أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام















المزيد.....

إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام


كمال الجزولى

الحوار المتمدن-العدد: 619 - 2003 / 10 / 12 - 03:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


 

قرار المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بوقف صحيفة (الصحافة) لثلاثة ايام ، إثر نشرها اعلانا للخطوط الجوية الاثيوبية تضمن في ثناياه كلمة wine ، الأمر الذي عده المجلس ترويجا للخمور ، هذه القضية ما تزال تتفاعل في الساحة السودانية. (الصحافة) توجهت للاستاذ كمال الجزولي ، المحامي والاديب والناشط السياسي ، بسؤال استفهامي حول مغزي ودلالات الايقاف ، وتضمنت إفادته رؤى قانونية وجدلية وفقهية وسياسية ، كل ذلك مقرونا ومقروءًا مع مخاضات السلام .. وفيما يلي نعيد نشر هذا الرأى تعميماً للفائدة:
 
*  أذكر أن الأستاذ الدكتور شوقى السيِّد ، عضو المجلس الأعلى للصحافة بجمهورية مصر ، إستند مرَّة ، فى مقالة مهمة له عام 1991م ، على الكلمة الحكيمة القائلة: (إعطنى نصاً ظالماً وقاضياً عادلاً) ، لينفذ ، بالضبط ، إلى ما أريد أن أنفذ إليه هنا. فالمشكلة في رأيي لا تكمن فى (فنيَّات) القانون ، على أهميتها وخطورتها ، لأننا إذا أخذناها من هذه الزاوية ، فقط ، فسوف نجد فعلاً ان القانون يمنع الاعلان عن الخمر من وجهة نظر دينية. ومسألة ما إذا كان النبيذ خمراً أم لا هي أيضاً مسألة فنية يفتى فيها الخبراء. لكن المشكلة ، بالنسبة لي ، مدارها (العدل) كقيمة تعرضت للتجاوزات والتجريح طيلة السنوات الماضية ، وذلك فيما يتعلق بقضية الوحدة الوطنية ، وقضية التنوع في البلد ، وقضية التساكن بين المسلمين وغير المسلمين ، ومسألة ما إذا كان من الممكن أم من المستحيل أن يتعايش المسلمون وغير المسلمين في الوطن. لقد وصلنا أخيراً ، والحمد لله ، إلى الاقتناع العام بان الحرب لن تحل قضية ، وأن محاولة قمع غير المسلمين فى السودان بالبندقية قد فشلت ، واهتدينا ، بالتالى ، إلى أولى العتبات المفضية إلى الطريق الصحيح ، وها هى كل البلد وكل القوى الحيَّة فى المجتمع ، تتجه الآن صوب ترسيخ ودعم وتقوية ما تم التوصل إليه بين الفرقاء المتحاربين على طريق السـلام ، والارتقاء به كي يصبح سلاماً وأمناً دائمين وحلاً سياسياً شاملاً. هذا يعني اننا مقبلون ، بالضرورة ، على مراجعة كل المفاهيم والابنية والهياكل التي تأسَّست على المنطق القديم ، منطق ان السودان هو بلد المسلمين فقط. وقد أحسن السيد وزير العدل النائب العام صنعاً عندما صرَّح ، خلال الايام الماضية ، بأن وزارته معنية الآن بهذه المراجعات في حقل القانون ، وانه كوّن لجاناً لهذا الغرض لفحص كل القوانين التي تتعارض مع توجهات السلام في المرحلة المقبلة. أقول: أحسن صنعاً ، رغم أن هذه ليست مهمة الوزارة فى الوقت الراهن، فمنطق اتفاق السلام نفسه سوف يدرج مثل هذه الاجراءات ضمن واجبات حكومة (الحل  الوطنى) خلال الفترة الانتقالية ، وليس إيكالها (لنظام الأزمة) نفسه. ولكننا ، مع ذلك ، لا نستطيع أن نسقط من اعتبارنا التوجه والمزاج العام المشمولين بهذا التصريح. مثل هذا التوجه والمزاج العام كان ينبغي أن يكون في ذهن لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة عند معالجتها لهذه القضية.
صحيح أن نص المادة 79/1 من القانون الجنائي لسنة 1991م يحظر الاعلان عن الخمر ويعده جريمة تستلزم عقوبة السجن وجوباً لمدة لا تتجاوز عشر سنوات. على أننى أحسب أن لجان النائب العام سوف تصطدم بتناقض هذا النص مع نص آخر متضمَّن فى المادة 78/1 من نفس القانون ، وهو النص الذى يبيح شرب الخمر وحيازتها لغير المسلمين! ذلك أن من اباحت له هذه المادة ما أباحت يكون من حقه أن يتلقى كل خدمة تتصل بهذا (المباح) مما يقدمه الاعلان عن طريق الصحف وأجهزة الاعلام (القوميَّة) الأخرى التي لا تصدر أو تقدم خدماتها خصيصاً للمسلمين فقط في السودان! الأيديولوجيَّة التى تحتكر الاعلام والصحف للمسلمين وحدهم ينبغي أن تعتبر الآن من الارث القديم الخاطيء الذي تتوجب مراجعته ، فالصحف ، مثلها مثل كل الاجهزة (القومية) الأخرى ، ينبغي أن تتكرَّس لخدمة كل منظومة التعدد السودانى الذي بدأنا بالاعتراف به. وعلينا ، كمسلمين ، أن نروِّض أنفسنا ، عقلاً ووجداناً ، على تقبل حقيقة أن ثمة أديان أخرى وثقافات أخرى ينبغى أن نتساكن معها ونتعايش في سلام.
هذا لا يعنى ، إطلاقاً ، أننا قد فرغنا نحن أنفسنا ، كجماعة مستعربة مسلمة فى السودان ، من حسم خلافاتنا الفكروفقهيَّة حول رؤانا المتقاطعة لديننا الواحد ، وبالأخص ما كان متصلاً منها بحقل الدولة والسياسة والقانون. كل ما أعنيه أن من يرى فى أىِّ (سلوك) أو (ممارسة) شيئاً مما يتعارض مع (دينه) هو أو (معتقده) ، فإن عليه فقط ان يتجنبه ، لا أن يفرض على الآخرين أية مضايقة باسم هذا (الدين) أو (المعتقد). وغني عن القول أن القانون إذا كان يحظر تقديم خدمات بعينها لغير المسلمين استناداً فقط إلى معتقدات المسلمين ، فليس لذلك أىُّ معنى آخر سوى أن هذا القانون لا يعترف بحق (الحياة) ذاتها في هذا الوطن إلا للمسلمين وحدهم! والمفارقة هنا واضحة ، إذ أن (السلام) و(الوحدة الوطنيَّة) لا يتحققان فقط بوضع البندقية ، وانما لا بُدَّ ، بالاضافة إلى ذلك ، من إعادة النظر ، وإجراء المراجعات اللازمة لكل مناهج التربية والتعليم والاعلام والقانون وكل التفاصيل التي شكلت ، عبر عشرات السنين ، مزاجاً سالباً لا يصلح ، البتة ، لأن يدعم لهذا (السلام) قضية.
الشاهد أننى ، كمسلم ، أقر بأن الخمر محرَّمة في ديني ، ولذلك فإن عليّ أن أتجنبها ، ولكنني لا أفعل ذلك لمجرد أنني أخشى (القانون) ، بل لأنها ، فى الأصل ، مسألة (عقيدية) تنبع من ثقافتي ووجداني. أما تحويلها إلى محض مسألة (قانونية) تحرسها فيالق الشرطة والعسس ، فمن شأنه أن يجفف (الثقافة) و(العقيدة) من ممارسة تنبع من صميم (الوجدان) إلى ممارسة تتم تحت (سياط) القمع ، فإذا حدث وغابت هذه (السياط) ، أو خرج المرء من دائرة ما تطول ، كأن يسافر مثلاً إلى حيث لا تعتبر هذه الممارسة جريمة ، فإنه سوف يجترح هذه (المحرَّمات) حتماً! ويقيني ان ذلك مضر بالحياة الروحية نفسها لدى المستعربين المسلمين فى السودان في المدى البعيد. وحتى لا يفهم هذا الكلام خطأ ، فأنا لا اتحدث عن الخمر فقط ، وإنما عن أشياء أخرى قد تبدو أكثر بساطة للوهلة الأولى. فرمضان ، مثلاً ، على الأبواب ، وقد اعتاد الحكام المسلمون في السودان على اصدار أوامر واتخاذ اجراءات تحظر ، باسم الاسلام ، فتح المطاعم في نهارات رمضان. فإذا تجاوزنا عن الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمسلمين المرضى وذوي الأعذار والرخص التى يحب الله أن تؤتى مثلما يحب أن تؤتى عزائمه ، حسب الحديث الشريف ، فإن المسألة تصبح أكثر خطورة ، فى المستوى السياسى ، حين تجعل غير المسلمين يشعرون بأنهم مقموعون وممنوعون من تلقي مثل هذه الخدمة لمجرد ان المسلمين ، أو حكامهم ، يجدون ذلك فى معتقداتهم الدينية ، فتعود المشاعر السالبة للتراكم ، في الوقت الذي نتحدث فيه عن أننا وضعنا اقدامنا على أول الطريق المفضى إلى (السلام) و(الوحدة الوطنية)! ولعل من أكثر الأمور استعصاءً على الفهم هنا أن تتخذ مثل هذه الاجراءات تحت شعار غريب جداً يتحدث عن (عدم المساس بمشاعر المسلمين) ، فلكأن المسلمين أكواب من (الكريستال) القابل للكسر في أية لحظة!
الصحيح ، فى رأيى ، وببساطة ، أنه إذا كان هذا البلد ليس ملكاً للمسلمين وحدهم ، فإن عليهم أن يتعلموا كيف يمكن أن يقاوموا في أنفسهم ما يرونه غير متسق مع دينهم ، لا أن يرغموا الآخرين معهم على برمجة الحياة في الوطن بحيث تصبح ملائمة للمسلمين فقط ، فمن يفعل ذلك لا يعود لديه منطق يتحدث به عن (الوحدة) و(التعايش السلمى) بين مفردات التعدد السودانى. ولكم وددت ، من هذه الزاوية ، لو ان مداخل لجنة الشكاوى اتسمت بالقدر المطلوب من الحساسية تجاه هذا الوسع في النظر لقضية السلام ، بدلاً من الانحصار في ضيق فنيات القانون وشكلياته ، فهي بهذا قد وجهت رسالة تقول إن الصحف ليست أجهزة (قومية) تقدم خدماتها للجميع ، إنما للمسلمين فقط في السودان! فهل يعتقد المجلس ، حقاً ، أنه يساهم بهذا في دعم قضية السلام؟ لقد اقتضى درء مفاسد الحرب وجلب مصالح السلام ، مثلاً ، أن يجترح الناس الآن خطة البنك المركزي (بنافذتين) ، بدلاً من بنكين مركزيين ، بمعنى أن يكون للبنك المركزي ، في الدولة التى يعيش فيها مسلمون ، نافذة (ربوية) ، فلماذا لا تكون للمؤسسة الصحفية (ألف نافذة) تستوعب واقع (التعدُّد) السوداني؟



#كمال_الجزولى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أَيَصِيرُ الشَّعِيرُ قَمْحاً؟
- أَرْنَبٌ .. وقُمْرِيَّتانْ؟!
- العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولى - إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام