أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسيون - من لا يملك خبزه لا يملك إرادته..















المزيد.....

من لا يملك خبزه لا يملك إرادته..


قاسيون

الحوار المتمدن-العدد: 2009 - 2007 / 8 / 16 - 03:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمر عام دون أن نفاجأ بأن احتياطي القمح المخصص للخبز البلدي (خبز الفقراء) لا يكفي سوى لفترة وجيزة.

الخبز في مصر يسمى (عيش)، وهذا الاشتقاق اللغوي للتسمية يحمل دلالات عميقة، إذ أن الخبز هو عماد الحياة ومصدر العيش الأساسي للمواطن المصري.

طالعتنا الصحف أن وزارة التضامن الاجتماعي (وهي وزارة مستحدثة استحوذت على اختصاصات وزارة التموين)، أعلنت أن «الأرصدة الإستراتيجية المتوافرة من الأقماح لإنتاج الخبز البلدي المدعم... متوافرة لمدة شهرين ونصف الشهر»، وأن كميات متعاقد على استيرادها سوف تصل إلى الموانئ المصرية خلال الشهرين الحالي والقادم.

وهكذا عودتنا حكوماتنا «غير الرشيدة» على الرد الفوري المدعوم بأرقام ما، بأن جهودها لا توفق في حل مشكلاتنا.

مشكلة القمح لا تكمن في المسارعة إلى استيراده كلما قارب مخزونه على النفاذ. ذلك أن الاستيراد محاط بمخاطر جمة بالنسبة لسلعة إستراتيجية مثل القمح، بداية من الضغوط الامبريالية (الأمريكية على وجه الخصوص)، وقد جربناها سابقاً، وحتى احتمالات اضطرابات وحروب في المنطقة – وهذا احتمال كبير الآن – تحول دون وصول القمح إلينا.

كانت مصر تاريخيا هي سلة الغلال للإمبراطورية الرومانية، وظلت هكذا بالنسبة لمنطقتنا ربما حتى المراحل المتأخرة من حكم المماليك ومن بعدهم الأتراك.

كانت الملحمة الهائلة لبناء السد العالي والتي اتسعت إلى تأميم قناة السويس، وما تلى ذلك على طريق التنمية ودعم للاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي، كانت هذه الملحمة تضع في مقدمة أولوياتها توسيع الرقعة الزراعية لتوفير الغذاء للشعب، خصوصا توفير الاكتفاء الذاتي من القمح. وهذا هدف ممكن التحقيق على أرض الواقع.

منذ أكثر من عشرة سنوات أعلنت الحكومة عن «مشروع توشكي» الذي يقوم على استصلاح مساحات واسعة من الأرض وزراعتها، وفي غمار الحملة الدعائية الواسعة التي قامت بها الحكومة «لإنجازاتها التاريخية» مقدما!! في عصر الحرية والديمقراطية واقتصاد السوق، صوروا الأمر كما لو أن كل مشاكلنا خاصة في إنجاز الغذاء قد أصبحت من الماضي. وكما اشتعل الموضوع فجأة، انطفأ فجأة، ولم يعد له ذكر. لقد اكتفت الحكومة بتوفير بنية أساسية بما فيها توصيل المياه (بتكلفة عالية للغاية) لاستصلاح المساحات الأكثر جودة من الأرض التي اشتراها بعض أمراء الخليج والبعض من النخبة المصرية المتنفذة، وأقاموا عليها مزارع حديثة لمحاصيل غير تقليدية مخصصة للتصدير!!

قبل ذلك ترددت أحاديث جادة عن مساحات شاسعة (عشرات الملايين من الأفدنة) تقع على الحدود المصرية السودانية، صالحة للزراعة بجهود استصلاح ضئيلة، وتتوافر لها الموارد المائية الكافية، ويمكن زراعتها بالقمح الذي يكفي احتياجات العالم العربي بأسره. وتردد أنه تم إعداد أفكار أولية لمشروع يقوم السودان بمقتضاه بتقديم غالبية الأرض، وتقدم مصر العمالة الماهرة وجزء من الأرض، وتقدم ليبيا المال. غير أن المشروع لم يبدأ أصلا بحجة أنه سوف يغضب الأمريكيين!!

مؤرخو المرحلتين المملوكية والتركية يذكرون أنه في فترات انخفاض فيضان النيل وعدم كفاية المياه للزراعة، كانت تنتشر المجاعات ويهلك السكان جوعاً، كان الموسرون يشترون مكيال القمح بعشرات الدنانير الذهبية لإنقاذ أسرهم من الموت.

لكن ذلك كان من قرون خلت، لم يكن فيها السد العالي ولا علوم تطوير الإنتاجية الزراعية ومراكز الأبحاث المحترمة في بلادنا ولا وسائط النقل السريع.. الخ. كان الجوع خطر داهم يهدد الشعوب. لكنه لم يعد خطراً الآن بالنسبة لبلدان مثل الصين الشعبية ذات المليار وثلث من السكان، أو الهند ذات الأكثر من مليار نسمة، اللتين حققتا اكتفاءً ذاتياً من الغذاء، وتجاوزا أخطار المجاعات والابتزاز والضغوط السياسية. وتمكنت سورية من تحقيق طفرة زراعية، وفي إنتاج القمح بالذات بما حقق لها اكتفاءً ذاتياً، فتمكنت من الصمود ومواجهة الضغوط الامبريالية.

لكن في عصرنا الزاهر!! لا يواجه الموسرون، أو بالأصح القلة الضئيلة التي تغتصب الثروة والسلطة ما كان الموسرون في سالف الزمان. ففي حفلاتهم الخاصة (الأعراس وأعياد الميلاد.. الخ..) يأتيهم الطعام بالطائرات من مطعم مكسيم الباريسي الشهير، فهم لا يأكلون طعامنا ولا خبزنا، ولا يشربون ماءنا. وحتى لا يسكنون حيث نسكن، إذ أن قصورهم وأحياءهم وربما في المستقبل القريب مدنهم الخاصة، مؤمنة إليكترونياً وتعج بالحراس. إنهم باختصار لا يعيشون حياتنا ولا يأبهون بنا.

قضية القمح بالذات، تمثل بالنسبة لمصر قضية أمن قومي من الدرجة الأولى، وما لم يتحقق إنتاج القمح لسد حاجات الشعب، فإن الأمن القومي المصري سيكون مهدداً بدرجة خطيرة وحادة، ولا يجوز إغماض العين عنها للحظة.

الأزمات التي لاحصر لها– وهي مفردات ومكونات الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد- هي أزمات مصنوعة أنتجتها سياسات عمدية تخدم مصالح قلة ضئيلة تكونت بالنهب الوحشي.

منذ عشرين عاما تقريباً تقرر البدء في إقامة مشروع حكومي كبير لحل مشكلة نقص اللحوم والحد من استيرادها. وتم البدء فعلا بإنشاء مزارع عملاقة لتربية «العجول». غير أن المشروع سرعان ما تم إغلاقه تحت ضغط مستوردي اللحوم من الخارج. وفي ذات الوقت، وحتى الآن يتوالى ضبط كميات كبيرة من اللحوم المستوردة الفاسدة والتي لا تصلح للاستهلاك الآدمي.

منذ عامين تقريباً أثير موضوع استيراد اللحوم من السودان. وتم الاستيراد فعلاً وتحددت أسعار البيع للمستهلك بنصف الأسعار السارية. لكن الكميات الهائلة المستوردة تبخرت من الأسواق بسرعة البرق، ولم نعد نسمع عن استيراد اللحوم من السودان، لتستمر أسعار اللحوم في الصعود الجنوني وبدرجة لا تطاق.

والأنكى، أنه منذ سنوات قليلة تأسس ما يسمي «بورصة الدواجن»، من خلالها يتحكم كبار منتجي الدواجن في الأسعار وسيادة الاحتكار، حيث يهلك صغار المنتجين، ثم تم حظر تربية الدواجن في بيوت الفلاحين بدعوى انتشار أنفلونزا الطيور.

وهكذا ارتفعت أسعار الدواجن بدرجة كبيرة للغاية. انه الاحتكار!!

هكذا تمسك بنا وبخناق الوطن الأزمات والأخطار من كل جانب، نتيجة سياسات بدأت منذ ثلث قرن، واستهدفت إقامة طبقة ضيقة اعتمدت النهب الوحشي وكل الأساليب الإجرامية وغير المشروعة طريقاً وحيداً للثراء، حتى وإن ذهب الوطن والشعب إلى الضياع.


- إبراهيم البدراوي




#قاسيون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكهرباء بين السياسة والاقتصاد
- على طريق «وحدة الشيوعيين السوريين» .. خطوة إلى الأمام
- انتخابات لبنان:انزياح المزاج الشعبي نحو إرادة الانتصار
- أي نمو نريد؟؟
- د. كمال خلف الطويل لقاسيون:مغامرو المؤسسة الأمريكية الحاكمة. ...
- الخطر الاستراتيجي القادم
- «رَشّ انبز»... بس على مين وليش؟
- الأزمة الفلسطينية... استعصاء عابر أم مأزق دائم؟
- تخدير «سلمي» لمسار «عدواني»
- الوصفة القاتلة لصندوق النقد الدولي .. إلغاء الدعم والتضخم ال ...
- في ذكرى معركة ميسلون المجيدة.. كم مشينا على الخطوب كراما وال ...
- الوافد الجديد.. حذار
- رباعي غير «وتري»
- أطول حروب التاريخ
- هزم في مارون الراس.. فأطل من «العربية»!
- يسار در.. أمام سر..
- العميد «محمد أمين حطيط»:ما يحدث اليوم.. سيؤسس لمئة عام من ال ...
- سنة على «حرب تموز المجيدة» والمقاومة أكثر قوة
- الحكومة.. من الإعلان إلى النتائج
- إعتذار إلى البنك الدولي،وشكر لوزير الاقتصاد والتجارة... وبشر ...


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسيون - من لا يملك خبزه لا يملك إرادته..