أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - الباحث عن الحقيقة















المزيد.....

الباحث عن الحقيقة


بولات جان

الحوار المتمدن-العدد: 2025 - 2007 / 9 / 1 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


كـــلار! أيتها الأرض التي تحرقين آمال شبابنا الفاني جرياً خلف نتفاتٍ من ثنايا السحب الإلهية العقيمة، بأيّ حقٍ تعتدين على خيالاتنا الجميلة بواحة من الحنان و الحب؟!
منذ اللحظة الأولى التي داعب فيه النور عينيه وإشارة استفهام كبيرة تدور حوله في كل الأشياء والحركات، و تصرفات المحيطين به.
هديته الأولى كان دفتراً أخضر من والده. كان الدفتر في حضنه أينما ذهب أثناء اللعب؛ أثناء النوم وهو يحتضن دفتره الذي لا يبارحه أبدا. لم يأبه بكل الأشياء و الألعاب عندما هاجر مع ذويه إلى مدن غريبة و بعيدة. الشيء الوحيد الذي أخذه معه هو( صاحبه الدفتر).
الحروف الأولى من قصة حياته كتبها على الدفتر لأخضر، كبر صاحبنا والدفتر يزداد عليه آثار المداد. طلاسمٌ لا يفقهها سواه و معاني غريبة للحياة، دائماً عليها و حولها المئات من الأسئلة وإشارات الاستفهام؟ لماذا؟ كيف؟ أين؟ متى؟... هذه الأسئلة كانت البذور التي تنبت منها طلاسم دفتره الأخضر!
أصبح شابا طويلا أسمرا والدفتر يكبر معه، يتغذى بغذاء روحه ونور فكره، يتقاسمان معا الكساء والغذاء، الافراح والاتراح، يشتكي كل منهما لصاحبه، فهما الملاذ الوحيد الآمن لهموم قلبيهما وعواطف روحهما وسخريات الاقدار منهما.
العالم حوله كان عبارة عن كتلة كثيفة من ألاسئلة و التناقضات، ما إن يحل إحداها حتى يجلب معه آلاف الاسئلة الاخرى.
أحلامه كانت كثيرة جدا، أراد أن يكون بطلا مثل أبطال قصصه: (لا سوف أصبح كاتبا… أو حتى ضابطا! كلا! بل سأصبح رئيسا لجمعية أو نادي، أو حتى رئيس لحزب...!)
جمع حوله عددا من حاملي المدليات الاستفهامية الكبيرة:(و الآن سوف نفتتح الجمعية... أنخابكم يا أصدقاء). لكن هيهات بين تحقيق الأحلام وتحويلها إلي الواقع وبين الحقيقة التي لا ترحم. الحقيقة: الصخرة التي يصطدم بها رأس من يخالفها!
ولكن لماذا؟ أسئلة وأسئلة تتدون على دفتره العجيب. لم يتجاسر أحدٌ على محاولة قراءة الدفتر، وإذا قرؤوها فلن يفقهوا منها شيئا! الدفتر أصبح هو! وهو أصبح الدفتر! لكي تعرفه فيجب أن تعرف الدفتر الأخضر، على الغلاف الدفتر صورة لطفلةٍ صغيرة(العالم طفلة بريئة، لكن البشر العابد لنفسه المنحطة، يحاول سحق هذه الطفلة وهو يتفاخر بحضارته وتقدمه...).
بطلنا لم يبكي في حياته كما يبكي الناس، بكائه كان سيلاً من الكلمات المنهمرة على دفتره الأخضر الذي أصبح حاوي كيانه، روحه، وطنه، شعبه و أفكاره كلها. الدفتر كان ينهل منه المعرفة وهو كان يحصل على الإلهام من دفتره الأخضر.
ترك المدرسة بمقاعدها الباردة الصلبة ونظارات المدرسين السميكة، وحياته الركيكة الرتيبة. حدث كل ذلك بعد أن حضر إحدى الندوات، حول الشباب ودورهم الحالي والخيارات المستقبلية. توصل صاحبنا إلى نتيجة هامة جدا غيّرت مسار حياته:(القلم والدفتر بحاجة إلى الحرية للكتابة والتعبير الحر، لكنهم يقيدون قلمي بآلاف القيود والقوالب الفولاذية المعمولة حسب أفكارهم وقناعاتهم الضيقة، يقومون بتشهير دفتري و قلمي الصارخ، ينعتونها بالمحرمات الخطيرة على سلامة المجتمع والوطن؟).
ودّع ملاعب طفولته ومترع شبابه، قائلا لمحبوبته: (أبقي هنا! أنني راحلٌ وراء الحقيقة، يجب أن تعلمي بأن الحقيقة نحلتها غالي جدا، هي مثل الحسناء الساكنة في قصراً سحري،لا تتنازل للحضور إليّ، لا أعرف لماذا ؟ و لكنني سوف اذهب غليها مهما كلفني ذلك من ثمن...).
لم يحمل شيئا معه سوى الدفتر الأخضر(فهو حياته القديمة و الحاضرة و الآتية). كانت حياته الجديدة والجديدة عليه قد حلت الكثير من تساؤلاته الملْحاحة و التي كانت تطنُّ في رأسه بلا انقطاع. كان في صراعٍ أبدي مع الزمن: (يجب أن أصل إلى الحقيقة في أسرع وقتٍ ممكن). أيامه، أحلامه وأفكاره الجديدة كلها لاقت طريقها إلى الدفتر الأخضر.
في حاله و ترحاله، في يقظته ومنامه و الدفتر معه! حتى أن أصحابه الجدد كانوا يتعرفون عليه من دفتره الذي يتأبطه دائما. أفكاره كانت مبدأية و عصرية، لكنه لم يكن يتمكن من إيصالها بالشكل المطلوب إلى محيطيه: (أرجو أن تفهموني، أنا أخاف الدم كثيرا، ففي حياتي كلها لم أذبح دجاجة واحدة قط! ومع ذلك فأنا مستعد لكي أذبح الدنيا كلها من أجل فك القيود عن شمس الحقيقة. نورها الذي سيزيل الظلام و الستائر القاتمة عن الحقيقة. الغيلان لا تريد أن تشع الشمس ضيائها الباهر على صفحة الأرض لكي لا يرى أحدٌ أجسادهم ووجوههم القبيحة و قرونهم الناطحة لقبة السماء).
كان يصرح لمن حوله بكل ما يختلج روحه و فكره و تاريخه من الصفحات البيض والسود على السواء. أفكاره كانت صريحة للغاية، حتى ولو كانت خاطئة أو ناقصة. يكره كثيراً أن يكون بطلاً في الكلام و طول اللسان فقط، كان يريد أن يثبت كلامه بالعمل. كل سانحة أو فرصة قد يثبت فيها نفسه كان يبادر إليها بلا تردد:(الفن و الثقافة ليست في طريقة الأكل أوالشرب أو الكلم... ولو كانت كذلك لكانت الدجاجة من أعظم الفنانات...!)
* * *
الطويل الذي يخيّل للإنسان وكأنه وصل إلى عنان السماء مخترقا الغيوم الداكنة. أسمرٌ، شعره مجعد:(أعرف بأنني لستُ جميلا كما يجب؛ وهذا لا يقلقني وأنا مرتاح لذلك، فمفهومي للجمال و الوسامة مختلف). كان وسيما بروحه وقلبه الطاهر و أفكاره النيّرة ومبدأ يته العظيمة... نعم فقد كان وسيماً في روحه و لطيفاً بخصاله العذبة.
دفتره تعرف على الكثير من الكلمات الجديدة و الغريبة(فلسفة، ثورة، حرب، سياسة، تصفية... وأشعارٌ عن النار و الوطن وقدسية التراب... الخ).
مرت الأيام، صاحبنا يكبر و الدفتر يكبر معه، كيلهما ينتظران أمرا ما... الذين كانوا له بالمرصاد قبل سنين يعيدون كرّتهم من جديد. ينون أن يخلعوه مع رفاقه من جذورهم ويطفؤوا أنوار الحقيقة في عقولهم وضمائرهم، قائلين: (إنه نورٌ يؤذي عيوننا، يجب تعتيمه و إخماده بأي ثمن).
- (ها قد حانت الفرصة لكي أنتقم من الزبانية وتجار الدماء البشرية و ساحقي الطفولة البريئة… حانت الفرصة لكي أثبت للجميع بان متأبط الدفتر الأخضر بمقدوره حمل الكلاشينكوف والرمانات و ان يحارب ضد الزبانية والكلاب المسعورة.)
و كان لنا الخريف بهوائه البارد ونجومه الخجولة المتحجبة وراء خمارها الغيمي. و على الارض كانت القوافل تستعد للمسيرة الطقوسية باتجاه قلاع الحرية العاتية... راح يواسي دفتره و يناجيه: (لا بدّ أن أتركك هاهنا أيها الدفتر العزيز. أبقى هنا ريثما أعود إليك. إن لم أعد فأنك توأمي الحقيقي، حاوي أسراري و رسالتي الإنسانية، عندها يمكنك الصراخ بأعلى صوتك، حتى تتحطم جدران الصمت الأزلية، وتزول أغشية الكرى عن أعينهم. لا تقف ساكتا فسوف تكون لسان حالي وصدى صرختي وناشر ما خطته يراعي. سوف أخبأك هنا، لكي تتبارك برائحة تراب الوطن الزكية، ترقد حينا على صخورها المقدسة...). لأول مرة في حياته يحدث فاصلٌ زماني و مكاني بينه و بين رفيق دربه الدائم-الدفتر الأخضر.
أسدل الليل سدوله على العالم، النجوم تراقب بوجل و ارتباكٍ عذري مصائر أبطالها الصاعدين نحو المغارة، كي يحطموا بعضاً من السلاسل التي تقّيد الشمس. كان صاحبنا بحكم رتبته في المقدمة، قال له أحد رفاقه: (مازلتَ طري العودِ. أرجو أن تتراجع قليلاً كي لا تصاب بأذى..."
- (كلا! يجب أن أحقق حلمي وأصل إلى القمة، بالحسام و اليراع نستيطع أن نحطم القيود و نحرر الشمس من أيدي الزبانية الغلاظ) كما ربان السفينة! يكون أول من يصعد على متنها وآخر من يترجل عنها، وكذلك صاحبنا، لا يرضى أن يكون في المؤخرة أثناء الشدائد.
دويٌ وصل إلى عنان السماء الحائرة. شهبٌ و نيازكٌ فولاذية مذنبة بالنار ترسم خطوطاً في الفضاء. أصوات صواعق و رعود تزلزل الأرض و تنفطر السماء. تفجر البراكين الخامدة منذ الأزل في الأعماق الغائرة. كان الموت هناك سلطانً نشوان بلا منافس.
بكل هدوء و بلمحة عين سقط على الأرض، تمدد على الثرى المصخرة. فبدأت ينابيع النفط الأحمر تتدفق بغزارة من صدره الواسع، وسع سهول بلاده، كأنه الجسر الواصل بين دجلة و الفرات الرابض على ذرى جبال إلاهية مقدسة. دمه الزكي أختلط مع أديم الخليقة الأولى، قد ينبت منها وردة أرجوان تكون مترعا لتحليقات البلابل و تغريداته.
- (وأخيراً… ها قد وصلت إلى القمة، قمة الحقيقة. إنها هنا في كياني، ليست بعيدة ابداً. إنها معنا دائما... لا تذهبوا شرقاً و لا غرباً... فإن كنتم تبحثون عنيّ فأنا موجودً فيكم! ألد معكم، أتغذى بكم و أنمو بأكسير حياتكم. فانا أنتم و أنتم أنا... ) و أغمض عينيه اللتان كانتا تنضان بالأمل و الراحة إلى الأبد.
هزات عنيفة أحدثها الدفتر، خرج من جدثه وهو يبكي بحرقة وألم يعجز قلمي عن وصفه، أيامٌ متتالية والدفتر يذرف الدموع الحمراء، الكلمات أمست ناراً و بركانا، و الدموع باتت ينابيع عظيمة يتدفق منها الأنهار الهادرة. أمست كلها كوثراً رقراقاً لكل العشاق و الباحثين عن الحقيقة.

**من كتاب آه يا صغيرتي



#بولات_جان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرتزقة
- لك سلامي
- نحن أخوة
- شمعة ناظم
- هل من معارضة سورية؟!
- لم أفرح..
- إن وقعْتَ يا فصيح
- شيلان، ما الذي أكتبه؟
- قراءة في فكر اسماعيل بشكجي
- الاعتراض الضميري و ثقافة المجتمع الديمقراطي
- طوبى للسلام
- صدر حديثاً -آفاق كونفدرالية- عن دار شيلان للإعلام
- صراع الاجيال
- ما هو الحل؟
- ترانيم الروح... لوحة من الفرات
- أوجلان فوبيا
- مهلاً حبيبتي شيلان
- العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة العاشرة
- العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة التاسعة
- العصيان المدني، الدواء الناجع لداء العصر الحلقة الثامن


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - الباحث عن الحقيقة