|
هل يمكن تنفيذ برنامج الكاميرا الخفية في فلسطين ؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2001 - 2007 / 8 / 8 - 05:27
المحور:
كتابات ساخرة
أُصبتُ بالرعب وأنا [ أتخيل] بأنني أُخرج برنامج [ الكاميرا الخفية] في وطني ... لا لأنني سأفشل في إخراج البرنامج ، ولكن لأنني مقتنعٌ بأن شعبنا الفلسطيني لا يحتمل برنامج الكاميرا الخفية ! ببساطة فإن روح المرح بين أبناء شعبنا توشك على الانقراض ، كما أن الدعابة نادرة في شواعنا ! باختصار إن الفلسطينيين مستفزون دائما ، ينظرون بحذر شديد إلى الآخرين ، فالشكُّ مقدمٌ عندهم على سلامة النيَّة والطوية . ضحكتُ وأنا أشاهد مقلبا من مقالب الكاميرا الخفية في بعض البلدان التي لا ينتشر فيها مرض الاستفزاز كثيرا فالناس قد تصرفوا في تلك الحلقة بعفوية وطيبة ، حتى بعد أن غُرِّر بهم فابتسموا وانصرفوا شاكرين لمعدي البرنامج ، وتجهمتُ حين تخيلت أن المغرر بهم سيكونون من أبناء جلدتي ، فلو حدث ذلك لأطلقت النيران وتدخل المخاتير والوجهاء ، وأسفر البرنامج على أحسن حال عن عطوة مدة أربع وعشرين ساعة بين المخرج وبين ضحيته . تمرض الشعوبُ كما يمرضُ البشر ، وأخطر أمراض الشعوب مرض الاستفزاز الدائم ، والاستفزاز مرضٌ خطير ، وهو مرضٌ معدٍ ، وهو أخطر الأمراض النفسية . حاولت أن أستقصي المرض بين أبنائنا الصغار ، فتابعت خروجهم من مدارسهم ، فهم أولا يتحدون نظام المرور فيسيرون جماعات في وسط الطريق غير آبهين بالسائقين ، بل ينظرون نحوهم باستفزاز وبتحدٍ وكأنهم يسعون للنزال والقتال . كما أنهم ينظمون بعيد خروجهم من أسوار المدرسة حلقات عراك أمام الناس ، وينفسون بها عن فترة القمع المدرسية ! وقد تحدثت كثيرا عن ذلك وأرجعت السبب إلى انعدام الترويح والتنفيس الفني عن النفوس في المدارس . لأننا مازلنا ننظر إلى التربية والتعليم نظرة متخلفة ، فنحن نقيس إنجازاتنا بالكم ، لا الكيف . فإذا أردنا أن نعدد إنجازاتنا فإننا نقول : ارتفع عدد الطلاب وبلغوا آلافا مؤلفة ، وازداد عدد المدرسين ، وافتتحت عدة مدارس جديدة . ولم نلتفت أبدا إلى طبيعة المناهج ، ولا إلى كيفية تربية الأبناء داخل جدران المدرسة تربية عقلية ونفسية . وكانت نتيجة هذا المقياس أن تحولت معظم مدارسنا في مجتمعنا ذي الوفرة في إنجاب الأطفال إلى سجون كبيرة يقضي فيها أبناؤنا [ عقوبة ] البنوَّة ، وأصبح المفهوم الشعبي السائد في مجتمعنا أن [ المدارس] تخفف على الآباء مسؤولية متابعة الأبناء ، وتبعدهم عن البيت ، فالآباء يرجعون منهكين ، ينامون فيستريح الآباء من الأبناء! كما أن مجتمعنا الفلسطيني ما يزال ينظر بغير احترام إلى المواد الفنية والرياضية والموسيقية ويعتبرها كثيرون من المعتدلين تقف حائلا دون الحفظ والاستيعاب ، أما المتطرفون فيعتبرونها حراما . لأجل ذلك قام كثير من المدرسين باغتيال تلك المواد ومنح أوقاتها للمواد الحشوية الأخرى ، وهذه كارثةٌ تربوية ، تُسبب الاستفزاز الدائم لأبنائنا ، لأن المواد الفنية والرياضية تعمل كمانعات الصواعق ، فهي تُجنب الأبناء مرض الاستفزاز . إن الأمم التي لا تضحك ولا تُصنِّع الضحك أمم مريضة غير مبدعة ، مصابة بالاستفزاز ، فلا يعقل أن حادثة مرورية تستدعي جاهة عشائرية وتتطلب استدعاء الوجهاء والمخاتير ، مع العلم بأن شرطيا واحدا في كل دول العالم يستطيع متابعة القضية وحلها . ولا يُعقل أيضا بأن خلافا بين طفلين على قطعة حلوى يدفع قبيلتين إلى الحرب ، وينجم عنه عدة قتلى ، بالإضافة إلى تهجير عشرات العائلات من أقارب القاتل إلى مناف أخرى داخل الوطن. وأخيرا فقد اهتدت الأمم إلى قيمة [ الرياضات] بكل أنواعها ، فابتدعت أسبرطه المارثون والمصارعات ، وقامت أمم كثيرة برعاية المنافسات الكروية . واستحدثت أمم أخرى نظام التجنيد الإلزامي للخدمة الوطنية . وشجع السويسريون المسالمون رياضة الصيد ، وتحظى رياضة صراع الديكة في آسيا بشعبية كبيرة . كل ذلك لتنفيس الاحتقان وإزالة الاستفزاز . أما في وطني فما تزال الرياضة الشعبية الوحيدة السائدة هي (الطوشات) والجاهات والعطوات العشائرية وبيوت العزاء ، وبيانات الشجب والاستنكار للحوادث الأليمة !!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب (المائية) الثالثة !
-
الحرب (المائية) الثالثة !!
-
كتيبة المليارديرات في إسرائيل
-
اغترب تصبح ثريا أو عبقريا
-
اغترب تصبح ثريَّا أو عبقريا
-
عصر الانتداب التجاري
-
هل معظم الأحزاب العربية أحزاب ( نكاية) ؟
-
من إنسان ( متفجر) إلى إنسان متحرر.
-
من الإنسان المتفجر إلى الإنسان المتحرر
-
إسرائيل أكبر مهدد للديموقراطية في الشرق الأوسط !
-
إسرائيل أكبر مهددة للديموقراطية في الشرق الأوسط
-
أوهام السلام الإسرائيلي
-
انتهاك الديموقراطية في فلسطين
-
اغتيال النشء الفلسطيني
-
العملاء واغتيال الروح الفلسطينية
-
رسالة من غزة إلى حفيدي
-
رسالة إلى حفيدي
-
الغيرة وما أدراك ؟!!
-
هل هناك مؤامرة على الترجمةإلى اللغة العربية ؟
-
من فنون اللجوء الفلسطيني
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|