا الاحتمال ، لا سيما وأنه لم يسبق أن شاهد لحظة ضعف واحدة توقف أبوه عاجزاً أمام التصدي لها ومواجهتها ، بل أبعد من ذلك ، كل المواقف التي تعرض لها كان قادراً فيها على الصمود حتى النهاية بنفس القوة التي يبدأ فيها دون تراجع أو اتكاء على الآخرين ، ولكن أن يراه هذه المرة وعيونه مبللة ، لم يستطع ، رغم فطنته ، النفاذ للأسباب الحقيقية التي جعلت من حالة الضعف تطفو على السطح . ضعف ، ربما يكون محبباً، ولكنه لا يستهوي الشباب ، ولا يستطيعون الوقوف عند معناه العميق . إذ لم يخطر ببالهم أن الأب، مهما كان قوياً، تمر عليه لحظات يضعف فيها عندما يتعلق الأمر بأبنائه الذين يشكلون ثروته الحقيقية .
لم يغلق الباب تماماً ، ولكن المياه ركدت مؤقتاً . أب عيناه يختبئ بها عالم من الألم والمرارة والحزن وخوف من المستقبل ، وابن يحتدم الصراع في داخله كعنكبوت يتحرك فوق خيوطه التي نسجها للتو ، وبين الاثنين تتسع المساحة وتنفتح على فضاء الاحتمالات . وبقي الأمر معلقاً ، الابن يحافظ على مشاعر الأب ولا يفكر بالخروج عن طاعته ، والأب يحاول أن يجنب ابنه مغبة الدخول في صراع داخلي يجعله دائم التوتر والقلق ، ويعطل عليه السعي نحو بلوغ مستقبل أخذ يلوح في الأفق إمكانية القبض عليه وتطويعه بما ينسجم وطموحه غير المحدود . ولكن ماذا بوسع كليهما أن يفعل ؟
هدر السؤال مدوياً، وضجيجه حاصر البيت بالصمت . وقف كلاهما أمامه وجهاً لوجه ، لماذا ؟ التساؤل الأول وبداية التكوين نهض من ثنايا آلاف السنين؛ ليعيد إنتاج نفسه بطريقة مختلفة جزأت اليوم إلى لحظات لا تحتمل عدم الإجابة واللامبالاة ، وكانت الإجازة نصف السنوية قد شقت طريقها في اليوم الأول ، فأودعت الابن إلى السوق والأزقة يجوبها بدراجته الهوائية محملاً ببطاقات ( صفر خمسة تسعة ) التي ارتبط بها، فأصبحت شيئاً مهماً في حياته ، يتعامل معها بحب خالص ويتغزل بها كما لو أنها فتاة تشاركه الأحلام والمصير ، يتلمسها بين الحين والآخر، ويصغي لهمساتها الناعمة . فيها سر مودع لا يقوى على فك رموزه غيره هو !
لقد باشر عمله منذ صباح اليوم الأول للإجازة نصف السنوية ، كأن به الحنين إلى ميدان فلسطين ، المكان والذاكرة يشده شداً ، فتى في مقتبل العمر دائم التأمل في المكان ، سحر خاص نسج خيوط العلاقة بينهما، فأحالها إلى عشق متوهج يصعب البراء منه، أو معرفة دوافعه . يترصد لحظات الفراغ ، ويشبع المكان تأملاً . إحساس غريب يتعقبه كلما ابتعد عنه !
ربما هناك شيء مخبوء في تلافيف الذاكرة لم تستطع الأحداث الرتيبة جليه من الصدأ ، وليس ثمة احتمال لحدث صاعق قادر على إماطة اللثام عن سر العلاقة بينهما، غير أن استمرار الحال على ما هو دون معرفة السبب أدخله في متاهة من الإرباك والقلق ، دفعته إلى مكاشفة الأب في لحظة انتشاء ، كي يفسر له سر العلاقة الحميمة التي نشأت بينه وبين المكان على أمل الوقوف عند الحقيقة التي أخذت تعطل عليه العمل في بعض الأحيان .
ضحك الأب من قلبه .. نظر إلى ابنه، وقرأ السؤال في عينيه . قال :
ـ أنا أعرف إلى ما ترمي ، تريد أن تسأل ولكنك متردد : هل عندما كنت صغيراً ارتبطت في المكان من قريب أو بعيد ؟
رد الابن في عجالة كأنه التقط وميضاً خاطفاً قبل أن يفلت :
ـ بالضبط، هذا ما أردت الوصول إليه . إنني أشعر بقربه مني حتى كأنه يتنفس معي ؛ يحتويني بين ضلوعه أو بالعكس .
ـ لا عليك يا ولدي !
ابتسم الابن ابتسامة عريضة شغلت مساحة الوجه وارتسم معها لون فريد من السعادة لم يعهده من قبل .. تأمل الأب الابن في لحظة شبت عن الطوق ، وفي اللحظة التي تلتها التمعت عيناه في الوقت الذي بدأ فيه الحديث :
ـ ذات يوم ، طلب مني أبي الذهاب معه إلى السوق ، وقد كنت آنذاك في عهد سنوات عمرك الأولى ، وعندما خرجنا من البيت أخذت تبكي احتجاجاً على تركك ، عندها عاد جدك كي يهدئ من روعك ، ولكن دون جدوى ، لقد حاولت أمك أن تشغلك بالألعاب ؛ حتى تفسح المجال أمامنا من أجل المغادرة ، بيد أن إصرارك على اصطحابنا لم يتوقف ، كنت كلما كفكفت دموعك، وهممنا بالخروج عاودت البكاء مصحوباً بالصراخ ،إلى أن ضقت بك ذرعاً، وكدت أفقد أعصابي وأنهال عليك ضرباً ، غير أن جدك أدرك إمكانية فقدان أعصابي كل لحظة، فخاف عليك وطلب من أمك إلباسك الحذاء حتى يصطحبك معه قبل فوات الأوان . غلب على أمري والتزمت الصمت تحاشياً لتعكير مزاج جدك.
وهكذا جئت معنا، وأخذتنا الطريق إلى المرور من شارع " فهمي بيك " من جهة الشمال ، ولما وصلنا إلى طرفه الجنوبي ، كانت " الجرافة " تعمل أسنانها في البناء القديم لمعصرة زيت السمسم وجوارها من المباني التي تعود إلى مئات السنيين، كأن بها تسحق تحت عجلاتها الضخمة عظام العديد من العمال الذين عملوا بها على مر الأجيال .
نظر جدك إلى "الجرافة" بغتة وضرب كفاً بكف ، في وقت بدأ فيه الشحوب يكسو وجهه، وأنفاسه تتلاحق، وعضلاته تهتز ، ثم أدار وجهه إلى الجهة الأخرى ؛ هرباً من استمرار النظر صوب أسنانها المغروسة في حجارتها الصلدة التي استطاعت الصمود في وجه الأنواء على مدار عمرها .
تقدم بضع خطوات باتجاه الخروج من الشارع ، فيما أخذت دمعة حبيسة التحرك ذهاباً وإيابا داخل حوض العين ترفض الانسياب . ولما انتظمت أنفاسه، وتمالك نفسه في الوقت الذي كنت فيه أتابعه خوفاً عليه ، نظر إليّ، ثم إليك ، وقال : هذا الطفل لا يعي ما لذي يحدث ، وربما لا يفهم كلماتي ، أما أنت عليك أن تصدق حجم الفاجعة التي أصابتني عندما رأيت "الجرافة" وهي تغرس أسنانها في الجدران وباطن الأرض كي تقتلع أي أثر يدل على جذورها التاريخية . أصحاب المكان أغواهم المال، فتنصلوا من الماضي ، والحكومة الإسرائيلية تشجع هذا التوجه ، تسعى إلى اقتلاع الماضي حتى لا نؤسس المستقبل .
هل تتصور حجم الخدمات التي قدمتها هذه المعصرة على مر الأجيال ؟ لقد كانت العلاج الشافي لآلاف الأطفال والعجزة . عندما كان يصاب أي شخص بالسعال أو صعوبة التنفس ، يهرع أهله من فورهم إلى المعصرة، حتى يحصلوا على زيت السمسم البلدي ، ويقوموا بتدليك صدره، وتدفئته، وإجباره على تناول ملعقة من الزيت، فإذا به يرجع بعد يوم أو اثنين معافى كأنه لم يصب بأذى . ترد صحته إليه ويصبح أكثر قوة من ذي قبل .
أمهات كثيرات حملن أطفالهن ووقفن بالقرب من التنور الذي يعمل على تحميص السمسم قبل عصره؛ من أجل أن يستنشق أطفالهن بخار الزيت المتصاعد، فتتفتح أوردتهم، ويسهل عليهم استنشاق الهواء . هذا البلاط الذي سحقته الجرافة تحت عجلاتها مرت عليه آلاف الأقدام دون أن يتبادر إلى ذهن أصحابها مرور لحظة الاقتلاع هذه !
أمك في ابنها الأول ، أعيتها الحيلة، والتنقل من مزار إلى آخر طمعاً في شفاء أخيك من الأمراض التي لا نعرف مصدرها . لم تترك ولياً صالحاً إلا وتضرعت عند قدميه ، تطلب منه المساعدة وكشف الحجاب عن أعين الأطباء حتى يتمكنوا من علاجه . أقسمت عند أضرحتهم بالله وبرأس أبيها أن توفي النذر وتطعم مائة مسكين إن شفي ابنها من الأمراض التي حطت عليه ، ولكن دون فائدة . وقفت بجوار التنور واستنشق أخيك بخار الزيت، فردت له العافية في اليوم الثالث . وفي الرابع ذهبت معها وقمنا بتوزيع " المعمول " على المساكين وعابري السبيل أمام مسجد المدينة الكبير ، وما تبقى أودعناه عند صاحب المعصرة من أجل إطعام الذين يأتون للغرض نفسه . كان البلاط الذي يكسوا أرضية المعصرة ببريقه الوهاج يسكنك بالرهبة والطمأنينة ، ويشع منه نور الشفاء بعد رحلة العذاب والتنقل بين قبور الأولياء الصالحين .
كل هذا انسحق في لحظة أقرب إلى الجنون منها إلى تجديد المكان، وإعادة الهيبة والاعتبار إليه، بعد أن صار السعي وراء الحصول على زيت السمسم محض مسألة تجارية، تهدف إلى مزيد من الأرباح، دون وضع مصلحة الناس وتمسكهم بالمكان في المقدمة، وعلى رأس أولويات التفكير.
على أية حال ، كان السمسم وهو يتقلب في الموقد فوق النار الملتهبة التي تزيدها اشتعالا أجساد العاملين وعرقهم الذي ينهمر سيولاً على الزنود المجدولة ، يعطي لرائحة المكان طعماً لا يمكن لك أن تتذوق مثيلاً له في أي بقعة أخرى من الكون . كانت رائحته تتخلل



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 9
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 8
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 7
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 6
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 5
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة4
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 3
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة2
- فصل من رواية :صفر خمسة تسعة
- الحداد أربعون يوماً
- الفصل 16 من رواية كش ملك
- الفصل 15 من رواية كش ملك
- الفصل 14 من رواية كش ملك
- الفصل 13 من رواية كش ملك
- الفصل 12 من رواية كش ملك
- الفصل 11 من رواية كش ملك
- الفصل 10 من رواية كش ملك
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - فصل من رواية :صفر خمسة تسعة 10