أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مايكل د. ياتس - حول بعض شؤون الطبقة العاملة في الولايات المتحدة والعالم















المزيد.....



حول بعض شؤون الطبقة العاملة في الولايات المتحدة والعالم


مايكل د. ياتس

الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 11:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يعتقد الراديكاليون من كل الشرائح ان الاقتصاد الرأسمالي لا يتناسب مع التحرر الانساني. وذلك، في وقت يملك البشر قدرة عظيمة على التفكير والعمل، فان الرأسمالية تمنع الاكثرية الاوسع من الناس من تنمية قدراتهم.لذلك، فان اردنا مجتمعًا حيث يكون تفتح الكفاءات الانسانية واقعًا، فاننا بحاجة لانهاء الرأسمالية واستبدالها بشيء يعارضها جذريًا.

اعتقد ماركس ان المجتمع الجديد سيكون بحيث ان وسائل الانتاج سيُـتحكم بها ديمقراطيًا وجماعيًا ، وحيث يكون الهدف بناء مجتمع يعمل اعضاؤه اراديًا من اجل خير الكل، وحيث المنتجات توزع بشكل اكثر او اقل مساواة. الفاعل الرئيسي للانتقال من الرأسمالية الى المجتمع الجديد سيكون الطبقة الواسعة من العمال التي خلقتها الرأسمالية بنفسها.السؤال الذي يخطر لاول وهلة على البال هو قدرة الطبقة العاملة على الانجاز التام للدور الذي وضعه ماركس لها. اليوم، يرجح توافق الراديكاليون جوابًا بالنفي اخذ وقتُا طويلاً لقوله ولكن الامر لم يحسم بعد؛ وانا اعارض[هذا الجواب]، وفي هذه المقالة سأسعى لان اشرح لماذا.

قبل فعل ذلك، هناك بعض الملاحظات الاولية الضرورية لوضع السؤال في سياقه الخاص.

الامر الاول، هو ان الرأسمالية، كما المجتمعات الطبقية التي سبقتها، هي مجتمع استغلالي. هناك طبقة من المالكين، الرأسماليين، ينتزعون الفائض[فائض القيمة] من غير المالكين او طبقة العمال التي تقوم بعملية الانتاج الاجتماعي.

في وقت يظهر تاريخ الرأسمالية ان الطبقة العاملة غالبًا ما تضمنت العبودية والسخرة، فان القسم الاكبر والمتزايد والمهيمن،تاريخيًا، من هذه الطبقة يتكون من عمال اجرّاء احرار بالظاهر، بالمعنى المزدوج للحرية: احرار في بيعهم مقدرتهم على العمل لاي مستخدِم، واحرار من وسائل الانتاج غير البشرية.

الامر الثاني، بخلاف العبودية والقنانة، العمال المأجورون لا يُستغلون باكراهٍ مباشر (رغم ان هذا النوع من الاكراه قد يُلجأ اليه احيانًا على يد الرأسماليين او الدول الرأسمالية) ولكن خلف قناع السوق. العمال المأجورون ليسوا بمملوكين للرأسماليين، ولا يدفعون قسمًا من انتاجهم مباشرةً لهم. مع ذلك، فانهم مستغـَلون بشكل خفي لميزة تبعيتهم كطبقة تؤجَر للمستخدِمين. هؤلاء يستغلون ملكيتهم لوسائل الانتاج غير البشرية لارغام العمال المأجورين على العمل ساعات اضافية على تلك الضرورية لكي ينتج العمال ما يحتاجونه لوجودهم. هذا الانتزاع لفائض العمل، وهو مصدر الربح الرأسمالي، يتم الحفاظ عليه جزئيًا بخلق احتياطي من جيش العمال ينوجد كنتيجة للطبيعة الذاتية للنظام.

الامر الثالث،ان الرأسمالية، مجددًا بطبيعتها، هي نظام اقتصادي توسعي.تدفع الاسواق المحلية نحو الاسواق القومية وهذه نحو الاسواق العالمية. ومنذ اعتماد الارباح على العمل المأجور،فان التراكم الشديد لرأس المال يقود الى اقصى حالات الربح والنمو و التي هي في قلب الرأسمالية، وينحو بشكل متواصل الى توسيع الطبقة العاملة، وشيئًا فشيئًا يقسم العالم الى طبقتين: الرأسماليين، والعمال المأجورين.

رابعًا، ومنذ البداية،فالتراكم الرأسمالي تكوّن داخل دول قوية، وهذه ساعدت بشكل كبير الرأسماليين في سعيهم الى تراكم رأس المال، ليس اقله في قمع الفعل الجماعي للعمال. هذه الدول لم تعطِ اي اشاراة عن السقوط او الاختفاء.

خامسًا، يتطلب التراكم الرأسمالي التثوير المستمر لتقنيات الانتاج، التي بدورها تتطلب نظامية في التفكير، ومن هنا التطور العلمي والهندسي. في الواقع، الاختراع،المدخّل، يشكل قسمًا ضروريًا من النظام.

سادسًا،وباهمية كبيرة، التطور المستمر لوسائل الانتاج غير البشرية والبشرية، يفتح المجال امام امكانية توفير مستوى عالٍ من المواد المريحة للجميع، جنبًا الى جنب مع انقاص الوقت الذي يكرسه الشخص للعمل؛ بمعنى آخر، الامكانية القصوى لتفتح القدرات البشرية.امكانية الانتهاء من اساس وجود طبقة اجتماعية ارقى، والعودة الى المساواتية و الاقتصادات المخططة والمبتكرة لجامعي الطعام والصيادين، ولكن مع وعي اوسع ونمو كبير.

هل من الممكن للرأسمالية ان تلبي الامكانات التي خلقتها؟ الجواب يجب ان يكون لا. لان الرأسمالية هي نظام طبقي، وبسبب ذلك، تقدم عوائق لا يمكن تجاوزها امام حياة غنية. لننظر كيف.

لقد رأينا ان التراكم الرأسمالي يتطلب استغلال العامل المأجور. هذا الاستغلال، بدوره، يتطلب امور تبدو بوضوح مسيئة للحياة الجيدة، باي شكل حددناها. ان الاستغلال يطالب بفصل واسع بين مفهومية [من مفهوم] العمل وممارسته الواقعية.القلة تفكر والاكثرية تعمل يايديها. الاستغلال يعمل على تقسيم عالمي للعمل بين المستخدمين يحكم على جماهير الشعب بالملل والسأم في اشغالهم. وهو بحاجة لجيش احتياطي من العمال. ان المنظمة الدولية للعمل تقدر ان هناك حوالي 160 مليون عاطل عن العمل بشكل دائم في العالم، وما بين 700 و 900 مليون عامل غير دائم.فاين الرفاهية والغنى في حياتهم.

ايضًا، تخلق وتنتج باستمرار تطورًا غير متكافىء في وبين الامم العظمى.هذا، يشير ضمنًا الى انه حيثما تنوجد اللامساواة لتبدأ، فانها ستستمر كنتيجة للعملية الطبيعية لقوى السوق. كاقتصادي، فإن جون كيرلاي يعتبر ان على الرأسمالية ان "تُبنى على الافضل"؛ باللغة الدراجة يعني ذلك "هؤلاء من اخذ سابقًا هم من ياخذ حاضرًا". واية رفاهية هي تلك المتمركزة في قلة من الامم وفي ايدي قلة من الايادي في كل امة.

لا يمكن للاقتصاد الرأسمالي تجنب المرور في ازمات دورية،وكمثل البعض ممن بدأ برؤية النور في آخر النفق المظلم، فالانوار اختفت. وان استطاع من في الاسفل ان يصل الى الاعلى اكثر من اللازم ، فان الدولة تقف مستعدة دومًا لاستعمال اجهزتها القمعية لصده ولرده على اعقابه مجددًا.

لا نستطيع ان نتفادى النتيجة حول ما يمكن ان تجعله الرأسمالية ممكنًا، هذه يجب ان تستبدل، ان تُلغى ويستعاض عنها بطريقة مساواتية في الانتاج، حيث يمكن لقيمة مضافة ان يخلقها ويتحكم بها العمال انفسهم. كيف يمكن لذلك ان يحصل؟

نعلم انه ،بذكرنا للمقدرة والمقاومة العظيمتين للرأسمالية، فان ذلك على الراجح لن يسقطها. اننا بحاجة لعامل (او عوامل) [شرط او شروط] لقيادة النضال ضد الرأسمالية. موضوعنا اذاً هو تحديد شروط التغيير.

ان الرأسماليين بانفسهم، حتى هؤلاء "المتنورين" منهم كجورج سوروس، لن يكونوا حفاري قبورهم.ان التناقض الاكثر جوهريًا في الرأسمالية ، عدم قدرتها على السماح لتطور انساني تام ، هو ما يتطلب نهاية لطبقة الرأسماليين.

هذا يحيلنا الى الطبقات الاخرى. ولننظر بالدور على كل منها.

في كل المجتمعات الرأسمالية نجد ملاكين مستقلين، ليسوا برأسماليين ولا بعمال مأجورين. يطلعنا التاريخ على ان معظم اولئك (اسر اقتصادية، نشاطات حرة، او في صناعات ريفية صغيرة..) يتطلعون ليصبحوا رأسماليين، ومن غير المعتاد وقوف هؤلاء الناس ليعارضوا بانفسهم النظام الرأسمالي. في بعض الاحيان يتحالفون مع الحركات الشعبية التقدمية، ولكن ذلك ليس مضمونًا. يستطيع النظام في نهاية الامر التعامل معهم.

يشكل الفلاحون طبقة اخرى في، تقريبًا، كل المجتمعات الرأسمالية. وهم من اول ضحايا الرأسمالية، التي ما ان تنتشر، حتى يجدوا تعلقهم القديم بالارض مهددًأ بالرأسمال السلعي. فالارض لا تعود مصدر غذاء للبقاء، بدل ذلك يجب ان تحول الى ملكية خاصة لانتاج مواد اولية مربحة ومطلوبة، من ضمنها الطعام المعد للتصدرير-كعامل للتراكم الرأسمالي. وقد ادرك ماركس، في اواخر حياته،ان الفلاحين قد يكونون ثوريين،ويشكلوا قوة ضد-رأسمالية، فهم يبغون الارض وغالبًا ما يقاتلون لاجلها. بالاضافة الى ذلك يسلكون طرق جماعية لتدبير امورهم، وهذا ما يجعلهم متمسكين بالتنظيم الاكثر جماعي لمجتمعٍ ما قبل رأسمالي. وقد ادرك ماو ذلك بعمق وبنى جيشه الاحمر على قاعدة فلاحية.اليوم يقوم الشيوعيون في النيبال بنفس الشيء. يقدر الشيوعي المصري سمير امين ان حوالي نصف سكان العالم ما زالوا يعيشون في ظروف فلاحية بالكامل. بأخذ ذلك بعين الاعتبار، لا نستطيع تجاهل الامكانات الراديكالية للفلاحين، ولا رفض تحالفنا مع منظماتهم التقدمية الموجودة، كحركة فلاحي الارض في البرازيل.

ولكن في وقت قد يشكل الفلاحون عنصرًا ضروريًا في النضال الثوري، فمن المشكوك فيه ان يكونوا العنصر الاهم فيه. السبب الاول، ففي اماكن كثيرة، يكون الفلاحون معزولين وتحت ضغوط اقتصادية حادة، وسيكون من المعجزة ان استطاعوا تنظيم انفسهم بشكل فعلي يكفل مقارعة الرأسمالية على المستوى العالمي.انهم يقتلعون من ارضهم جماعيًا، وعلى الارجح، سيشكلون مشكلة كافراد ينتمون الى جيش الاحتياط الريفي العمالي، وليس كفلاحين. الامر الثاني، في البلاد الرأسمالية الغنية، يشكل الفلاحون اقلية ضئيلة حيث قوتهم السياسية الممكنة ضعيفة. في نهاية الامر، لا يحتاج الرأسمال الى الفلاحين، فالنظام قد يستمر ويتوسع بدونهم.

ولكن ذلك لا يجعلنا نصفق لاختفائهم. علينا ان نفعل ما بوسعنا لايقاف او ابطاء هذه العملية. ان المجتمع يواجه يوميًا الطبيعة اللاانسانية للمدى الواسع للمزَارع الرأسمالية، التي تلوث البيئة وتسمم الموارد الغذائية. علينا العمل لايجاد طرق لانتاج طعامنا بشكل مختلف، والفلاحون ومعرفتهم يشكلون مصدرًا لا يستغنى عنه لنا جميعًا.

....ان لم يكن المالكون الصغار ولا الفلاحون هم فاعلو التغيير، اذًا يمكننا القول ان الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة المتبقية التي تملك الامكانية لقيادة النضال ضد الرأسمالية. وتملك هذه الطبقة مميزات عديدة في قدرتها على خوض حرب ضد الراسمال.

اولاً، انها الطبقة المهيمنة اينما حازت الرأسمالية على وقتٍ كافٍ لتعلن قوانينها.ان النزوع الذي لا يمكن تجنبه للرأسمالية هو خلق العمال المأجورين، وفيما يعيش الفلاحون والمالكين المستقلين على امكانية الاندثار، فان العمال المأجورون يزدادون عددًا، رغما عن الكلام الاخرق عن انعدام الاستخدام في المستقبل[في اشارة الى غياب الطبقة العاملة المأجورة].

ثانيًا،وبالربط مع الميزة الاولى، هناك ضرورة مطلقة لوجود العمال المأجورين من اجل الرأسمال، كونهم مصدر القيمة المضافة التي بدورها مصدر الارباح التي تعذي التراكم الرأسمالي. واذا اعتبر استيفان ميتزارو ان الرأسمالية هي كمال المجتمع الطبقي، فان العمال المأجورون التي تخلقهم، هم الطبقة الاكمل بمعنى الاكثر استغلالاً. فهم يستغلون من وراء ظهورهم كما يقال، خلف قناع علاقات السوق المتساوية ظاهريًا، والاكثر من ذلك هم مسؤولون بانفسهم و بالكامل عن توالدهم [بقائهم] الخاص.

ثالثًا،ومنذ كونهم محور النظام، داخل اماكن العمل حيث تؤخذ منهم القيمة المضافة، يكون العمال في افضل المواقع لرؤية ما يحصل، للقبض على طبيعة النظام. هذا لا يعني ان معظم العمال يستطيع ان يعلم بطبيعة النظام بنفسه، ولكن البعض يستطيع وسيقوم بتعليم البعض الآخر. غالبًا ما قام العمال المهرة بذلك. وسيكون هؤلاء من هم من خارج الطبقة العاملة من سيأتي معارضًا للرأسمالية، وقد يصبحون معلمين بدورهم.[ لا بد لي ان اذكر هنا كوني كنت مدرسًا للعمال لخمس وعشرين سنة، واستطيع القول ان معظم، ومن دون استثناء، العمال تعاملوا ايجابيًا مع نظرية القيمة الفائضة للعمل.، التي لائمت تجاربهم...] بالطبع، عندما يفهم العمال طبيعة النظام سيصبحون بالتأكيد طبقة اكثر وعيًا وهذا ما يحفزهم على النضال ضده.

رابعًا، وعلى الارجح ،العمال المأجورون هم اكثر من يتطلع نحو المستقبل. على عكس الفلاحين، لم يخسروا شيئًا ليتطلعوا للعودة الى اماضي. انهم لا يملكون سوى قوة عملهم للبيع. في بعض الاحيان يتطلع العمال المهرة للعودة الى ماضٍ حيث مهاراتهم اضفت عليهم الهيبة والاحترام. ولكن تشن الرأسمالية حربًا على هؤلاء، وبالتالي فان تماثل جماهير العمال يدعم فكر الطبقة العاملة للتطلع نحو المستقبل.

قبل تبيان انجازات وفشل الطبقة العاملة، اي كيف غيرت العالم وكيف فشلت في القيام بتغيير ثوري، اريد في المكان الاول عرض قضية قدمها كل من هردت ونيغري في كتابهما المثيرة للنقاش الامبراطورية. في هذا الكتاب، يحاجج المؤلفان ضد التنظيم الجماعي للطبقة العاملة (على المستوى الوطني والعالمي) كعامل في التغيير الثوري. ويدافعان عن فكرة تخلي العمال عن النظام، وهجره الى الانتاج الشخصي. وفي وقت ظهرت حركة "افعل ذلك بنفسك" ونجحت في تشغيل بعض الانتاج المستقل عن آلية السوق، يبدو لي ان هذه السياسة في الهجران تميل نحو الاخفاق. لقد خلقت الرأسمالية على الاقل مدى واسع من وحدات الانتاج التي لا نستطيع تفاديها. هل نستطيع "فعل ذلك بانفسنا" والحصول على الفولاذ المصنّع او الكهرباء المنتجة والموزعة؟ ستظل بعض المنتوجات على ارتباط فيما بينها على طول اراضٍ واسعة، كيف سيتم فعل ذلك؟ وهل من الممكن التصور ان عشرات الملايين من العمال سيهجرون اعمالهم ويقومون بامورهم الخاصة؟ باية عملية ارتباط وتحت اية استراتيجية معادية للسلطات سيقوم العمال فعليًا وبقوة بمعارضتها؟ لا عجب ان هاردت ونيغري يعتبران الدولة على غير صلة بالموضوع.انها حجة جدًا ملائمة.!

في مسألة كون الطبقة العاملة العنصر الرئيسي لمناهضة الرأسمالية، اوافق رالف ميلليباند الذي يقول :"تنبع "افضلية" التنظيم العمالي في النضال من واقعة عدم وجود مجموعة او حركة او قوة اخرى في المجتمع الرأسمالي قادرة بسهولة على تصعيد تحدٍ فعال و خطر لبنى السلطة والامتياز الحاضرة، كما تستطيع الطبقة العاملة ذلك. وهذا لا يعني ان حركات النساء، والسود، ونشطاء السلام، البيئويين، المثليين، وآخرين تصبح بلا اهمية او لا تترك اثرًا او تسعى حقيقةً الى تكريس هويات منعزلة. بل على العكس اطلاقًا. ما نريد قوله ان "حفار قبر" الرأسمالية الاساسي (لا الاوحد) يبقى الطبقة العاملة المنظمة". هنا، نجد "الوكيل" الضروري والاساسي "للتغيير التاريخي" واذا، كما يقول البعض دائمًا، رفضت الطبقة العاملة المنظمة القيام بمهمتها فان العمل لن ينجز.(نيو لفت ريفيو 1-(15)-1985).

من السهولة ان يصاب المرء بالاحباط عندما يركز بصره على اخفاقات الطبقة العاملة، ولكن من الضروري الكلام عن الانجازات. لم يظهر وعي الطبقة العاملة بذاتها منذ اكثر من 200 عام. كمتحكمين بالآلات التي ادخلها المستخدِمون، استفاد العمال من التناقضات التي اظهرتها هذه الآلات تباعًا وبدأوا بتنظيم انفسهم في اتحادات مهنية. كمثال على ذلك، ادخل المستخدِمون الانتاج المصنعي لتحسين التحكم، ولكن اوجد العمال بأنفسهم وعيًا طبقيًا اكبر بفضل تقاربهم من بعض.يلجىء العمال للغة البرجوازيين ويقلبونها لصالحهم. عندما يتكلم الرأسماليون عن حرية العقد، يتكلم العمال عن حرية التجمع.

لم تكن الاتحادات مجرد تنظيمات دفاعية تؤمن لاعضائها بعض الحماية في وجه الخطر الملازم للاقتصاد الرأسمالي، بل ايضًا مؤسسات تعليمية، فيها يتعلم العمال الف باء النظام حيث يعيشون ويعملون. وقد اجبرت التنظيمات العمالية المثقفين للنظر اليها باهتمام، وبعض هؤلاء لم يحاول فقط تحليل النظام بل اصبح مواليًا نشطًا للعمال. ومن اماكن عملهم، نشر العمال تنظيماتهم الى مستوى المجتمع ككل، مؤسسين تنظيمات واحزاب تحركت كلها من اجل اصلاح سياسي وتحكم ذاتي مباشر بالسلطة. ايضًا، اسس العمال تنظيمات للمساعدة الذاتية، صحف، فرق موسيقية، مسرح، بمعنى آخر شكلت الطبقة العاملة ثقافة الى جانب وبالارتباط مع اتحادات واحزاب سياسية.

من الصعوبة الكلام عن جزء من المجتمع الرأسمالي لم يتغير بفعل نشاطات الطبقة العاملة وحلفائها. لم تقم الاتحادات العمالية والاحزاب السياسية ذات القاعدة العمالية بتحسين الحياة المادية للعمال فهم فعلوا ذلك لا شك: اجور اعلى، فوائد من كل الانواع، وضع حد للتحكم التعسفي لرؤساء العمل ، حماية ضد خطر الصرف، الاصابة، المرض، والشيخوخة، حق التصويت، حرية الكلام والتجمع، اماكن آمنة للعمل، فتح باب المدارس امام جماهير الشعب، زيادة في تعزيز الديمقراطية، وامور اكثر. ولكن ايضُا قوّت الطبقة العاملة نفسها في وجه المجتمع البرجوازي وغيرت كل ثقافته : من الادب (فكرة كيف ان الجماعية تعني الاعتقاد ان الطبقة هي التي تحيط بذهن الكاتب عندما يكتب او كيف تصبح الطبقة العاملة موضوعًا للادب) الى الفن ( جدارية دييغو ريفيرا) الى الافلام (ايزنشتاين وآخرون) حتى الموسيقى (موسيقى الفولك بالطبع ولكن الموسيقى الكلاسيكية ايضًا). حتى زيادة على ذلك، مرّ زمن استطاعت الطبقة العاملة، غالبًا بالتحالف و احيانًا كتابع للفلاحين، ان تسقط الرأسمالية والتوصل لاقامة نمط انتاج لارأسمالي، اشتراكي، كما في الاتحاد السوفياتي السابق، الصين وكوبا.

ولكن رغم انجازاتها الكثيرة، لم تقم الطبقة العاملة بما يكفي لاحداث حفرة في طريق الهيمنة الرأسمالية. بالحقيقة،ما ان كان الاتحاد السوفياتي بارقة الامل للشعوب العاملة حول العالم وحتى تقريبًا نهايته عندما ظل مركز ثقل في وجه تحكم رأسمال، حتى تفتت بشكل مخزي منذ اكثر من عقد، ومنذ ذلك، عانى الشعب في الجمهوريات السوفياتية السابقة نوع من الانحطاط مرتبط طبيعيًا مع "التراكم البدائي لرأسمال". والصين، التي الهبت يومًا ما الخيال الراديكالي، تتجه رأسًا نحو الرأسمالية واظهرت ما يجب ان يكون بكل تأكيد اكبر انتقال تقهقري في عملية توزيع الثروة في التاريخ العالمي، جنبًا الى جنب مع جيش ضخم من احتياطي العمال، اجور تجويعية، وعمل استغلالي. فقط كوبا الصغيرة تتمسك برؤية اشتراكية، اقتصاد على مستويين مبني على السياحة.

في البلدان الرأسمالية الغنية، شن رأس المال هجومًا قاسيًا على الطبقة العاملة في بدايات السبعينات وفي العقود الثلاث اللاحقة ملحقًا بالعمال بشكل واضح سلسلة لا تنتهي من الهزائم.لا يفيد بعد الكلام عن ذلك، فانا متأكد من معرفتكم به. في البلدان الرأسمالية الفقيرة، يتحدث الاقتصاديون عن العقود الضائعة. في كل مكان، فشلت النيوليبرالية، وفي كل مكان ما زالت تملك امر اليوم. بالرغم من هجمة رأس المال، ما زال القسم الاكبر من العمال بعيد عن نصب المتاريس لمحاولة وضع حد للنظام القمعي.لا عجب ان يستخلص الكثيرون ممن تهمّه هذه المسألة ان عمال العالم لا يستطيعوا حتى ان حاولوا قيادة النضال من اجل عالمٍ افضل.

ما الخطأ الذي حصل؟ عبر نظرة واسعة للمدى التاريخي، ربما نستطيع تحديد بعض القوة في العمل والقرارات السيئة التي اتخذت.

اولاً، وكما نبه ماركس، تخلق الرأسمالية عمالاً على صورتها.من الصعوبة للعمال ان يستوعبوا طبيعة ظروفهم، ان يعرفوا انهم يخلقون رأسمالاً بالتأكيد عن طريق آخر.اذاَ حتى وهم منظمون، فانهم يبحثون عن اجور "منصفة" اكثر وشروط جيدة اكثر من سعيهم لانهاء نظام الاجور بحد ذاته كسبب رئيسي لظروفهم. يظهر النظام لهم كامر لا يمكن تفاديه ولا يتبدل،في وقت يمكن ان يوقعوا اتفاقًا جيدًا. طبعًا هذه الفكرة تدعم عبر آلية دعائية واسعة، بما فيها الاعلام والمدارس.

ثانيًا،تخلق عملية التراكم بنفسها انقسامات بين العمال، ويسارع المستخدِمون لتشجيع هؤلاء واستعمال اولئك مما يطيل عهد الرأسمالية. مثلاً، لا يمكن للتراكم الرأسمالي تجنب خلق هوة بين العمال المهرة وغير المهرة، وهوتقسيم غالبًا ما يثبت عبر الاختلافات الاثنية والعرقية والجنسية والدينية. في الولايات المتحدة الامريكية، التقسيم المؤلم يستند على العرق. لم يتم بعد تخطي ميراث العبودية وهذا ما سمم الحركة العمالية منذ بدايتها. بالاضافة الى ذلك، وحتى وقت قريب، تحددت الحركة العمالية،على اساس الجنس، كحركة للرجال (الذكور)، وهذا ما اعاق بشدة قدرة هذه الحركة على تنظيم وتوحيد الطبقة العاملة.

وايضًا، يخلق التراكم الرأسمالي جيش من العمال الاحتياطيين، وهذه الكتلة من العمال العاطلين تهدد اولئك العاملين. هذه الظروف التي تحيق بالعاطلين تجعل من الصعوبة عليهم ان ينظموا انفسهم، وعندما يفعلون ذلك، لا يمكن التأكد من دعم العمال لهم وحتى من دعم اتحادات العمال. لم يكن الائتلاف الفدرالي العمالي في الارجنتين على رأس الداعمين لحركة الارجنتنيين العاطلين عن العمل.

عندما يستطيع العمال النجاح معًا في الفوز ببعض مطالبهم، يشكلون لا محال تهديد للوضع القائم.وهذا ما يظهر حقيقة في العلاقة مع المستخدِمين ومع الدولة. فالمفاوضات الناجحة مع مستخدم معين يمكن ان تقود الى اتحاد يحمل شراكة بين العمال والادارة، خاصة عندما يواجه المستخدِم مشاكل في السوق. وهذا يمكن ان يقود الى وضع حيث يقف بعض افراد الاتحاد الى جانب المستخدِم اكثر مما الى جانب العمال في بعض التسهيلات، حتى عندما يكون بعض هؤلاء العمال في نفس الاتحاد. تتضخم هذه المشكلة عندما تستعمل الدولة سلطتها القوية من اجل اتحاد تعاوني بين الرؤساء [رؤساء العمال ورؤساء المستخدمين].عندما سنحت الفرصة امام الاتحاد الصناعي الجديد في الولايات المتحدة لتطوير سياسات مستقلة في الثلاثينات، قامت ادارة روزفلت بالتعاون مع بعض الزعماء النقابيين العماليين كسيدني هاللمان وفيليب موراي(مؤتمر التنظيمات الصناعية CIO)، واستعملتهم كجناح في وجه جون لويس الاكثر استقلالية. حتى الشيوعيون وقعوا في الفخ، النتيجة كانت تحالفًا مميتًا ومغلقًا بين التنظيم العمالي والحزب الديمقراطي المعادي بشدة للعمال. في اوروبا، ادى سقوط الاتحاد السوفياتي وضعف اليسار الى جعل التنظيمات العمالية اليسارية تصر على استراتيجية انتخابية. واقيم توافق تام بين المستخدِمين والاتحادات والدولة، ورغم ان "اتفاق العمل" هذا قد اثبت افادته للعمال بان قاد الى بناء دولة الرفاه، لكنه اثبت في السنين الاخيرة انه خسارة للعمال عندما رفض المستخدِمين الاتفاق في حين لم تملك الاتحادات بديلاً له.

في وقت قد تكون مطالبة الدولة بالحماية وحتى القيام بتحالف مع المستخدِمين مفيدة احيانًا كتكتيك للعمال، الا انها لا يمكن ان تكون استراتيجية لهم. في الولايات المتحدة، كانت نتائج "اتفاق العمل" انه امّن بالتحديد الكوارث. الشرط الاساسي لموافقة بعض المستخدِمين على الاتفاق كان ابعاد الجناح العمالي اليساري.

استُبعدت الاتحادات التي يقودها اليسار من مؤتمر المنظمات الصناعية (CIO) ، ليس فقط تلك التي تخوض صراعًا من اجل الحقوق المدنية، و من اجل اكبر قدر من المساواة بين الاجناس، و التي حافظت على تقاليد تضامن الحركة العمالية العالمية ، ولكن ايضًا تلك التي نالت افضل العقود و اكبر قدر من الديمقراطية. وكنتيجة للمعارضة الشديدة للشيوعية التي اتبعها مؤتمر المنظمات الصناعية (والذي انضم بسرعة الى الفيدرالية الامريكية للعملAFL المعادية للشيوعية)، اصبح العمال في عزلة عن افضل رجالهم ومن دون اي عمل ايديولوجي طبقي يوجه الناس في محاولتهم اعطاء معنى للعالم. تخلى العمال عن حركة الحقوق المدنية الناشئة واصبحوا تحت سيطرة البيروقراطيين البيض، واحيانًا كموالين لاعضاء ولكن غالبًا ما كان هناك عدد كافٍ من الاتحادات المهنية تنكب بالاساس على الحفاظ على المنصب واحيانًا رشوة بعض الاعضاء. ويتفاخر جورج مايني رئيس CIO_AFL حاليًا بانه لم يتعد ابداً الخطوط الموضوعة.بعض" صغاره"عمل لدى الوكالة المركزية للاستخبارات CIA وساعد الحكومات الديمقراطية حول العالم. لقد سمح كل من الانفجار الاقتصادي فبل الحرب العالمية الثانية والقوة الاساسية الفريدة لاقتصاد الولايات المتحدة للحركة العمالية لتطمح بالمشاركة بغنيمة اعضاء الاتحاد، ولكن عندما انتهى التمدد الاقتصادي الكبير في اواسط السبعينات وانتقل المستخدِمون الى موقع الهجوم، ظهر بوضوح ضعف العمال واكتمل تقريبًا الاستسلام اللاحق.

ان قوة آلية السوق الى جانب اتفاق العمال مع رأس مال صنع ما انعكس في مكان العمل بمنع التنظيم العمالي. وبينما حاز بعض العمال على اجور عالية وفوائد جيدة، اعطي مستخدِموهم حرية السيطرة على تحكم اداري واسع في مسار العمل.ان اللجوء الدائم للتقسيم الواسع للعمل، للآلية، والتيلورية، جنبا الى جنب مع تقنيات طورت في البدء على يد مصانع السيارات اليابانية واعطيت اسماً مناسبًا هو "الادراة تحت الضغط"، هذا اللجوء سمح للمستخدِمين ليس فقط ان يصغي قليلاً للاتحاد العمالي (عبر تقليص الحاجة للعمال من خلال التقنية، تصدير الاعمال..) ولكن ايضًا بناء اماكن عمل حديثة سماها بن هامبر في كتابه الرأس المبرشم Rivethead الكولاكات الحديثة. مع اتحادات تخلت عن حق نقاش طبيعة العمل، هل نتعجب اذا تم بيع العمال الى مشروعات ادارية عديدة تسعى الى اضعافهم؟

ثالثًا، اظن ان القوة المشتركة للقومية وللامبريالية ضللت الحركات العمالية في البلدان الرأسمالية الغنية. وكما قلت في مقالة كتبتها عام 2001: هناك مشكلتان رئيستان تواجهان وحدة العمال حول العالم. اولاً، ان الرأسمالية تطورت دائمًا في سياق امة، مع دولة فعالة وشريكة.ثانيًا، ومنذ نشأتها توسعت الرأسمالية، بشكل لا متكافىء، في اقسام العالم المختلفة. ان البلدان الرأسمالية الاوروبية الاصيلة ولاحقًا تلك ذات الحالات الخاصة في الولايات المتحدة واليابان، اخضعت باقي العالم عبر القوة العسكرية والاقتصادية، خالقة بذلك نظامًا امبرياليًا مع بلدان رأسمالية غنية و اخرى فقيرة. هذان التطوران التوأمان، القومية والامبريالية، انجبا حواجز جوهرية في وجه وحدة عمال العالم.

اذا تحدد مجال رأس المال جغرافيًا ضمن قومية معينة، فانه من المؤكد ان يكون بامكان العمال ،وعبر افعالهم الخاصة ، ان يدفعوا مستخدمِينهم الى منحهم اجور اعلى وفوائد اكبر، الى تقليص ساعات العمل، وتحسين ظروف عملهم. لن يكونوا بحاجة لتضامن عمال امم اخرى لتحقيق مطالبهم هذه. بمعنى آخر ، يقدرون بانفسهم على ان ينافسوا على سلطة الدولة. استطاع العمال المهرة الانكليز ان ينظموا انفسهم فعليًا داخل انكلترا، ولم يحتاجوا لمساعدة عمال فرنسا او المانيا. الامر صحيح بالنسبة لعمال الولايات المتحدة. لقد نظم عمال مصانع السيارات اضراب الجلوس العظيم ما اجبر الجنرال موتورز على الركوع، وعندما كانوا بحاجة لزوجاتهم، فان العمال الآخرون، مع تعاطف الحاكم والمحاكم، لم يكونوا بحاجة للتحالف مع العمال المكسيكيين او الكنديين لبناء اتحادهم والفوز لاول مرة في مفاوضاتهم الجماعية المشجعة.

عدم الحاجة لدعم عمال بلاد اخرى لا يعني، بالطبع، ان دعمًا كهذا لا يكون مفيدًا او لن يكون مطلوبًا. ربما كان موقع العمال المهرة الانكليز وعمال مصانع السيارات في الولايات المتحدة قد تعزز، ان لم يكن على المدى القصير فعلى المدى الطويل، ان قام هؤلاء بالتحالف مع عمال البلاد الاخرى.

اذاً لماذا لم يكن التضامن العالمي منذ البداية نداءًا لتجمع العمال؟ هناك سببين يمكن اعطائهما

اولاً، اصبحت القومية سريعًا،كايديولوجية عزل، ذات قوة عظيمة. ان تأسيس اللغات الرسمية، وبناء آلية دعائية معممة في المدارس الرسمية، ودخول الشعب العامل الى الجيوش الوطنية، قد شجع كل ذلك العمال على الولاء لقومياتهم.لقد تعارضت هذه القومية مع من وُجّه اليه الكره وانعدام الثقة هؤلاء المدعوين "اجانب".كان ابي عاملاً وعضو في اتحاد مصنعي لـ44 سنة، ولكن تجاربه الحياتية حولته الى،تقريبًا، داعمٍ متعصب للحكومة الامريكية (وبالتالي الى داعم لرأس المال الامريكي بكلام آخر) وعنصري متعصب تجاه اليابانيين او السوفيات او الصينيين.

ثانيًا، لقد ارتبطت القومية في البلاد الرأسمالية المتقدمة بشكل لا ينفصم مع الامبريالية. لقد سار الاستغلال البشع لعمال وفلاحي آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية جنبًا الى جنب مع دعاية لايديولوجية عنصرية ترى ان هؤلاء الاشخاص اما يستحقون ما ينالوه او انهم محظوظون لارتباطهم بالامم الغنية.زد على ذلك، فان فائض القيمة المستخرج من امم الاطراف اعطى اكبر قدر من المال التشاركي ما بين الدول[الغنية]، والذي، تحت ضغط كافٍ من اتحادٍ نقابي، يدفعها [ لهذه الدول] للاقتناع بمشاركته مع العمال.وهذا يسير مع جهود ناجحة تبذلها الشركات والدولة للتعاون مع الزعماء العماليين، عبر تأسيس اشكال متنوعة من المنظمات العمالية-الادارية،بالاتفاق مع الهيئات المدنية والمفوضيات وما شابه. والهدف هنا، هو اقناع الزعماء العماليين كما اعضاء الاتحادات العمالية ان الامبريالية كانت لصالح العمال داخل الامم الرأسمالية. ولاغلب الاحيان، نجحت كل هذه المساعي.لم تقم المنظمات العمالية، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، بدعم دولهم في استغلالها البشع لعمال واقتصاديات الامم الفقيرة فحسب، بل انها حتى انها وقفت الى جانب الحروب التي قاتل فيها العمال بعضهم في البلد الواحد.

بالطبع، لم نعد نحيا في عالمٍ حيث ينعزل رأس المال داخل كل دولة على حدة. اننا بعيدون عن هذا الامر. ولكن القومية والعنصرية التي ظهرت منذ فترة باكرة تستمر في البقاء وتجعل من الصعوبة فعل اشياء يجب فعلها لارساء حركة عمالية اممية. حتى اليوم، وبعد مضي عدة سنين على الغاء تحالف الفيدرالية الامريكية للعمل-مؤتمر المنظمات الصناعية لمكتب الشؤون الدولية سيء الصيت،، فان موقع التحالف على الانترنت ما زال يعرض بحذر انباء قصيرة عن العمال في باقي العالم. عندما قام العمال العاطلون عن العمل في الارجنتين باغلاق الطرقات العامة، وعندما قام العمال المصروفون باحتلال المصانع، فان التحالف نال درسًا واضحًا. واليوم، يعطي احتلال العراق غطاءًا لقمع الحركة الناشئة للطبقة العاملة العراقية، ولكنك لا تسمع كثيرًا عن ذلك من التنظيمات العمالية. في منحى آخر، تجد التنظيمات العمالية ضروريًا البدء بالوقوف عند النشيد الوطني[للولايات المتحدة]، وحتى اسوأ من ذلك، إيداء التحية العسكرية امام العلم.اما الاسوأ من كل هذا، فهو قبول العمال الاهل دخول ابنائهم الجيش،و، مع بعض الاستثناءات، اعتباراهم ابطالاً حتى ان قُتِلوا.

اظن انه من العدل القول، مع الاخذ بعين الاعتبار حدة القوى الواقفة امامهم، انه من المدهش كيف اتم العمال مهماتهم.

الآن حانت العودة لسؤالنا الاساسي. هل يستطيع العمال تغيير العالم؟ دعوني اسجل نقطتين اوليتين.

اولاً، اريد ان اعيد ما قلته سابقًا.ان العالم لن يتغير بالكامل نحو الافضل الا اذا قامت جماهير العمال بهذه المهمة. هناك ضرورة لوجود العمال المأجورين من اجل ان تقوم الرأسمالية بتجديد نفسها، اذاً، من الواضح ان العمال هم من يستطيع ايقاف ذلك، واعادة تنظيم نمط الانتاج والتوزيع في المجتمع.

ثانيًا، رأينا كيف ان الرأسمالية لا تستطيع ان تتجنب تناقضات عامة، وهذه تعطي فرصة للعمال وحلفائهم لتحدي سلطة رأس المال. على اي حال، يقف رأس المال مستعدًا دومًا لاخذ الدروس من هذه التحديات وابطال مفعولها او حتى تحويرها لصالحه. ان الرأسمالية مهيمنة وصامدة في تطورها. وهذا ما يجعل العمل من اجل تخطيها امرًا ملحًا.

مع اخذ ذلك بعين الاعتبار، ماذا يحمل المستقبل؟ حتى في ظل ما يظهر على انه محيط ميؤوس منه بالنسبة للطبقة العاملة، هناك العديد من العلامات التي تدفع للأمل. انا واثق من ان القراء يدركون معظم هذه العلامات، لذا لن ادخل في التفاصيل، ولكن ببساطة، اذكر حركة العدالة الاممية النامية،الحركة الطلابية ضد الاستغلال، العديد من الحملات العمالية الناجحة، كل العلاقات الناجحة التي بنتها الحركة العمالية (مع الحملات المنظمة المبدعة، التي يقودها باغلبها النساء والاقليات والمهاجرون، والتي حللها دان كلاوسون في كتابه الجديد الصعود التالي: العمال والحركات الاجتماعية الجديدة) النقاش الحاصل حاليًا في التنظيمات العمالية حول كيفية دعم ثقل الاتحاد [العمالي]، الحركة المعادية للحرب، والتي تضم الآن منظمة العمال الامريكيين المعادين للحرب، واشياء عديدة اخرى. وقد ناقشت ايضًا بعضًا من الحركات الجديدة، هنا [في الولايات المتحدة] وبقية العالم، في الفصل الاخير من كتابي تسمية النظام.

على اية حال، وكيفما شرّحتها، فان الرأسمالية تقدم دليلاً صغيرًا على انهيارها العاصف.وحتى اقسى اشكالها،النيوليبرالية، تظهر بعض العلامات على انحدارٍ طبيعي.اذاً، ماهي الاشاء التي يجب فعلها لتجديد الحركة العمالية فعليًا ، لجعلها على الاقل مستعدة لقيادة"الصعود التالي"؟ سأحدد كلامي بما يتصل هنا بالولايات المتحدة، ولو ان بعض النقاط التي سأعرضها تنطبق على الارجح على باقي العالم. واني اقترح هذه الامور مع الافتراض الذي اضعه حول ما يمكن لنا كيسار ان نفعله. يجب ان نحاول بناء اليسار في كل امر نقوم به. في مهنتي كمدرس للعمال، يجب ان اشدد على طبيعة الرأسمالية اولاً وقبل كل شيء. في العمل البيئوي، يجب ان نحاجج بأن الرأسمالية هي المصدر الاول لاغترابنا عن العالم الطبيعي. يجب، بشكل مستر، ان نجعل لليسار مكان في اتحادتنا. لا يجب ان نتوقف ولو للحظة عن الاشارة الى التماثل بين الاحزاب السياسية الكبرى. يجب ان نكون مستعدين لاظهار العلاقة بين الرأسمالية والابوية والقمع العنصري، وكل اشكال القمع.

بالتحديد هاهي بعض الامور التي يجب اخذها بعين الاعتبار:

1-التنظيم العمالي (بالتحديد تحالف AFL_CIO) عليه معارضة ماضيه العنصري والمعادي لليسار. يجب ان نستمر بالمطالبة بلقاءات وطنية مع التنظيمات العمالية ومختلف هواجسها، ويجب ان نحضرها اينما كانت. يجب ان نظهر بكل فخر النجاحات الباهرة للاتحادات التي قادها اليسار، ليس فقط على الصعيد الوطني بل ايضًا على الصعيد العالمي حول مواضيع حساسة كالعرقية والسلام ولكن في ظل معاهدات تساومية جماعية واتحاد ديمقراطي.

1. يجب ان نطلق ايديولوجيا لليسار، طريقة اخوية عمالية في رؤية العالم.يجب ان نصر بشدة على بعض المواضيع (الحق في العمل، العناية الصحية، الحق في التنظيم، العمل الضروري، الشراكة والتحكم بالعمل، ولاية ديمقراطية، بيئة صحية، لا للحرب،ضد الامبريالية، العدالة في كل العلاقات الانسانية..الخ) وزد على ذلك المطالب التي قدِمت منذ 1960. يجب على العمال ان يعرفوا لماذا هم منظمون. هنا، نحن بحاجة الى اطلاق وتطوير ثقافة لليسار في كافة الفنون.

2. يجب ان نركز على الديمقراطية والمساواة. يجب النضال ضد كل اشكال القمع، ليس اقلها في اتحادتنا. ويجب ان نصر على اكبر قدر ممكن من الديمقراطية في كل تنظيماتنا. هذا لا يعني ان الزعماء يجب الا يقودوا وان يبقوا خارج المطالب التي تطرح على المستخدمين والدولة ولكن فقط لللقول بان التغيير لا يمكن ان يأتي ببطء من فوق.

3. على الطبقة العاملة ان تثقف نفسها، وهذا يعني ان هناك المزيد من التثقيف العمالي. العمال بحاجة الى نظرية طبقية عمالية للعالم، ولايديولوجية تعطيهم الطريق والاتجاه لللحكم عما يحصل في العالم. ماذا لو انفق تحالف AFL_CIO وحلفاؤه بعض الملايين التي ينفقها الآن بدعمه سياسيي الحزب الديمقراطي، مع ثمن قليل بالمقابل، على التثقيف العمالي (طبقات مدرسية لكل عضو اتحادي جديد، وقت مكتمل من الادارة التربوية، راديو للعمال..الخ)؟

4. التضامن العالمي هو واجب. لقد قام العامل الاميركي بافضل عمل هنا كما اعتاد ان يعمل، ولكن هناك الكثير مما يجب فعله، ويتضمن ذلك الدعم الحقيقي لكل النشاط العمالي التقدمي خارجًا، وبالتحديد، في معارضة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي تقف دائمًا ضد العمال قصديًا او كردة فعل.

5. بناء اليسار داخل وخارج الحركة العمالية يعني بناء سياسة مستقلة. وهذا يعني بقاء الطبقة دائمًا في الذهن (تفسير واسع الافق) ومحاولة بناء حضور عمالي سياسي.

6. على الطبقة العاملة، قريبًا وبشكل سريع، ان تتجاوب مع التلوث السريع لبيئتنا الطبيعية. ومع ازدياد انتاجية العمل، على المنتجات ان تنمو بشكل يزداد سرعة لتستوعب قوة عمل نامية. على اية حال، وفي ظل الرأسمالية، هذا يعني المزيد من السموم في الماء والهواء، ، المزيد من الطعام الفاسد، والمزيد من اماكن العمل المضرة بالصحة والمؤذية. اننا بحاجة الى عمل هادف اكثر، ذي مدى اقل، اكثر تركيزًا وانتاج للطاقة الكامنة. نظامٌ انتاجي كهذا يمكن له ان يرتبط مع مطالب تأمين الصحة العامة، تدريب هادف على العمل، برامج اجازات "سخية"، تعليم شامل، وتقليص لساعات العمل، وكل الاشياء التي يجب على الطبقة العاملة ان تفوز بها، بقادتها الذين ينيرون الطريق.

دعوني استخلص بالقول بانه ليس الوقت لهجر الطبقة العاملة. ان رأس المال يغزو العالم، جاعلاً من الارض حوضًا ضخمًا من الاستغلال الدائم. وزد على ذلك، هذا يحصل باكثر مما كان يعتبر ماركس. ان تحليلاته صالحة اليوم كما كانت دائمًا. واشارته الى ان الطبقة العاملة هي الفاعل الانسب في سقوط رأس المال صحيحة الآن كما كانت صحيحة يوم كتب رأس المال . ان العمال هم العنصر الاساسي في النظام، وهم القوة الوحيدة القادرة على رميه في مزبلة التاريخ. هؤلاء الذين يعتبرون انها [الطبقة العاملة] منفعلة، متطرفة في قوميتها، عنصرية، جنسانية، ولا تهتم بالبيئة لا يقدمون لنا فاعلاً يحل محلها.

طبعًا، اذا نظرنا الى تاريخنا، وجدنا ان العمال قد قاموا بكل الامور التي تبعدهم عن كونهم قوة ثورية. ولكن، نرى ايضًا ان العمال قاموا باكثر الاشياء اثارة للاعجاب، واظهروا للعالم مذا يمكن للتضامن الجماعي والعمل المستند اليه ان يفعل. يجب ان نتذكر ان الصراع الطبقي عمل طويل وشاق. ولكنه الوحيد الذي يستحق بجدراة الفعل والوحيد القادر على قيادتنا نحو مجتمع يستطيع حتى ان يحقق الحلم الراديكالي :من كلٍ حسب قدرته لاى كلٍ حسب حاجته.





*مايكل د ياتس: محرر مشارك في المونثلي ريفيو. كان لعدة سنين استاذًا للاقتصاد في جامعة بيتسبرغ في جوهانستون.مؤلف: ساعات اطول، وظائف اقل: العمالة والبطالة في الولايات المتحدة (1994)، لماذا تستحق الاتحادات الاهتمام؟ (1998)، و تسمية النظام: اللامساواة والعمل في النظام العالمي (2004)، وجميعها منشورة في صحافة المونثلي ريفيو.





العنوان الاصلي للنص : Can the working class change the world?

المؤلف: مايكل د ياتس.

المصدر: مونثلي ريفيو. http://www.monthlyreview.com-مارس/ايار 2004

تعريب: الاخضر القرمطي-لبنان[email protected]




#مايكل_د._ياتس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مايكل د. ياتس - حول بعض شؤون الطبقة العاملة في الولايات المتحدة والعالم