أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (8)















المزيد.....


قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (8)


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2021 - 2007 / 8 / 28 - 10:23
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


23

"الحزب يلج طريقاً جديداً" هذا هو عنوان الفصل التاسع من الجزء الثاني من كتاب الرفيق عزيز سباهي. يستهل الكاتب هذا الفصل بالإشارة، في الصفحات 163 ومايليها ، الى أن الحزب إنتهج خلال النصف الثاني من عام 1955، والأعوام القليلة التى تلته، سبيلاً جديداً مكنه من أن يعزز قواه ويتهيء لكي يلعب دوره في الإعداد لثورة 14 تموز وإنتصارها. وقد تطلب ذلك معالجة الأخطاء الإنعزالية والفردية في مسيرته السابقة، وإختيار التوجهات والأساليب الصحيحة في عمله ونشاطه.

كرست اللجنة المركزية إجتماعيها في حزيران 1955، الذي إنتخبت فيه سلام عادل سكرتيراً لها، وفي تموز من نفس العام، لمراجعة سياسات الحزب في ميادين مختلفة وبإتجاه تخليصها من النهج الإنعزالي والبيروقراطية، والإلتزام ببنود النظام الداخلي. وكانت المراجعة، متحررة بشكل ملحوظ من الستالينية. إن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي، الذي أدان عبادة الفرد والستالينية،عقد في العام الذي أعقب الإجتماعين المذكورين، أي في عام 1956. إلا أن السعي للتخلص من النهج الستاليني في الحركة الشيوعية بدأ بعد وفاة ستالين مباشرة، أي في نفس عام وفاته (1953). وقد وثقنا ذلك في الموضوع المرقم 18. ولكن ينبغي أن لاننسى حقيقة أن معالجات الحزب في تلك الفترة وكذلك في خلال كل الفترات اللاحقة حتى المؤتمر الخامس، مؤتمر الديمقراطية والتجديد، المنعقد في عام 1993، كانت من منطلق الفهم الكلاسيكي القديم للماركسيةـ اللينينية والأممية البروليتارية.

فعلى صعيد سياسات الحزب الجماهيرية والتى وصفت بالإنعزالية توقفت اللجنة المركزية عند موقف الحزب الخاطئ القاضي بمقاطعة نقابات العمال الرسمية، وثبت الموقف الصحيح. وقد ذكرنا ذلك في الموضوع المرقم 15 في الحلقة السادسة. أما في المجال الفلاحي، فقد أكدت اللجنة المركزية على تشكيل الجمعيات الفلاحية بإعتبار أن هذا الشكل من التنظيم هوالأسلوب الأكثر ملائمة لمزاج أوسع الجماهير الفلاحية. وشددت اللجنة على ضرورة توجيه هذه الجمعيات نحو تحقيق مكاسب للفلاحين مهما كانت بسيطة. وأن تأخذ بإعتبارها مطالب مراتب الفلاحين المختلفة: الفقراء والمتوسطين والأغنياء. وأن تتبع هذه الجمعيات أبسط أشكال التنظيم والروابط...الخ. ودعت اللجنة المركزية الى الأهتمام بتطوير كوادر فلاحية محلية وفتح دورات تثقيفية خاصة لهذا الغرض.

وعالجت اللجنة المركزية الأسلوب الأوامري والبيروقراطي الذي سار عليه الحزب في السابق في العمل مع المنظمات الديمقراطية. وأكدت أن هذه المنظمات "هي منظمات لاحزبية من حيث آيديولوجيتها وأساليب عملها. إن توفير الديمقراطية الواسعة في هذه المنظمات هي شيء ضروري بالنظر لطبيعتها الجماهيرية... الخ".(1)

24

إستهدفت اللجنة المركزية في بيانها السياسي العام الصادر عن إجتماع تموز 1955 تحت عنوان ( في سبيل الحريات الديمقراطية وفي سبيل المصالح الحيوية لجماهير الشعب)، ضمن ما إستهدفته، إقناع القوى السياسية الوطنية بضرورة العمل الموحد. وقد واصل الحزب هذا النهج، وذلك بمعالجة شروط تلك القوى وملاحظاتها وتحفظاتها، التي وردت في مذكرة للجادرجي وقدمت للحزب في نهاية نيسان 1955، (*) ساعيا بقوة الى تبديد شكوكها حول صدق دعوته للتحالف والجبهة، تلك الشكوك التي تراكمت بشكل خاص في فترة إنحراف الحزب نحو التطرف اليساري، وذلك في بياناته ووثائقه وسلوكه اللاحق. ومن المفيد إطلاع القارئ الكريم على تلك الشروط قبل تناول معالجات الحزب لها.


جاء الإفصاح عن تلك الشروط في مذكرة الجادرجي للحزب التي وردت في الصفحة 660 وما يليها من مذكراته. ومن المفيد إطلاع القارئ على ملخصها، كما عرضها الباحث حنا بطاطو في كتابه الثالث ص68.

ــ وجاء في ملاحظات الجادرجي:"[مهما كانت عناصر اليسار معتدلة في برنامجها فإنها ستوصم بالشيوعية... وستحارب بشراسة على هذا الأساس، إذا ما توحدت هذه العناصر فيما بينها فقط". لذلك، فإن عليهم أيضا أن يتحدوا مع "عناصر وطنية مستقلة وعناصر أخرى". وأضاف الجادرجي كذلك أنه لن تكون هنالك أية فرصة للنجاح أمام جبهة إذا لم تتخل "بعض عناصر اليسار" عن فكرة ترؤّس الآخرين"، أو إذا لم تسر بثبات و ﺑ "إيمان صادق" في طريق"غير إستفزازي". وكان يجب توفير ضمانات فعالة لتهدئة مخاوف شركاء المستقبل من أنهم قد يستخدمون أو يزج بهم "في حالات أو معارك لم يتصوروها أو لم يوافقو عليها مسبقا"، وكذلك فإنه لايمكن السماح لسياسة "مواجهة الآخرين بالأمر الواقع مهما كانت الظروف". ويجب تجنب تلفيق التهم او الإتهام بلا تمييز بسوء التصرف عند إختلاف الآراء مهما كان الثمن. ويجب التأكد لكل طرف في الجبهة أنه لن ينظر اليه كمشارك "عرضي" في الحركة بل جزء أساسي منها و"لزمن غير محدود": وبكلمات أوضح، يجب عدم إستحضار مسألة "المرحلة التاريخية"، التي يكررها البعص بمناسبة وبلا مناسبة على الإطلاق". وأخيراً، يجب بذل كل الجهود بهدف إزالة الإنطباع الخاطئ السائد بإن اليساريين أو التقدميين لم يبالوا بالقومية العربية. وما يجب إيضاحه للجميع هو أن اليساريين أو التقدميين لم يقدموا للآخرين أية تنازلات تتعلق بأصالة مشاعرهم نحو الأمة، لأنهم كانوا قوميين من دون أن يكونوا متعصبين (أوشوفينيين). ورأى الجادرجي أن إيضاح هذه النقطة يسهل جلب من يسمون أنفسهم قوميين، والذين لا رغبة لأحد بتجاهلهم، الى الحركة.

ويستكثر بطاطو ذاته، قبل الشيوعيين، بعض من تلك الشروط فيعلق عليها بالقول: "واضح أن الجادرجي طلب الكثير، وطلب مايقرب المستحيل، على الأقل في إحدى النقاط، وهي الطلاق الفعلي ـ وليس الإسمي ـ للتحالف من أي "حدود زمنية" والواقع أن التحالفات، أية تحالفات، والتي يدخلها الشيوعيون والتي لايدخلونها، تكون دوماً إنتقالية بجوهرها، من حيث أن الأوضاع تفرضها وأن طبيعة الأشياء نفسها تتغير وليست ثابتة.

لم يشر بطاطو الى مسألة هامة وردت في مذكرت الجادرجي وهذا نصها: "العناصر اليسارية التي يمكن إعتبارها نواة الحركة، هي بحاجة الى مرجع يقره اليساريون ويرتضيه الوطنيون من مستقلين وغيرهم". لم يسمي الجادرجي المرجع، تواضعاً أو دبلوماسية، ولكن المقصود معروف، فقد كان الجادرجي عميد المعارضة المعترف به في أوساط المعارضة والفئة الحاكمة على حد سواء.

ويعلق سباهي على المذكرة بالقول، وهو على حق، بأن" بعضاً من الشروط التي طرحها الجادرجي قد جاءت إنعكاساً للسياسات الإنعزالية المتياسرة التي سارت عليها قيادتا بهاء الدين نوري وحميد عثمان، بينما جاء بعضها الآخر نابعاً من نزوع البرجوازية الوطنية نحو إنتزاع قيادة العمل الجبهوي [وتخليد قيادتها بنفيها مراحل التاريخ. جاسم] إنطلاقاً من موقفها الطبقي".(2)

كانت شروط القوى الوطنية ومخاوفها التي وردت في مذكرة الجادرجي قد لقيت التفهم من قبل القيادة الجديدة للحزب. ويمكن تلمس الروح الإيجابية والمرونة التي صار الحزب يخاطب بها القوى الوطنية من الدعوة الحارة التي تنهي بها اللجنة المركزيه بيانها في تشرين الثاني 1955. وهذه مقتطفات منه: "إن اللجنة المركزية لحزبنا ترى إن التعارف والتقارب والإتفاق والتعاون بين القوى الوطنية هو أمر ممكن وضروري، وهو الطريق الوحيد لإحراز النصر...ومن جانبنا فإننا نرى من المفيد تماماً، ومن الممكن أيضا، إجراء إتفاقات حتى مع الذين لا يعارضون سوى وجه معين، من دون غيره، من وجوه السياسة السعيدية... وليس لدينا أقل ميل لفرض مناهجنا السياسية على الآخرين...إن إعادة النظر وتقليب صفحات الماضي ينبغي أن لايكون معرقلا لوحدة النضال... إن طبيعة النضال الصادق الحازم ضد حكومة نوري السعيد تستلزم سيادة الروح الإيجابية العملية في علاقات القوى الوطنية... ومن وحدة عمل جميع هذه القوى، ومن الروح المتأهبة المقدامة لأوسع جماهير الشعب يجب أن نستمد الثقة بالنجاح".(3)

لم يكتف الحزب بمناشداته للقوى الوطنية عبر بياناته وصحافته، وإنما أردف ذلك بالإتصالات المباشرة التي أجراها مع قادة الأحزاب الوطنية الأخرى. و ساهم فيها سلام عادل. وكان لنشاط الحزب السياسي والدعائي ذاك أثره في تحريك الوضع السياسي. فبالإضافة الى المذكرة التي قدمها الى الملك قادة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الإستقلال، وطالبوا فيها بتخلي نوري السعيد عن الحكم وتدارك أخطار السياسة الخارجية التي سار عليها، والتحرر من حلف بغداد وتأمين الحريات الديمقراطية، فقد قدمت 142 شخصية من مختلف أنحاء العراق من منتسبي جميع الأحزاب السياسية والنواب السابقين وأساتذة الكليات وشخصيات إجتماعية من مختلف المهن، مذكرة مشابهة.(4)

25

يشير الكاتب عزيز سباهي الى أن الوحدة في صفوف الشيوعيين شغلت إهتماما خاصاً من جانب اللجنة المركزية في إجتماعيها المنعقدين في حزيران وتموز 1955. إن اللجنة أقرت بالضرر الذي أحدثته سياسة تشديد الصراع في حياة الحزب الداخلية، ولاحظت أن هذه السياسة قد فرطـّت بعناصر حزبية مخلصة حافظ بعضها على مواقف شيوعية سليمة. ويعلق سباهي، على الإدانات الصارمة لمنظمة "راية الشغيلة" وإعتبار "الوحدة هي أسمى مبدأ في الحزب" بالقول: إلا أن اللجنة (المركزية) ظلت محكومة في هذا الشأن بمنطلقات آيديولوجية صارمة، تشدد كثيراً على الوحدة على حساب مصالح الحزب والقضية ذاتها. وعزا تلك الصرامة، وهو على حق، الى الفهم الستاليني لمبادئ بناء الحزب.(5)

وفي معرض معالجة سباهي لهذا الموضوع يذكر بأن "أغلب الإنشقاقات التي مر بها الحزب الشيوعي حدثت بسبب الإختلافات حول الدور الذي تلعبه الطبقة العاملة في الحركة الثورية." ويشرح الكاتب كيف أن البعض قلل من هذا الدور، وبالغ البعض الآخر فيه.

ما يذكره سباهي لا يخلو من الصحة ولكنه غير دقيق ، في نظري. إن أخطر إنشقاق وقع في الحزب الشيوعي العراقي، من حيث سعة القاعدة التي إنجرت وراءه ، ومن حيث أضراره السياسية على الحزب، هو إنشقاق " القيادة المركزية" في عام 1967، ولم يكن ذلك بسبب ما يذكره سباهي. ولست بصدد التوقف هنا عند هذا الإنشقاق الان، وأكتفي بالإشارة الى أن ما ذكره سباهي في الصفحة 74 من كتابه الثالث، وهو: "إذ يحاكم المرء الأحداث التاريخية لتلك الفترة لن يعثر على مبرر جدي الى إعلان الإنشقاق عن الحزب يوم ذاك...".

أما إنشقاق "راية الشغيلة" والذي شغل إجتماعي اللجنة المركزية المذكورين، وهو موضع معالجة تفصيلية من قبل الكاتب سباهي، فلم يقتصر الخلاف حول دور الطبقة العاملة فحسب، بل كان حول كامل ستراتيجية الحزب والذي يلخص عادة بشعار الحزب الأساسي للمرحلة التاريخية، وما يتبع ذلك من تشخيص القوى المؤهلة لتحقيق الهدف وطبيعة إصطفافها. وهنا يأتي دور الطبقة العاملة في هذا الإصطفاف. كان الشعارالأساسي ﻟ "لراية الشغيلة" نظام وطني ديمقراطي، وللبرجوازية الوطنية دورها الحتمي تاريخياً فيه. في حين كان الشعار الأساسي لميثاق باسم ( بهاء الدين نوري) هو جمهورية ديمقراطية شعبية، لا دور للبرجوازية الوطنية فيها. فهناك حرق مرحلة في ستراتيجية الأخير. ويثير الإنتباه ماجاء في وثائق الإجتماعين المذكورين بأن "راية الشغيلة" توصلت الى قناعة بستراتيج الحزب. حيث جاء فيها " ومما يساعد في هذا المجال هو أن هذه الجماعة قد توصلت مؤخراً الى نفس الخطوط العامة التي سبق أن رسمها حزبنا في الظرف الراهن من مرحلتنا الوطنية الديمقراطية وسلطة الديمقراطية الشعبية كشعار ستراتيجي (وهنا يلاحظ أن هناك وضوح تام بأن الخلاف كان على الستراتيجة. جاسم) يضمن التصفية التامة للنظام شبه الإقطاعي شبه الإستعماري القائم".(6)

لم أطلع على أية وثيقة لمنظمة "راية الشغيلة" ولم أسمع شفهيا داخل المنظمة، والتي كنت عضوا نشطاً فيها، الى ما يؤكد أنها قد توصلت الى قناعة بشعار "ديمقراطية شعبية". ولا أعرف كيف ورد هذا النص في وثيقة حزبية آنذاك. (**) ففي ذلك الوقت كانت قناعة قيادة الحزب بالذات متزعزعة بالشعار المذكور، بتأثير التخفيف العملي لنهج التشدد الستاليني على أصعدة مختلفة، في القيادة السوفيتية بعد وفاة ستالين. وتخلي الأحزاب الشيوعية في المنطقة عن ذلك الشعار، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوري ـ اللبناني، كما مر بنا. وهنا نأخذ بنظر الإعتبار تمكن الحزب آنذاك من الإطلاع على التطورات الحاصلة في الحركة الشيوعية العالمية وتمتعه هو ومنظمة "راية الشغيلة" بعلاقات ودية وإحترام متبادل مع الحزب الشيوعي السوري ـ اللبناني الشقيق. فلا غرو أن يختفى شعار "الديمقراطية الشعبية" من دعاية الحزب بعد ذينيك الإجتماعين. وظهر مرة أخرى في رسالة داخلية موجهة للجنة فرع كردستان والموزعة داخل الحزب فقط بعنوان " رد على أفكار قومية برجوازية وتصفوية" وتحمل تاريخ 15 آب 1957، ثم إختفى الشعار نهائيا. ولم يطرح الشعار للنقاش ، إلا بعد حوالي عشر سنوات. ولكن بصيغة أخرى. وقد إتخذ صيغته النهائية في المؤتمر الثاني عام 1970، بعد إقراره بالأكثرية، وهي: "جمهورية ديمقراطية ثورية تمثل إرادة الشعب وتلعب في سلطتها الطبقة العاملة وعلى رأسها الحزب الشيوعي الدور الطليعي والقيادي"، ليوضع الشعار على الرف ويهمل بعد المؤتمر مباشرة! لعدم واقعيته لحرقه مرحلة تاريخية كاملة من التطور التاريخي التي لابد وأن يمر بها المجتمع. وقد إعتبر الفقيد زكي خيري البرنامج الذي تصدره الشعار المذكور، والذي لم يرَ النور بعد إنفضاض المؤتمر، تطبيق مبدع للماركسية ـ اللينينية على أحوال العراق.(7) في حين أثبتت الحياة بأن ذلك الشعار دليل على تجاهل ظروف العراق، وقفز غير ممكن على مرحلة تاريخية، وتطبيق نصي وجامد للنظرية الماركسية ـ اللينينية، حتى بمعايير تلك الأيام. وهناك العديد من الشيوعيين الذين عاصروا تلك الأزمنة، ولم يتبنوا يوماً ذلك الشعار، ولا يزالون في صفوف الحزب. وحضرعدد منهم المؤتمر الثامن للحزب. وكان كاتب هذه السطور واحداً منهم.

واليوم، مع أن حرق المراحل بات نهجاً سياسياً بائراً وإفتضح تخلفه الفكري، خاصة بعد إنهيار الأنظمة الإشتراكية السابقة، إلا أن المرء يتلمس أحيانأ، في بعض الصياغات والمواقف، ترسباته في أوساط اليسار، والتشبث به في أوساط اليسار المتطرف محلياً وعالمياً.

نعود الى جهود الحزب في العمل لتحقيق وحدة الحزب في ضوء قرارات اللجنة المركزية في حزيران وتموز من عام 1955. كانت منظمة راية الشغيلة هي البادئة في الدعوة الى وحدة الحزب، كما يؤكد ذلك سباهي ويشير الى أنها أرسلت الى الحزب رسالة بهذا الشأن، حين كان حميد عثمان لايزال سكرتير اللجنة المركزية، إلا أن عثمان قد أهمل الدعوة. وصدرت جريدة "راية الشغيلة" وهي تحمل في صفحاتها الأولى شعارات الوحدة. وبعد تنحية عثمان عن قيادة الحزب، أرسل سلام عادل، بتخويل من اللجنة المركزية، رسالة جوابية الى المنظمة يعلمها القبول بالمباحثات في هذا الشأن. وقد إستمرت المباحثات من آب 1955 وحتى حزيران 1956. وساعد في إنجاحها رأي الرفيق خالد بكداش قائد الحزب الشيوعي السوري الذي إعتبر آراء "راية الشغيلة" صحيحة، ولكن سلوكها (الإنشقاق) خطأ. فأصدرت المنظمة بياناً في 13 حزيران تدين سلوكها الإنشقاقي التخريبي وتعلن حل المنظمة وتدعو رفاقها الى العودة الى أحضان الحزب. واصدرت اللجنة المركزية للحزب من جانبها بياناً بعد أربعة أيام رحبت فيه بعودة المناضلين الحزبيين. ودعت الى تعزيز وتوطيد وحدة الحزب.. وإنتقدت كذلك المقاييس البيروقراطية التي عولجت بها مشاكل الرفاق الفكرية والسياسية.

وقد روى كاتب هذه السطور تجربته مع منظمة "راية الشغيلة" في فصل خاص في كتابه " الحقيقة كما عشتها" حيث يتناول فيه كيفية حدوث الإنشقاق وأسبابه ورأيه في طريقة إنهائه وذلك بمنطق زمانه. وقد أنهى الفصل برأيه اليوم في أحد الأسباب الهامة، إن لم يكن أهمها، للإنقسمات في الأحزاب الشيوعية. جاء فيه:

ــ إذا تحدثنا بعقلية اليوم نجد أن الحياة تشير إلى أن الأحزاب الشيوعية كانت تفتقر للديمقراطية بالرغم من أن أنظمتها الداخلية تنص على أن بناء الحزب يقوم على أساس المركزية الديمقراطية. فالمركزية كانت طاغية والديمقراطية ضئيلة. وكانت الستالينية ملزمة لها نهجا وفكراً، وذلك أحد الأسباب الهامة للإنقسامات في تلك الأحزاب، وفي نفس الوقت سبب المعالجات الخاطئة لها. بل وأكثر من ذلك أن هذه الأحزاب لم تتحول إلى أحزاب ديمقراطية، حتى بعد إدانة الستالينية، لأنها حرصت على أن تبقى أمينة لنظرية وطبيعة وأهداف "حزب من طراز جديد" شديد المركزية، فإنهارت الأنظمة الشمولية التي بنتها في الإتحاد السوفيتي واوربا الشرقية. لقد أجرت كثيرا من تلك الأحزاب تغييرات جذرية في بنيتها وطبيعتها وأهدافها لتتحول إلى أحزاب ديمقراطية، تنتخب جميع هيئاتها القيادية بحرية تامة، وتؤمن بالتعددية وبتداول السلطة السلمي، ويمارس بعضها ذلك عملياً.

أما الأحزاب غير الحاكمة فدخلت في أزمة وجود (تبقى أم لاتبقى). صحيح أن المثل والقيم والأهداف النبيلة للإشتراكية (حرية، رفاهية، عدالة إجتماعية، مساواة) تعًبر عن الحاجات والطموحات العميقة لشغيلة اليد والفكر، إلا أن تحقيق تلك الأهداف لا يمكن أن يتم في الأفق المنظور، وبالتالي فإن دَمقرطة هذه الأحزاب لنفسها ولبرامجها ولأساليب عملها وخطابها السياسي بما ينسجم ومتطلبات التطور التاريخي لبلدانها، والكفاح من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من تلك الأهداف النبيلة، كفيل بديمومتها وعدم تهميشها، بل ويمكن أن يكون لها شأن كبير في الحياة السياسية والإجتماعية في بلدانها، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الأحزاب الشيوعية السابقة في اوربا الشرقية. وهذا ما سعى ويسعى إليه الحزب الشيوعي العراقي أيضاً.
________________________________________
(1) راجع سباهي. المصدر السابق. ص 165.
(*) أعتقد بأن سباهي قد أشار قبل الأوان الى بعض من ملاحظات المذكرة الصحيحة، في نهاية الفصل السابع من الجزء الثاني، رداً على أخطاء وردت في وثيقة "جبهة الكفاح الوطني ضد الإستعمار والحرب" الصادرة في كانون الثاني من عام 1954. وهذا ما يوحي بأن المذكرة هي رد مباشر على الوثيقة، في حين أنها لم تكن كذلك، لأن الوثيقة صدرت قبل المذكرة. وكان سباهي متأخراً عندما أشار الى المذكرة بعد تقديمها للحزب بأكثر من عام وبالإرتباط مع ما جاء من معالجات في الوثيقة الصادرة عن الكونفرنس الثاني الذي إنعقد في عام 1956. وكان الأوفق إيرادها هنا، لأن معالجات تلك الشروط بدأت منذ قيادة سلام عادل للحزب في حزيران 1955، كما مر بنا.
(2) سباهي. المصدر السابق. ص226.
(3) سباهي. المصدر السابق. ص167.
(4) راجع سباهي. المصدر السابق. ص168 وما يليها.
(5) راجع سباهي. المصدر السابق. ص169. راجع كذلك ثمينة ونزار. مصدر سابق ص101.
(6) سباهي. مصدر سابق ص 171.
(**) أستغرب كذلك لقول الفقيد زكي خيري، في الصفحة 162 من كتابه "صدى السنين في ذاكرة شيوعي مخضرم"، وهو: "ونشرت "راية الشغيلة" فيما بعد برنامجا لجماعتها بيد أنه كان يسارياً متطرفاً أكثر من ميثاق باسم وقد صاغه الحيدري". لم يوضح خيري كيف ومتى وأين كان ذلك، مما يصعب إعتماد قوله لعدم توثيقه. لقد كنت عضواً في منظمة "راية الشغيلة" ولم يكن لديها برنامج كهذا. و يذكر بهاء الدين نوري في الصفحة 179 وما يليها من مذكراته، دار الحكمة، ما يلي: "وفي وقت لاحق إتهم جمال الحيدري خصومه الشيوعيين في الحزب الشيوعي العراقي بالإنحراف اليميني وخيانة قضية الشيوعية بسبب عقدهم جبهة إنتخابية مع الأحزاب البرجوازية المعارضة وموافقتهم على التعاون مع حزب الإستقلال في عام 1954". بهاء الدين، هو الآخر لا يشير الى وثيقة تسند رايه غير الدقيق، فعلى قدر علمي ومتابعتي المباشرة لمواقف المنظمة، فقد إعترضت منظمة "رأية الشغيلة" على التعاون مع حزب الإستقلال الذي كان يمثل الجناح اليميني من البرجوازبة الوطنية وليس على كل البرجوازية، والفرق كبير جداً ونوعي. ولم يكن موقف راية الشغيلة صحيحا. لقد إطلع الرفيق عبد الرزاق الصافي، الذي كان أحد كوادر منظمة "راية الشغيلة" على نص هذا الهامش وأيد ما جاء فيه.
(7) راجع سعاد خيري وزكي خيري. مصدر سابق ص535.

يتبع



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
- هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
- حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
- كتاب - لحقيقة كما عشتها
- التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- رسائل عزيزة
- نبذة مختصرة عن مدينة كربلاء
- سنوات بين دمشق وطهران ( 6 )
- سنوات بين دمشق وطهران 5
- سنوات بين دمشق وطهران 4


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (8)