أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خدر خلات بحزاني - الديانة الإيزيدية.. بمنظور آخر...!















المزيد.....


الديانة الإيزيدية.. بمنظور آخر...!


خدر خلات بحزاني

الحوار المتمدن-العدد: 2011 - 2007 / 8 / 18 - 04:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الديانة الإيزيدية هي إحدى الديانات التي يدين بها حاليا ما لا يقل عن ألـ (600) ألف نسمة في العراق، وهناك عشرات الآلاف في سوريا وبضعة آلاف في تركيا، و اقل من ذلك في كل من إيران ولبنان، وحسبما يقال فان عددهم في أرمينيا وروسيا يتجاوز ألـ (300)) ألف نسمة، كما تشير أرقام إحصائيات دائرة الهجرة في ألمانيا لعام (2000) إن عددهم في ألمانيا يتجاوز ألـ (75000) ألف نسمة بقليل، مثلما هناك عشرات العوائل التي تقطن في كندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا و السويد وبريطانيا بالإضافة إلى دول أوربية أخرى..
هذا وقد تعرضت الديانة الإيزيدية إلى ما لم تتعرض له ديانة أخرى على وجه المعمورة، سواء من حملات الإبادة عبر قرون خلت، أو من خلال توجيه التهم و التشكيك في صلب المعتقدات الدينية والانتماء القومي..
والإيزيديون يدّعون إنهم تعرضوا إلى (72) فرمانا ـ أي حملة إبادة ـ لحد الآن ((56 حملة معروفة والباقي يمكن أن تكون من نصيب الآشوريين))، وأشدها وأقساها كانت إبان الحكم العثماني للعراق، وربما يمكننا أن نعزو ترسّخ الحملات العثمانية في الذاكرة الإيزيدية لقربها زمنيا، قياسا إلى الحملات الأخرى التي غلفّها غبار النسيان ودوران الزمن، وجدير بالذكر انه مازال لدى الإيزيدية في القصص الشعبية و ألاغاني الفلكلورية المتداولة لغاية يومنا هذا ما يسلط الضوء على جانب من تلك المآسي التي أوشكت أن تمحق الإيزيدية والى الأبد..
وكان التشكيك بالعقيدة الإيزيدية واتهامهم اتهامات شتى لا يقل ضراوة عن الحملات العسكرية العثمانية، ولعل اشدّ الاتهامات التي ما زال الإيزيدية يعانون منها هي تهمة عبادة الـشيطان، و تهمة الانتماء إلى يزيد بن معاوية (680 ـ 683) م، ومشاركتهم في مقتل الإمام الحسين بن علي (عليهم السلام)، وإنهم ـ الإيزيدية ـ فرقة منشقة عن الإسلام أو إنهم بقايا اليهودية, بينما اتهمهم البعض أنهم مسيحيون انحرفوا عن تعاليم الكنيسة...! وغير ذلك من الاتهامات(سنناقش بعضها فيما بعد..)
مما يجدر ذكره إن أول من الصق تهمة عبادة الشيطان بالإيزيدية هو الأب أنستانس الكرملي في منتصف أربعينيات القرن الماضي، أعقبه المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني, وبدأت اتهاماتهم تلقى رواجاً منقطع النظير منذ منتصف القرن الماضي حتى الآن.. وكما قال د. رشيد الخيون " إن شهرة الأب أنستانس الكرملي و عبد الرزاق الحسني تستر الكثير من عيوب أحكامهم الخاطئة.."!!
أما التشكيك في الانتماء القومي للإيزيدية, فكان لا يقل خطورة عمّا سبقه من محاولات تشويه متعمّدة لهذه الديانة وبمختلف السبل والاتجاهات.. . و كان يقف خلف هذا التشكيك دواع سياسية ومصالح اقتضتها سياسات التعريب التي انتهجها النظام السابق منذ منتصف السبعينيات لحين زواله, من اجل تغيير الهوية الكوردية الإيزيدية لغايات لا يمكن إخفائها، وإضفاء ملامح عربية عليها بأسلوب ممنهج ومدروس و بشكل دقيق وخطير, وإذا كان معظم الإيزيدية – حالياً – لا يقرّون بالهوية "العربية" المنسوبة لهم قسراً منذ منتصف السبعينات، فأن من ابرز آثار تلك الحملات هو ادعاء بعض الإيزيدية إن الإيزيدية هي قومية مستقلة بحد ذاتها (!), وهذا اقل مما طمح إليه أولئك الذين أرادوا دمج أو صهر الإيزيدية في بوتقة الهوية العربية – متناسين إن النصوص الدينية الإيزيدية, والأحاديث اليومية والأزياء الشعبية والعادات والتقاليد هي كوردية مائة في المائة, ومع اعتزازنا الشديد بكافة أبناء القوميات التي تسكن إلى الجوار من الإيزيدية – كالعرب و الآشوريون والتركمان – إلا إن الحقائق الماثلة للعيان والتي لا تقبل القسمة على اثنين هي إن الإيزيدية كورد, بل واصل الأكراد جميعاً – وهذا طبعاً باعتراف خيرة المؤرخين والكتّاب وحتى الساسة الكورد..
إذا قلنا إن الديانة الإيزيدية ديانة قديمة وموغلة في القدم – قد يتهمنا البعض بالمبالغة, وعليه فأننا سنعرض بعض ما بحوزتنا, وباختصار شديد، بعض ما يدعم قولنا حول عمق الجذور التي تمتدّ إليها الديانة الإيزيدية والتي تصل إلى الأصول السومرية والبابلية والآشورية, والأخيرتين هما الوريثتين الشرعيتين للحضارة السومرية..
1 ـ المطلع على تاريخ العراق القديم قد يجد إن أشهر معابد بابل هما معبدي (إيزاجيلا و إيزيدا) (لاحظ كلمة " إيزا ") وقد كان من النادر أن تخلو مدينة بابلية من هذين المعبدين, وإذا كان إيزاجيلا قد كان مكرسا لعبادة مردوخ عظيم آلهة بابل، فان معبد إيزيدا أصلاّ كان قد تم بناؤه لتكريس عبادة (نابو) وعلى شرفه أيضا، علما إن عبادة نابو قد ظهرت مع نهاية الألف الثالث ق.م وبدأت تنتشر و تتعاظم إلى حين سقوط الدولتين الآشورية و البابلية (612 و539 ق.م ) على التوالي..
2 ـ اكتشف خبير اللغات القديمة (لافاري نابو) الأستاذ في جامعة كوتنكن الألمانية إن كلمة (إيزيدي) في اللغة السومرية تتكون من ثلاث مقاطع هي (أي ـ زي ـ دي) وترجمتها هي السائرين على الطريق الصحيح، الغير ملوثين، الأنقياء...
3ـ كان يوم الأربعاء هو العطلة الأسبوعية لدى البابليين والآشوريين وكان يوم الإله نابو، وعند الإيزيدية فان يوم الأربعاء حاليا هو يوم العطلة الأسبوعية، ويحمل قدسية خاصة، لأنه يوم طاووس ملك..
4 ـ كانت أعياد رأس السنة البابلية و الآشورية (الاكيتو)، والـ (زاغ موك)(1) السومرية ـ والكلمتين تعني سنة جديدة ـ تبدأ مع بداية فصل الربيع، وكانت الاحتفالات الضخمة تبدأ مع مطلع شهر نيسان(2) حسب التقويم البابلي، وكان الملك يشارك رعاياه في هذه الاحتفالات، وكان يتم في هذه المناسبة إعمار المعابد المقدسة على أنغام الناي و الطبول(3) مع التطواف حول تلك المعابد, وكذلك كان الزواج محرما طوال فترة الاحتفالات في شهر نيسان، لان البابليين كانوا يعتقدون إن الآلهة تتزاوج في هذا الشهر..
وبالنسبة للإيزيديين فان عيد ألـ (سةرىَ سالىَ) أي رأس السنة باللغة الكوردية، يقع في أول يوم أربعاء من شهر نيسان الشرقي (الذي يتخلّف عن نيسان الغربي بـ 13 يوما)، وتكون الاحتفالات و (الطوّافات ـ جمع طوّافة)(4) في هذه الأيام، وقد يكون اسم الطوافة مشتق من كلمة التطواف، لان جميع الطوافات الإيزيدية تقام بالقرب من المزارات و المراقد المقدسة في القرى و المناطق الإيزيدية (وقد تكون نوعا من الاحتفال بزواج الآلهة حسب المفهوم البابلي!!) كما إن الإيزيدية يستحرمون الزواج لحد الآن خلال شهر نيسان، و يتم تعمير بعض المزارات التي تستحق التعمير على أنغام الدف و الشبّاب خلال نفس الفترة..
5 ـ كان البابليون يصنعون في مطلع كل ربيع ما كان يسمونه بـ (الكعك المقدس) والذي كان يتكون من مسحوق الشعير ومستخلص التمر وبذور السمسم مع إضافة ماء الورد، و الإيزيدية اليوم وتيمناً بالنبي (خدر الياس) يصنعون ما يسمونه بالسويق أو (البيخون) المكوّن من الدقيق والدبس وتضاف إليه بذور السمسم المقلية لإضفاء شيء من النكهة، و مما يذكر فان عيد خدر الياس حسب التقويم الإيزيدي يقع في منتصف شباط الحالي تقريبا..
6ـ كان النهر يعتبر إلهاَ في المفهوم البابلي, وعليه كان التبوّل في النهر محرما و يعدّ من الخطايا, و الإيزيدية مازالت تستحرم التبوّل في أي ماء أو نبع جاري..
7 ـ مهنة(القوّال) في الديانة الإيزيدية تتشابه مع مهنة وتسمية ألـ (كالو) البابلية والتي تعني منشد المراثي..
8 ـ كان في العصور البابلية المتأخرة يقام احتفالين لرأس السنة، الأول في الربيع، والثاني في مطلع فصل الخريف، ومن المعروف إن جانباَ كبيراَ من الفلسفة البابلية و نظرتهم إلى الحياة كانت قائمة على أساس موت و ميلاد الطبيعة, وكان للشمس (الإله شمش) مكانة هامّة في المعتقد البابلي, المهم، إن التوافق لا يقتصر فقط على ما بين عيد ألـ (سةرىَ سالىَ) الإيزيدي والـ (اكيتو) البابلي، بل إن (عيد الجماعية) الذي يقع في مطلع شهر تشرين الأول من كل عام يتوافق مع أعياد الخريف البابلية، التي هي بالأساس تكملة لقصة الخليقة التي تتلى في عيد (الاكيتو) وكيفيّة خضوع الكون للمشيئة الإلهية, وسيطرة الإله (شمش) على مقدرات الطبيعة و تسيير شؤونها...
وهناك نحت في المتحف البريطاني (نسخة منه موجودة في المتحف العراقي) يظهر فيه الإله شمش، وبسبب قوته الهائلة يركع تحت أقدامه نحت لثور ضخم في حالة استسلام، كما إننا نجد عقربا ينهش أعضاء الثور التناسلية, ومن دماء الثور النازفة هناك حشائش أو غلال نابتة ويانعة.. والمغزى من هذه اللوحة هو إن برج الثور كان يقابل الشمس في فصل الخريف، قبل أربعة الآف عام، و الثور هو رمز الإخصاب أو الخصوبة، وسيطرة الإله شمش عليه هي سيطرته على الخصوبة وعلى كل ما ينتج عنها في أي جانب كان ـ أي على مقدرات الطبيعة و البشرـ وبموت الثور فان فصول الجفاف والجدب قد ولّت وان مواسم الأمطار والخيرات آتية بلا ريب.. وفي الجانب الإيزيدي , و من ضمن مراسيم عيد الجماعية التي تستمر لمدة سبعة أيام ، وفي اليوم الخامس يتم اقتياد ثوراَ إلى مزار الشيخ شمس في معبد لالش ، حيث يتم ذبحه هناك في احتفالات بهيجة و صاخبة... وهناك جوانب أخرى من التشابه مابين الديانة البابلية والآشورية ذوات الأصول السومرية، وكما قال الكاتب جورج حبيب " إن الدين هو نفس الدين مع حصول بعض التغييرات، وإذا جاز لقوم أن يدّعوا إنهم من أصل آشوري فالإيزيدية أحق الناس بذلك!" ومع اعتزازنا بجهد الأستاذ الراحل، إلاّ إننا نرى إن كلامه كان سيكون أكثر دقة لو لم يقتصر رأيه على "الآشوريين" فحسب, ونحن نعلم جيدا إن الدين الآشوري و البابلي والسومري يكاد أن يكون ديناَ واحداَ, مع بعض الاختلافات التي حتّمتها المصالح والمطامع السياسية, كما لا يفوتنا محاولة الأستاذ جورج حبيب في شدّ الديانة الإيزيدية بحبال آشورية الحبك...!
* * * * * *
أما بخصوص اتهام الإيزيدية بعبادة الشيطان ، وكذلك الانتماء أو الانتساب إلى يزيد بن معاوية، فليس من المعقول لأي إنسان سوي أن يصدق هاتين التهمتين معا!! فإذا فرضنا إن التهمة الأولى صحيحة, فهل ذلك يعني إن عبادة الشيطان كانت ظاهرة مستشرية في البيت الأموي؟؟!
و بطبيعة الحال ليس هناك أي مؤرخ عربي أو غير عربي ـ ومهما بلغت عنده الكراهية ليزيد بن معاوية ـ أن أشار إلى إن يزيد بن معاوية قد ابتدع ديانة جديدة خلال فترة حكمه التي لم تتجاوز الثلاث سنوات وبضعة أشهر، أو المح إلى عبادة جديدة استشرت إبان فترة حكمه !!
أما بالنسبة إلى التهمة الأولى, أي عبادة الشيطان لدى الإيزيدية، فأنني أود أن اعرض رأيي الشخصي في هذا الموضوع…وبداية اسأل: من أين أتت تهمة عبادة الشيطان ؟ ومن هم أول الأقوام الذين طالتهم هذه التهمة؟ وهل تقتصر على الإيزيدية فقط؟ وهل هناك جذور تاريخية لهذه التهمة؟!
إن المطلع على الكتب التي تسلط الأضواء على الحضارات الغابرة، سوف يجد إن بعض الكهنة في مصر القديمة كانوا أول من طالتهم هذه التهمة، وطبعا الشيطان المعروف لدينا يختلف في بعض الجوانب عن شيطان قدامى المصريين، وتوجد أسطورة مصرية قديمة تقول إن الإله ((سيت أو سيث ـ Set , Seth)) كان إلهاَ ثانوياَ في الديانة المصرية القديمة، ولم يكن له شعبية تذكر قياسا لما كان لأخيه (ايزيريس) و أيضاً لاحظ كلمة"ايزي"، وذات يوم اعدّ (سيت) وليمة ودعا إليها أخاه المحبوب, وبعد الانتهاء من الوليمة احضر (سيت) تابوتاَ محكم الصنع ومتيناَ، كان قد أعدّه مسبقاَ، وطلب من أخيه الدخول إليه وتفحصه من الداخل، ولما دخل (ايزيريس) فيه، سارع (سيت) وأغلقه والى الأبد..! وبموت (ايزيريس) أصبح من حق (سيت) أن يحلّ مكانه، وعليه فانه يتوجب على الكهنة والشعب تقديم القرابين والنذور لـ (سيت) عوضاّ عن الأخ الراحل..! وآمن بعض الكهنة ومعهم قلّة من البسطاء من الناس بهذه الحكاية ـ الأسطورة، وقاموا فعلا بتقديم قرابينهم ونذورهم إلى (سيت), بينما اتهمهم قسم آخر من الكهنة الذين كانت تقف خلفهم جموع كثيرة من المصريين الشغوفين بمحبة(ايزيريس، اله النور والزراعة والمياه التي تفيض كل عام بالخيرات) بأنهم عبدة (سيت) الشرير, الذي وبسبب مطامعه الخبيثة أقدم على قتل أخيه المحبوب، وكان المصريون يرمزون لـ (سيت) بالحمار، وباللون الأحمر أيضا، ذلك اللون البغيض لدى عامة المصريين تقريبا..
وإذا كانت كلمة (سيت) أو (سيث) تقترب من كلمة (Satan, ساتان, شيطان...) لفظيا، فان بعض صفات (سيت) تتطابق مع الشيطان الحالي بصورة أو بأخرى..!
وإذ لا يمكن نكران وتجاهل تأثير الديانة المصرية على الديانة اليهودية، وتأثير الأخيرة على الأديان اللاحقة، فإننا يمكننا أن نفهم ونستوعب بداية قصة نشوء وتطور هذه الظاهرة ـ التهمة..!
وجدير بالذكر إن هذه التهمة كانت ومازالت تطلق على القوم ـ أو الأقوام ـ الذين يؤمنون باله يختلف عن اله الأكثرية, وأصبحت هذه التهمة تلقى الرواج بين عامة الناس التي تتلقاها بقلوب مطمئنة ونفوس راضية يطيب لها أن تعلم إن إلههم هو اله الخير, واليه تعود كل الصفات الصالحة، بينما اله الآخرين ليس إلاّ إلهاَ شريراَ وبغيضاَ والمؤمنون به يغطّون في سبات وغفلة تستوجب إيقاظهم وإصلاحهم بمعسول الكلام أو حتى بحدّ السيف إن تطلّب الأمر..!! كما يجب أن لا يغيب عن بالنا دور هذا الاتهام في الحطّ من معتقدات ألآخرين, وفي نفس الوقت يساهم في تأليب الرأي العام ضدهم كلما تطلب الأمر ذلك..
وإنني أتساءل وبدون أية نوايا غير سليمة: هل الشيطان ألتوراتي يتطابق مع إبليس الإنجيل ومع الشيطان الوارد في القرآن الكريم؟؟! وأليس بإمكاننا ملاحظة " التطور" في بناء شخصية الشيطان ؟؟ وأيضا لماذا يوضع للشيطان في اللوحات والرسوم الكاريكاتورية " قرنان " على رأسه؟!
الذي اعتقده هو إن وضع القرنان دلالة على قدم هذه الشخصية، لأن أصحاب الديانات والحضارات القديمة كانوا يرسمون آلهتهم ويضعون قروناّ لها للدلالة على آلوهيتها، وهذا يعني بأن الشيطان كان إلها ذات يوم ما، وبسبب فعل ما اقترفه استحق النزول إلى دركات الجحيم لتلاحقه لعنات البشر, وبعبارة موجزة فان الشيطان ليس وليد الكتب السماوية فحسب, وانه قد يكون أقدم من ذلك بكثير...! و أرجو أن لا يفهم من كلامي أي دفاع عن شخصية الشيطان ، بقدر ما أردت أن أتعـقّب الجذور الأولية لنشوء هذه الشخصية الخطيرة..!
كما إن هذه التهمة تجعل بسطاء القوم على أهبة الاستعداد لغزو أو إبادة الموصومين بهذه (التهمة الشنعاء) و تبيح لهم النهب والقتل وسرقة ممتلكاتهم بدون أن يرفّ لهم طرف, أو يشعروا بأنهم قد ارتكبوا معصية ما، وهذا ما حدث للإيزيدية عبر عقود خلت..!!
* * * * * *
أعود إلى الموضوع الرئيسي، وارغب أن أدلو بدلوي فيما يخصّ تسمية (إيزيدي ويزيدي), واللافت للنظر هو إصرار الإيزيدية على تسمية (إيزيدي) بحرف الألف في مطلع الكلمة, يقابله إصرار لا يقلّ ضراوة من قبل بعض الكتّاب العرب ـ تحديداَ ـ على استعمال كلمة (يزيدي و يزيدية)!
قد يستغرب القارئ الكريم إذا قلت إن الكلمات( إيزيد, إيزيدي, يزيد و يزيدي) لا ترد إطلاقا في النصوص الدينية الإيزيدية المتداولة لغاية يومنا هذا !! بل إن التسمية تأتي على شكل (ئيزي) !!
و ربّ سائل يسأل: إذن من أين أتت كلمة (إيزيدي), لتعقبها كلمة (يزيدي) بهذه الصيغة المحببة لبعض الكتّاب العرب ؟!
مما لاشك فيه إن الفهم الصحيح للعديد من المصطلحات و الأسماء المختلفة وحسب اللغة الأصلية والصحيحة لا يمكن تجنبه و لا ينصح بإهماله مطلقا, و تجنبا للإطالة أقول إن الإيزيدية دائما يقولون "إننا أكراد ونصوصنا الدينية هي باللغة الكردية...والخ" ومن هذا المنطلق ينبغي أن نحلل ما هو شائك وصعب الفهم من كلمات ومصطلحات باللغة التي يدّعيها القوم, ولو دققنا في كلمة" ئيزي أو ايزي " مثلما ترد في النصوص الدينية الإيزيدية, فإننا سنجدها تعني في اللغة الكردية " الخالق " بكل بساطة..!
أما حرف الدال الذي يرد في نهاية كلمة (إيزيد) فانه وفق قواعد اللغة الكردية ولغات أخرى جاورت أو تجاور الكورد فإنها دال (د) التنسيب.. وحالها من حال ياء (ي) اللغة العربية, وعندما نضيفها على اسم ما فأنها تعطي لنا الجهة التي ينتسب إليها الشخص الفلاني, مثلا نقول عراق وبغداد، وبإضافة ياء التنسيب تصبح لدينا الصيغة عراقي و بغدادي, وحرف الدال (د) في اللغة الكوردية يأتي بنفس المعنى ويؤدي نفس الوظيفة, أي إن كلمة إيزيد معناها الصحيح هو "ايزيّون " أي الذين ينتسبون إلى ايزي..! أما إضافة لاحقة التنسيب العربية على لاحقة التنسيب الكردية فقد قاد الإيزيدية و العديد من الكتاب والمؤرخين إلى متاهات كان بإمكانهم تجنبها لو تمعنوا في كلمة (ايزي) بعيدا عن أفكار مسبقة ولا تمت للحقيقة بصلة تذكر..!
وحتى اعزز قولي هذا أسوق الأمثلة التالية:
1 ـ كلمة (كورد) هي كلمة أطلقها السومريون على أولاد عمومتهم، و (كور) تعني في اللغة السومرية (جبل) ومع إضافة حرف الدال, يصبح المعنى الجبليون أو سكان الجبال..
2 ـ كلمة (يهود) التي يوجد في آخرها أيضا حرف الدال, الذي قلنا انه للتنسيب, وعند فصله فإننا نحصل على اسم أقدم آلهة اليهود, واقصد الإله(ياهو، أو يهو أو يهوه), أي إن كلمة (يهود) معناها ألـ (ياهيّون) أي أتباع الإله ياهو..
3 ـ كلمة (سورث) و في المفهوم الحالي تعني عند أهل شمال العراق السريان أو الآشوريون، بينما حرف (ث) الثاء يؤدي نفس وظيفة حرفي الدال والياء في الكوردية و العربية على التوالي, وعلما بان حرف الثاء من نفس العائلة إلي ينتمي إليها حرف الدال والتاء والسين و الشين.. وأخيرا فان غاية كلامنا هو القول بان الديانة الإيزيدية الحالية هي ديانة قديمة جدا, وان جذورها تصل للعهود السومرية والبابلية بشكل يمكننا التأكد منه من خلال دراسة موضوعية ومتأنية لبعض العادات والممارسات التي يحتفظ بها الإيزيدية لغاية يومنا هذا، مع مقارنتها بما كانت تمارسه الشعوب التي تعاقبت على السكن في وادي الرافدين من عادات و طقوس وشعائر دينية في المناسبات المختلفة، وأيضا من التسميات التي كانت تطلق على المعابد أو بعض رجال الدين والى غير ذلك مما تطرقنا إليه تفصيليا في أعلاه، كما يجب أن نتقبّل وبموضوعية الفكرة القائلة بان الإيزيدية قد تأثرت بالأديان و الأفكار التي هبّت رياحها على موطن سكناهم خلال ما لا يقل عن أربعة الآف عام من العمر الافتراضي للإيزيدية، وهذا ليس عيبا بقدر ما هو دليل على إن الإيزيدية تفاعلوا و يتفاعلون مع محيطهم وأيضا يعني إنهم أعطوا واخذوا بالمقابل..وان الديانة الإيزيدية التي نراها اليوم, لم تتبلور بصيغتها الحالية في ليلة وضحاها، وهذا يجب أن نأخذه بالاعتبار وان لا نستهين بذلك، وخير دليل على كلامنا هذا، هو وجود العديد من الممارسات والمحرمات عند الإيزيدية مازالت تعدّ ألغازاَ يستعصى فهم أسبابها و موجباتها, بينما تقادم السنين العديدة و النكبات التي طالت الإيزيدية كانت السبب المباشر فيما نحن عليه اليوم من عدم قدرتنا على الوصول إلى الجذور الإيزيدية النقية، و بالتالي إلى استيعاب وإدراك بعض تلك العادات التي لا يمكن إنكار تشابهها مع عادات العراقيين القدماء بأي حال من الأحوال، ولعل الزمن القادم سيكشف لنا المزيد، وتبقى همّة الكتّاب الإيزيدية في البحث و الاستقصاء هي المعول الذي سيزيح غبار و تراكمات قرون و قرون خلت، مع ضرورة ايلاء الأهمية إلى بعض الدراسات الجادة و الرصينة التي كتبت عن الإيزيدية بأقلام منصفة، يقابل ذلك إهمال ما كتبه كتّاب مغرضون لم تكن الحقيقة والبحث العلمي الرصين هدفهم مثل سعيهم إلى تشويه الديانة الإيزيدية و الحطّ من قدرها و وصمها بما لم ينزل الله به من سلطان....!
ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1 ـ زاغ موك أو زغموك السومرية الأصل تتشابه مع الكلمة الكوردية الحالية (زاغ ماك) والتي تعني رحم جديد, أي ولادة جديدة, ومجازيا تصبح سنة جديدة أو عام جديد.
2 ـ وكلمة نيسان هي الأخرى تقابلها كلمة (نوى زان) والتي تعني ولادة جديدة.
3 ـ هناك أسطورة سومرية تقول " إن أول مخلوق من البشر(( للو)) لم يقف على قدميه الاّ على قرع الطبل.. "
4 ـ الطوّافات، مفردها طوّافة ـ وهي عبارة عن احتفالات دينية و شعبية تقام في ربيع كل عام في مختلف المناطق الإيزيدية، ولعل أبرزها هي الدبكات التي يشارك فيه الكبار و الصغار من كلا الجنسين على عزف الطبل و الصرناية بإيقاعات كوردية ـ وقد تتشابه هذه الدبكات بـ " الاحتفالات الهائلة و العظيمة التي كانت تقام في بابل بمناسبة أعياد راس السنة البابلية " على حدّ قول الكاتب جورج رو..
المصادر:
1 ـ العراق القديم، جورج رو، دار الشؤون الثقافية العامة، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، 1986.
2 ـ الحياة اليومية في بلاد آشور وبابل، جورج كونتينو، دار الرشيد، ترجمة سليم طه التكريتي، برهان عبد التكريتي، بغداد، 1979.
3 ـ الفكر الديني القديم، الدكتور تقي الدباغ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1992.
4 ـ مقدمة في تاريخ الحضارات، طه باقر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1978.
5 ـ اليزيدية بقايا دين قديم، جورج حبيب، دار الرشيد، بغداد، 1979.
////////////////////////////////////////



#خدر_خلات_بحزاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا ما أشاح العراق وجهه عنهم.. الإيزيديون لديهم وجهة أخرى..!
- هدف واحد يعادل 100 مفخخة وخطاب وخطبة..!!
- إقتلوا الإيزيدية... فلا نصير لهم..!
- خمسون لتراً..؟! صارت زحمة..!
- كف المثقف وقبضة السياسي..!!
- الطائفية من أعلى الهرم إلى - فرقة أم علي..!


المزيد.....




- ما هو مصير حماس في الأردن؟
- الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ...
- ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟
- وزير الخارجية الجزائري: ما تعيشه القضية الفلسطينية يدفعنا لل ...
- السفارة الروسية لدى برلين: الهوس بتوجيه تهم التجسس متفش في أ ...
- نائب ستولتنبرغ: لا جدوى من دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -النا ...
- توقيف مواطن بولندي يتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية في التخط ...
- تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه -خطير جدا-
- اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرها ...
- نيبينزيا: كل فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة يتسبب بمق ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خدر خلات بحزاني - الديانة الإيزيدية.. بمنظور آخر...!