أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - إنها لحظة انتزاع المبادرة ..















المزيد.....

إنها لحظة انتزاع المبادرة ..


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 2024 - 2007 / 8 / 31 - 10:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الخطأ حصر النقاش فقط حول رفع الدعم الحكومي ، وخاصة للمحروقات ، بفارق السعر السوري عن دول الجوار ، وبما يلحق ذلك من خسائر بميزانية الدولة . ومن الخطأ أيضاً حصرالسجال ، حول هذه المسألة الهامة التي باتت عنواناً لتحولات متعددة الأبعاد ، في المجال الاقتصادي البارد الأرقام وفي المجال السياسي الساخن النتائج ، بحثاً عن حلول محددة بالنتائج دون الأسباب ودون علاقة جوهر الأزمة بالبنية الاقتصادية العامة خلال عقود من ا ستحواز العهد الاستبدادي على السلطة . هنا يربح " الدردري " وطاقمه الاقتصادي المعركة ، فهو وإن لم يقدم كل أوراقه بشفافية مقنعة ، إلاّ أنه يضع على الطاولة أوراقه ، التي يبرر بها عملية رفع الدعم ، متحدياً النقاش ، حصرياً ، بالأرقام ، مع التلويح بمساومة إذعانية مبنية على رفع الدعم مقابل ا ستمرار برامج التنمية والاستمرار في بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والبنية التحتية . بمعنى أن بقاء الدعم كما هو عليه يعني عجز الدولة عن أداء مهامها في المجالات الحيوية الأساسية .

ومرد هذا الخطأ يعود إلى أن مسألة رفع الدعم الحكومي لعدد من المواد التموينية والمحروقات ( الاستهلاكية والانتاجية ) ليست مسألة مالية - اقتصادية لسد العجز في الميزانية العامة ، أو لتحقيق فرص ا ستثمارية تنموية - على أهميتها - فحسب ، وإنما هي حلقة في سلسلة حلقات خصخصة القطاع العام الانتاجي والخدماتي والصحة والتعليم .. ألخ .. التي تجري تلبية لشروط البنك الدولي والشراكة مع الاتحاد الأوربي والانخراط في منظمة التجارة العالمية ، أي ربط الاقتصاد السوري بمعايير وآليات السوق الليبرالية وسوق العولمة الرأسمالية الامبريالية ، لتوفير انتقال الراسمالية السورية ، وخاصة السلطوية العالية الثراء ، من السوق المحلية التي باتت تضيق بأحلامها ، إلى المجالات الإقليمية والدولية .

ولذا فإن مسألة الدعم ، عدا عن أنها منذ بداياتها في النقاش والقرار والتنفيذ قبل عقود من السنين ، تتجاوز حقلها الاقتصادي إلى السياسي - الاجتماعي ، فإنها تكتسب الآن ، أكثر من اي وقت مضى ، بعداً سياسياً - اجتماعياً بالغ الأهمية والخطورة . وذلك ليس لأن رفع الدعم ، كما اجتزأه بعض المعترضين عليه " لتجنب زعزعة الاستقرار الداخلي في وقت تتعرض فيه البلاد لمخاطر خارجية تحدق بها " ، وإنما فوق ذلك وأهم من ذلك يرهن البلاد نهائياً للهيمنة الخارجية الامبريالية ، ويعرض حياة الملايين من شعبنا إلى المزيد من البؤس والأزمات الخانقة . وهذا ما يفسر إلى حد كبير ، توازي إجراءات رفع الدعم مع السعي الحثيث لإزالة عقبة الجولان المحتل من طريق عولمة الاقتصاد السوري .

وعلى ذلك ، فالنقاش حول مسألة رفع الدعم هو نقاش سياسي ويتجاوز الدردري وطاقمه إلى المسؤولين عن قيادة الدولة والمجتمع ،الذين يتحملون مسؤولية إيصال البلاد إلى هذا المستوى من التردي ، الذي يستدعي حلولاً ليست اقتصادية أو إدارية فحسب ، وإنما حلولاً سياسية بالدرجة الأولى . وهذا يقودنا إلى التذكير ، أن النهج السياسي - الاقتصادي ، الذي مكن الطبقة السياسية الحاكمة من امتطاء القطاع العام الانتاجي والخدماتي ، وتوظيف آليات الدولة ، لتحقيق أ سرع وأ شرس عملية تراكم رأسمالية في المنطقة ، وأمن لها الوصول إلى قمة الطبقة الرأ سمالية في البلاد ، عبر عملية نهب وا ستثمار المال العام وتجميد الرواتب والأجور عن عمد متوحش ، وإحداث تمايز طبقي حاد ، دفع بثلثي الشعب السوري إلى ما دون خط الفقر ، هو النهج ذاته ، الذي يعمل الآن ، من خلال ما يسمى رفع الدعم وتاليه الخصخصة المبرمجة على كل المستويات ، على أن تدفع الطبقات الشعبية والمنتجة ثمن ارتقاء تلك الطبقة المتوحشة إلى مرحلة السيادة السياسية - الاقتصادية المطلقة في المرحلة المقبلة ، ويمنحها أوراق اعتماد دورها الإقليمي والدولي .

وفي ا ستعراض تفاصيل رفع الدعم ، من حيث مسوغاته ، وتعويضاته المتوقعة ، نجدها تنضح بالسياسة قبل الاقتصاد ، ونجدها تنضح بالدلالات الرقمية الملتبسة ، كما نجدها تفضح العورات حين تحاول التستر عليها . ففي مجال العجز في الميزانية نجد أنه غير متأت فقط عن الدعم الحكومي المشروع المزمع إلغاؤه ، وإنما من التهرب الضريبي من قبل أصحاب المداخيل المليارية المقدر بمئات المليارات من الليرات السورية ، ومتأت من الانفاق الحكومي اللاعقلاني في مجال المحروقات بالذات ، ومن الإعفاء والتخفيض الضريبي غير المجدي اقتصادياً لكبار المستثمرين المحليين ، والخليجيين خاصة ، والتي تبلغ أرقاماً تتجاوز المبالغ المخصصة للدعم ، ومتأت أيضاً وأيضاً من النهج الاقتصادي العبثي ، الذي أتبع عن عمد بهدف الإثراء السريع للطبقة السياسية الحاكمة ، والذي أهمل البرامج العلمية للبناء الاقتصادي ، لاسيما في مجال المحروقات إن في الإنتاج أو التكرير أو التسويق أو الاستهلاك .

وفي مجال التعويضات المتوقعة للمتضررين من رفع الدعم فإنها أسوأ من رفع الدعم ذاته ، بسبب ما سوف تؤدي إليه من اختناقات معيشية هي في غاية القسوة ، فهي لاتتجاوز 20 % من الأضرار المباشرة والارتدادية لرفع الدعم على مستويات المعيشة كافة ، وهي تأتي على نفس الموازين المختلة القائمة بين الأجور والأسعار . وهذا ما يؤكد عليه الخط البياني لتطور أ سعار المحروقات وللأجور في العقود الماضية . ففي عام 1970 كان المعدل الوسطي للأجور 300 ليرة شهرياً ، وكان سعر ليتر المازوت 12 قرشاً أي ( 12, 0 ) ليرة سورية . في عام 2007 أصبح المعدل الوسطي للأجور 6000 ليرة أي بزيادة عشرين ضعفاً ، وسيصبح السعر الرسمي لليتر بعد رفع الدعم 12 ليرة أي بزيادة مائة ضعفاً . بمعنى أن الدولة ستدفع للعائلة الواحدة ألف ليرة لتأخذ مقابلها أربعة آلاف . أما بعد رفع الدعم حيث الفلتان السعري المتعمد لتعويم الوضع الاقتصادي على الطريقة الليبرالية ، فإن سعر المازوت لن يستقر على تسعيرة الدولة ، بل سيكون بمثابة الصاعق الذي سيهز الوضع الاقتصادي برمته ، ويجعل من المداخيل المتدنية في حالة عجز مطلق حتى عن تأمين أساسيات المعيشة اليومية ، وستتحول ال 1000 ليرة التي ستمنح للمتضررين إلى أصفار على الشمال في حسابات القدرة الشرائية المتدهورة .

أما ذرائع مساهة التهريب التخريبي في تفاقم أزمة المحروقات وفي ضرورة رفع الدعم لمساواة الأسعار السورية مع أ سعار دول الجوار وخاصة لبنان ، فهي ا ستهزاء بعقول الناس بعد الاستهزاء بلقمة عيشهم . فحسب النائب الاقتصادي الدردري ، أن 500 مليون ليتر مازوت تهرب سنوياً إلى لبنان بما قيمته 300 مليون دولار . وبعملية حسابية بسيطة يظهر أن مايهرب إلى لبنان هو نحو 5, 1 مليون ليتر يومياً ، ويظهر .. وربما لايريد الدردري أن يظهر .. أن أجهزة الأمن السورية المشهود لها بالقدرة والبطش هي عاجزة أمام مافيات المحروقات ، ولذلك لجأ إلى جيوب الفقراء لتعويض خسائر الدولة المازوتية . ولاتقل المقارنات لأسعار المحروقات في سوريا مع دول الجوار استهزاء ، إذ أن هذه المقارنات تذكر الأسعار دون أن تذكر الأجور والمداخيل في تلك البلدان ، التي تتناسب طرداً ، إلى حد أفضل من سوريا بكثير ، مع مستويات الأسعار .

واللافت الغريب ، أن الطاقم الاقتصادي السوري ، الذي فكر بحلول متعددة ، كما نشر في وسائل الإعلام ، لحل معادلة الدعم والأسعار ، ووضعها قيد النقاش والتداول لامتصاص ا ستباقي لأعلى نسبة من ردود الفعل على رفع الدعم ، لم يفكر بجسر الفجوة الجريمة بين الأجور والأسعار ، ووضع برنامج علمي اقتصادي يتسم بالمصداقية والضمير الإنساني الحي ، قبل الجري وراء حل هذه المعادلة بقطع الأرزاق الشعبية ..

على أية حال ، إن المسألة ، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، هي أكبر من عملية رفع الدعم للمحروقات الآن ومن ثم لبقية المواد التي ما زالت مشمولة بالدعم غداً ، إنها إعادة بناء ليبرالية مأساوية للبنى الاقتصادية والاجتماعية ، سوف تقذف بالبلاد نهائياً إلى أتون هيمنة اقتصاد السوق المعولم .. والتجارة العالمية .. لصالح الرأسمالية السلطوية ، التي لاتنظر سوى لمصالحها الجشعة ، التي تراها أكثر ا ستقراراً وازدهاراً بارتباطها بمعايير وآليات السوق الدولية العولمية المتوحشة أكثر من ارتباطها بقيم ومصالح وطنية وشعبية وإنسانية .

ما سيجري بعد أيام من إجراءات اقتصادية ، مؤلمة للملايين العديدة من الطبقات الشعبية .. العمال والفلاحين الفقراء وكافة ذوي الدخل المحدود والضعيف .. وما سيتلوها من إجراءات أكثر إيلاماً فيما يليها من أيام ، ليس لأي كان بالتعاطي معها ادعاء المفاجأة .. إنها لحظة الحقيقة بامتياز بالنسبة لكل الناشطين .. أو المناضلين .. في الشأن العام ، وخاصة من يعملون ويفكرون بصدق على خلفية معارضة الظلم والقهر والاستبداد .. إنها لحظة إعادة نظر صادقة مع الذات والشعب والوطن .. إنها لحظة انتزاع وامتلاك المبادرة .. لحظة وضع المضمون الاجتماعي في صميم برنامج التغيير الوطني الديمقراطي .

إن الرغيف يستحق أيضاً إلى جانب الحرية التظاهر والاعتصام والتضحيات



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجديد في - انتخابات - اللاتجديد
- من هنا تأتي المعارضة
- مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
- مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
- أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
- نداء شهداء معبر رفح
- استحقاقات عودة الزمن النقابي
- صفقات شيطانية
- هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
- اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
- مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
- من أجل ضحايا الاعتقال السياسي .. والحرية
- الجواب على سؤال الهزيمة
- السلطة والثروة في الصراع السياسي
- التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز
- خوفاً من ألاّ يفوز الرئيس المرشح للرئاسة
- سوريا إلى أين في المنعطفات الإقليمية الجديدة .. ؟
- في الأول من أيار .. عيد العمال العالمي
- أبطال الحرية .. سلاماً مع الاعتذار
- قمة ملتبسة لأنظمة مهزومة


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - إنها لحظة انتزاع المبادرة ..