أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي جرادات - عطش ثلاثين عاماً















المزيد.....

عطش ثلاثين عاماً


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 11:05
المحور: حقوق الانسان
    


كان موضوع هذه المقالة موضوعاً آخر، بتلقائية ودون تفكير عزفت عنه، بعد حضوري مهرجاناً خطابياً اقيم بمناسبة دخول مناضل الحرية الفلسطيني سعيد وجيه العتبه عامه الواحد والثلاثين في الأسر، بعد أن أفنى ثلاثين عاماً مِن سني عمره في مقارعة السجن والسجان، ليحظى بلقب عميد الأسرى الفلسطينيين.
الساعة الرابعة مِن بعد ظهر اول أمس الإثنين، دلفتُ مع "الدالفين" إلى قاعة القصر الثقافي بمدينة رام الله، حيث أقيم المهرجان، شاهدت عدداً مِن قدامى الأسرى المحررين، ممن أمضوا سنوات وسنوات في السجن، بعضهم شاطر سعيد العتبة العيش لسنوات في سجن بعينه أو زنزانة بعينها، كان بينهم المناضل أحمد شريم (أبو هزاع)، أول أسير فلسطيني أمضى في السجن عشرين عاماً دفعة واحدة، بين عامي 1969 و1989، زاد عليها لاحقاً "نثريات" ثلاث سنوات في الاعتقال الإداري، كان آخرها عام 2002، عشناه سوياً على "برشين" متجاورين.
ناداني أبو هزاع، جلست بجانبه فرحاً بلقائه. فكنت وجها لوجه مع صورهم معلقة على الجدار، 65 اسيراً فلسطينياً ما زالوا منذ أكثر مِن عشرين عاماً لمعاناة القيد يكابدون، تخيلتهم كأنهم هُمْ بدمهم ولحمهم: سعيد وجيه العتبة، نائل صالح البرغوثي، فخري عصفور البرغوثي، سمير سامي قنطار، أكرم عبد العزيز منصور، محمد ابراهيم أبو علي، فؤاد قاسم الرازم، ابراهيم فضل جابر، حسن علي سلمة، عثمان علي مصلح، سامي خالد يونس، كريم يوسف يونس، ماهر عبد اللطيف يونس، سليم علي الكيال، حافظ نمر قندس، عيسى نمر عبد ربه، محمد عبد الرحيم منصور، احمد فريد شحادة، محمد ابراهيم نصر، رافع فرهود كراجة، طلال يوسف ابو الكباش، مصطفى عامر غنيمات، زياد محمود غنيمات، خالد سعدي ابو شمط، عثمان عبد الله بني حسين، هزاع محمد سعدي، بشير سليمان المقت، ستيان نمر والي، عاصم محمود والي، صدقي سليمان المقت، هاني بدوي جابر، محمد احمد الطوس، نافذ احمد حرز، فايز مطاوع الخور، غازي جمعة النمس، محمد مصباح عاشور، احمد عبد الرحمن ابو حصيرة، وليد نمر دقة، محمد عبد الهادي الحسني، توفيق ابراهيم عبد الله، مصطفى محمود قرعوش، ابراهيم نايف ابو مخ، رشدي حمدان ابو مخ، ابراهيم عبد الرازق بيادسة، ابراهيم مصطفى بارود، علي بدر مسلماني، فواز كاظم بختان، خالد احمد محيسن، عصام صالح جندل، وصفي احمد منصور، علاء الدين احمد البازيان، احمد علي ابو جابر، عبد اللطيف اسماعيل شقير، عفو مصباح شقسر، صالح محمد العبد، عبد الناصر داوود الحليس، طارق داوود الحليس، ابراهيم حسين عليان، سمير ابراهيم ابو نعمة، حازم محمد عسيلة، حمزة نايف زايد، سامر عصام المحروم، عبد الرحمن فضل القيق، خالد مطاوع الجعيدي، احمد ابو السعود حنني.
خلف عريف المهرجان، كانت صورهم مع اسمائهم، رأيتهم عبرها كما عهدتهم مبتسمين، بقبضاتهم مِن وراء القضبان يلوحون، وبأمل الينا ينظرون، وبثقة لحريتهم ما زالوا ينتظرون، وعلى جمر حرية الشعب واستقلاله وعودته ببطولة ما انفكوا يقبضون، وعلى شعاع أمل احتضان فلذات الكبد والأم والأب والزوج يتغذون، وعلى حبل رجاء اللقاء بالصديق وزميل العمل والدراسة وشريك النضال يعيشون.
خلف صورة كل واحد منهم، ترقد ببراءة ومهابة رواية بطولة ومعاناة، هيهات يدرك عمق معناها الوطني ونبل مغزاها الانساني، ذاك الذي سمع عن تجربتهم ولم يعشها، يعيشونها هُمْ مواجهة يومية مباشرة قاسية منذ عقود، نزفوا خلالها نبضا حياتيا هائلا، لا يحصى، سكبوه طواعية في مواجهة السجان، بدلَ بذله في بستان حياتهم المجتمعية العامة، وفي حضن سعادتهم الأُسرية الخاصة، وبدلَ بذله في التعليم والتعلم في حضن الجامعة والمدرسة والعمل المنتج في المزرعة والمصنع والورشة، وبدلَ بذله في حميمية علاقات الأُبوة والأُمومة والأُخوة والزوجية وكل علاقات القرابة والصداقة والجيرة.
برغم علو صوت الخطباء وحرارة كلماتهم، جاءت كلها معاهدة لهم وممجدة لتجربتهم وبطولتهم، فإن أيِّ مِن كلمات الخطباء لم تستطع انتزاع عيناي عن صورهم طيلة ساعات المهرجان، خلا كلمتين، كانت الأولى، كلمة قدمتها تلك المرأة السبعينية أم الأسير مخلص برغال مِن اللد، فكلماتها جاءت تلقائية بسيطة موجزة عميقة مؤثرة، صفق لها الحضور وقوفاً لدقائق، حيث قالت: "أرجوكم لا تنادوننا بتوصيف عرب 48، فهذا توصيف مَن أخذ أرضنا وشرَّد شعبنا، فيما نحن الجذر الذي صمد، عرب فلسطينيون، على ذلك ربينا أبناءنا، ما قادهم إلى سجون الحرية، سجون لا تهمنا، لا تهمني، منذ تسعة وعشرين عاماً وأنا اتردد مع أبنائي وآخرهم مخلص يقضي حكم المؤبد، مِن سجن إلى آخر، ووصيتي الأخيرة لكم أن يكون التركيز على قدامى الأسرى، أؤلئك الذين امضوا عقودا في السجن، وما زالوا". أما الكلمة الثانية، مسك ختام المهرجان، فكانت كلمة أخت سعيد العتبة، قرأتْ مِن رسائله كلمات بكى لها القلب قبل العين، ونطقت بكلمات هي مشاعر اخوة، ما كان يمكن لسامعها إلا أن تسيل دموعه مدرارة، وكانت ذروة كلمة الأخت نقلاً عن والدتها منعها كبر السن والمرض مِن القدوم مِن نابلس إلى رام الله لحضور المهرجان، قالت الأخت: منذ ثلاثين عاماً ووالدتي تلاحق سعيد، تبحث عنه مِن سجن إلى آخر، منعوها مِن زيارته منذ بداية الانتفاضة الثانية في ايلول 2000، ولم تستطع زيارته خلال هذه المدة سوى مرة واحدة عام 2006، لمناسبة دخول سعيد عامه الثلاثين في السجن، يومها سمحوا لها باحتضانه للمرة الأولى منذ غادرها مقيداً قبل ثلاثة عقود. وأضافت الأخت: والدتي لا تريد شيئاً مِن هذه الحياة سوى احتضان سعيد لمرة واحدة، هي تناشد كل ذي ضمير حي، وتناشدكم كمسؤولين وصناع قرار أن تبذلوا قصارى جهدكم، لاخراج سعيد مِن عتمة السجن. وتقول الوالدة المسنة المتعبة المريضة: "دبيب الموت يدنو مِن عتبة حياتي، اريد أن أرى سعيداً قبل أن أموت، أريد أن احضنه ولو لمرة واحدة فقط، فقط لمرة واحدة قبل أن ارقد رقدتي الأبدية، ارجوكم، اتوسل اليكم، أن تبذلو جهدكم بعيدا عن الحزبية لانتزاع فلذة كبدي سعيد مِن قبضة السجان".
كل الكلمات لا تساوي شيئا امام صرخة طفل يتضور جوعاً، فما بالك كم تساوي أمام حالة والدة مسنة مريضة، يذبحها حنان الأمومة مِن الوريد إلى الوريد، يسيل بلهفة لاحتضان ابنها، حرموها مِن العيش الهانئ معه، والدة اعياها عطش ثلاثين عاماً لتقبيل فلذه كبدها.
لأجل رد عطش أم سعيد، وتلبية لدعواتها ومناشداتها، ولكي لا يجري نسيان كل الارواح العطشى مِن امثال ام سعيد، فإنه لا يجوز لفلسطينيِّ واحد أن ينسى سعيداً وأمثاله مِن الشباب الفلسطيني، الأسرى منذ عقود. فهُمْ الفعل، الذي إن لم يُروَ يذوي بالتقادم والنسيان، ورواية الصياد (السجان) تسود بغياب رواية الأُسود (الأسرى). وضلالة السجان لا تسود الا بغياب سطوع نور بطولة ومعاناة السجين، بطولة ومعاناة لا يجب رؤية صاحبها في سكون سجنه فقط، بل فيما يحتضنه هذا السكون من ايقاع حياتي يغفو ببراءة في جوف زنزانته، وينام بوداعة في عطش أمه وابنه وأبيه واخته واخيه وصديقه.
فذاك الايقاع الحياتي الوطني الانساني البطولي الذي يسطره السجين الفلسطيني، وذاك العطش الذي يعيشه أهل السجين، أمران يستوجبان الحفظ والصون، لأنهما بطولة ومعاناة، إن لم يجرِ حفظهما وصونهما، سيأتي اليوم الذي يضيع فيه الحد الفاصل بين السجين والسجان، وفي هذا خطيئة، تزيل معنى الاغنية برحيل المغني، وتدثر جمالية التضحية بفناء جسد المُضَحي، يرتشف مرارات معاناته طوعاً، ويفرحه تخليدها واستلهامها نموذجاً يحتذى، كنموذج سعيد العتبة تعيش والدته عطش احتضانه منذ ثلاثين عاماً.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين -التطبيع- و-التتبيع-
- تسوية...تصفية أم تسلية؟!!!
- 55 عاما على ثورة 23 يوليو
- أول الغيث قطرة بريطانية
- إلى الباقين سلام
- حضور خطة وغياب بصيرة
- الماء والسراب
- معبر رفح والخطاب الفلسطيني المشوه
- وعي المظهر وانكار الواقع
- قطع الحوار انتحار ولكن
- صراع على السلطة أم قلبٌ لمعناها؟!!!
- حلقة الخلاص الوطني المركزية
- ًكي يبقى النهر لمجراه أمينا
- العبرة في النتائج
- خطوة إضطرارية أم إنتحارية؟!!!
- موانع إجتياح غزة سياسية
- 5 حزيران تطرف النصر والإنهزام
- تجليات الفوضى الخلاقة
- تجاوز لكل الخطوط
- لماذا يستباح الدم الفلسطيني؟!!!


المزيد.....




- حركة فتح: قضية الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين تحتل أولوي ...
- نادي الأسير يعلن ارتفاع حصيلة الاعتقالات منذ 7 أكتوبر إلى 78 ...
- الاحتلال يفرج عن 7 معتقلين من الهلال الأحمر ومصير 8 ما زال ...
- الأمم المتحدة: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا
- تعذيب وتنكيل وحرق حتى الموت.. فيديو صادم يظهر ميليشيا موالية ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص في غزة يواجهون انعدام الأمن ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون غزي يواجهون انعدام الأمن الغذائ ...
- زاخاروفا تضيف سؤالا خامسا على أسئلة أربعة وضعتها برلين شرطا ...
- مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلس ...
- الأردنيون يتظاهرون لليوم الرابع قرب سفارة إسرائيل ومسيرات بم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي جرادات - عطش ثلاثين عاماً