أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - ثقافتنا العربية أمام خيارين التحول أو التلاشي














المزيد.....

ثقافتنا العربية أمام خيارين التحول أو التلاشي


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2018 - 2007 / 8 / 25 - 09:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يؤكد كتاب كثرُ من أصحاب الثقافة غير العلمية على ضرورة التمسك بالثوابت، في عصر أميز ما فيه تلك السيولة الكونية التي تعصف بكل ما هو كلاسيكي، ونيو كلاسيكي، بما في ذلك مفاهيم الحداثة الأوروبية ذاتها. الفلسفات التأملية لم تعد السبيل لبلوغ الحكمة (ماركس) ونتائج العلوم أقرت بأنها لا تكون علمية إلا بقدر قابليتها للتخطئة والتجاوز (كارل بوبر) والمحكيات الكبرى كالليبرالية والاشتراكية صارت محض ألعاب لغة، فدُفع بها داخل كتب التاريخ (فرانسوا ليوتار) وحتى الطبيعة الإنسانية تعرضت للتغيير والتبديل الكثيف جراء اكتشاف خريطة الجينوم H. Genome، ونجاح عمليات الاستنساخ.
والحق أن القول بطبيعة إنسانية ثابتة لا تتغير إنما هو قول يجافي الواقع التاريخي والبيولوجي، أولاً باعتبار النوع الإنساني مجرد فرع على غصن الثدييات العليا في شجرة الحياة، وثانياً لأن أفراد هذا النوع الإنساني جرت على طبائعهم عديد من التعديلات عبر مليون من السنين، بما لا يسمح بوضع أشباه الإنسان، وقبائل نياندرتال وجاوة وبكين داخل نفس الدائرة التي تضم الإنسان البدائي Homo Sapiens، وإنسان الحضارات القديمة، وإنسان القرون الوسطى، وإنسان العصر الحديث، وحتى هؤلاء فالتمايز بينهم ملحوظ بالأقل في المستوى الثقافي قل في الميمات الثقافية المورثة Cultural Memes، فالقدماء مثلاً لم يكن يجدون غضاضة في استرقاق بعضهم بعضاً، وأناس القرون الوسطى –باختلاف أقوامهم وعقائدهم وديانتهم- لم يجدوا خطأ في احتلال أراضي الغير بالقوة، وإجبار هذا الغير المهزوم على سداد الجزية، فضلاً عن التفرقة القانونية بين الذكور والإناث. أما رجال ونساء العصر الحديث فينطلقون من مبادئ ميثاق حقوق الإنسان التي تساوي بين الجميع أمام القانون، وتجرم الرق، وتحرم ضم أراضي الدول التي تخرج من الحروب مهزومة.
وهكذا يمكن القول بان ما يسمى بالطبيعة البشرية إنما هو تعبير مثالي فضفاض ليس له مدلول في الواقع التاريخي، وربما كان الأفضل القول بأن الإنسان هو أقرب الكائنات إلى تمثيل التبدل في الطبيعة.
وبالتوازي فإن الزعم الفلسفي التأملي القديم بأن "الحقيقة" موجودة فيما وراء المظاهر، وما علينا إلا "التفكير" لكي نصل إليها؛ هذا الزعم عكرت عليه، بل ومحته تقريباً مكتشفات الفيزياء الحديثة، تلك التي أرغمت الفلسفة على التنازل عن عرش "الحكمة"قناعة منها بدور التابع المفسر لمعارف العلم المُتسمة بالتراكم، والمراجعة، والحذف، والإضافة .. الخ.
ربما يقول البعض: ولكن ثمة جوهر لا يتغير في البشر، يتبدى في استغلال السادة للعبيد، والإقطاعيين للأقنان، والرأسماليين للأجراء.
وهي عبارة صحيحة شريطة أن نحذف منها كلمة "الجوهر الذي لا يتغير" فالتغير واضح في العبارة ذاتها، بتغير المستغـِلين (بالكسر) والمستغـَلين (بالفتح) الأمر الذي يرشح نفسه لإمكانية التغيير بنفي هذه الثنائية الشريرة في مستقبل قريب أو بعيد. والحاصل أن التاريخ البشري قد عرض علينا حتى الآن تمظهرات لعلاقات القوة بين البشر قامت على ما أسماه هيجل بنزعة تكريم الذات Thymos وطورها ماركس إلى حب الملكية، وليس فيما جرى ما يدعونا إلى التيقن من استمرار هذا الانقسام الحاد بين الأنا والآخر؛ وإلا لسقطنا في هوة الإيمان الغيبي بجبرية مطلقة Pre-Destination يكذبها مبدأ التشتت الفيزيائي Entropy الذي لا يبقي ولا يذر. وهذا يعني أن على البشر البحث عن وسائل للعيش معاً في تعاون وسلام قبل أن تحل ساعة الانقراض لهم ولكوكبهم، ولكونهم الحالي بأسره، ربما تمهيداً لميلاد أكوان أخرى ذات "طبيعة" مغايرة.
ذلك محتمل بالنسبة للإنسانية بوجه عام. وسؤالنا الأشد تواضعاً في هذا المقام إنما ينصرف إلى مصير ثقافتنا العربية، تلك التي يتمسك البعض بما يتصورون أنه من ثوابتها. وهنا لابد لنا من الوقوف بحزم أمام خيارين لا ثالث لهما.
الأول : أن نظل ثابتين جامدين عند مرحلة تاريخية كان المجد فيها للفتوحات العسكرية، والاقتصاد مؤسساً على الخراج، والحياة الاجتماعية تفاضل بين الذكور والإناث، وبين السادة والعبيد، وبين الحرائر والجواري، والحياة السياسية حكرا ً على الخلفاء والسلاطين والولادة وقادة الجيوش،بينما الشعب في مواقع الرعية.
الثاني : أن نأخذ بأسباب التحول إلى ثقافة عصرية، تقوم على مبدأ الإنتاج، باعتبار أن مصدر الثروة هو العمل على الأرض، وليس انتظار الرزق من السماء، وتقوم كذلك على مساواة الناس أمام القانون، لا فرق بين رجل وامرأة، مسلم أو مسيحي أو يهودي، ثقافة تنهض وتؤسس على مبادئ الديموقراطية التي تجع الشعب مصدراً لكل سلطة ولكل تشريع، تفصل ما بين الدين (الذي هو مجلى إيماني للأفراد والجماعات) وبين الدولة (التي هي شخص اعتباري محايد وغير منحاز بالضرورة) فذلك هو السبيل الوحيد للانخراط الحي في المجتمع الدولي أخذاً وعطاءاً، تأثراً وتأثيراً.
أما اختيار السبيل الآخر فلا ريب مؤد إلى الاختفاء والانقراض، ولنراجع معاً مؤرخنا العظيم عبد الرحمن بن خلدون، بله بول كينيدي.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مياه الأمن القومى
- !السلام بين العرب واسرائيل ..كيف؟
- لغة عربية أم لغة مصرية؟
- الكاتب في عصر العولمة
- تفكيك العقاد العقاد مفككاً
- إلى أن تطل عيون المطر.
- الأصولية تلتهم الحداثة
- رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس
- ساعات بين الكتب
- احسان عبد القدوس وشمس اللبرالية الغاربة
- التراث المجهول
- حوارات مهدي بندق – 7 - مع أدونيس
- في رماد المحو
- استقالة من ديوان العرب
- مواسم الجفاف
- حوارات مهدي بندق - 6 - مع قطب اليسار أبو العز الحريري
- حوارات مهدى بندق - 5 - مع الدكتور مجدى يوسف
- حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني
- حوارات مهدى بندق - 3 - مع الناقد الأدبىّ د. صلاح فضل
- حوارات مهدى بندق -2 - مع السيد ياسين


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - ثقافتنا العربية أمام خيارين التحول أو التلاشي