أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حزب العمل الوطني الديمقراطي - العولمة ولعبة نظام اللاّ نظام العالمي الجديد















المزيد.....



العولمة ولعبة نظام اللاّ نظام العالمي الجديد


حزب العمل الوطني الديمقراطي

الحوار المتمدن-العدد: 2020 - 2007 / 8 / 27 - 11:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


التقديم :

نص نقدي حول ظاهرة العولمة يستند إلى مقاربة تسعى أن تكون محاولة نقدية لا ترفض لمجرد الرفض ولا تقبل لمجرد القبول و تنفي ولا تثبت المؤامرة لمجرد أن أساطير الفكر الغربي ينفيها وادعاء الموضوعية على بعدها الاطلاقي المجرد الميتافيزيقي الوهمي والإيهامي وذلك بغية محاولة تقديم تشخيص دقيق للظاهرة كواقعة فعلية موضوعية دون ادعاء امتلاك القدرة الفائقة على إعطاء التشخيص اللازم الجامع المانع لإسقاطات العولمة على العلاقات الإنسانية والاجتماعية الدولية.

لكننا ننزع في هذه المحاولة إلى تقديم فهم للعولمة في أبعادها وميكانزماتها وتأثيراتها على العلاقات والرأي العام والتيارات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية.

ولكن هذه المحاولة تحتاج إلى عناصر مفاهيمية نستعين بها على تكوين تصور وفهم وموقف ما تجاه الظاهرة. فموضوع العولمة من مواضيع الساعة ومن الشيوع وتعدد الدلالات واختلاف المواقف حوله إلى الحد الذي يبعث على الحيرة والرهبة من كيفية معالجة الموضوع والإلمام به وفهم حقيقتها و تعدد دلالاتها قال أوليفيي دولفوس : أصبحت كلمة العولمة على جميع الألسن ومحملة بالمعاني والقيم المتناقضة.

إن من الكلمات و المفاهيم ما هو أشبه بـ : كباش المحرقة و العولمة واحدة من هذه المفاهيم حيث تغدو عندنا أحيانا أشبه ما تكون بالشيطانية و أحيانا تبدو لدى البعض الآخر بالملائكية و هذه المواقف كثيرا ما تغيب الإنسان وتحضر الملائكة و الشياطين في إطار منطق أحادي مطلق لا وجود له إلاّ في عالم الآلهة وعلى هذا الأساس وقبل البدء في تحديد المفاهيم والمواقف لابد من إبداء بعض الملاحظات التوضيحية :

فللعولمة جذور تاريخية قد تعود إلى ما قبل غزو القارة الأمريكية والدعوة إلى الكونية ووحدة النوع الإنساني في عصر الأنوار ونظام التدويل الاقتصادي والسياسي والثقافي والمراوحة بين التعايش السلمي وعلاقات الاستعمار والمواجهة العسكرية وبين علاقات الاستعمار و الهيمنة و أصبحت العولمة بمثابة فرض التدويل وتجاوز لروح الاستعمار المباشر وذلك محاولة للارتقاء بظاهرة التدويل وروح الاستعمار الجديد وتحويل نوعيتها والمتمثلة في فتح الحدود الاقتصادية وتدفق الأموال الخارجية وانسياب الاستثمارات وحرية الشركات العابرة للحدود وانتقال الأموال دون أي رقابة. وصار دور المراقبة والتدخل في تحديد السياسات والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية موكولا إلى المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية وإلى الشركات متعددة الجنسيات المعتمدة على التسلط والقمع من خلال حكومات ودول المصدر وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استفحل الأمر مع إنجاز شبكة الاتصال و المعلومات وتحكم الاقتصاد الغربي عالميا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وامتداد قدرات وسيطرة الشركات العابرة للحدود وللقارات كأداة أساسية ومركزية في نظام العولمة. وتسعى العولمة اليوم أن تكون نظاما شاملا ونسقا مطلقا ليس للدول من مهرب منه سوى الانخراط فيه والخضوع لمنطقه المتعدد الأبعاد على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والقيمي والإعلامي والمعلوماتي...

ومن أهم مظاهر وعلامات المرحلة الحالية سيادة نظام السوق "الحر" وبداية ضرب الحدود الجمركية وإملاء الشروط القيمية الغربية الأمريكية وقيام منظمة التجارة العالمية إلى جانب المؤسسات المالية والبنكية العالمية وبداية إلغاء التقنيات والتدابير الحَمائية التي بإمكانها أن تقف أو أن تعرقل سيادة التبادل الحرّ ونظام السوق العالمي والعمل على إسادة القيم الأمريكية وبث البلبلة والرعب الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة. فسيرورة العولمة الراهنة تُنبئُ بتعقيدات وقدرات غنية ومتعددة تستعيد بناء وهيكلة التحالفات والعلاقات الاجتماعية والدولية : السياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية للأزمنة اللاحقة.

ولعل هذا ما يجعلنا نحذر القول بإمكانية استعمال لغة ومفاهيم وتناول دقيق للعولمة يقوم على تصورات وأحكام وتمثلات حقيقية وقاطعة ولابد من الإقرار أن تصوراتنا وأحكامنا حول ظاهرة العولمة هي مجرد محاولات قائمة على قراءات عقلانية منفتحة على واقع الأمور لما عليه العلاقات السياسية والاقتصادية الراهنة بين الأمم والدول ومحاولات الولايات المتحدة لإسادة منطق الإمبراطورية وإخضاع العالم لسيطرتها السياسية والعسكرية والاقتصادية(1). (انظر تودوروف اللا نظام العالمي الجديد، ترجمة محمد ميلاد دار الحوار ص 19 وما بعد أو كتاب نهاية العولمة : تأليف مشترك ص 51 وما بعد).

I. تعريف العولمة :

رغم أن مفهوم "العولمة" أصبح أحد أهم المفاهيم والمصطلحات الشائعة في عالمنا اليوم وعند كل الباحثين في مجمل النشاطات الإنسانية بحيث أصبحت تشغل الكتب و المؤتمرات الثقافية و النوادي السياسية و وسائل الإعلام و ذلك منذ التّسعينات من القرن المنصرم إلى الآن فإن الخلافات حول الدّلالات و المصطلح ما تزال قائمة بين المنظّرين له و لعل الكتابات المتعددة و المتنوعة حول "العولمة" كانت سببا في إثارة البلبلة و الاختلاف حول دلالة المصطلح و تأثيراته خاصة و أنّ استخدام اللفظ لم يعد يقتصر على الباحثين المختصين بل صار لعبة يلعبها كل من أتيحت له فرصة التنظير و خاصة عبر الوسائل الإعلامية أو المنابر الثقافية المأجورة...

و لذا صار من المطلوب محاولة تحديد ماهيته أولاً حتى نتمكن من فهم آثاره و الحكم عليه وفق رِؤية واضحة و منهج دقيق يستند إلى الموضوعية و العلمية الممكنة دون ادعاء الإطلاقية و الوثوقية المطلقة.

فالتعريف و التحديد لماهية العولمة يقتضي إذا تعريف المصطلح و التمييز بينه و بين المصطلحات الأخرى التي قد تتقاطع معه و تلتبس بدلالاته :

لقد استُعمل في البداية في اللغة الأنقليزية ثمّ انتقل إلى اللغات الأخرى و منها لغتنا العربية و في ترجمتها للعربية لم يقف الأمر عند لفظ "العولمة" بل استعملت كلمات و ألفاظ أخرى كترجمة للمصطلح الإنقليزي المشترك "GLOBALISATION" و من هذه الألفاظ نجد "الكوكبة" و "الكونية" و لكن و بالرغم من تحمس البعض لهذه المصطلحات على اختلافها فإن الغلبة آلت تقريبا لمصطلح العولمة على حساب المصطلحات الأخرى للدلالة على الظاهرة الجديدة للعلاقات السياسية و الثقافية و الاقتصادية و القينية التي يحاول الاستعمار الأوروبي و الأمريكي فرضها بكل ما لديه من قدرات و قوى تأثير و إغراء و تسلط.

فالعولمة في بُعدها اللغوي المباشر هي اسم مصدر على وزن "فوعلة" من لفظ العالم ولذا تصبح العولمة صفة فاعلة تجعل من النشاط الإنساني في نطاق عالمي مفتوح ونظرا للجدّة النسبية تاريخيا و إلى اتساع نطاقها و شمولها لكافة أوجه النشاط الإنساني مما يجعل من الصعب على أي باحث مهمَا كانت قدراته أن يتناول هذه الظاهرة و أن يحيط بكل جوانبها بما أنّها إلى جانب ذلك ظاهرة اجتماعية إنسانية فلابدّ أن تتعدد الاختلافات ووجهات النظر حولها نظرًا لاختلاف المرجعيات و الانتماءات الابستيمولوجية و الإيديولوجية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية و القيميّة الإنسانية خاصة. و لعل هذا ما أدّى إلى اختلاف و تباين التعريفات و دلالاتها عند الباحثين رغم الاتفاق النسبي في تناولها و خاصة في أبعادها و جوانبها: الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية. و في ضوء ما أشرنا إليه سابقًا لا يمكن إلا أن نُسائل أنفسنا هل بالإمكان أن نعطي للعولمة دلالة أو دلالات محددة لها؟ و هل بإمكاننا حصر تجلياتها و آثارها و حدود فاعليتها و تحديد أدواتها وميكانزماتها؟ و هل يمكن تصديق المبرّرات الأكاديمية المدعية للعلمية و الموضوعية الرافضة لفكرة المؤامرة بين القوى المسيطرة و النخبوية الثقافية في إطار التآمر الذي أقره ميشال فوكو بين المعرفة و السلطة على الأقل؟ ألا يجب التفكير و التأمل في التصدي و فضح روح المؤامرة التي قام و يقوم بها الكثير من المثقفين و حتى الفلاسفة النقديين؟ ألا يجب الاتعاظ من مرارة الواقع و مآسيه ووحشية برابرة العصر الذين أصبحوا يقتلون على الهوية حتى الأبرياء من الأطفال و الشيوخ و النساء و يعذبون و يفحشون في الكرامة الإنسانية في ميدان الحرب و في السجون و ذلك باسم تحرير العالم و إقامة الديمقراطية و الحرية و حماية الحقوق؟

و للإجابة الممكنة على مثل هذه التساؤلات يمكننا الإحالة على تحديدات لعدد من الباحثين قد تساعدنا في إيجاد إجابات على تساؤلاتنا قد تكون مقنعة نسبيًّا و من بين هؤلاء يمكن أن نذكر:

1- تعريف سمير أمين:

هي الاختراق المتبادل في الاقتصاديات الرأسمالية و المعلوماتية المتطورة بدرجة أولى ثم توسيع المبادلات بين الشمال و الجنوب على اعتباره يمثل سوقا مهمًّا.(1)

2- تعريف عمرو حمزاوي:

هي تكثيف للتبادل التجاري و الثقافي و المعلوماتي بين أقاليم العالم المختلفة و تصاعد لمعدّلات التأثيرالمتبادل بين السياقات المحلية.(2)

3- تعريف محمّد الأطرش:

العولمة هي اندماج أسواق العالم في حقول التجارة و الاستثمارات المباشرة و انتقال الأموال و القوى العاملة و الثقافات و التّقانة ضمن إطار من رأسمالية الأسواق الحرة.(3)

4- تعريف عزمي بشارة:

طغيان قوانين التبادل العالمي المفروضة من قبل المراكز الصناعية الكبرى على قوانين و حاجات الاقتصاد المحلي.(4)

5- تعريف لصادق جلال العظم بالاشتراك مع حسن حنفي:

إن العولمة هي وصول الرأسمالية التاريخية عند منعطف القرن العشرين تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل و التجارة و السوق و الاستخراج إلى عالمية دائرة الإنتاج و إعادة الإنتاج ذاتها أي حقبة ثالثة متميزة تنضاف إلى مرحلتي الاستعمار التجاري الأولى و مرحلة الإمبريالية الكلاسيكية اللاحقة.(5)

6- تعريف محمود سريع القلم:

العولمة هي المفهوم الذي لعب أهم عنصر في تحديد طبيعة العلاقات الدولية و الاقتصاد السياسي الدولي و العلاقات بين الحكومات. و تحمل العولمة معاني مختلفة للدول و للمناطق المختلفة و المتعددة النظام العالمي الجديد.(6)

7- تعريف الأستاذ برهان غُليون:

من جانب ثقافي اتصالي فإن العولمة يمكن تلخيصها في كلمتين : كثافة انتقال المعلومات و سرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر أننا نعيش في عالم واحد موحد.(7)

و هذه التعريفات تنظر إلى العولمة بمنظار الثقافة العالمة و بشيء من روح النقد القابلة للظاهرة و المغازلة لها رغم ما يبدو من نقد "خاصة" تحديد كل من العظم و بشارة و محمود سريع القلم. فكلهم تقريبا ينظر إليها باعتبارها تطورا طبيعيا حاصلا في الحياة الإنسانية على عكس التعريفات الآتية التي تقف من العولمة موقفا نقديا فعليًا موضّحة أن هناك قوى عالمية تدير هذه الظاهرة و توضح ملامحها وآثارها المتعددة حيث يحدد د. عبد الفتاح الرشدان ظاهرة العولمة كالتالي:

إن العولمة تمثّل رحلة متقدّمة من مراحل تطوير الحضارة الرأسمالية و تسعى إلى تصدير القيم و المؤسسات الثقافية التي ولّـدتْها هذه الحضارة إلى المجتمعات و الثقافات الأخرى و يتمثل ذلك في سياسات الانفتاح التحرُّري و الاقتصاد العالمي من خلال ما تلعبه المؤسسات الاقتصادية و التجارية من دور مهم في تسويق العولمة و حثّ الدول على إزالة القيود التجارية و الموانع الثقافية سعيا لإزالة الحدود المجتمعية الفاصلة و فرض نموذج من نمط الحياة التي تفرزه الحضارة الغربية بهدف الهيمنة و السيطرة على العالم.(8)

يلخص أحد الباحثين بشكل واضح لا لبس فيه و لا مواربة و لا حذلقة فكرية نخبوية مأجورة أو مسبوقة الدفع كالتالي : فعلى كثرة التعريفات و تعددها التي تطلق على العولمة فإنّه لا يبقى أمامنا غير تعريف واحد لا يحتاج إلى جهد كبير فالعولمة هنا تعني ... "الأمركة" بكل وضوح. (9)

و يضيف باحث آخر: العولمة هي فرض تغيرات قسريّة قاسية على المجتمعات المحلية بواسطة قوى جبارة من الأعلى. (10)

و هناك إضافة و محاولات جيدة على لسان " سارج لاتوش " حيث يحدد العولمة كالآتي :

العولمة أو " غلوباليزايشن " كما يقول الأنقلوساكسون : هي مفهوم على " الموضة " التطورات الحديثة تفرضه، إنّه جزء من روح العصر في بضع سنوات و قد يكون في بضعة أشهر كل المشاكل صارت معولمة " غلوبالية " المالية و التبادلات الاقتصادية و التجارية و البيئية التقنية و الاتصالات و الدعاية و الإشهار و الثقافة و السياسة ... ففي الولايات المتحدة يتم الحديث عن عولمة التلوث، و عولمة التلفزيون و عولمة المجال السياسي و الاقتصادي و عولمة المجتمع المدني و عولمة الحكومة و عولمة التقنية و القيم الثقافية .... الخ

و أوّل من أطلق مصطلح العولمة هي شركة سوني اليابانية و التقطته لاحقا الشركات العابرة للأوطان ثمّ الحكومة الأمريكية. (10)

و أخيرا فإنّ لظاهرة العولمة الآن من التعاريف و التحديدات ما لا يحصى و ما يصعب على أي باحث الإحاطة بها و لكن يمكن اختياريا و إجرائيا في إطار نظرة تبدو أكثر واقعية و موضوعية و حيادية معبرة عن حقيقة العولمة في شكلها الليبرالي الأمريكي الجديد كخاتمة لتعريفات النقدية الفلسفية الجدالية و الخاضعة بامتياز للدور القهري و الاستعماري الفارض للعولمة ولو عسكريا:

يقول ألسون جاڤار: في مقال له من كتاب الدرجة الصفر لتاريخ أو نهاية العولمة:

أود المجادلة بأن العولمة الليبرالية الجديدة رغم وعودها البراقة ساعدت على خلق واقع هو النقيض تماما لخطاب مشجعيها. فبدلا من المرور بعصر من السلام العالمي يتعرض العالم الليبرالي الجديد للتخريب بفعل حروب لا حصر لها ... ليس بمحض الصدفة أن العالم نفسه يتميز بوجود فجوة متسارعة بين الأغنياء و الفقراء و بين الأمم لذلك و بدلا من تحقيق الازدهار العالمي تخلف العولمة الليبرالية الجديدة ثراء لا سابق له لصالح قلة نسبية و بؤسا و عوزا للملايين و حتى البلايين من البشر... و يتميز العالم الجديد "عالم العولمة الليبرالية الجديدة" بالانفجار العنيف للكراهيات الإثنية و العرقية و حتى للإبادة الجماعية (11) فالعولمة الليبرالية الجديدة في ثوبها الغربي الأمريكي المعتمد على قوّة الدبابات و الطائرات المقنبلة و القوة العسكرية و على علاقات اجتماعية تقوم على السيطرة و الاستغلال و الضغط على الحكومات لكي تتخلى عن مسؤوليات تنظيم جوانب الحياة الاجتماعية: كالأجور و شروط العمل و حماية البيئة و إدارة الحياة و الحقوق المشتركة بوصفها عوائق أمام حرية العمل و التجارة "دعه يعمل دعه يمر" و أن تتخلى عن مسؤولية تحقيق العدالة و الرفاه الاجتماعي التي كانت من أولويات مسؤولية الدولة سواء في ثوبها الاشتراكي أو الرأسمالي و ذلك على طول القرن العشرين مثل: الرعاية الاجتماعية و الصحية وتقديم مخصصات و إعانات مثل تقديم مخصصات لأجل السكن و التعليم و الرعاية الصحية و العجز و خاصة في ما تدعو إليه الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا التي تسعى إلى ضرورة سيادة النظرة "الداروينية الاجتماعية" التي تعارض كل تدخل من جانب الدولة لمساعدة أو حماية الطبقات الفقيرة و المنظمات العمالية لأن ذلك حسب زعمهم يعارض عمل الاختيار الطبيعي و يساعد على استمرار الأجناس أو الإفراد و الإتنيات الأقل ذكاء و قدرة و صلاحية على البقاء ممّا يعوق تطور المجتمع.

و لعلّ هذا ما يجعلنا نتساءل حول حقيقة ما يروجه البعض من أن العولمة في ثوبها الليبرالي الراهن الذي يعتبرها في صورتها هذه بمثابة استتباعات حتمية للتحديث و التقدم الذي لا مفرّ منها و هذا الإقرار يحبط كل المحاولات النقدية و الجهود الإنسانية لمساءلة عدالة "العولمة" و النظام العالمي الجديد في توجهاته الليبرالية الجديدة أو إمكانية البحث عن بدائل ممكنة لها.

II. تمييز مصطلح العولمة عن المصطلحات التي قد تتقاطع معه و تشتبه به أو تلتبس بدلالاته:

هناك من المصطلحات التي تتقارب مع مصطلح العولمة لفظيا أو معنويا أو اشتقاقيا كمصطلح "العالمية" و مصطلح "الدولية"

1- فالعولمة و العالمية:

مفهوم العالمية يعني الدعوة إلى تبني القضايا و الهموم العالمية المشتركة لبني الإنسان جميعا و العمل على تسخير إمكانيات العالم و قدرات البشرية لصالح الوجود الإنساني و كل أفراد المجموعة الإنسانية على الأرض باعتبارهم شركاء و وكلاء هذا العالم. فالعالمية بالمفهوم الأخلاقي و الديني و العقلاني الإنساني هي عبارة عن دعوة إنسانية أخلاقية تسعى لجلب الخير للناس و للعالم و الوقوف ضد كلّ أشكال العنف الاجتماعي أو الدولي و كل أنواع المخاطر و التهديد و "الشرور" الممكنة في هذا العالم.

و قد كان هذا التوجه في أساسه دعوات دينية و خاصة من قبل الديانة المسيحية و الإسلامية و هي ديانات جاءت لمخاطبة الناس أجمعين و تقول بأنها تعمل من أجل سيادة الخير و التآخي بينهم جميعا. وفي إطار هذا الفهم للعالمية انبرى الكثير من الدعاة المفكرين و المصلحين في الأمم وفي التاريخ الإنساني إلى الدعوة لذلك و تبني قيم المحبة و الخير و الفداء و المؤاخاة و العدالة ووحدة الجنس البشري دون تمييز بين مجتمع و آخر و بين أمة و أخرى لخدمة مصلحة البشر جميعا و الدعوة إلى توحيد الجهود البشرية في العالم لتحقيق المصالح و الوقوف ضد الأخطار التي تهدد المجتمعات البشرية و منها مثلا البحث عن حلول لتجنب التلوث البيئي و لإيجاد مصادر جديدة للغذاء و الطاقة، البحث عن حلول لأمراض العصر و الحضارة و إيجاد وسائل لمحاربة انتشار تجارة و استهلاك المخدرات في العالم و البحث عن كيفية القضاء أو على الأقل مواجهة أسلحة الدمار الشامل. ولكن لابد من الإقرار أنه ليس لمفهوم العالمية و لا لمطالبة أية علاقة بمفهوم العولمة و خاصة في دلالة المعاصرة و في واقع العلاقات الدولية المعاصرة بين المجتمعات و الأمم. فالعولمة و إن كانت تعني جعل العالم كله مجالا لممارسة الأنشطة الخاصة بالحياة و بالعلاقات الإنسانية: كالاقتصاد و السياسة و الثقافة و القيم و لكن دون أن يكون هذا النشاط محكوما بأية شروط و بغض النظر عن الجهة التي تقوم بهذا النشاط فهي لا تعني أكثر من توسيع مجال ممارسة النشاط الذي كان يتم عادة في مجال الأوطان و المجتمعات القومية ليصبح العالم مجاله المفتوح.

ولكن الخوف كل الخوف من عدم احترام القانون و أن القول أن سيادة القوة بدأت اليوم تدرك نهايتها و تترك مكانها لسيادة الحق ليس سوى وهمْ و تضليل للعالمين و أن هذه الرؤية للعالم إما أنها لا تدرك فعلا ما عليه واقع عالمنا اليوم من غطرسة و تسلط و تلاعب بالقوانين و من اغترار و اعتماد للقوة العمياء و غياب المنظمات الأممية أو الدولية الفاعلة فحتى منظمة الأمم المتحدة بما هي عليه الآن في ظل هيمنة الولايات المتحدة أصبحت أبعد من أن تضمن القانون الدولي و أن تحدّ من هيمنة القوى العظمى "أو القوة العظمى" بل أنها أصبحت تكرس تلك الهيمنة و تبررها في معظم الأحيان تحت غطاء احترام القانون الدولي.

2- العولمة و الدوليّة: (التدويل)

إن كان يقصد بالدولية و التدويل جعل قضية ما من القضايا الإنسانية محلّ اهتمام أو تدخل أو نشاط لدول عديدة فإن العولمة و كما أشرنا سابقا تعني إمكانية توسيع نشاط ما على مستوى العالم دون اعتبار لأية حدود أو كيانات أو حواجز. فالعولمة هي نوع من التعامل مع العالم كوطن واحد بغض النظر عن أية حدود جغرافية أو وطنية... أمّا التدويل ففيه إقرار ضمنيّ بوجود كيانات و دول متميزة و متعددة لها الحق في دور أو قرار ما بالنسبة لقضية ما أو نشاط ما من الأنشطة الإنسانية على مستوى العالم و لذلك نجد أن لكل مصطلح معنى و دلالة خاصة محددة و مختلفة عن الآخر.

III. العولمة المعسكرة أو العولمة الأمريكية:

إن العولمة اليوم تتحرّك في إطار السيادة الأمريكية للولايات المتحدة على كل دول العالم بما في ذلك الغرب الأوروبي حيث يُؤكد هذا غاري سميث بقوله : إن للولايات المتحدة الأمريكية الحق في أن تكون "الحاكم الأكبر" بشأن قضايا الأمم كالأمن العالمي لأنها تمثّل القوة الوحيدة المتحضرة التي تمتلك السلطة و الإرادة لتصنع ما يجب صنعه من أجل منع الأمم غير المتحضرة من الاعتداء على الأمن و السلم الدوليين وفق معيار النظام العالمي الجديد هذا الذي لا يعترف بالحقّ و الأمن و السلام و الحريات و الحقوق إلاّ للمواطن العالمي المتحضّر على الصورة الأمريكية أي من خلال نظارات السيد الأمريكي المصنوعة من وهم عجين القوة و الغطرسة و الحق المرتبط بقوة و عقلية الدبابات و الطائرات التي تُقنبل و تدمر حيث شاءت و كيفما شاءت و اعتماد الصواريخ العابرة خدمة لمصالح "الإمبراطورية العالمية الجديدة" و سيطرتها على العالم سياسيا واقتصاديا و المتمثلة في شخص السيد العالمي المنذر بالويل و الدمار لكل من تسول له نفسه الاعتراض على مشيئته أو حتى لمن يشكك فيها و خاصة إذا كان من دول العالم الثالث "دول الشرق العربي و الإسلامي" التي بها كل مصادر الثروة و القوة الطبيعية المادية و البشرية التي يعتمدها السيد الغربي الأمريكي المستعمر معتمدا في ذلك كل أسلحة القوة و الدمار من الدولار إلى وسائل التنظير و المغالطة و الإقناع و التبرير إلى القنابل و الحرق و الدمار.

VI. آمر بين السياسي الخاضع و المثقف المأجور في الدعاية إلى العولمة المؤمركة

و لكن لنفترض و لنسلّم جدلا بما أكده غاري سميث سابقا من أن للولايات المتحدة الحق في أن تكون "الحاكم الأكبر" بشأن الأمن العالمي باعتبارها تمثل القوة المتحضرة الوحيدة و التي تملك السلطة و الإرادة لصنع ما يجب صنعه من أجل منع الأمم الغير المتحضرة من التعدي على السلم و الأمن العالمي مع العلم أن هذا القول ورد على لسانه في جريدة "محترمة" اسمها "لو موند" في أيام احتلال و قصف بغداد من قبل الولايات المتحدة دون إذن أو موافقة من الأمم المتحدة و بالتالي باختراقها للقانون الدولي و "العدالة" العالمية التي بدورها أن تعطي معنى لما يروج له حاليا في الأدبيات الغربية و نعني بذلك "المواطنة العالمية" و أن تحافظ عليها و الأكثر نكاية بالمواطنة العالمية و دلالته على اللا معنى و المغالطة وهو أن اعتراض الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية تحول لاحقا إلى محاولات إيجاد مبررّات للاعتداء و لحقوق الإمبراطورية الأمريكية على العالم و على الأمم المخترقة من قبل الصهيونية العالمية الناطقة باسمها عبر كل الإمكانيات و الوسائل المتاحة و خاصة عبر المثقفين المأجورين و المدّعين للنخبوية و عدم التكافؤ بين الأفراد والمجتمعات و الأمم وفي نفس الوقت يتشدّقون بالحقوق و الحريات و الديمقراطية و تحقيق الرفاه و التقدم و الحرية و العدالة على المستوى العالمي و من هنا يحق لنا أن نتساءل : ما الذي يبرر هذا الحكم القائل بأن للولايات المتحدة الحق باعتبارها القوة المتحضرة الوحيدة؟ و حتى إن سلّمنا بذلك جدلا فهل بإمكانها أن تكون بذلك مالكة "لعصا موسى" لتحويل القوة إلى حق مهمَا كانت عظمتها؟ و ذلك بالرغم من التسليم بأن العدل لا يكون فاعلا إذا استغنى عن القوة رغم أن فكرة العدالة أو العدل مرتبطة في حقيقة الأمر في بعدها العقلاني الفلسفي بمبادئ كونية كالحق الطبيعي و حقوق الإنسان و الحريات و حضور المؤسسات و سيادة القانون مع العلم أن هذه السيادة لا تكون فاعلة إلا إذا استندت لسيادة الدولة و قوتها التي تستوجب بدورها احترام القانون كدولة ديمقراطية لا كدولة ديكتاتورية أو كإمبراطورية في شكلها العالم ثالثي أو الأمريكي للولايات المتحدة باعتبارها أصبحت الآن قوة غاشمة داخليا في مستوى علاقة الحاكم بالشعب و خارجيا في مستوى علاقة الدولة الإمبراطورية المتسلطة بالدول الأخرى كدول تسمح لنفسها أن تفعل كل شيء يملى عليها أمريكيا بشعبها و حتى بالشعوب و الأمم الأخرى المجاورة أو البعيدة نيابة عنها ضمن منطق القوة و الإستقواء المتاح في إطار انعدام توازن القوة السائد في عالمنا اليوم أو ضمن منطق الخضوع و التبعية المأجورة و المتآمرة خالصة الأجر أو المفروضة في إطار انعدام التوازن و التبعية للقوى السائدة عالميا و التآمر الفاضح على حقوق الوطن و المواطنة و المواطن وخاصة بالنسبة لفئات و أفراد الشعب من أجل البقاء على كرسي الحكم هذا الكرسي الذي لا علاقة له بالشعب و لا إلى الوطن و المواطنة ولا حتى للقانون بقدر ما يعتمد على المغالطات و استغلال إمكانيات و قدرات هائلة تسرق من خيرات الأمم و غذاء الشعوب و المواطنين اعتمادا على التبريرات الذكية الشريرة من قبل النخب المثقفة العميلة أو المأجورة القادرة على تزييف الحقائق و إقناع العامة بالاختيارات و الامتيازات و التفاوت الطبقي السياسي و الاقتصادي للطبقات و الفئات الحاكمة و الظالمة و ذلك كثمن لفتات الامتيازات التي تلقى لهم و التي يهبها أو تتيحها لهم الأنظمة الحاكمة و حاميتها الولايات المتحدة الأمريكية لتجعل منهم كلاب حراستها بامتياز.

وهم الوطن العالمي و المواطنة العالمية:

لذا لا أحد يمكن أن يمتلكه الوهم السائد في الدعاية اليومية للمثقفين المأجورين من أن عالمنا اليوم هو عالم تتخلى فيه سيادة القوة عن مكانها شيئا فشيئا لحضور سيادة الحق و العدل مع العلم أن هؤلاء المروجين يدركون فعلا مدى القدرة على التضليل و المراوغة لرؤيتهم هذه كما أنها تدرك فعلا واقع عالمنا اليوم من غطرسة و تسلط واعتزاز أعمى بالقوة و خاصة من قبل "الإمبراطورية العالمية الجديدة".

و لقد استطاع "تودوروف" أن يفضح و أن يبدد هذا الوهم وهم المواطنة العالمية في ظلّ حقوق و حريات عالمية من خلال اعتماده على رؤية "روسو" في اعتبار أن المواطنة العالمية و القضاء على الظلم و الفقر و تحقيق الحريات و المحافظة على تقرير المصير للأمم و الشعوب و للأفراد و تحقيق المواطنة العالمية ليست إلا مجرّد صورة وهمية قانونية لا غير حيث أكد روسو ذلك بقوله : "إننا نعيش من حيث العلاقة بين إنسان و إنسان ... في الحالة المدنية خاضعين للقوانين. أمّا من حيث العلاقة بين شعب و آخر فإن كلاهما يتمتّع بالحرية الطبيعية (1) ". حيث يؤكد تودوروف : "إن روسو قد استطاع أن يبدد هذا الوهم وهمُ النظر أو الأمل في أن تعمّ الحضارة كل بلاد العالم أو إمكانية النظر إلى العالم بأسره باعتباره "مجتمعا عاما" قد تكون مجتمعاته الخاصة بمثابة مواطنين موضحا هذا بقوله : أمّا في الخارج فإن القوة هي التي تضمن العلاقات بين الأمم"(2).

الواقع الدولي و حقيقة الشرعية الدولية :

كيف يمكن الإيمان أو الاعتقاد أن المنظمة الدولية بإمكانها أن تقوم بدور الحكومة العالمية سواءً بالاعتماد على شكل الأمم المتحدة الحالي أو بالاعتماد على ما يزعمه حكام الولايات المتحدة الأمريكية من الحق لها في قيادة العالم و تحضيره بالاستناد إلى القوة علما و أن دستور وقانون الأمم المتحدة ذاته قائم على القوة في جزء منه "للولايات المتحدة حق الفيتو" و كيف يمكن لمنظمة عالمية أو لدولة كبرى باعتبارها تجسيدا لمنطق القوة و للمصالح الخاصة أن تكون قدرة فعلية على لجم العدوان و القوة و تحقيق العدل الدولي بالاعتماد على الحق و سيادة القانون الدولي و حتى نتخلص من وهم و كذب هذا الادعاء علينا الإقرار بأن القانون الدولي الذي انبنت عليه منظمة الأمم المتحدة كراعية للاستقلال و حريات الشعوب و الأمم و الدول و حق تقرير المصير قد انبنت هي ذاتها على أساس قانون يفتقر إلى الحق باعتبار إن حق النقد "الفيتو" كحق لا يقوم على القانون بقدر ما يستند إلى قوة الدول و الاستثناء و اللاّ عدل مع العلم أن الولايات المتحدة لم تقف حتى بحدود هذا القانون و خاصة في زماننا هذا زمن الغلبة و القوة بل رمت به عرض الحائط في كثير من المرات و خاصة في اعتدائها الأخير على العراق حكومة و شعبا و قد افتضح أمرها أكثر فأكثر خاصة بعد اكتشاف خطئ الإدعاءات و التبريرات التي اعتمدتها في احتلالها للعراق و تدميره بمساعدة دول أخرى استعمارية أو تابعة و طامعة في اقتسام العائدات و الأرباح و التمتع بثروات و حقوق و دموع و دماء الشعب العراقي و غيره من الشعوب الأخرى ضحية الغطرسة و العدوان الأمريكي.

وكيف الاقتناع في ضلّ التلاعب بالقانون الدولي و بمنظمة الأمم المتحدة و حماية سلام و حقوق الشعوب في ضلّ دولة تتمتع بحقّ النقض و بالقوة الغاشمة أن تكون عامل حضارة و تحضر و سلام و دفاع عن الحرّيات و الديمقراطية وحق الشعوب و عامل تحقيق و محافظة و سيادة العدل الدولي و هي التي تقف وراء إشعال الحروب هنا و هناك وتبرّرُ إبادة الشعوب و محقها و الاستخفاف بالقانون الدولي و حق الشعوب. فهي الدولة التي تحمي إسرائيل و هي الدولة التي تحث إسرائيل على ترويض الشعوب العربية و الإسلامية بالنيابة و ذلك باستعمال الفيتو ضد كل محاولة لإدانة اعتداءاتها سواء في فلسطين أو مع لبنان و غيره و من أيّ التزام لها بقبول قرارات الأمم المتحدة. و إذا لزم الأمر و أصبحت إسرائيل عاجزة أو غير قادرة على إنجاز مهمّة الترويض و حماية المصالح الغربية الاستعمارية في المنطقة تبعث الولايات المتحدة الأمريكية بجيوشها الجرّارة بالاعتماد على مساندة الدول الاستعمارية و الدول التابعة و الخاضعة و الطامعة لسّيد الأمريكي الصهيوني بالاعتماد على تِعلاّت و أسباب تضعها بذاتها و تروج للإقناع بها باعتماد القوة الرمزية و المادية و الضغط و التسلط و الاستبداد.

ففي ظلّ هذا التلاعب بالقانون و العدل الدوليين و بمنظمة الأمم المتحدة من قبل الصهيونية العالمية و رغبتها في السيطرة على العالم و الأمم و استغلال ثرواتها من قبل أمريكا و إسرائيل، فلن يكون بوسع القانون و العدل الدوليين أن يردعا هاتين الدولتين و أن ينظما العلاقات الدولية و أن يقنعا سكّان المعمورة بأوهام المواطنة العالمية، و لن تكفي الأمم المتحدة و لا أي دولة مهما كانت أن تمنع الاعتداءات و ضمان السلام و تحقيق العدل و المساواة و سيادة القانون. لذا فالقوة كضرورة أخلاقية لتحقيق فضيلة القانون و العدالة بين الأمم و الأفراد و الشعوب تصبح ضرورية و القوة تحتكرها الدول و من العبث جعل القوة و الحق متقابلين متضادّين و لقد أكد هذا باسكال منذ زمن بقوله : "إن الحق الذي لا تسنده القوة عاجزٌ". فإن كان البعض من الدول و المنظمات و الأفراد يعلنون و في إطار عقلاني منطقي أن تحقيق السلام في العالم يمرّ عبر احترام القانون الدولي و الثقة بالمنظمات العالمية كمنظمة الأمم المتحدة، و الشرعية الدولية فإن واقع الأمور يؤكد واقع أن الدول و العلاقات الدولية لا تطبق و لا تستطيع أن تطبق ذلك بل إنّها لا تخضع للقانون بل سيهزئ به أحيانا، فالقانون لا يطبق إلاّ طواعيّة من قبل الدول التي تختار الرضوخ له. فالولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أنها بالقوة التي تمتلكها أقوى قوة في العالم و ليس أمام الدول الأخرى سوى أن تخضع لسياستها و قيمها و مصالحها حتى لو لم يرق لهذه الدول ذلك لأنّ ذلك هو الثمن الذي يجب أن يدفعه الآخرون لكي يتحقق السلم ويقع القضاء على الإرهاب (بالمفهوم الأمريكي = مفهوم حقّ الأقوى بأيّ ثمن). و هذا ما يجعلنا نتساءل هل البشريّة فعلا أمام خيار وحيد بين سِلْم القانون أو سِلم الإمبراطوريّة الجبارة؟



III. إمكانيّة الخروج من الأمركة و وهم المواطنة العالمية

كلاّ يجيب تودوروف فلن تكون البشريّة أمام هذا الخيار الوحيد الذي يراوح بين الطرفين و لن يكون البحث عن الخلاص داخل هذه الوحدات الوهميّة و الاطلاقية كوحدة فعلية و واقعية الآن و الخاضعة للسيطرة الأمريكية و لا باعتماد الوحدة المأمولة لإمكانية قيام دولة "أو حكومة دولية" لحكومة قائمة على القانون ثم مبدأ قوة الحق لا حقّ القوة، فلا بُدّ من إضافة وحدة ثالثة و هي وحدة التّعدد و الاختلاف القائمة على الإقرار بأن التوازن بين القوى المتعددّة في العالم و التخلّي عن بدعة الوطن العالمي و المواطنة العالمية و ترك المجال مفتوح أمام البشريّة دون إقصاء أو إعاقة لتّنوع و الاختلاف اعتمادا على دخول دول أو مجموعات جديدة على خطوط الاختيار و الفاعليّة كالصين أو مجموعة أوروبا الجديدة أو خلق تحالفات جديدة يمكن من خلالها أن تحقق البشرية لاحقا السّلم و السلام النسبي و العادل و أن تقوم ضدّ الدول الاستعمارية و المسيطرة عالميّا الآن. ندرك ضرورة التخلي النسبي إن لم يكن الكلّي عن وهم القوة و الرغبة اللاّ محدودة في التّسلط و النّهب و الجشع الاستعماري في ثوبه القديم أو الجديد و إثارة الحروب و التدخلات العسكريّة و السياسية هنا وهناك اعتمادا على شعارات و مبادئ تعليلية إيهامية لا يصدّقها سوى العملاء أو الأغبياء كتعلّة للقضاء على الإرهاب العالمي و تحقيق الحريات و الديمقراطية في العالم و بناء الوطن العالمي بالنيابة عن نضال الشعوب و إجهاض روح المقاومة التي كثيرا ما تتحول بسحر القوة و الاستعلاء و الاستكبار الصهيوني و الأمريكي إلى مجرّد إرهاب و القضاء على قوى التحرر و النضال الشَّعبي لأنها القوة و الحركات الفعلية المحققة للحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان و الأساس لسيادة القانون و لحقوق المواطنة و فضح الأوهام و القناعات الوهمية التي تروّج لها الصهيونية و الولايات المتحدة الأمريكية و صيانة تلك المطالب من العبث و من المغالطات كفكرة المواطنة العالمية أو الحيادية المطلقة أو العادلة المطلقة أو القيم الإنسانية الغربية كالحرية و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان و كأنها حصر على الغرب و لا علاقة لها بالشرق الغبي و اللاّ متحضر و اللاّ إنساني، ونسيان ما في الحضارة الغربية إن كانت فعلا غربية خاصة من عنصرية و استعمار و تصفيات عِرْقيّة و إحقاد و قهر و استغلال لشعوب العالم و خيراتهم لم يكن لها مثيلا في الحضارة الإنسانية و لقد أكد هذا بعض الفلاسفة و وَهْمِ القولِ بإمكانية وجود مواطنة عالمية حيث أكد روسو "أنه لا إمكانية و لا أمل في أن يتحول العالم بأسره إلى مجتمع عالمي عام". فلا مجال لتحقيق أو لوجود المواطنة العالمية في الواقع و أن ذلك ليس أكثر من خيال و قناعات و أوهام زعماء و عملاء و أتباع لإرادة العولمة المعسكرة في لونها و إخراجها السياسي و الثقافي و المصلحي الخاضعِ لشروط و إرادة الغالب و تبعية المغلوب و لعلّ هنا ما يفقد الإنسان إنسانيته و ما يرمي به في عالم جديد أشدّ زيفاً و اغتراباَ و ألماَ و قتلاَ لروح المواطنة و للوجود و للمحافظة على كبرياء و كرامة الإنسان في بعده الإنساني كإنسان يعي فعلا حقوقه و حرياته و حتى و جوده كإنسان يحترم الآخر كإنسان فضلا عن الحريات و الحقوق و السلام بين الأفراد و الشعوب و الأمم و جعل العالم أكثر عدلا و رفاه و أقل فقرا و ظلما.

VI. هل يمكن المحافظة على الإنسان و كرامته في غياب المثل النبيلة و روح المقاومة؟

لذا فان المثل النبيلة خطابي رهيب لا يمكن تجاهله لأنها تمنع الحماس للمناضلين و تحبط جيوش العدوان و المدّعين على المقاومة و تجلب تعاطف الشرفاء و محبي العدل مّما يساعد على المجابهةو انتصار المقاومة على الظلم و إهانة الإنسانية حتى لو كانت ضعيفة العدّة و العدد بالنسبة لترسانة و قوة جيش البغي و العدوان : (كما حدث في لبنان مع حزب الله و إسرائيل بالرّغم من أنّ بعض السياسيين و المثقّفين "العملاء" لا يعترفون بذلك رغم أنّ إسرائيل ذاتها قد اعترفت و بدأت في مراجعة أوراقها و البحث في أسباب حصول ما حدث وهو ليس بالقليل بالنسبة لها و للولايات المتحدة على كافة المستويات و الأصعدة...).

و انطلاقا مما سبق يمكن القول أن الغرب بقيادة الصهيونية العالمية و تحت السيادة و الاستكبار الأمريكي لن ينجح في ادّعائه لمقاومة "الإرهاب" لأنّ هذه الإدّعاءات لا صلة لها بالأهداف الحقيقيّة أو الخفيّة لا بمقاومة الإرهاب ولا بالدّفاع الشرعي ضدّ العدوّ الحقيقي و لا باعتماد الوسائل المشروعة قانونيّا أو الشرعيّة إنسانيًّا "كالحرب الإستباقيّة " هذه البدعة و الاختراع الأمريكي غير المسبوق و القائم على أساس وهم الاعتداء المفترض مستقبلا و على أسباب و همية إيهامية و على افتراءات لا سند لها منطق القوّة "منطق الغاب" الحيواني الأحمق منطق "الذّئب و الخروف" منطق الغلبة العمياء و لعلّ واقع العالم اليوم بقيادة و سيادة الصهيونية الأمريكية العالمية يمثّل دليلا صارخا على هذا المنطق و خاصة ما يبدو في ما تصنعه إسرائيل مع الفلسطينيين و ما تقوم به الولايات المتحدة كنموذج دولي للاستعمار الجديد و المقنع مع العراق و غيرها من دول العالم التي تحاول الاستقلال الفعلي و التمتّع بخيراتها و ثرواتها و لقد ساهمت مواقف و شعارات المثقفين و تبريراتهم في الاستسلام و قهر الشعوب و الإنسان أكثر مما فعلته حمم و قنابل "B52" و غيرها من سلاح الجوي الأمريكي و الإسرائيلي في أرجاء العالم و خاصة منه العالم و الأمم الضعيفة و العالم الثالث في الشرق و في دول أمريكا اللاتينية سابقا و لعلّ أسوأ الشعارات و الخطابات المبرّرة لذلك و أكثرها مغالطة و زيفا و لا إنسانية باسم الحقوق و الحريات الإنسانية و المشرعة لقتل و تشريد الإنسان و ظلمة و قهر في هذا الجزء من العالم هي شعارات نشر الديمقراطيّة و المحافظة على الحريات و الحقوق و تقريب الشعوب و القضاء على الفقر و تحرير الشعوب من حكامها الدّيكتاتوريين و تحقيق المواطنة العالمية و الترويج لذلك وفقا لسياسة الدولار و القوة العسكرية الأمريكية الغاشمة.

فكيف يمكن لأيّ إنسان أو أي شعب أن يحترم ذاته و يحافظ على كرامته ويسعى إلى الحرية و تقرير المصير بنفسه إذ يقبل أن تُفرضَ عليه الحرية أو العدالة؟ و هل من الممكن لشخص أن يكون حرًّا إذا فرضت عليه الحريّة؟ و أن يشهر بقيمة الإنسان أو كرامته كإنسان أمام من حاول فرض العدالة أو الحرية عليه؟ فلا يعقل ولا يتصور أن يقبل أي إنسان أو أيّ شعب يحترم كرامته و يؤمن بالحرية بأن يفرض عليه أيّ شيء حتى و لو تعلّق الأمر بفرض العدالة و الحرية و العدالة و الكرامة إن سلّمنا وهمًا بإمكانية ذلك لأنّ في ذلك إهانة و إذلال و تناقض منطقي مع الكرامة و الحريات و تقرير المصير ذاتيا و لكن هذا المبدأ الرافض و المقاوم لا يقبل بالشعارات و المبادئ الميكافيلية بل يعمل في إطار الشعار الإنساني الأنتروبولوجي الكانطي على "أنّ الغاية النبيلة لا يمكنها أن تبرّرَ لا يمكنها استعمال الوسيلة الدنيئة مهما كان الهدف شريفًا". فلا إمكانية لتحقيق الديمقراطية أو الحرية أو الحقوق الإنسانية كأهداف أو كـ " قيم غربية حضرية سامية " أن تبرر الاعتداء على أوطان أو شعوب بأكملها و قتل الأطفال و الشيوخ و إراقة دماء الأبرياء و ترويعهم. فلا شيء يبرر استغلال ظروف العولمة لإملاء شروط و سياسات و مصالح معينة لأجل تحقيق وضمان المصالح و السيادة الأمريكية الصهيونية على العالم.

ففي زمن عولمة العسكر و الإملاءات لم يعد للإنسان غير الغربي و غير الإسرائيلي أو الصهيوني العالمي من حق المواطنة داخليا و لا حتى من المواطنة عالميا و تغيب القيم الكونية التي يدّعونها و يغيب الضمير العالمي حيث تبرر العولمة المعسكرة " عولمة القوة " ضمن السلف الأمريكي احتلال البلدان و استعمار الشعوب و تقتيل الأبرياء من الأطفال و النساء و الشيوخ المدنيين و أسامتهم العذاب خارج كل تلك الإدعاءات و القيم كما وقع في سجن " أبو غريب " و في سجن " غوانتانامو " الخارج عن كل قانون و عن كل القيم الإنسانية إلى غير ذلك من المعتقلات السرية و السجون في مجمل الدول التابعة و العميلة للولايات المتحدة الأمريكية و خاصّة في عالمنا العربي مع إطلاق يد إسرائيل أن تفعل ما تشاء بالشعب الفلسطيني و بالأراضي الفلسطينية و حمايتها من تابعات القانون و " الشرعية الدولية " هذا إذا سلمنا بوجودها فعلا حيث لا ضير و لا عيب أن تهدم إسرائيل الأحياء و المنازل و أن تأسر و تختطف المدنيين و حتى الوزراء و أعضاء البرلمان الفلسطيني و الويل كل الويل للمقاومة الفلسطينية أو اللّبنانية في أسر جندي أو اختطافه أو الدفاع عن الحرمات الإنسانية فهذا العمل يعتبر جريمة خسيسة تستوجب عقابا للسكان و للبلاد كما حدث في لبنان مع حزب الله فلم تحاول إسرائيل و لم تستطع أن تقاتل مقاوميه أو أن تجد جندييّها الأسيرين بقدر ما حاولت أن تهدم و أن تمحق البنية التحتية و كل نفس مقاوم و أن تقضي على كل قدرة الشعب اللبناني هذا الشعب الذي أثبت الإباء و الشموخ و القدرة على المقاومة إيمانا بالمبادئ و الحقوق و كرامة الشعوب و الوقوف أمام أعتا بؤر الاستعمار المدعومة بأعتا قوّة استعمارية عالمية جديدة حيث استطاعة أن تلقينها درسا و تبعات ما تزال إلى اليوم تعاني منها بالرغم من تعرض المقاومة و صمودها للخيانة و التآمر و الخذلان من قبل زعماء العرب و ملوكها و ذلك بتعلّة التعقل و العقلانية و اعتبار الظروف العالمية و اعتبار المصالح العربية و عدم القدرة على المجابهة إلى الحد الذي أصبح فيه العقل و العقلانية و الحصافة أداة للتخويف و لتبرير الخذلان و العملة و الخزي و العار الذي وضعوا فيه شعوبهم وضمائرهم و رجولتهم على حدّ عبارة أحدهم رغم كونه ليس أقلّ منهم " عقلا و عقلانية " و تبريرا و تخاذلا و خاصة عندما يتعلق الأمر " بكرسي الحكم ".

إعداد : خ. ح. مـــاي 2007




#حزب_العمل_الوطني_الديمقراطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحدي العولمة: نحو مشروع نقابي
- الفكر الماركسي بين مقولتي : الحداثة و العولمة
- أطروحات ماركسية حول العولمة


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حزب العمل الوطني الديمقراطي - العولمة ولعبة نظام اللاّ نظام العالمي الجديد