صور من تاريخ الحركة العمالية بمصانع السكر فى مصر

عبد المنعم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 11:12
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

تعد صناعة السكر من اعرق الصناعات فى مصر منذ أن نقل العرب زراعة القصب وطرق استخراج السكر منه حيث ازدهرت هذه الصناعة فى أخميم و فرشوط وكانت الصناعة أيامها بدائية 0
ومع بداية القرن التاسع عشر ودخول المصانع الحديثة لتصنيع السكر على يد الخديوى إسماعيل شهدت هذه الصناعة تطورات هامة وكان للدائرة السنية خمسة مصانع بلغ رأسمالها 114 مليون فرنك وبلغ عدد عمالها 17000 عامل عام 1905
ثم اشترى الشركة رجل الأعمال البلجيكى هنرى نوس وكان معظم قياداتها من الأجانب كانت الشركة تعزلهم فى مدن مسورة أطلق عليها المستعمرات حرصا على حياتهم حيث كانت الإدارة الأجنبية تمارس عسفا وظلما للعمال 0
ولم يتغير هذا فى ظل إدارة عبود باشا للشركة 0
مع هذا العسف وذلك الظلم ومع نمو الوعى لدى الطبقة العاملة والتحامها بالحركة الوطنية فى ظل دعوة مصطفى كامل ومحمد فريد من بعده اللذان رفعا رايات الجهاد من اجل الاستقلال وفتحا مدارس الشعب لمحو الأمية وتدريس التاريخ النضالى للشعب المصرى وانشاوا أول نقابة مصرية للعمال نقابة عمال الصنائع اليدوية 0
واشتعلت الحرب العالمية الأولى وخلفت أثارا من الغلاء والبطالة واتجه أصحاب الأعمال الى التجمع من اجل الاتفاق على خفض اجور العمال وفصل اكبر عدد منهم مما ساعد فى تفاقم مشكلة البطالة 0
وكان عمال السكر جزء من الحركة الوطنية التى انفجرت طاقاتها فى ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول الذى زار مصانع السكر فى رحلته الى الصعيد على ظهر باخرة نيلية طافت به مدن وادى النيل فى الجنوب0
واكبت ثورة 19 حركة عمالية لاحياء العمل النقابى وتحسين ظروف العمل والمطالبة بتحديد ساعات العمل وصرف مكافأة نهاية الخدمة والاجازات المدفوعة بكل أنواعها والتعويض عن إصابات العمل
كانت التشريعات أيامها تخلو من قوانين للعمل تكفل تنظيم العلاقات بين العمال واصحاب الأعمال وتحمى العاملين من الظلم والجور والتعسف والإذلال وتضمن لهم حقوقهم الاساسية0
وكان العمال يعملون فى ظروف صحية صعبة لساعات تمتد الى اكثر من اثنتى عشر ساعة وكانت الأجور متدنية والغلاء يزداد فحشا وكان لابد للعمال من التجمع والتحرك للدفاع عن حقهم فى حياة كريمة وظروف عمل افضل 0
وكان عمال السكر إحدى القوى الفاعلة والمؤثرة فى هذه الحركة0
ففى 12 أغسطس 1919 اضرب خمسمائة عامل فى مصنع سكــر أبوقرقاص للمطالبة بتحسين أجورهم 0
كما اضرب فى اليوم نفسه عمال مصنع التكرير بالحوامدية مطالبين أيضا بزيادة الأجور وخفض ساعات العمل وبعد مفاوضات بين العمال وادارة الشركة تقرر العودة للعمل واعطاء الشركة مهلة 15 يوما للرد على مطالب العمال
وفى 18 أغسطس 1919 اصدر مجلس الوزراء قرارا بتشكيل لجنة للتوفيق بين العمال والإدارة 0
وفى أعقاب ثورة 1919 شهدت البلاد موجة من الغلاء سجلت أعلى معدل لها عام 1920 وفى مواجهة هذا الغلاء تحركت القوى العاملة لتنظيم صفوفها والاتجاه الى العمل الجماعى
كان العمل النقابى أيامها جريمة عقوبتها الفصل ولم تكن هناك قوانين تسمح بشرعية قيام النقابات العمالية0
واضرب عمال شركة السكر بالحوامدية إضرابا جزئيا يوم 30 يونيو 1920 اشترك فيه 800 عامل من مجموع 2000 عامل مطالبين بزيادة الأجور وصرف علاوة لغلاء المعيشة وتمكن الحازم بك مظلوم مدير الجيزة من إعادتهم للعمل فى نفس اليوم ووعد ببحث مطلبهم مع يوسف قطاوى باشا عضو مجلس إدارة الشركة وقد أسفرت جهوده عن منح العمال 20% زيادة فى الأجور و30% علاوة لغلاء المعيشة وفى 9 يوليو 1920 تم إبلاغ القرار الى العمال فقابلوه بالتصفيق الشديد ودعوا لمدير الجيزة بطول العمر وتقرر العمل بهذا القرار من اول يوليو 1920
وظهرت بوادر الحركة العمالية بشركة السكر بنجع حمادى فى اكتوبر1920 وطالبوا بزيادة الأجور 20% وصرف علاوة لغلاء المعيشة 10% ومكافئة عند نهاية الخدمة لكن حركتهم لم تحقق شيئا
لقد ناضل النقابيين وتبلور نضالهم فى تشكيل اول اتحاد عام يضم النقابات العمالية باسم الاتحاد العام لنقابات وادى النيل فى15 مارس 1924راسه عبد الرحمن فهمى بك أحد القيادات الوفدية والذى لقب بزعيم العمال 0
وظلت فاعلية هذا الاتحاد محدودة للغاية فى الدفاع عن العمال وحقوقهم وباستثناء النزاع الذى نشب فى شركة المعصرة للإسمنت والذى تدخل عبدالرحمن فهمى شخصيا لتسويته
لم يكن للاتحاد دور ملموس فى عديد من المنازعات التى وقعت والتى كان من أبرزها النزاع حول مطالب عمال شركــة السكر فى كوم أمبو وأرمنت 0
تقدم عمال شركة السكر بكوم أمبو بقائمة من المطالب تضم 41 مطلبا فى أكتوبر 1924 من ضمنها الاعتراف بالنقابة وتعديل الأجور واقرار نظام للاجازات والعلاج والتعويض عن إصابات العمل ولم يظهر الاتحاد أي اهتمام بهذا النزاع 0
أما عمال مصنع السكر بارمنت فقد أسسوا نقابة لهم فى نوفمبر 1924 وطلبت هذه النقابة الانضمام لاتحاد العمال برئاسة عبدالرحمن فهمى وتقدمت هذه النقابة بعدد من المطالب حول ساعات العمل والأجور وسوء المعاملة وسوء حالة الخفراء 0
وردت الشركة على ذلك بتهديد أعضاء النقابة بالفصل وقامت الشركة بالفعل بفصل 16 خفير ولم يتحرك الاتحاد لاعادتهم للعمل إلا مؤخرا عندما نشرت جريدة الاتحاد العام فى 11بناير 1925 بيانا عن الأحداث ناشد فيه عمال مصنع أرمنت الرأي العام والصحافة ان تحتج على ما وقع لهؤلاء العمال المستكينين 0
وفى يناير 1925 اضرب العمال الزراعيين التابعين لمصنع سكر أرمنت للمطالبة برفع أجورهم واحتجاجا على فصل أربعة من زملائهم لنشاطهم النقابى
سقطت حكومة الوفد عام 1924 وفقدت الطبقة العاملة الكثير من مطالبها وأمانيها المعلقة التى توسمت فى حكومة الوفد فى تبنيها 0
وطفت على سطح الحياة السياسية حكومة زيوار باشا التى اتجهت نحو تقييد الحريات حرية الصحافة وحرية الاجتماعات وحق تأليف الجمعيات والمنظمات النقابية مما وضع الطبقة العاملة وحركتها فى مناخ سياسى مضاد لحركتها وأهدافها 0
كان من الطبيعى ان يتراجع العمل الجماعى أو يفقد على الأقل أسلحته ومن ضمنها سلاح الإضراب ليحل محله أسلوب الشكوى ورفع الالتماسات
فى وقتها توالت الالتماسات والشكاوى من عمال شركة السكر بارمنت الذين وصلوا بشكواهم الى الأعتاب الملكية راجين إعادة زملائهم المفصولين وصرف تعويضات لاخرين0
وسقطت وزارة زيوار باشا وألف عدلى يكن باشا الوزارة وكان العمال يأملون أن يكون هذا مؤشرا لإلغاء القيود وفاتحة أمل لتحقيق مطالبهم
إلا ان الأزمة الاقتصادية ازدادت تفاقما ( 1929-1934) وصاحبها ارتفاع جديد فى الأسعار وسعى أصحاب الأعمال لخفض الأجور وتوفير مزيد من العمال وتضييق الفرص المتاحة للاستخدام 0
فى هذه الفترة ركب القصر موجة الحركة العمالية فأسس النبيل عباس حليم حزبا للعمال0
وفى ظل حكومة صدقى باشا شددت الرقابة على العمل النقابى ودور النقابات وعلى سراى النبيل عباس حليم رئيس حزب العمال أيضا 0
وفى غيبة البرلمان وفى ظل القيود الصارمة التى فرضها صدقى على الحريات العامة والصحافة انقض صدقى باشا على مقار النقابات العمالية واغلق مقر الاتحاد العام للعمال فى 15 مارس 1931 أطلق رجال الأمن يلاحقون القيادات النقابية ويسجلوا لهم محاضر تشرد ويعتقلوا الأخرين 0
ورغم هذا لم يستكين العمال لهذا العسف ولم تخل الساحة من مظاهر العمل الجماعى وسط العمال الذين طحنتهم الأزمة الاقتصادية
قامت مظاهرة بشركة سكر أرمنت للمطالبة بزيادة الأجور فى الثلاثينيات واستباح المدير الأجنبي لنفسه قتل قائدها محمود برسى برصاص مسدسه و أطلقت الشرطة سراح المدير واعتبرته فى حالة دفاع شرعى عن النفس 0
وبعدها أعاد العمال تشكيل نقابة جديدة لهم واعتبرت الإدارة تشكيلها جريمة وفصلت كل أعضائها وبعد مفاوضات أصر مدير الشركة الفرنسى ألا يعود نقابى الى عمله إلا إذا ارتدى ملابس النساء إمعانا فى إذلالهم وكسر نقوسهم0
ولبس البعض زى النساء التقليدى (الجبة والقناع ) ودخلوا المصنع يجرون ذيول الذلة تحت وطأة الحاجة 0
وظلت الحادثة وصمه فى جبينهم وجبين أحفادهم من بعدهم والى اليوم وتم فصل من لم يرتدى منهم زى النساء0
انتهى حكم صدقى فى 21 سبتمبر 1933 بصورة مفاجأة عندما قدم استقالته لظروف صحية ولكن سياسته ظلت سائدة بكل ملامحها طوال فترة حكم خلفه عبد الفتاح يحى باشا
أيامها اضرب عمال عنبر السكـر فى مصنع السكـر بالحوامـدية فى 13 اغسطس1934 لرفض الشركة إجراء التعديلات التى طالبوا بها فى الاجور وانضم إليهم زملائهم من وردية المساء فاصبح عدد المضربين نحو ألف عامل من مجموع العاملين البالغ ثلاثة آلاف 0
ويبدوا ان الخلاف دب بين قادة العمال من مؤيدى الإضراب ومعارضيه واعلنت الشركة غلق المصنع حتى لا يتفاقم الوضع0
وقد اهتمت أجهزة الأمن بالحادث فحصر مدير الجيزة محمد شعير بك الى الحوامدية بنفسه لتسوية النزاع ولكنه لم ينجح وظل جانب كبير من العمال مضربين عدة أيام رغم استئناف العمل فى بعض الأقسام 0
وفى عام 1935 اضرب عمال تكرير السكر بالحوامدية إضرابا جديدا اتسم بالقوة والعنف وأدى بأحداثه المثيرة الى تفجير قضايا العمال وعلاقتهم بحكومة الوفد التى كانت تنحاز غالبا فى جانب أصحاب الأعمال رغم ما ترفعه من شعارات الحماية للعمال وقضاياهم 0
وترجع أسباب هذا الإضراب الى النزاع القديم بين شركة السكر وعمالها فى مصنع الحوامدية حول عد من المطالب أهمها زيادة الأجور 25% واعادة العمال المفصولين فى الأحداث السابقة 0
ولم تتمكن حكومة الوفد حتى أخر يوم من وجودها فى 30 ديسمبر 1937 ان تحل مشاكل العمال رغم ما تظاهرت به من انحياز للعمال 0
وجائت حكومة محمد محمود باشا صاحب القبضة الحديدية والطغيان وعادت الوجوه المكفهرة الى السلطة 0
كانت الحركة العمالية تكتسب من خلال تجاربها صلابة وخبرة نضالية وتجمعا وتنظيما ونضجا
ولم تستكن للطغيان والصلف دفاعا عن حقوقها وواصلت العمل الجماعى الذى وصل الى ذروته بالإضراب العام يوم 12 يونيو 1939 الذى كان نقطة تحول وعلامة بارزة فى تاريخ الحركة العمالية
وفى عام 1939تمكن عمال مصنع سكر نجع حمادى البالغ عددهم اكثر من الف عامل من تاليف نقابة لهم وتعيين مستشارين قانونيين لها من المحامين المحليين
وانتهزت النقابة فرصة موسم العصير وتقدمت عن طريق مستشاريها بعدد من المطالب تتصل بزيادة الأجور وخفض ساعات العمل من 12 ساعة الى ثمانى ساعات وصرف أجور إضافية عن ساعات العمل الزائدة واصلاح مساكن العمال ونقل فريق من عمال اليومية الى كادر العاملين الدائمين 0
وهددت النقابة بالإضـراب والامتناع عن قبض الأجور ابتــداء من 10 فبراير 1939 أرسلت صورة من هذه المطالب الى مصلحة العمل ولما كانت الحكومة تملك جانبا من اسهم شركة السكرفقد تشكلت لجنة من وزارة المالية لبحث الأمر من أبو السعود سيف راضى مدير مصلحة العمل وحسان العبد وكيل المصلحة وعبدالمقصود احمد مدير الشركات بها ومسيو هنرى نوس مدير شركة السكر0
واعلن ان اللجنة وافقت على بعض المطالب التى أبلغت النقابة بها لتهدئة الموقف والحيلولة دون إضراب العمال كما تقرر أيفاد مندوبين من مصلحة العمل الى نجع جمادى لاعداد تقرير تفصيلى عن المشكلة وتم ذلك فعلا فى نهاية فبراير 1939
وفى أوائل مارس 1939 سافر هنرى نوس رئيس مجلس إدارة الشركة ووكيله ممدوح رياض الى نجع حمادى وبعد ان اتصلا بحكمدار قنا ومأمور مركز نجع حمادى استدعيا ممثلى العمال لابلاغهم ببعض القرارات التى اتخذتها الشركة لتسوية مطالبهم أهمها صرف مرتب يوم عمل إضافي كل عشرة أيام وصرف اجر سبعة أيام مكافأة فى نهاية موسم العصير وصرف اجر إضافي لمن يعملون اكثر من تسع ساعات من عمال العصير
وقبل العمال هذه التسوية على أمل الاستجابة لباقى المطالب مستقبلا
وبعد انتهاء موسم العصير فى أبريل 1939 انقضت الشركة على زعماء العمال وفصلت منهم 60 عاملا واعلنت من جانبها حل النقابة واتهمت يوسف حمدان من قادتها بتهديد مدير المصنع بالاغتيال وأطلقت البوليس لمطاردته وتفتيش مساكن العمال بحثا عنه 0
وهكذا تمكنت إدارة الشركة بمعاونة الحكومة من خداع العمال وتأجيل الإضراب حتى انتهى موسم العصير لتنقض على العمال ونقابتهم خارج الموسم فى اكبر موجة فصل للعمال شهدتها شركة السكر بنجع حمادى
وتندلع الحرب العالمية الثانية (1939 –1945) التى لم يكن لمصر فيها ناقة ولاجمل والتى انتهت بهزيمة المانيا النازية واستسلامها فى 7مايو 1945 كما انتهت بهزيمة اليابان فى أغسطس 1945
ولقد عانت مصر والطبقة العاملة بالذات من آثارها الوخيمة من تطبيق الأحكام العرفية الى زيادة رهيبة فى البطالة نتيجة تسريح العمال من معسكرات الجيش الإنجليزي وتجمدت الاجور ولجا أصحاب الأعمال لتقليل نسب العمال فى مشروعاتهم مما وسع دائرة الصراع بين العمال واصحاب الأعمال 0
وفى فبراير 1945 تقدمت نقابة عمال السكر بالحوامدية التى تضم نحو خمسة آلاف عامل بمجوعة من المطالب الى إدارة شركة السكر والتكرير المصرية التى تملك الى جانب مصنع التكرير بالحوامدية خمسة مصانع أخرى فى الشيخ فضل وأبى قرقاص ونجع حمادى وأرمنت وكوم أمبو وهى شركة لها وزنها ضمن أسرة البرجوازية الصناعية وسكرتيرها العام ممدوح رياض عضو معين فى المجلس الاستشارى الأعلى للعمل ولم يخلو مجلس إدارتها يوما من وزير أو اكثر ضمن أعضاءه
تلك المطالب المتراكمة من سنوات الحرب ومن أهمها :
1- تحديد ساعات العمل بثمانى ساعات بدلا من عشرة ساعات
2- صرف علاوات دورية بنسبة 10% من الاجر كل سنتين
3- ان يكون الحد الأدنى للأجور سبعة قروش ونصف
4- تحسين حالة عمال الشحن والتفريغ وزيادة أجورهم بنسبة 4%
5- صرف اجر نصف الشهر المتبقى فى ذمة الشركة من المكافأة التى وعدت الإدارة بصرفها
وبتقديم مطالب العمال من جانب نقابة مصنع الحوامدية بادرت إدارة الشركة الى رفضها جملة وتفصيلا وأعلنت عدم استعدادها حتى لمجرد النظر فى تلك المطالب0 ورد العمال على هذا العنت باحتلال المصنع من يوم 12 الى 16 فبراير 1945 اى لمدة خمسة أيام وقامت وزارة الشئون الاجتماعية فى اليوم الرابع بإصدار قرار وزرى بإحالة النزاع الى لجنة التوفيق ولكن مندوب الشركة تخلف عن حضور جلسة اللجنة مما اضطر اللجنة الى تأجيل انعقادها لمدة عشرة ايام0
واعتبر العمال ان هذا التأجيل من قبيل المماطلة والتسويف من جانب الشركة وقرروا إعلان الإضراب من جديد يوم 9 مارس 1945واستمر الإضراب حتى يوم 16 مارس 1945 اى نحو أسبوع امتنع العمال خلاله عن استلام أجورهم أو تموينهم لكنهم هذه المرة لم يحتلوا المصنع إلا يومين فقط (9،10 مارس) ثم أخلوه فى اليوم الثالث تجنبا للصدام مع البوليس
وعادت لجنة التوفيق الى الانعقاد فى موعدها المؤجل ووافق العمال على العودة للعمل انتظارا لصدور قراراتها ولكن إجراءات التوفيق طال أمدها نتيجة مناورات مندوب الشركة حتى أصبحت قضية عمال مصنع سكر الحوامدية قضية العصر كما أطلقت عليها الصحافة أيامها0
ولم تصدر لجنة التوفيق قراراتها فى هذا النزاع إلا فى يناير 1948 حيث قضت بإجابة اكثر مطالب العمال0
ولكن إدارة الشركة واصلت سياسة المماطلة فرفضت تنفيذ قرارات لجنة التوفيق مالم توافق الحكومة على بعض الإعفاءات التى تطلبها الشركة وقد أحدثت قرارات لجنة التوفيق صداها المتوقع فى مصانع السكر الخمسة بالصعيد فطالب عمالها بالمعاملة بالمثل وتطبيق قرارات لجنة التوفيق عليهم وهددوا بالإضراب الجماعى اعتبارا من 15 مارس 1948ولكنهم اجلوا تنفيذ تهديدهم حتى يقابل وفد منهم وزير الشئون الاجتماعية ووزير التجارة والصناعة 0
وبرغم ان المسئولين بمصلحة العمل كانو يرون إحالة مطالب عمال مصانع السكر الباقية الى لجان التوفيق المختصة فى كل مديرية يقع فى دائرتها مصنع منها إلا ان وزير التجارة والصناعة تعاطف معهم وابلغ العمال بأحقيتهم قانونا الاستفادة من قرارات لجنة التوفيق الخاصة بمصنع الحوامدية وان ذلك سيتم تنفيذه بعد تسوية المشاكل المعلقة بين الشركة والوزارة
وتم ذلك بالفعل بعد فصل من المماطلة من جانب إدارة الشركة
وانقضى عقد الأربعينيات ووضع التاريخ نهاية لحكومات الاقلية ليعود الوفد الى سدة الحكم فى 12 يناير 1950
وفى 16 ديسمبر 1950 عاود عمال السكر بالحوامدية الإضراب لتحقيق باقى مطالبهم التى أضافوا اليها مطلب صرف إعانة لغلاء المعيشة واستمر الإضراب حتى 25 ديسمبر وتضامنت معهم نقابات عمال مصانع السكر الخمسة بالصعيد وانتهى الإضراب نهاية مؤسفة بالقضاء على النقابة وابعاد رئيسها وسكرتيرها وتكوين نقابة جديدة اختارت إدارة الشركة عناصرها من المتعاملين معها وبدأت مرحلة جديدة من الانتهازية النقابية
وقامت ثورة 23 يوليو 1952لتنحاز الى جانب القضاء على الإقطاع وسيطرة راس المال على الحكم واقامة عدالة اجتماعية
وتبنت الثورة قضايا العمال الذين تحقق لهم فى ظل الثورة والتأميم والتحول الاشتراكى ما كان أماني لم يكن يحلم بها العمال
اصبح العامل أمنا فى رزقه وأمنا على مستقبله بعد تطبيق قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية وتطويرها باستمرار0
وصار للحركة النقابية شرعيتها ومؤسساتها الخدمية والثقافية وصار للعمال والفلاحين مالايقل عن 50% فى المجالس المنتخبة ووصل العمال الى كرسى الوزارة وتشكل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر 1957 ليقود العمل النقابى وصار للاتحاد صوتا مؤثرا فى المسيرة الوطنية فى مصر والعالم العربى والحركة العمالية العالمية
لقد جنى التنظيم النقابى ثمار هذا الكفاح الطويل والتضحيات العظيمة
وكان عمال شركة السكر من طليعة المناضلين من اجل قضايا العمال وحفرت صفحات نضالهم مكانها فى تاريخ الحركة العمالية المصرية وان كان التاريخ لم يدون كل حكايتهم فى غيبة الإعلام العمالى
وتتواصل المسيرة ويصل الى مواقع الإدارة العليا فى الشركة ومواقع كثيرة ومؤثرة أبناء هؤلاء العمال المناضلين الذين مهدوا لهم الطريق0
كانت الساحة أمامهم متسعة فى ظل المكاسب العمالية ومجانية التعليم ليحققوا حلم الأباء وليتهم يعلمون حجم هذه التضحيات التى فرشت أمامهم طريق المستقبل بالورود

#عبد_المنعم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات