أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي في متحف الشمع في لندن















المزيد.....


المتنبي في متحف الشمع في لندن


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2022 - 2007 / 8 / 29 - 11:23
المحور: الادب والفن
    




(( المتنبي يقيم في لندن ))

بعد أسبوعين فقط وصلني بريد المتنبي حاملا لي رسالة فخمة أنيقة يفصَّل فيها نمط حياته الجديدة وما يلاقي من أمور شتى في العاصمة لندن . كان بَرِما ً بوسائط النقل في لندن إذ شكا من تعقيد محطات وخطوط قطارات الأنفاق التي تسمى بلغة الإنجليز
Underground
وقلة المصاعد الكهربائية نزولا الى مواقف القطارات وصعوداً الى الشوارع منها . قال إنَّ السلالم الحجرية تتعبه وتسبب له ضيقا ً لا يحتمله صدره المتعب والمشبع بنيكوتين لفائف التبغ . قال إنه كان قد ضبط بسهولة تقريباً حركة وإتجاه
القطارات ومواقع كافة محطات هذه القطارات في ميونيخ والتي يسميها الألمان
U – Bahn
خلاف ذلك كان المتنبي جد َّسعيد مع تجربته الجديدة في مدينة أخرى . وكان أكثر سعادة في عمله محررا ً في صحيفة " الشرق الأوسط " ومعلقا في فضائية
" المستقلة " مع الدكتور الموسوي . قال سأضحكك كثيرا ً إذ أقص عليك إحدى مفاجآت الزمان . قال إنه زار - حسب وصيتي - متحف الشمع ففوجيء بوجود
" دولة الخروف الأسود " إيّاه وبعينه هناك . قال إنه لم يصدق عينيه باديء الأمر. اقترب منه متفحصا ً فوجده كما هو وكما رآه في ستوكهولم أول مرة أواخر شهر مايس - أوائل شهر حزيران من هذا العام ( 2002 ) . حياه وتساءل منه عن الذي أتى به الى متحف الشمع في هذه الساعة من النهار؟ قال له أنظر : إنني أقف هناك الى جانب المسيو " الجنرال نابليون بونابرت " أفلا تراني ... ألا ترى تمثالي؟ قال المتنبي : تعوذت بالله من شر الشيطان الرجيم ومما يوسوس في صدور بعض الناس الخَرِفين . أجبته أنني لا أرى إلا تمثالا لنابليون القصير القامة واضعا ً يده اليسرى على أسفل كرشه المترهل . ثم - أضاف المتنبي - أرى بشكل جيد خروفا أسودَ الصوفة ضالا تائها ً بين جموع التماثيل . فمرة ً يقف بإزاء المستر تشرشل ومرة خلف الملكة وأخرى ما بين القتيلة دايانا ولاعب التنس الألماني المعروف " بوريس بكر " . بإختصار شديد : لا مكانَ ثابتا ً حتى في متحف أصنام الشمع لخروف أسود ضال فقد نصفَ عقله بعد أن مرَّ به قطار العمر. ثبّت الخروف الأسود نظرات حادة في عينيَّ متأهبا للنطاح . كان شديد الهيجان فإعتذرتُ أني مرتبط بموعد هام وعليَّ مغادرة هذه الحظيرة على الفور. تشبث بي ماسكا ً كتفي بقوة محاولا إيقافي لكني تمكنت من التملص والتخلص من هذا الخروف الناشز . لا أتورط - أضاف صديقي - بعد اليوم في المزاح مع الخرفان سودا ً أكانوا أم بيضا ً . لم أتمالك نفسي من الضحك . تصورت نفسي أنا من كان يحاور في مُتحف الشمع هذا الخروف المنتفخ وَرَما ً والمصاب بداء تضخم الغدة النرجسية وداء آخر يدّعيه هو من غير حرج : الخلل العقلي وفقدان السيطرة على مجسات بعض حواسه !! مسكين ، كنت أعرفه إنسانا ً سويّا ً يتكلم بإسم الفقراء والمظلومين قبل أن ينتحل هيئة بهلوان غجري بجلد ماعز أسود وأسنان ذئب ٍ إتقاء ً لشر عيون حاسد ٍ إذا حسد .
ثم ساق لي المتنبي مفاجأة كبيرة أخرى . قال إنه تلقى رسائل كثيرة من نخب منوعة من العراقيين يدعونه فيها لإلقاء بعض المحاضرات عن شعره وعن تجربته الشعرية والحياتية العريضة في شتى أصقاع الدنيا . وقد ذكر مدنا مثل ليدز ومانجستر وسوانزي وكاردف وبريستول ومدينة الحمامات الرومانية باث ومدينة مصانع الصلب والمدافع العملاقة شفيلد. ثم سألني رأيي في هذه المدن وأيا ً منها تستحق الزيارة قبل غيرها وأفضل وقت للقيام بمثل هذه الزيارة .
قررت أن أضيف الى قائمة المدن التي ذكرها منطقة أخرى تقع في أقصى شمال Wales مقاطعة ويلز البريطانية
حيث يقيم الصديق الدكتور الأستاذ المهندس إبراهيم مع زوجه الإنجليزية سوزان
" سو " . سيفرح
هذان الصديقان الحميمان بزيارة أبي الطيب المتنبي خاصة وأن إبراهيم ينتمي الى عائلة معروفة في أوساط بغداد الأدبية وله ولع خاص بأشعار المرحوم
" الملا عبود الكرخي " إذ لا يفارقه ديوان هذا الشاعر الشعبي الساخر وخاصة قصيدته " المجرشة " التي حفظها عن ظهر قلب حيث كان يشبّه شركته الإنشائية بمجرشة الملا عبود الكرخي حين تضيق بعينه الدنيا فيهدد بترك هذه الشركة
( يقوم بتفليشها ) ويهيم على وجهه في شتى أنحاء المعمورة . وكنا نردد معا
ونحن نتمشى على سواحل البحر الرملية المترامية الأطراف :
[[ ساعة وأكسر المجرشة وألعنْ أبو راعيها // ذبيت روحي على الجرشْ ما أدري الجرش
ياذيها ]] .
على أية حال ، قررت فورا ً أن أكتب رسالة لصاحبي أطلب فيها منه أن لا يجامل الحيوان وإن بدا أليفا ً . وأن لا ينهج مناهج ذؤبان وخرفان هذا الزمان ، فالخرفان أضحت تقبل طوعا حماية الذؤبان . وبإختصار، أن يكون شديد الحذر فشرّهم عميم وخيرهم نزرٌ يسيرٌ والسلامة في التوقّي من سحر السَحَرة ومن الأدعياء .
ثم إن َّ الإنجليز
يسمون الإنسان الشاذ في طبعه أو سلوكه خروفا أسودَ
Black Sheep

كما إننا درجنا في تراثنا على تسمية مثل هذا الإنسان بالبقرة السوداء نقول للقوم المتميزين بشيء سلبي ( سودة بكراهم ) أي أن بقراتهم سود ٌ. والذي لا يصدق فليرجع الى إحدى أغاني المطربة" سميرة توفيق" التي خبا ذكرها وذكر أغانيها بأسرع من لمح البصر .
تذكرت ... سأطلب من صاحبي أن يكتب لي تغطية كاملة شاملة عما يدور في كواليس لندن السياسية وما يدور خلف كواليسها وكوابيسها ودهاليزها وما يكتب وينشر في صحافتها ووسائل الإعلام فيها حول معضلة العراق التي أنست الناس عما يدور من مآس ٍ على أرض فلسطين سيّما وقد أصبح الرجل واحداً من رجالات الإعلام ومن مشاهير كتاب الأعمدة ومعلقي بعض الصحف فيها . يبدو لي أحيانا أن تضخيم أمر العراق هو عمل مقصود ومخطط له بدقة فائقة لغرض توجيه أنظار العالم عما يبيت من مؤامرات كبرى للقضية الفلسطينية وما تقترفه إسرائيل يوميا بحق أرض وشعب فلسطين . هذا الشأن يذكرني بالقول الشائع الذي مفاده أن (( الذي يرى الموت يقبل بالحمى )) . المصيبة أن أمريكا قد وضعت العرب جميعا أمام خيارين معا : دمار العراق بأسلحة أمريكا التقليدية أو حرقه بأسلحة إسرائيل النووية مع ضياع فلسطين وإبتلاع المزيد من أراضي العرب . أتكلم مع النفس الأمّارة بالسوء ويخيل لي كأني أسمع صوت أبي الطيب المتنبي يأتيني صارخا محمولا على رياح وأمواج بحر الشمال العاتية: (( لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا // ولكنْ لا حياة َ لمن تنادي )) . أجلْ يا عزيزي ، لا حياة َ لمن تنادي . هل أكتب لك ما يجول بخاطري من وساوس ومخاوف أم أتركها تصلك عن طريق ما يسمى ب
Telepathy
؟؟ بالفعل ، وجدت أخيراً نفسي أتجاوب معك وأنت بعيد عني في الكثير من أمور دنيانا التي لم أرَ أعجبَ منها في حياتي السالفة . وسمعت صاحبي يخاطبني بوضوح لا مثيلَ له قائلا : إنه عصر العولمة والقطب الواحد !! لا تجعل من نفسك ضحية للدهشة والإستغراب . لا تكن مغفلا . إفتح عينيك وحدِّق في الظلام . وماذا عساني واجداً في الظلام بعد أن تساوى الليل أمام ناظري والنهار . أفلم تقل
أنت يوما (( وما إنتفاع ُ أخي الدنيا بناظره // إذا أستوتْ عندهُ الأنوارُ والظلم ُ ))

؟؟ سمعته ثانية يقول بوضوح لا مثيل له : أجل ، قد قلتُ وكنتُ أعني أنَّ على
الإنسان أنْ لا يقرأ ما بين السطور حسب ُ ، إنما وعليه أن يقرأ المخفي والممحي من السطور .
وأنْ يقرأ ما تخبئه له الأقدار التي لا يراها .
أخي الإنسان : تحرَّ المكتوب ، إقرأه جيدا ثم أرفضه .
لا تقبله كما هو .
لا تستسلمْ له ولحروفه وفقهِ لغته. لك حروفك ولك لغتك الخاصة التي تُحسن ُ فكَّ شفرة رموزها وما تخفيه من أسرار .
هل أضحك أم أبكي ؟ يطلب المتنبي مني وهو بعيد عني أن أفتح عيوني وأن لاأحدِّق كالمجانين في عَتمة الأيام وفي ظلمة الليالي . سأتقبل نصائحه كما هي، . أليس هو المتنبي وإنه هو الذي درج على التنبؤ وتحمّلَ ما قد تحمل جراء ذلك ؟؟ . والمتنبئون كالشعراء سَحَرة وكهنة ومجانين !! .
ما حاجتي إذا ً للرسائل ما دمت أستطيع التواصل بالخواطر والهواجس والمخاوف عن بعد مع صديقي وصديق الجميع المتنبي ؟؟ لماذا البريد والفاكس والتلفون ؟؟
كلا . بل سأكتب رسالة الى الصديق الوفي صاحب الأقلام التي خاطبته يوما ً وأصدرت الأوامر له في أن يكتب بها وأن لا يدع السيف وحده يصول ويجول و
( يكتب ) بدم الأعداء مسطرا ً قرطاسَ ملاحم النصر والمجد . أعني بيت الشعر المشهور الذي جلب له حنق وعنتريات بعض المحسوبين على نقد الشعر والشعراء من الذين إتهموا الشاعر بتفضيل السيف على القلم والقتال على العلم :

حتى رجعتُ وأقلامي قوائلُ لي
المجدُ للسيفِ ليس المجدُ للقلم ِ

أكتبْ بنا أبداً بعد الكتابِ بهِ
فإنما نحنُ للأسيافِ كالخدم ِ

أليست أمجاد القلم تأتي عادة بعد أمجاد السيوف ؟ ما العيب إذا ً إنْ ثبّت المتنبي هذه الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني ، الجاهل والعالم ؟ هل إمتدت الشعوب والأمم والإمبراطوريات التي نعرف وإتسعت وسادت بالثقافة وحدها أو بالدين وحده ؟ ما هو سر جبروت أمريكا اليوم وعربدتها ونكرانها لحقوق الشعوب وللشرائع الدولية وقرارات مجلس الأمن وإلغائها من طرف واحد لبعض الإتفاقيات الدولية وإصرارها أن تكون القطب الأوحد الذي يقود ويسيّر العالم ؟؟ ثقافتها وطعام الهامبرغر والكوكا كولا وبنطرونات الجينز وأفلام هوليوود أم الجبروت العسكري والعلمي والتكنولوجي والمالي ؟؟ هل ينكر أحدٌ أنَّ التفوق العسكري وترسانة الأسلحة النووية هما سبب عربدة إسرائيل وعتوِّها في منطقة الشرق الأوسط وإستهتارها بكل ما وقعت من إتفاقيات وعهود وإصرارها على إبتلاع أراضي جيرانها العرب وتوسيع ومد الإستيطان ودمار وإلغاء فلسطين أرضا وشعبا من على خارطة الوجود ؟؟ فيا أيها النقاد إفتحوا عيونكم حين تجلسون لنقد سواكم . لا تكتبوا وأنتم سكارى أو بعين واحدة . أيقظوا ضمائركم وأنتم تكتبون ما تكتبون ... رجاء ... رجاء !!. وإلا فلسوف نصمكم بعلة الغباء فضلا عن الحقد الأعمى والغفلة المفرطة .
كتبت بقلمي الذي هو في عين الوقت ألمي ... كما قال يوما أحد الأدباء المصريين، كتبت رسالة جوابية لصديقي الذي شاء أن يقيم في بريطانيا مستهلا إياها ببيته الشعري الذي قال فيه :

بقائي شاءَ ليس همُ إرتحالا
وحسنَ الصبرِ زمّوا لا الجِمالا

إي والله يا أبا الطيب !! لقد زممنا بعدك حسنَ الصبر عسى الصبر أن يجعلنا نسلوك قليلا وأضحى شعارنا قولك ( لقد تصبّرتُ حتى لاتَ مصطبرٍ ... ) . سألته في رسالتي له أن يكتب لي المزيد عن أخباره وما يستجد من أمور تخص الشأن العراقي في عاصمة المنافي لندن . سألته هل سيلعب دورا ً ما في الحكومة العراقية الجديدة كأنْ ترشحه معارضة لندن وزيراً للثقافة ومن سيكون رئيساً للوزراء ومن سيكون نائبَ الرئيس ؟؟ ثم شجعته من كل قلبي أن يزور صديقي إبراهيم وزوجه ( سو ) في شمال ويلز شرط أن يحمل لهما الكثير من التمور والدبس والرز البسمتي وهي أمور لا يخلو بيتهما منها على مدار السنة. لقد إعتاد إبراهيم أن يقطع بسيارته مئات الكيلومترات قادماً من شمال ويلز الى لندن لا لشيء الا ليبتاع الدبس والبسمتي من مخازن شارع
Westbourne Grove
قريباً من ديوان الكوفة . سألته مازحا مرة هل لديه سكّر في الدم وهل يشكو من

عينيه ؟؟ فاجأني أنه لم يزرْ طبيبا ً في حياته .
لذا فإنه لا يدري إن كان ميزان السكر في دمائه مضطربا أم لا . سألته وكيف ( أموره الأخرى ) مع السيدة سو ؟ قال ألحمد لله ، كل شيء على ما يرام . مرة ً في اليوم منذ عشرات السنين بلا زيادة ولا نقصان ، صيفا ً أكان الموسمُ أم شتاءً !! الحمد لله . ألف الحمد لله .
وبعد ، ماذا سأكتب لأبي الطيب شاعر الطيوب والمسك والند والعنبر ؟ سأكتب له شيئا ً عن بعض تفاصيل حياتي في ألمانيا لعلها تثير فيه رغبة للرجوع إلينا في ميونيخ . فلقد أصبحت أكثر من ترديد بيته الشعري الذي قاله في رثاء جدته ( وما أسودّتْ الدنيا بعيني لضيقها // ولكن َّ طرفا ً لا أراكِ بهِ أعمى ) . سأخبره بمشروع محاضرتي القادمة التي سأتناول فيها مواقف بعض النقاد والمفكرين منه شخصا وشاعراً . سأركز على مواقف محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي ثم طه حسين . سأطلب منه أن يرسل لي طردا ضخما فيه صناديق الشاي الثقيل الذي لا
يباع الا في مخازن ( ماركس & سبنسر )
في إنكلترا .

(( صوت النمسا ))

أدهشني وصول رسالة عاجلة بالبريد المسجل من لندن بعثها لي صديقي أبو الطيب المتنبي كان فيها عاتبا ً علي َّ مُرَّ العتاب . قال إنه قرأ في بعض مجلات لندن خبرا عن تقديمي لمحاضرة في العاصمة النمساوية فيينا
WIEN
أو بالإنجليزية
VIENNA
بعنوان غريب هو ( فكرٌ وشعرٌ ) دون أن أتطرق له لا من قريب ولا من بعيد . قال ماذا عدا مما بدا ، هل تغيّرتَ صديقي كعادة أهل هذا الزمان التعيس ؟؟ لو كنتُ في روما لقلت لك (حتى أنت يا بروتوس ؟؟ ) .
شعرت بقلق مضاعف وحرج شديد من هذه الرسالة غير المتوقعة على الإطلاق . لا بأس. سأرد على صديقي موضحا فكلام الصحافة شيء وحقائق الأمور شيء آخر . سأوضح له ما جرى في فيينا فالغائب ليس كالحاضر . تناولت أحد أقلامي وكتبت :
أخي الشاعر الرائع /
قضيت بدعوة من " البيت العراقي " ثلاثة أيام في مدينة فيينا الجميلة . قدمت في أمسية الأحد الموافق العاشر من شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ) 2002 المحاضرة التي تفضّلتَ بذكر عنوانها . كنتَ مصيبا ً في أني لم أتطرق - خلافا للمألوف - في محاضرتي الى ذكرك . ذاك لأن َّ المحاضرة غطّت موضوعا آخرَ لا علاقة له بأبي الطيب المتنبي . تناولت فيها مزايا قصيدة النثر وخصائص شعراء هذا الصنف من الفن الشعري . قلت إن شعراء ما قبل قصيدة النثر المعاصرة
( قصيدة عالم الإنترنت والبريد الألكتروني والعولمة والقطب الواحد ... القصيدة التي صعدت المسرح الشعري وأخذت تسود بعد الأحداث الكبرى التي ضربت وزلزلت العالم عامي 1989 - 1990 ) ... هؤلاء الشعراء كانوا ، يرحمهم الله ، عبيدا بشكل مزدوج : كانوا عبيدا للماضي وكانوا عبيدا للحاضر . أعني إنهم كانوا عبيدا واقعين تحت سيطرة ورحمة من سبقهم من مشاهير الشعراء . يقارنون ما يكتبون ساعة كتابة أشعارهم بما كتب المتنبي والبحتري وأمرؤ القيس وسواهم من كبار الشعراء . ماذا قال هذا وكيف عبّر ذاك عن هذه الفكرة أوتلك وكيف قدمها آخر كصورة ناجحة تبهر الأبصار وهلمجرا . كانوا يقفون خلف جدار أخرس لا يرجع إلا أصداء شعر الغابرين واللاحقين من المعروفين . وكان هذا الجدار مرايا لا تعكس الا القديم . لم يمارسوا إلا القدر الضئيل من الحرية . كما أنهم كانوا من الجهة الأخرى عبيدا لحاضرهم ، بمعنى أنهم كانوا واقعين تحت تأثير قرّائهم ... ماذا سيقول القاريء عن هذا البيت وكيف سيفهم ذاك أو كيف سيفسر هذا المجاز.
وتلكم الإستعارة و..و.. إلخ. والأكثر غرابة أن هؤلاء العبيد كانوا ساديين مع قرّائهم ، أي أنهم كانوا يحاولون التأثير عليهم بأشد الوسائل خبثا ولا إنسانية . إستجداء رضاهم واللعب على مشاعرهم بإثارة دواعي الفرح أو الشجن في نفوسهم أو دغدغة ونبش الذكريات والمناسبات الشخصية أو الإجتماعية أو الوطنية أو القومية أو الدينية ساعين بذلك للسيطرة على نفوس هؤلاء القرّاء المساكين . إنهم وبإختصار شديد أنانيون وقصيرو النظر . إنهم عبيد والعبد يحاول دوما أن يستعبد غيره ، يستعبد من هو أضعف منه . عبيد الماضي هم عبيد الحاضر . ولدى عبيد الحاضر توق وميل كالغريزي لإستعباد سواهم . عبودية مريضة مركبة إنتهى زمانها لحسن الحظ !! وعلى العكس من ذلك فإن شاعر قصيدة عصر الإنترنت المعاصر حر بشكل مطلق . متحرر من أسار الماضي مثل ما هو متحرر من قيود الحاضر . لا تأثير للشعراء القدامى على لغته وصوره الشعرية وطريقته في التعبير مجازا ً وإستعارة . لا يفكر بما قالوا ولا كيف عبروا . يترك القاريء حرا في تفسير ما يقرأ وما يتخيل من صور شعرية . لا يتدخل ولا يفرض ذوقا أو رأيا ً . لا يحرك عاطفة فرح أو حزن . لا يستعرض ( لطمية )
ولا أهزوجة ( ردح وهز بطن أو ردف ) . الشاعر حر بشكل يكاد يكون مطلقا والقاريء كذلك وأكثر ، إنه حر بشكل مطلق فيما يختار من جيد ما يقرأ وحر في تفسيره له وحر في التفاعل مع القدرة الفائقة للإدهاش والإيحاء التي تقدمها له قصيدة النثر هذه ... وإنْ كره المتعنتون !! الشاعر هنا حر مع الماضي كما هو حر مع الحاضر . إنه حر يكتب الشعر لقاريء مطلق الحرية . الإدهاش ... الإيحاء ... الحرية المزدوجة ... ماذا نريد أكثر من ذلك ؟؟
عزيزي أبا الطيب / أطلت عليك حديث أمسية العاصمة النمساوية فيينا لذا فسوف لن أستعرض لك في هذه الرسالة ما دار من نقاشات ساخنة وحماس لإقوالي وحماس مضاد لوجهات نظري التي كانت مفاجأة كبيرة للكثير من الحضور . ليتك كنت معنا ( فنفوز فوزا ًعظيما ً ) . حين تشاء أن تزورني في " ميونيخ "
سأرتب
لك سفرة قصيرة إلى مدينة
سالسبورغ
Salzburg
النمساوية التي تتميز بأمور كثيرة جعلت الكثير من زعماء العالم يقعون في غرامها وكان المرحوم أنور السادات واحداً منهم . وبالمناسبة .. فإن إسم المدينة يعني حرفيا : برج الملح ، إي نعمْ ، برج الملح . كأن المدينة الحلوة قائمة على برج من ملح . ما أغرب تناقضات حياتنا يا أبا الطيب !! كيف تجتمع الحلاوة والملوحة كيف ؟؟ قال لي بعض الأصدقاء أن كلمة
Burg
عربية الأصل مأخوذة من كلمة " برج " . ويتلفظها الألمان والناطقون بالألمانية كما يلفظ الأخوة المصريون
كلمة " برج " . نمت ُّ
إذا ً للألمان بصلة قربى لغوية . الحمد لله . كما أنهم مثلنا - وخلافا للإنجليز - يقرأون أرقام الأحاد والعشرات من اليمين الى الشمال ، أي الأحاد أولا ثم تأتي العشرات بعدها . يا سبحان الله . خلق من المثل أربعين .
تنفست الصعداء إذ أنهيت رسالتي لأبي الطيب . طويتها بعناية فائقة ووضعتها في مظروف ملون جميل وسأبعثها له صباح غد إن طالت بنا الأعمار . هل سيقتنع بما قلت له من أعذار وشروح ؟؟ أم إنه قد تعلم داء “ الحرونة “ من بعض الإنجليز ؟؟ الحرونة أو الحرْان داء كالإنفلونزا معد ٍ وشر ُّ الحَران وبيل . حذارِ عزيزي من هذا الداء الذي لم تكتب عنه وإن أسهبتَ في ذكر الخيول وعددت أوصافها وحسن شياتها إلا مرة واحدة فقط . كانت تلك المرة حين مدحت " عضد الدولة " البويهي في شيراز من بلاد فارس إذ قلت وأنت تتذكر " شعب بوّان
"
مغاني الشِعبِ طيباً في المغاني
بمنزلة الربيع من الزمانِ

ولكنّ الفتى العربيَ فيها
غريبُ الوجه واليد واللسانِ

ملاعبُ جنة لو سار فيها
سليمانٌ لسار بترجمانِ

طبت فرساننا والخيل حتىّ
خشيت وإن كرمن من الحِران

الفرس الكريم كإلانسان الكريم لا يحرن ولا يعرف العناد أو الحران .



#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتنبي يزور المتحف البريطاني في لندن
- المتنبي يُقيم ويعمل في لندن
- المتنبي في لندن / مع الشاعر عزيز السماوي
- المتنبي في أوربا / مع كارمن ودولة الخروف الأسود
- حوارات مع المتنبي / المتنبي في أوربا
- تصحيح معلومة خاطئة / إلى الأستاذ سلام عبود ... حول قصص جلال ...
- مقبرة الغرباء / رثاء الجواهري
- آليات الإبداع في الشعر / المتنبي نموذجاً
- الأوزون ... درع الأرض الهش
- رسالة لعدنان الظاهر من محمد علي محيي الدين
- التلوث والبيئة / الزئبق
- ليزا والقاص جلال نعيم حسن
- عامر الصافي والمناضل القتيل الحاج بشير
- البايولوجيا الإشعاعية ومخاطر الإشعاع / لمناسبة إسقاط القنبلة ...
- مشاكل ومخاطر محطات توليد الطاقة
- لوركا والبياتي / في ذكرى رحيل الشاعر
- شعراء ثلاثة : أديب وحسين وعبد الهادي
- المتنبي في أمريكا
- المتنبي في موسكو
- وشم عقارب ... ديوان شعر للشاعرة ورود الموسوي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الظاهر - المتنبي في متحف الشمع في لندن