أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل سوداني - تصورات العراقيين القدماء عن متاهات العالم الأسفل















المزيد.....

تصورات العراقيين القدماء عن متاهات العالم الأسفل


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 2013 - 2007 / 8 / 20 - 11:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


( مرثية لعذابات سيدة الخصب والتطهير الاولى )


بالرغم من ان النص المأساوي لهبوط آلهة الخصب (السومرية إنانا ـ والبابلية عشتار) الى العالم الأسفل فيه الكثير من الالتباس والغموض فيما يخص مصير الإله ( ودوزي ـ وتموز) .فحتى عام 1964 فان جميع الأساطير كانت توحي بان سبب مخاطرة النزول الى العالم الأسفل هدفه إنقاذ الإله تموز من الموت . ولكن عالم الأثريات الجليل صموئيل نوح كرايمر ( الذي يدين العراقيون له بالكثير لفضائله في اكتشاف كنوز مرتكزات آثارهم وأساطيرهم وطقوسهم الثقافية القديمة المخبئة تحت الار ض،وبالتأكيد سيتذكرونه بكرمهم المعروف في المستقبل) اكتشف رُقم جديدة أعطت تفسيرا جديدا منطقيا لسجن الاله في العالم الاسفل وبالتالي ربطت لحمة ألاسطورة . حيث اكدت هذه الرُ قم التي كتبت في عام 1750 ق .م ،على ان الالهة ( انانا ـ عشتار ) كانت هي السبب في تسليم حبيبها الاله تموز الى شياطين العالم الاسفل ، ولكن سبب نزولها الى هناك قبل ذلك لم يُفسر بشكل مقنع ، إلا إننا نفهم من هذه الرقم بان تحديها لقوانين عالم الظلام والموت ، كان نتيجة لنزوة من الاعتداد والغرور وجشع السيطرة والتي هي من سمات سيدة البلاد الاولى . بالرغم من ان فكرة التضحية والفداء كانت شائعة في ديانات الشرق عموما والشرق الادنى بخاصة .فمن اجل ان يتم الخصب لابد من قربان وتضحية ، ولابد ان تكون هذه التضحية عظيمة ومقدسة.لهذا فان نزول إنانا يعني غياب قوة الاخصاب الكونية عن الحياة ، لكنها جاهدت من جديد من أجل الرجوع الى الحياة . إذن إنانا ذاقت طعم الموت من أجل الانسان ، ومن أجل خصب الطبيعة لابد من نزول إله الى عالم الاموات .(لعل النص السومري ـ هبوط إنانا الى العالم الاسفل ـ هو أول ملحمة خطتها يد الانسان في موضوع الاله الفادي ، وكانت هي السبب الرئسي في تسليم الاله دموزي الى الشياطين في فورة غضب )
وفي هذا الجانب يؤكد صموئيل نوح كرايمر في كتابه القيم ( طقوس الجنس المقدس عند السومرين ) ان الالهة إنانا اعتزمت النزول الى العالم الاسفل ، الى بيت الاموات بسبب عدم قناعتها في ان تكون ملكة " الاعلى العظيم " فقط ، وانما بسبب رغبتها في ان تستولى على" الاسفل العظيم " أيضا . لذلك فإنها تزينت بشارات سلطانها وامتيازاتها المقدسة وعزمت على النزول الى " بلاد اللاعودة " ، وبما انها تعلم مسبقا بكونها ستخرق قوانين مثل هذا العالم، وان أختها أرشكيجال ملكة العالم الاسفل وعدوتها اللدودة سوف لن تغفر لها جرأتها هذه ، لذلك فان إنانا احتاطت للأمر ، وطلبت من وزيرتها ننشوبر –في حالة عدم عودتها بعد ثلاثة أيام – أن تذهب الى مجمع الالهة تستجدي عطفهم لانقاذ سيدة البلاد
( اذا لم يقف إنليل الى جانبك في هذا الامر ،
فاذهبي الى أور ،
وفي أور عند دخولك البيت ،
الذي هو بيت الرهبة في البلاد ،
بيت الاله نانا ،
إنتحبي امام نانا
أبت لاتدع معدنك الثمين يعلوه غبار العالم الاسفل .
وإذا لم يقف نانا الى جانبك في هذا الامر ،
فاذهبي الى أريدو
في اريدو عند دخولك بيت أنكي ،
أبتي أنكي لاتدع لازوردك الثمين يتكسر كحجر ،
لاتدع العذراء غنانا تموت في العالم الاسفل
الاب أنكي رب الحكمة
الذي يعلم " طعام الحياة " ويعلم " ماء الحياة "
لابد ان يعيدني الى الحياة ثانية ) .
وعندما تتأكد بان هنالك من يدافع عنها ويحميها من الموت ، تبدأ رحلتها فتصل الى بلاط العالم الاسفل ، وتصرخ جريئة بوجه ناتي بواب عالم الموت ، أن يفتح لها الباب وعندما تعلم ملكة العالم الاسفل بمقدم إنانا ، تقرر عقابها و موتها ، ولكن لايمكن ان يحدث هذا مالم تنتزع منها شارات ألوهيتها . لذلك فانها تعّلم بوابها القيام بخدعة تتمثل بالسماح للآلهة إنانا بالدخول من الابواب السبعة لعالم الموتى . ومن الوصف المعبر للشاعر القديم نعرف بان إنانا تفقد شاراتها وسلطتها واحدة إثر أخرى بدون ان تكون قادرة على الاعتراض او الرفض لان نواميس هذا العالم تحكم بذلك .ويستمر الشاعر السومري بتقديم هذا المشهد بلغة وصفية رمزية معبرة .( لدى ولوجها البوابة الاولى ،
الشوجرا ،
تاج السهوب ، نزع عنها.
رحماك ما هذا ؟
صمتا إنانا ،
نواميس العالم الاسفل ،
نواميس كاملة ،
إنانا إياك ان تزري بمراسيم العالم الاسفل .
لدى ولوجها البوابة الثانية .
صولجان القياس وسلك اللازورد نزع عنها
رحماك ما هذا ؟
صمتا إنانا ، نواميس العالم الاسفل نواميس كاملة )
ويستمر الشاعر السومري في تقديم هذا المشهد المكثف بلغة رمزية لها دلالاتها المعبرة ، لغة شرطية لاتتحمل التفصيلات الفائضة . من خلالها نفهم أن إنانا تفقد جميع شاراتها الالوهية عند إجتيازها الأبواب السبعة ، حتى تصبح عاجزة عن فعل أي شئ أمام ملكة " الاسفل العظيم " ( إنحنت خفيضة ، جئ بها عارية أمامها ) وبما انها الان عارية من شارات الخلود ، لذا فان حكماء العالم الاسفل وحراسه على استعداد لتطبيق قوانين عالمهم على آلهة مثلها أيضا ( أركيجال المقدسة اعتلت سدة العرش
الانوناكي القضاة السبعة ،
نطقوا الحكم أمامها ،
سلطت عينيها عيني الموت
نطقت الكلمة بحقها ، كلمة الغضب
صدرت عنها الصيحة بوجهها ،
صيحة الادانة ،
ضربتها أحالتها جثة هامدة
الجثة علقت بمسمار ) وهذا يدلل رمزيا على ان الانسان ينتقل من الحياة الى عالم الموت مستسلما ذليلا تاركا وراءه خداعه ومكره وطموحه ووحشيته وحقده وحسده وتبجحه .
وينتقل بنا الشاعر القديم الى عالم السماء والارض حيث يتابع تطور الحدث من خلال قلق ( ننشوبر ) بسبب عدم عودة سيدتها ، فتبدأ بتنفيذ التعليمات في اقامة النواح وطرق ابواب آلهة السماء لإنقاذ إنانا ، لكن إنليل وإله القمر نانا لايصغيان الى توسلاتها ، إلا ان الاله "أنكي " يقرر مساعدتها بخلق مخلوقين يتناسبان مع العالم الاسفل ، وعلمهما الحيلة لانقاذها من عالم الموت ( واحد منكما يرش لها طعام الحياة ، والآخر ماء الحياة ، إنانا " سوف تقوم " ) وعندما ينجح هذا المخلوقان باختراق عالم الموتى بالحيلة وينفذان تعليمات الاله أنكي المحكمة التي لاتترك مجالا للخطأ بل تخضع للتتابع في التنفيذ بما يشبه السيناريو المعد مسبقا من قبل الشاعر حيث نرى حبكة الاحداث تتصاعد حسب خطة الاله أنكي . وعندما تعود إنانا الى الحياة لا تستطيع الخروج من عالم الموتى دون أن يقدم بديل مكانها ( من الذين نزلوا الى العالم الاسفل واتفق لهم ان يصعدوا سالمين ؟ ) لذلك فان شياطين ( الجلا ) وهم حرس العالم الأسفل ، يقومون بمصاحبتها للعودة بالبديل .
وأثناء رحلتها تلتقي بالكثير من الذين تعرفهم وأحبتهم والذين حزنوا على غيابها في محنتها هناك في عالم اللارجوع ، لذا فانها ترفض تسليمهم كبديل . وعندما تصل مدينتها ( أوروك ) ، هناك تجد حبيبها وزوجها الاله (دموزي ـ تموز ) مرتديا فاخر الثياب ، جالسا على عرشه يتلهى بإقامته احتفالا كما يليق بإله ، وغير آبه بفراق حبيبته والحزن عليها . وهذا ما أغضب إنانا لدرجة ) سلطت عليه عينيها ، عين الموت ،/ نطقت الكلمة بحقه ، كلمة الغضب ،/ أطلقت صيحة في وجهه . صيحة الاثم . أما هذا فخذوه . ) وبدون ضجة اسلمته الى شياطين ( الجلا ) كبديل لها .
ومن خلال المقاطع الشعرية التي اوردناها من اسطورة نزول إنانا – عشتار الى العالم الاسفل يتضح لنا التعدد الصوتي والايقاعي في القصيدة الواحدة والمبني على التكرار المفاجئ سواء كان في الكلمة ام في الجملة ، كأنه الموتيف الموسيقي . فهنالك ثلاث أصوات تحدد لنا ثلاث إيقاعات هي : الشاعر ، إنانا ، والبواب او صوت الشاعر و ننشوبر و الاله أنكي في المحاورة الاخرى . وبالتأكيد فان المتحاوران ( إنانا والبواب ) يشكلان إيقاعا حواريا في الحاضر ( الان ) أما الشاعر فانه يعبر عن الماضي لانه يصف ما حدث في الماضي قبل ان يبدأ المتحاوران حوارهما . لذا فان تعدد الاصوات هنا يأخذ شكل حوارات ثنائية او الديالوج باللغة المعاصرة ، وهذا ما يقربها من الحوار الدرامي ويسهل معاصرتها وإعدادها كدراما معاصرة . وقد عبر الشاعر عن موت إنانا التراجيدي باسلوب فيه الكثير من العنف والغضب والرمز .
أما شخصيات الطقس فانها رسمت بشكل فيه الكثير من الكمال من قبل الشاعر السومري الذي مازال يقلقنا من خلال انعكاس المشكلة التي عالجها وانعكاسها على مشكلتنا المعاصرة . وبالرغم من ان معظم الشخصيانت من الالهة ، ألا ان شاعرنا السومري استطاع ان يعالج المشاعر الانسانية المتمثلة بالخوف والقلق والجشع والصفات البشرية الاخرى وهذه احد ميزات مثيولوجيا وادي الرافدين كون الالهة هي بشر غير متعالي عن الانسان بالرغم من عليائها بسكنها السماء . فنرى بان شخصية الالهة إنانا وطموحها في الاستيلاء على عالم الاموات اضافة الى عالم ما فوق الارض ،يدلل على انها شخصية ماكرة تعتمد الحيلة والخديعة للوصول الى مآربها ، وهذا واضح بشكل جلي من خلال الالاعيب والحيل والتزلف والخداع الذي اعتمدته . وكذلك اعتماد ذلك الاسلوك بغية منع عفاريت العالم الاسفل الذين رافقوها من القبض على معارفها واعتقالهم كبديل عنها . لكنها تظهر كل وحشيتها وقساوتها وحقدها وغضبها في وجه الاله دموزي ـ تموز لانه لم يتظاهر بالحزن والتزلف الكاذب عند عودتها . ان هذه المميزات والصفات التي أسبغها الشاعر السومر ي على شخصية انانا تترك لدينا إنطباعا بتكامل شخصيتها . ويمكن القول بان الفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات والاحداث هو فضاء سحري فيه الكثير من الطقوسية والجاذبية .

كوبنهاكن شمال الكوكب




#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصريات الممثل ..الى فاضل خليل
- برشت و التراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي
- مات الفريد فرج لكن صدى حواره مازال يتردد
- الرحلة الضوئية .. طقس مسرحي عن العنف وأمل الانسان
- المسرح العراقي و مفهوم المسرح الملحمي
- هيمنة المراكز الثقافية وإلغاء ثقافة الآخر
- هل مازال العراق يلتهم شعراءه
- الفردوس المفقود في لوحات الفنان العراقي عباس الكاظم
- تحولات الاشياء في فن المنفى
- خمس ساعات فقط في ظهيرة الزمن
- لورنا سليم زهرة الأسرار تتألق في الشمس العراقية
- د. سوداني :بيان حول ذاكرة الجسد في المسرح البصري
- ظهيرة الخروج
- سرية الإبداع بين المخرج والمؤلف في المسرح العربي
- شكسبير و الوجه القبيح للطاغية (ريتشارد الثالث وصدام حسين ) ...
- الضفة الأخرى من الجريمة والعقاب
- همس الليالي البيضاء في العرض المسرحي البصري
- المفكرون العرب لا يمتلكون الاحساس بالزمن
- المخرج المسرحي العراقي د.فاضل سوداني .....الحضارة الشرقية غن ...
- خيال الظل العربي الاسلامي


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل سوداني - تصورات العراقيين القدماء عن متاهات العالم الأسفل