أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - اللا مفكر فيه .. عربيا














المزيد.....

اللا مفكر فيه .. عربيا


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2010 - 2007 / 8 / 17 - 09:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلمة "نقد" Critique تحمل شحنة فلسفية دائما ، والنقد بالمعنى الفلسفى لا يعنى فضح العيوب ولا إثبات التهافت وإنما هو أقرب إلى المعنى الكانطى : إنه إثبات حدود الصلاحية . واستقلال العقل عند كانط يعنى أنه عقل ناقد ، وهذا هو السبب فى تعريف التنوير للفلسفة بأنها العادة المنظمة للنقد ، وهذا التعريف يختلف عن التعريف التقليدى للفلسفة. كما أن فلسفة كانط النقدية هى أول تراجع مهم للفلسفة أمام العلم ، إذ أنه أغلق باب البحث عن الماهيات أمام النظر العقلى ، وجعل من مشكلة البحث عن شروط إمكانية العلم مشكلة الفلسفة الأولى .
بيد أن الفلسفة قد تنقلب إلى ايديولوجيا أو عقيدة إذا تخلت عن ممارسة "النقد" ، أو حين يترك الشك المنهجى مكانه لليقين المذهبى ، وتحل المطلقية محل النسبية ، ومن ثم تتحول الفلسفة من البحث عن الحقيقة إلى "تقرير" الحقيقة ، وعندئذ "يزول التسامح وينشأ اللاتسامح أو التعصب والعنف فى الفكر والسلوك .
فالبحث عن الحقيقة ليس هو البحث عن اليقين ، وفى مجال الفلسفة نحن نبحث عن الحقيقة وليس عن اليقين ، ولأن الخطأ الإنسانى وارد ، ولأن المعرفة الإنسانية كلها ليست معصومة من الخطأ ، فإنها محل شك باستمرار .
ولا يختلف الأمر بالنسبة للعلم ، فهدف العلماء هو الحقيقة الموضوعية وليس اليقين . وهناك دائماً حقائق لا يقينية ، لكن ليس ثمة يقين لا يقينى . ولما كان من المستحيل أن نعرف شيئاً بيقين فى مجال المعرفة البشرية ، فليس ثمة ما نجنيه من البحث عن اليقين ، أما البحث عن الحقيقة فهو أمر يستحق ، ونحن نقوم بذلك ، فى المقام الأول ، بالبحث عن الأخطاء ، حتى يمكننا تصحيحها .
وعلى هذا فإن العلم هو دائماً افتراضى : هو معرفة حدسية ، ومنهج العلم هو المنهج النقدى ، منهج البحث لإزالة الأخطاء لمصلحة الحقيقة .
ويدل تاريخ العلم – كما يقول وايتهد – على أن الآراء المتصارعة ليست كارثة ، بل أحرى بها أن تكون الخطوة الأولى نحو اكتشاف الجديد . لقد توصل عالمان شهيران فى علم الفيزياء إلى نتيجتين مختلفتين للوزن الذرى للنتروجين ولم يشهر أحدهما بالآخر . ولم ينقسم حقل العلوم على نفسه إلى قسمين ، وإنما تمت اكتشافات جديدة ، عنصر غاز الأرجون والوزن الذرى . وهكذا فإن الاختلافات الظاهرة فى الوزن الذرى للنتروجين قد وجدت تفسيراً لها .
أن التسامح يوفر المناخ المناسب تماماً لتلاقح الأفكار وتخصيبها وتطورها ، ومن ثم الابداع والابتكار فى الفكر .. يقول بوبر : "أن تحقق تقدم حقيقى فى ميدان العلوم يبدو مستحيلاً من دون تسامح ، من دون إحساسنا الأكيد أن بإمكاننا أن نذيع أفكارنا علناً ، من هنا فإن التسامح والتفانى فى سبيل الحقيقة هما اثنان من المبادئ الاخلاقية المهمة التى تؤسس للعلوم من جهة ، وتسير بها العلوم من جهة أخرى" . ويفهم من عبارة "بوبر" أن التسامح ضرورى بالنسبة للعلوم وتقدمها ، وان هذه العلوم بدورها تكرس التسامح وتؤصله ، لذلك كان من الصعب أن يتبلور التسامح بالمعنى الحديث قبل القرن السابع عشر ، ولا يمكن أن نفهم ما ذهب إليه "لوك" أو "فولتير" مثلاً دون الأخذ فى الاعتبار ثورة "نيوتن" ومن قبله "كوبرنيكوس" فى مجال العلوم الفيزيائية والفلكية وما حققه العلم والفكر من تقدم ، وعندئذ "أصبح الفهم العقلانى ممكناً" .
والعلم ينير العقل ويبدد أوهامه الكثيرة حول العالم ، وحين نتعلم شيئاً جديداً عن العالم وعن أنفسنا يتغير مضمون فهمنا الذاتى ، وقد قلب العلماء صورة العالم التى كانت تتمركز حول الأرض وحول الإنسان رأساً على عقب ، ومن ثم زعزعوا الكثير من المطلقات وبددوا العديد من الخرافات والتابوهات . هكذا ينبغى أن نموضع مفهوم "التسامح" داخل سياقه التاريخى لكى نفهمه على حقيقته . فقد ظهر تلبية لحاجة ماسة فى بواكير الحداثة فى الغرب ، بيد أن آليات هذه الحداثة ذاتها هى التى دعمت التسامح وخطت به خطوات أبعد وبدون جهود العلماء والفلاسفة أو قل بدون جسارتهم الفكرية ما كان لمفهوم "التسامح" أن يترسخ فى بنية العقل الغربى .
لقد كان مفهوم التسامح "واضحاً فى أذهانهم تماماً ، بينما لم يكن له أى معنى بالنسبة لـ "ملاك الحقيقة المطلقة" ، فهو يمثل ما ندعوه اليوم بـ "اللامفكر فيه" أو المستحيل التفكير فيه" حسب تعبير فتجنشتين" و "ميشيل فوكو”.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد التسامح الخالص
- قاضي العالم الأعلي
- أزمة الحداثة
- الأخلاق والدين
- الدين في النطاق العام
- ما قبل ويست فاليا .. بعدها
- خطوط الانفلات
- الدين في حدود العقل
- تحولات عميقة
- عنف لا أحد
- الصمت بين الكلمات
- دريدا والإله تحوت
- إعادة محاكمة سقراط
- ثقافة الانتقام
- التعصب وسنينه
- تفكيك الأصولية والهوس الديني
- الأصولية .. هنا وهناك
- الهوس الديني والفتن الطائفية
- الإيمان والعلم
- موت الحداثة في مصر


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - اللا مفكر فيه .. عربيا