|
الأرمن والعنصرية اللبنانية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2017 - 2007 / 8 / 24 - 11:35
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
على أغلب الظن ، أنه كان في تقدير المراهنين على الحلف العوني ، خلال إنتخابات " المتن " الأخيرة ، ما سيعقبها من تلبد الأجواء بين الموارنة والأرمن . هؤلاء الأخيرون ، كما هو معروف ، إختاروا صبّ أصواتهم في خانة الجنرال ، ووفقا لحسابات تخصّ لعبة التحالفات ، المعقدة ، في بلد يمور بالتجاذب السياسي والإحتقان الأمني والتدخل الإقليميّ . الآن ، وقد إنقشعت تلك الغمامة ، العابرة ، بإنطواء صفحة الإنتخابات الجزئية ، سيكون من المفيد ، والضروري ، تسليط الضوء على إشكالياتها وعِبَرها ؛ وتحديداً ، ما يخصّ العلاقات المارونية ـ الأرمنية . إذ شاء بعض المتصيدين في الماء الآسن ، في داخل وخارج لبنان ، التعويلَ على ذلك الإشكال الطاريء ، الموصوف ، بهدف إدامة جوّ التوتر في منطقة " المتن " ، بل والإقليم المسيحي برمته . فكان أن خرج علينا هؤلاء ، عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ، بخرافة " العنصرية اللبنانية " ضد الأرمن ، وأنّ من تجلياتها ما ورد على لسان هذا الزعيم الكتائبي أو ذاك القواتي من إنتقادات شديدة اللهجة لممثلي تلك الطائفة ، وخصوصاً حزب " الطاشناق " المتحالف مع المحور العوني .
تاريخياً ، الهجرة الأرمنية إلى لبنان لم تبتدأ ، كما يزعم ، إثر " فرمان " الجينوسايد العثماني لعام 1915 ؛ بل هي أقدم من ذلك بكثير . فالكنيسة الأرمنية ، العريقة ، كان لها تأثير مهم في السلطنة خلال تاريخها في سورية الطبيعية ، والتي كان جبل لبنان ، الجميل ، أحد أغنى ولاياتها . وحينما إعتمد الباب العالي تقسيم الولاية تلك ، إثر حوادث 1868 بين الدروز والنصارى ، وجعلها سنجقين يتبعان مباشرة سلطته ، كان مما له مغزاه أن يعهد لأرمنيّ إدارة السنجق المسيحي . بيد أنّ الوجود الأرمنيّ في موطن الأرز ، شهد توسعاً كبيراً ، إعتباراً من العقد الثاني للقرن العشرين ، بعيد نزوح عشرات الألوف من أبناء ذلك الشعب المنكوب آنذاك بفرمان الإبادة ، الموسوم آنفاً . في سورية ، كما في لبنان ، هبّ السكان لإستقبال أولئك النازحين ، الفارين بأرواحهم من الهمجية التركية ، فتمّ تأمين المسكن والكساء والقوت لهم . ويسجل التاريخ للشيخ بيير الجميّل ـ الزعيم المارونيّ ومؤسس حزب الكتائب ـ مبادرته لمنح الأرمن النازحين الجنسية اللبنانية ؛ وهي المبادرة ، التي يحاول البعض تجاهلها الآن على خلفية معركة المقعد الماروني في " المتن " .
من المعروف ، أنّ النظام اللبناني دستورياً مبنيّ على ما يسمى بـ " صيغة 1943 " ، التوافقية ، والتي أنجزت في أواخر العهد الإنتدابي الفرنسي ، لتكون ضمانة لحقوق المسيحيين بشكل خاص . هذا النظام ، المتعيّن وفقه إحقاق العدل والمساواة بين الطوائف اللبنانية ، ما كان مثالياً بطبيعة الحال . وإذ وجد الكثير من أبناء الجماعات الأثنية ، النصرانية ، من طريدي الأنظمة الغاشمة ـ كالأرمن والآشوريين والسريان ـ ملتجاً لهم في موطن الأرز وحصلوا من ثمّ على حقّ حمل جنسيته ؛ فبالمقابل ، حُرم من هذا الحق ، المشروع ، أولئك المهاجرون المنتمون لطوائف إسلامية ـ كالأكراد بشكل خاص . كذلك الأمر بالنسبة للفلسطينيين ، المقيمين في مخيمات البؤس ، والذين تمّ إستثناءهم دوماً من قانون التجنيس بحجة الحفاظ على ما يسمى بـ " حق العودة " ، مما فاقم من مرارتهم ودفع العديد من منظماتهم بالأخير إلى الإرتهان لهذا النظام العربيّ أو ذاك في سعيه لتقويض التجربة اللبنانية ، الديمقراطية ، وصولاً إلى إحتلال البلد عسكرياً . إذا كان أكراد لبنان ، وبعد عقود طويلة ، مريرة ، من الحرمان والغبن والتجاهل ، قد تمكنوا من نيل حق المواطنة الكاملة ؛ إلا أنّ الإصرار على حجب هذا الحق عن الفلسطينيين ، والعودة إلى الأسطوانة السقيمة المعنونة بـ " التوطين " ، إنما سيعمّق حالة اللا عدالة ، الموسومة ، في النظام اللبناني . فضلاً عن إدامة الحالة النفسية ، المحبطة ، لدى سكان المخيمات والتي هي بمثابة برميل بارود قابل للإشتعال في كل مرة ؛ كما في أحداث " نهر البارد " ، المندلعة اليوم .
" إغتيال الديمقراطية بالعنصرية ! " . بهذا العنوان العريض ، خرج علينا صاحبُ إحدى أهم الصحف اللبنانية ، اليسارية ، في إفتتاحيته المخصصة لتقييم نتائج الإنتخابات الجزئية على مقعد " المتن " . هذه الصحيفة ، لا تخفي تعاطفها مع المعارضة اللبنانية ، المرتهنة قلباً وقالباً للأجندة السورية ـ الإيرانية . وها هي الإفتتاحية ، ملخصة هنا في الجملة التالية ، الواردة في متنها : " ففي خطب وتصريحات وكلمات متلفزة عبّر بعض قادة الخاسرين عن عنصرية بغيضة لم تصب الأرمن وحدهم ، بل هي أصابت اللبنانيين جميعاً ، بما في ذلك " الموارنة الطبيعيون " ، الذين يرون أنفسهم كما سائر إخوانهم من اللبنانيين أبناء شعب واحد ، وإن إختلفت الإنتماءات الدينية والمذهبية ، وحتى " القومية " كما بالنسبة لأصول الأرمن خاصة وبعض الأقليات التي إكتسبت الجنسية اللبنانية في ظروف مختلفة قد تتصل بظروفهم حيث كانوا " . ربما أنّ هذه الخلاصة ، المعنية ، لتلخص مجمل ردّة الفعل لدى فريق المعارضة اللبنانية ، فيما يمكن وسمه بـ " الحالة الأرمنية " الناتجة عن تلك الإنتخابات . وإذ أثرنا ، منذ مستهل المقال ، مسألة تعويل البعض على تلك الحالة ، الموسومة ، فلنقل أنّ هؤلاء قد تمادوا في إثارة الضغائن في الإقليم المتنيّ ، حدّ الزعم بأنّ الأرمن قد أخرجوا من لبنانيتهم ومن مسيحيتهم ، بل وطولبوا العودة إلى بلادهم الأصلية " أرمينية " ! ليس في وارد مقالتنا هذه ، مناقشة أفكار تلك الإفتتاحية . إلا أنه لا يمكن تجاهل ما فيها من تناقض وقلب للحقائق رأساً على عقب . فكيف يمكن زعم الدفاع عن الأرمن اللبنانيين ، فيما أنّ بديهية تمايزهم ، القوميّ ، توضع ضمن هلالين من الريبة والمظنة ؟ ـ كما يمكن ملاحظته فيما سلف من الفقرة المستلة من تلك الإفتتاحية . وربيبو النظام البعثيّ ، أنفسهم ، يغضون الطرف أيضاً عن حقيقة أنّ أرمن سورية ، مثلهم في ذلك مثل بقية مكونات الوطن ، مدرجون ضمن الصفة " العربية " ومحرومون بالتالي من معظم حقوقهم الثقافية والسياسية . هذا ، دونما تكرار الحقيقة الاخرى ، الصارخة في فضيحتها ، عن مئات ألوف المواطنين الكرد السوريين ، المحرومين من حق المواطنة . وهو الحق نفسه ، الذي لا يجد الرئيس القائد حرجاً في المساومة عليه ، الرخصة ، في سوق المزايدات العروبية تمويهاً من جهة لصفة نظامه الطائفيّ ، البغيض ، وكسباً من جهة اخرى لعواطف الجارة تركية ( عدوة الأرمن ! ) ، التي مُنحت مجاناً الحق السوريّ ، التاريخيّ ، في لواء إسكندرون ، وتشجع الآن على إلحاق كركوك بخريطتها العشولئية ، العنصرية .
يقيناً أنّ الديمقراطية بخير ، ما دام حاضنتها ، موطن الأرز ، بعيداً عن وصاية النظام السوري ـ الإيراني ، الديكتاتوري . أما العنصرية ، فهي صفة هذا النظام ، الأبرز ، بعد صفته الطائفية ، الوخيمة ! هذه الحقيقة ، الساطعة في دلالاتها ، يتناساها أولئك اللبنانيون ، المطبلون في جوقة المقاومة والممانعة والجهاد المقدس . علاوة على حقائق اخرى ، ليس أقلها أنّ خطابهم العروبيّ ، الشوفينيّ ، الذي أكل عليه الدهر وتقيأ ، هوَ من يضرب مقتلاً في الديمقراطية اللبنانية ، وليس هذا التصريح الإنتخابيّ ، العابر ، أو ذاك . وعطفاً على تلك الجملة ، المقتطعة من إفتتاحية الصحيفة الثورية ، ليرى المرءُ أنّ مصطلح " الموارنة الطبيعيون " ، يعاد الآن بعثه من رقدته ، بعدما تمّ دفنه مع آثار الحرب الأهلية . هذا المصطلح ، بحسب منطق الطرف العروبيّ ( أو اللا منطق ، في واقع الحال ! ) ، ما كان له إلا أن يقف بمواجهة مصطلحهم الآخر " الموارنة الإنعزاليون " . لقد نظر دوماً لأدوات التدخل الإقليميّ في شؤون لبنان ، من الموارنة خصوصاً ، على أنهم الورثة المخلصون لرسالة أهل النهضة ، التي آهلت في نهاية القرن التاسع عشر ، وكان النصارى من أهم حملتها . فيما أنّ الواقع ، كان على العكس من ذلك تماماً : فأهل النهضة أولئك ، كانوا قد نشطوا في تأسيس الصحف والنوادي والأحزاب المناوئة للإستبداد العثماني ، وبمعونة فعالة من القنصليات الغربية ؛ وخصوصاً ، الفرنسية والبريطانية والأمريكية ! وهذا ما يواصله ، اليوم بالذات ، أحفاد أهل النهضة اللبنانية ، الموصوفون بـ " الموارنة الإنعزاليين " ؛ حينما تضطرهم التدخلات الخارجية ، الفظة ، للمحور الإيراني ـ السوري ، إلى الإستنجاد بالمجتمع الدولي لمواجهته وللحفاظ على إستقلال البلد ونظامه الدستوري الحرّ .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الختم السابع : بيرغمان وشعريّة السينما
-
قاض سوري للمحكمة الدولية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة / 3
-
زنّار الجنرال
-
موت إنغمار بيرغمان ، آخر رواد السينما العالمية
-
أمير الشعر
-
لحية أتاتورك
-
السادي والسويدي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 5
-
ويحدثونك عن العدالة السويدية
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 4
-
محاكمة الكاتب
-
التنكيل بالكاتب
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة / 2
-
سندريلا السينما : فنها وعشقها الضائع
-
كركوك ، قلبُ تركستان
-
سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
-
في مديح الخالة السويدية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة
-
أدبُ البيوت
المزيد.....
-
فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ
...
-
تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق
...
-
السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا
...
-
الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو
...
-
بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو
...
-
شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك
...
-
دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
-
مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر
...
-
قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
-
مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|