أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة (1)















المزيد.....


المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة (1)


محمد عثمان ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إلي أوهاج إدريس
لم يحتمل الجسد الوضيء النحيل مخاطرات الروح،
كاد أن ينفصل عنها في ( تهلباي ) حين اصطادت الذراع منه و الظهر و الساق رصاصات حاذقة،
بعد عامين حلقت الروح بعيداً عن الجسد الممزق في (كرييت)،
دفعت يا أوهاج ( المعلم ) كل شيء و قبض الآخرون الثمن ،
لن ينساك أحد منا فارأف بنفسك مرة .

في الثالثة تقريباً من عصر الجمعة الرابع و العشرين من يناير عام 1997م توقفت الشاحنة التي كانت تقلنا بمكان -كما يقولون- قفر. أشار السائق إلي جبل علي يمينه و قال " في هذا الجبل يكمن الجيش السوداني فاحذروه " و لم يكن أي منا يعلم أن أوهاج إدريس سيحل ذات صباح مشئوم هنا بعد سنوات عديدة و لن يذهب من هنا إلي أي مكان آخر.
ثم أشار السائق مباشرة صوب الشمس و قال هناك ستجدون ضباط الميقريشن )كما نطقها( الإرتريين و هم عموماً لطفاء و طيبون . سأبرز لهم لاحقاً بطاقة عملي السابق في الهلال الأحمر و سيسمحون لي بموجبها بالدخول ، يا إلهي يا للسعادة الغامرة ، حين أكون سعيداً لا أكف عن الإبتسام.
ودعنا السائق تأمل كل منا ، حسن جعفر و أنا في لحية الآخر الكثيفة ، حملنا حقيبتنا الثقيلة الحمراء ثم بدأنا السير نحو الشمس مع رفيق آخر سيتولي مهمة الدليل في الماراثون المنهك.
ثقلت الحقيبة إقترحت علي حسن أن نرمي هذا الكتاب الناتيء الضخم ، نظر فيه ثم رفض بعناد معروف فيه قائلاً "هذا رياض الصالحين" و هكذا مررنا علي الكتب – التي لن نقرأها لاحقاً – واحداً فواحداً و لم نضح بأي منها حتي مختار الصحاح .
في ذلك الوقت كان العالم كله في شغل شاغل عنا . إلي واشنطن كانت الأعناق تشرئب مع نهاية زيارة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة ( كوفي أنان) الذي ما فتيء يحقن العالم حينها بتصريحاته عن خطط إصلاح المنظمة الدولية حتي بلغ التفاؤل بكاتب مثل نور الدين عاشور الذي حذر في نفس اليوم علي صفحات جريدة الصباح التونسية من مغبة أن تؤثر خطط إصلاح المنظمة علي مهمتها في حفظ الأمن و الأستقرار حول العالم !
في الفاتيكان كان البابا الراحل يحث الكاثوليك بشكل أخاذ خلال خطاب له أمام مجلس الحبر الأعظم للعائلة علي إبداء التعاطف نحو المطلقين و المطلقات في حين هو يرأس كنيسة لا تقر الطلاق من أساسه لكنه يفسح المكان أمام الجميع .
مهزومان أنا و حسن جعفر نخرج من مليون ميل مربع لم تتسع لكلانا و سنجد أخوة كثر لنا و سيأتي بعدنا آخرون و لن يكف النزيف.
في أمكنة أخري يتحدث البعض عن أزمة إحتجاز الدبلوماسيين الأجانب في منزل السفير الياباني في العاصمة البيروفانية (ليما) و اسأل الله في سري ألا أكلف بمهمة مشابهة في الخرطوم.
و في لندن تنشر صحيفة الشرق الأوسط أن موريتانيا اعتقلت عدداً من الساسة ذوي الصلة بالزعيم الليبي (حينها) معمر القذافي !
لا أحد يهتم بخروجنا ، و إذاعة الديمقراطية الآن اليسارية تعلن لمستمعيها الآتي :
"بما أننا إذاعة خاصة فإننا نعلن أنه لا توجد اليوم أخبار هامة" و لمن يريد استعادة التاريخ فلينظر في هذا الرابط : http://verbal.democracynow.org/1997/1/24/headlines
لا علينا فما كان يهمنا هو أمرنا نحن فقط.
في ذلك الوقت كان دليلنا البارع يحدثنا – و هو محق - عن إرتريا البلد الجميل وعن أناسها الطيبين و مناخها الرائع و أوضح لنا إن ذلك البلد "موقراتي" نستطيع فيه أن نفعل ما نشاء كما تفضل شارحاً لنا معني الديمقراطية.
مع وصولنا لمكتب الهجرة غادرنا الدليل اللطيف لا يلوي علي شيء في البلد ( الموقراتي ) حاملاً معه شريط الكاسيت خاصتي " أوليني اهتمامك ،للفنانة عابدة الشيخ".
شكراً جزيلاً لصديقنا أونور باقراب فضمن لغات عديدة يتقنها كانت العربية و بروحه المرحة كان يبدع في غناء الحقيبة و أغنيات عابدة الشيخ كلما التقينا و هممنا بالمرح. كان و ما يزال حبوباً و مضيافاُ يحب الناس حتي أطلق عليه أحدنا لقب ( كيم إيل سونغ ) الزعيم المحبوب من أربعين مليوناً.
سنبقي لأيام في قرمايكا ثم ستحملنا شاحنة حتي منتصف الطريق كعادة الشاحنات فنكمل السير نحو (ملوبير) التي ستقول مستنداتي المزورة لا حقاً إنني ولدت فيها.
في قرمايكا إطلعت علي بعض أدبيات التنظيم. كتيب واحد ذو لغة بديعة و نشرة من عدة صفحات تتحدث عن الفساد في مشروع القاش و تشير إلي تخصيص أراضٍ واسعة للشيخ أسامة بن لادن الذي سيتولي لاحقاً المنصب الأرفع في خلية دموية ستقتل مئات الآلاف من الناس ، و بيان مطبوع علي الكمبيوتر بنسخ وافرة يهدد الحكومة بعبارة ( بص شوف بجا بتعمل إيه ).
في ملوبير سنلتقي كل القيادة التي كانت تعقد مؤتمراً أسمته المؤتمر التداولي .كان الجميع يضفي كثيراً من الأهمية علي حديثه و يخفي كل واحد بعناية – ظاهرة و بينة – أوراقه و كراسة تلقاها ضمن الدورة الخاصة للكوادر. بعد عام سأتلقي دورة غير مفيدة مثلها و ستتم معاقبتي مع ثلة من رفاقي لإهمالنا لها و تغيبنا عنها.
أحدهم تبسط معنا في الحديث و غني بصوت عالٍ أغنية بلحن لكمال ترباس تسخر من الراحل بيو يوكوان و العميد صلاح الدين كرار اللذان شاركا في تنفيذ إنقلاب ال 30 من يونيو عام 1989 م ثم أكل كل منهما (نيم أو علي الأصح نيماً) بطريقتين مختلفتين.
الأخ و الرفيق موسي عثمان سألني بمودة ظاهرة عن الأخبار و عن شقيقي هاشم و أوضح لي أن (الندال ) صعب و يتطلب منا الشكيمة .
التقيت الشيخ طه أحمد طه رئيس التنظيم و عرفت للتو إنه موجود في المكان الخطأ . أبلغت حسن أن ليس بحوزة الرجل أي مفتاح من مفاتيح العمل و إن الرجل الذي يجلس القرفصاء هو رجل طيب و خلوق فقط و إنه يقبع خارج مركز الثقل ، كان الثقل الظاهري يميل نحو صديقنا أمين شنقراي .
لم نقابل الشيخ عمر محمد طاهر الذي كان يضع كل أوراقه حينذاك في سلة إرترية لا لبس فيها و ستكشف لنا الأيام عن رجل لطيف و مرح.
لا أتذكر إنني قابلت في تلك الأيام موسي محمد أحمد و لهذا الأمر إحتمالان فإما إنه كان مشغولاً كما هو دأبه بصحبة (الأصدقاء) أي (رجال الإستخبارات الإرترية )و إما إنه لم يترك فينا أثراً بروحه ذات الحضور الخامل.
سينبثق المؤتمر التداولي عن قيادة إسمها القيادة المركزية سيتصف بعض أعضائها بالحذر الشديد والشك و الإسترابة و سيسميها الكثير من الأعضاء سراً ( القيادة المستريبة ) فيما سيتولي فيها موسي محمد أحمد منصب رئيس دائرة الأمن و الإستخبارات و سيكون أول لقاء أذكره في غرفة رفيق أعارني كتاباً لروجيه جارودي و تحدث معي – و هو يطعم حديثه بمفردات بذيئة - عن عدة أشياء منها إتهام ماو للسوفييت بتحريف الماركسية و كساد فكر الترابي من الناحية الإبستمولوجية . كان يقرأ رواية باللغة الإنجليزية إسمها ربيع متوحش فيما يحتفظ في كرتونة قريبة براوية العيون الأكثر زرقة لتوني موريسون و عليها إهداء بالقلم من أم (ما ) إلي إبنتها سوزان و كتب أخري.
جاء موسي و كانت تبدو عليه السعادة و الحبور ، جلس إلينا وتحدث عن خططهم و عن الثورة و عن مستقبل التنظيم و أشار إلينا عن نضال قام به خلال دراسته بمدرسة كسلا الثانوية من أجل الطلاب و لم يتم التأكد من هذه النضالات من أي مصدر آخر علي الإطلاق موثوقاً كان أم غير موثوق و لو كنت في السودان الآن لإستوثقت من ملفات دراسته و زملاءه و لكني الآن أعجز.
حدثنا موسي عن نجاحاته الدراسية وكيف إنه نقل من الصف الثاني إلي الرابع الإبتدائي دون المرور بالصف الثالث ثم أبلغنا أنه درس الإبتدائية كلها في أربع سنوات عوضاً عن ستِ مثل خلق الله الآخرين من ذوي المقدرات العقلية العادية . إحتفظت بالصمت و كال مضيفنا نهراً من المديح لموسي المنتشي و وصفه بأنه (عبقرية بجاوية) و سيدفع هذا الرجل باهظاً ثمن مجاملاته المجانية تلك .
أبلغني بعضهم إنني يجب أن أتق شر هذا الرجل فهو نتاج لعدة صفات تستوجب الحذر فهو غادر و قاس و ينقل الأخبار للإرتريين أولاً بأول و حذرني الكثيرون من مغبة إبداء الرأي فهذا ليس منتدي(هذه ثورة)!
لم يكن سراً في أوساط القوات أن موسي هرب من أول مواجهة مع الجيش الحكومي في منطقة ( قدماييب ) و تلك - حسبما اخطرنا- كانت أول مواجهة عسكرية في الجبهة الشرقية علي الإطلاق . تقول الشائعة أن موسي تحرك ماشياً لحوالي ال70 كيلومتراً تقريباً من قدماييب نحو ملوبير و حين دوت الطلقات هناك كان هو يجلس باطمئنان في مقر الإستخبارات بملوبير يقدم بعض المطالب للحصول علي إحتياجات غذائية للقوات. و عوضاُ عن أي حديث أستطيع أن أقول باطمئنان أن (القائد) المذكور لم يشهد أو يشارك في أي عملية قتالية أو معركة و إنه حصل عاي هذا اللقب نتيجة تواطوء مؤسف للأحداث.
عاي كل لم أكن بحاجة لزمن طويل لأتأكد أن سر وجود موسي في القيادة هو أنه يفعل بالضبط ما يرفض فعله الناس العاديون لذا فهو رجل ليس له بديل.
بعد سنوات سيكون الرجل الذي مدح موسي و أعارني كتاب جارودي في السجن مع ثلة آخرين بتهمة التآمر لتغيير القيادة بالقوة و إثارة التمرد و ستقول (البداية و النهاية) أنه "ثم دخلت سنة أجبر الرجل اللطيف فيها تحت سمع و بصر موسي علي حفر حفرة واسعة و عرشها بسقف من أعمدة الدوم و أغصان الشجر الجافة و التراب و سيكون هذا مسكنه برفقة آخر مضطرب عقلياً و قاتل" . حدثني الرجل أنه تعرض للدغة ثعبان كان يشاركهما المسكن البائس . حين زرته في السجن كان متماسكاً و شاكراً علي الكتب التي بعثتها له و من ضمنها نسخة مصورة من رواية ( باولا ) لإيزابيل الليندي كان يتم تبادلها في السجن بشراهة فقد كان أغلب من يقرأون هناك.
كنت في تلك الزيارة تحت إمرة موسي و في معيتنا رفيق آخر و كانت لدينا تعليمات غريبة من الشيخ عمر محمد طاهر رئيس التنظيم . كانت التعليمات تقول إن من يعترف بالتهم الموجهة له يطلق سراحه و من لا يعترف يبقي بالسجن و كانت هذه ثغرة جيدة.
صديقنا القاريء كان متماسكاً و قاسياً في ردوده و رفض الإعتراف بأي تهمة بل و أبدي رفضه لأي تعاطف معلناً عن استعداده لمواجهة الأسوأ .
إستأذنت من موسي و طلبت الحديث إلي الرجل الصامد علي إنفراد و كشفت له اللعبة ، قلت له إن تسجيل بطولة في هذا المكان لن ينفعه و إن اعترافه بالتهم لا قيمة له فالظلم هو السائد و أوضحت له ببساطة إن تعليماتنا تقول إن من اعترف بالتهم التي توجه له يطلق سراحه و من يرفض يبقي في سجنه. شكر الرجل صراحتي و اعترف بالتهم و أفرج عنه لكنه لم يحفظ لي الجميل.
قبل أن يصدر القرار بإطلاق سراحه طلب منه موسي أن يعفو عمن أخطأ في حقه فرفض و قال إنه لن يفعل شيئاً بيده و لن ينتقم من أحد لكنه يفوض الأمر كله لله رب العالمين.
إستغلينا ثغرة القانون الغريب و أطلقنا سراح المجموعة و فيهم من كان قد ألف السجن و ألفه مرات سابقات و تاليات.
في عهد موسي في الإستخبارات إزدهرت الدولة داخل الدولة و عرفنا أن السجناء يحرمون من ارتداء الأحذية و من شرب القهوة و من الغذاء الجيد (بمعايير الجودة هناك حيث كان الفول المصري ضمن الغذاء الخاص للمرضي و الجرحي ).
في ذلك العهد عرفنا إن السجناء كانوا يصنعون سراً قطع الشطرنج من الطين و يستعيضون عن تدخين التبغ بتدخين الشاي. عرفنا لاحقاُ أن السجناء كانوا يفضلون أن تهطل الأمطار علي رؤوسهم في العراء بدلاُ أن يبقوا في بيوتهم (حفرهم ) بسبب الثعابين و العقارب التي تحفزها الأمطار و الصواعق علي الحركة و لدغ من حولها.
لم يكن لموسي بيت ثابت ينام فيه و لم يكن لديه جدول معين للحركة فقد كان يسافر مثلاً في التاسعة مساء و يعود في السادسة صباحاً و ينام كل مرة في مكان ، كان يدرك أن اعماله قد تجلب له الرصد و الضرر.
كان حريصاً علي تقديم صورة للثائر النقي فلم تكن لديه ممتلكات معروفة و لم يبن مسكناً و ليست لديه حقيبة معلنة لكنه لم يكن يتحرك وحيداً أبداً كان يحمل حراسه تحت ستار ترحيلهم معه بالسيارة من موقع إلي آخر .هكذا كان يحمل ستة من الجنود من لاكوييب إلي أقماييت و يحمل أربعة من أقماييت إلي تميكيت و هكذا حتي يعود و معه خمسة آخرين و كان هذا سلوك فيه معروف حتي مال البعض ممن يرغب في البقاء في مكانه إلي الإختفاء عن ناظره حتي ينجلي عن المكان.
كان حرص الرجل علي تقديم صورة الثائر الزاهد يجبره علي أداء الكثير من الأعمال غير المفيدة بذريعة التواضع فيما كان يتجاهل مقتضيات وظيفته في المقابل. كنت تجد موسي يعمل في بناء المساكن و تحميل شحنات اللواري و وتفريغها و ما إلي ذلك.
و كان هذا سلوكاً ثورياً معروفاً، أن تعمل الأشياء غير المفيدة و أن تستيقظ في الثالثة صباحاً للسفر مثلاُ لتعطي رحلتك قداسة ثورية و تحيطها بهالة من الغموض.
ذات يوم كنا علي موعد مع لقاء وفد قادم من الداخل بقرية (قرمايكا) الحدودية .وصلنا القرية بطريقتنا الغامضة بعد المغرب و تخلف الوفد عن الحضور إلينا و في الثانية صباحاً أيقظنا المسئول عن المهمة و وجهنا بالإستعداد للسفر .
لم نسأل لكنا عبرنا عن امتعاضنا و طلبنا أن نسافر بعد شروق الشمس لكنه لم يحفل بنا.
في السادسة صباحاً وصلنا إلي قرية مجاورة. دخلنا إلي بيت كان استراحة لنا. أعد قائدنا سريراً ثم راح في نوم عميق. علق أحدنا بمرارة تعليقاً حامضاً و قال " كسب الوقت ليلاً و إهداره نهاراً" فصارت مثلاً.
كان كل عضو في القيادة يخفي ما بفعله عن الآخرين، تحركاته و أوراقه و افعاله عملاُ بمبدأ السرية الذي كان الشيخ عمر يحض عليه و هكذا كان الوضع الذي كان الرفاق يتندرون عليه و يسمونه الضبابية و بقص عليك الواحد منهم إنه في إطار الضبابية إستقل سيارة قضي بها إجازة مرفهة ليومين في تسني أو فورتا ساوا أو حتي أغردات فقد كانت الضبابية تسمح بالكثير و هذا ما أحسن موسي عمله . كان يتحرك في إطار محكم من الضبابية.
ظل موسي علي مودة دائمة مع ( الأصدقاء) و قد حدثني أحد قادة مؤتمر البجا إنهم وجدوه أصلاً في أرتريا و إنه انضم إليهم عقب لقاء في أحد مقاهي ملوبير. و قد دفعته مودته الدائمة تلك لأن يغفل مرات و جوده كسوداني، فقد إضطر لقمع رئيسه الشيخ طه أحمد طه ذات مرة حين أبدي الرجل مقاومة للأصدقاء كما روي لي أحدهم القصة .
كان الشيخ عمر رئيس التنظيم السابق حريصاً كل الحرص علي إبقاء موسي بجانبه و هو يحسب أنه يستخدمه و كان موسي علي قدر المسئولية التي لم تكن تتعدي إلقاء الأعداء و الخصوم في السجون و جمع الأخبار و إطلاق الإشاعات و لم يكن هذا يعجبنا .
و حين استعادت القوات الحكومية في حملة قاسية مناطق جنوب البحر الأحمر جاء موسي محمد أحمد ليشرف علي إجلاء القوات و المواطنين من قرورة لكنه لم يقم بشيء من هذا .
أول شيء فعله هو أنه قرر السكني و الإقامة داخل حدود قرورة الإرترية فيما بقينا مع زملاء آخرين بقيادة المحافظ داخل الحدود السودانية حرصاً علي معنويات المواطنين اللذين اصابهم الضر و تملكهم الفزع من عودة الجيش السوداني و استخباراته و الدفاع الشعبي و رجالاته.
أصر علي عدم التدخل في أي قضية و واصل عمله مع بعض الرفاق في بناء مساكن و مخازن جديدة داخل إرتريا و بعد يومين كان جميع مواطني قرورة قد هربوا و اختار 9,000 مواطن أمكنة أخري لسكنهم ما دام المسئول العسكري غير مطمئن للبقاء هنا.
و في خطوة مدروسة لإظهار التضامن و طمأنة المعارضة و مواطني المنطقة علي حد سواء زارنا لتناول الغداء الجنرال الإرتري البارز عبده رمج و حينها زارنا – في السودان - رئيس الأركان موسي اللذي آثر عدم الإحتكاك بالجنرال و بقي مع إخوة لنا كانوا يشرفون علي الخدمات.
سنغادر قرورة السودانية هذه المرة إلي حيث لا عودة بالسبل الحربية و ستبقي في الذاكرة عيتربة و عيت و عيترة وقادم قفريت و جلهنتي و عقيتاي و كسرة آدم محمود و عقيق و قري كثيرة أخري أكرم أهلها وفادتنا و طوقونا بمحبتهم و سنظل لودادهم من الحافظين.
حين أزف موعد المؤتمر الذي سينتخب اللجنة الجديدة عملنا كل ما في وسعنا لتقليم أظافر الرجل فألغينا دائرة الأمن و الإستخبارات و جعلناها شعبة تابعة لمكتب الرئيس الذي أحطناه بثلاثة معاونين واحد لإدارة مكتبه و واحد للإغاثة و آخر نقي السريرة جعلناه علي الأمن.
إختفت دائرة الرجل الأثيرة فماذا نفعل بالرجل ؟ و قلنا لا يهم فسنحرص علي الإقتراع السري و حينها سيكون الخيار لأعضاء المؤتمر .
إتخذنا إحتياطاتنا بألا نسمح لأحد بتولي منصب قائد الجيش فمنحنا هذه المهمة للرئيس الذي صار لقبه ( الرئيس و القائد العام ) و خلقنا منصباً هلامياً بإسم رئيس هيئة الأركان يعاونه ثلاثة واحد للعمليات و واحد للتدريب و واحد للإدارة.
في إطار التكتلات حرصنا علي السماح بحرية الحركة لأعضاء المؤتمر و حرية الحديث و إبداء الرأي رغم القيود التي كانت تحد من ذلك .لكن في ظهيرة أحد أيام المؤتمر فوجئنا باختفاء أربعة من زملائنا ثم علمنا أن موسي اودعهم الحبس بتهمة أنهم اتفقوا علي قائمة صاروا يستقطبون لها الأصوات و لم يدرك الرجل أن هذه أبجدية من أبجديات العمل الديمقراطي.
تحت الضغوط أفرج عن الرجال لكن الرسالة أبلغت للجميع ، إن من يريد أن يلقي مصيراً بائساً فلينضم إلي هؤلاء و سقطت المجموعة لاحقاً سقوطاً مريعاً .
أصرينا علي الإقتراع السري لكن رجلاً واحداً ذو كلمة نافذة قال يجب التصويت علي الرئيس بمفرده و لم يترشح أحد ضد الرئيس ، ثم قال يتم ترشيح القيادة القادمة بشكل جماعي و التصويت عليها بشكل علني برفع الأيادي و في البداية قاوم الأعضاء و لم يرفعوا أيديهم رفضاً للقائمة حتي صرخ فيهم أحد بصوت عال أن أرفعوا أيديكم فاستجاب البعض في حين كان موسي و أعوانه يحصون الأيدي و ينظرون للناس في العيون.
و تمت تكملة اللجنة بآخرين بواسطة الإقتراع السري المباشر و لا يهم من سيأتي لأنهم سيكونون أقلية علي كل حال و قد كنا ضمن هؤلاء .
في العهد الذي سبق كان أحد الزملاء يتولي منصباً عنوانه "نائب الرئيس و السكرتير العام و أمين العلاقات الخارجية" و في العهد الجديد سيكون هناك نائب للرئيس دون نفوذ حقيقي و ستختار اللجنة المركزية من بين أعضائها له شخصاً أهم مواصفاته ألا يكون مؤهلاً للمنصب الأول و هكذا صار موسي رئيساً لهيئة الأركان ونائباً للرئيس يحفظ الموقع من الطامحين لكنه لا يشغله علي الوجه السليم.
أحني موسي رأسه للعاصفة حتي هبت الرياح لصالحه من جديد بعد إستشهاد مساعده القوي ( محمد دين مصطفي لبسوي) فاستعاد نفوذه في الجيش ثم عمل لنفسه سجناً خاصاً في منطقة (هرريب) يسمح فيه بتبييض السجناء خارج النظام العدلي إذا استعرنا مفردات غسيل الأموال.
بعد تلك الإنتخابات حدثت قصة كانت سبباً مباشراً في عودة الرجل للواجهة فقد تواثقت جماعة ذات نفوذ ممن شعروا بالإقصاء بزعامة الشيخ أحمد محمد بيتاي و معه رفاق آخرون من ذوي الثقل علي إسقاط القيادة و دعوا الجيش إلي العصيان فأيدهم البعض و رفض البعض الآخر .أقام المنشقون رئاسة لهم في منطقة ربدة و عينوا قيادة مؤقتة و لقوا تأييد الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت معجبة بإستقلالية الشيخ احمد و نفوذه العشائري و الديني و فصاحة حجته .
شعر الشيخ عمر و أصحابه بالرعب و هم يتحسسون الأرض تميد من تحت أقدامهم فاتخذوا إجراءات قاسية قام بها موسي بالطبع و شملت تغيير مواقع الجيش و إبعاد كل شخص محتمل تأييده للمنشقين إلي مكان ما تحت السيطرة و عزل قيادة المنشقين. كان الخلق يسهرون جراها و يختصموا و كنت في أسمرا بعيداً عن كل ذلك لحسن الحظ.
تم استدعائي و حين أجبت كان قادة المنشقين في تسني تحت حماية الأصدقاء الأرتريين فيما كان مؤيدوهم في السجن حيث تمدد بمقتضي الحال نفوذ الرجل صاحب السجن.
أذعن الشيخ عمر للواقع و زاد من صلاحيات موسي حتي اشتكي منه كثير من الزملاء. قالوا إنه يتدخل في عملهم و يمد ذراعه الطويلة في موائدهم.



#محمد_عثمان_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السودان دولة فاشلة ، محاولة لرفض اللقب
- الحزب الإتحادي الديمقراطي مابعد المرجعيات،كتاب التيه التشظي ...
- 2موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في الس ...
- موت تحت الطبع ، إسحق فضل الله و تيار صحيفة الإنتباهة في السو ...
- الحزب الأتحادي الديمقراطي ، التباسات الخفة و الثقل
- في تداعي سائر التجمع الوطني السوداني بالسهر والحمي ،الحزب ال ...
- في تآكل المنسأة ، أو عن كيف خسر التجمع الوطني السوداني المعا ...
- في تآكل المنسأة أو كيف خسر التجمع السوداني المعارض ذاته والع ...


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عثمان ابراهيم - المساعد الجديد للرئيس السوداني ، صورة مقربة (1)