أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرضا شياع - المكان السّايكولوجي في قصة - هل تسمعون حكايتي ؟ للأديب الليبي على مصطفى المصراتي















المزيد.....



المكان السّايكولوجي في قصة - هل تسمعون حكايتي ؟ للأديب الليبي على مصطفى المصراتي


محمد عبد الرضا شياع

الحوار المتمدن-العدد: 2000 - 2007 / 8 / 7 - 04:59
المحور: الادب والفن
    


1_ المقدّمة: تأخذنا اللغة بوهج مغرياتها حين تنفتح على كائنات تنثر عليها كواكب الأسماء، فتغدو أسماؤها وهجاً لدلالات لا يمكن أن تقبض عليها اليد إلاّ بعد تشابك الكفّ بالكفّ وإغماضة عين يتعمّق عبرها الفكر في تشظّ وانشطار يسعى للملمتهما عبر حيّز قد لا يكون وعاء لاحتواء شظايا البوح وانشطار الذّات المبعثرة بين الوجود والموجودات حيث تعثر على لذّتها المفتقدة هناك.
لعلّ هذا الحيّز سمّى نفسه أو سمّاه الفكر مكاناً، وبين الذّات والآخر يكون فعل الألق ناجزاً، فيستحيل المسمّى إلى كائن آخر حاملاً دلالة أخرى قد تصير دوالاًّ، لكنّه قد ينبتّ في الآن ذاته عن أصل التّسمية، هذا ما يمكن أن يتحقّق في فحوى المكان ومداه، فيغيّر خصائصه مكتسباً خصائص أخرى أكثر بعداً وأقدر فعلاً على استدعاء التّسميات؛ فبدلاً من أن يكون نصّاً جغرافيّاً ملتذّاً بماهيّته الهندسيّة، يصبح نصّاً أرضيّاً تنزلق على حدوده الكلمات، فيكون بؤرة لاستقدام الآخر، ودعوة للإنصات إلى ما يؤول إليه المعطى الجديد.
هكذا كان المكان سحراً يستوقف السّاري على وهج بهائه ليقتبس من هذا الوهج ألقاً لحروف كلماته الّتي تنداف روح صاحبها وذرّات المكان لتكون صوتاً تعزف لحنه عناصر الفنّ الرّابض على تخوم اللاوعي منتظراً حفل الإيّاب الّذي ينشده وعي الذّات والآخر في طقس لا يمكن إلاّ أن يسمّى كرنفال الكتابة.
إنّ السّؤال المعرفيّ المطوّح بالصّمت والباحث عن إجابات قد تتجاوز حدّ الأفق ولكنّها لا تعيش غبطة المتاه يتجلّى في البحث عن العنصر الفاعل في هذا الانبناء الّذي يشيّده المكان وبه يتشيّد، ولعلّ الإجابة الّتي تقترب من السّذاجة المقترنة بالعبقريّة حيث السّذاجة والعبقريّة صنوان(1) توضح أنّ الإنسان هو المحور في هذا البهاء. الإنسان الّذي انشغل بالبحث عن الذّات وموضوعها؛ فكان ذاتاً وموضوعاً في آن، لذلك رأى المناطقة أنّ الإنسان حيوان ناطق، ووجده علماء الاجتماع مدنيّ الطّبع، وخبره البايولوجيّون بأنّه كائن حيّ، لكنّ الأديب الملتفّ بنار الإبداع والمكتوي بلظى سناها قال إنّ الإنسان مخلوق في حيّز هو المكان المغطّى بتباريح الزّمان.
من هنا سيكون الحيّز المكانيّ رفيق رحلتنا الّتي نسعى فيها لتلمّس ظلاله النّائية الّتي تقترب من أنامل اليد القابضة على جمر وجودها، والذّاهبة بعيداً تعيش دهشة التّأمّل المعانق لأطياف المكان البعيدة لأنّها في الآن الّذي تكون فيه قريبة من حرارة العناق تعيش بهجة الزّوغان والانفلات بانية دلالاتها السّعيدة هناك على ضفاف السّفر الّتي لا تدركها أطياف العين الرّاحلة وراء خطواتها المبتلّة بتراب غربتها الباحثة عن وجودها في زمن قد يعزّ فيه الرّحيل والإنصات خلف ضوء الكلمات المتناثرة بين أطياف الكتابة الحالمة بحضورها المتجدّد مع علامة كلّ سؤال.
يظلّ المكان وجوداً متمرّداً على ذاته من حيث الأبعاد والأسماء، ومن حيث عناقه للزّمن وفعله النافذ فيه، سواء أكان الأمر متعلّقاً بأطواله والعرض أم بعلوّه والانخفاض، وفي هذه وغيرها تنبثق الدّلالات المكانيّة لتفصح عن ماهيّة وجوده؛ إذ يبقى عناق السّماء والأرض، والجبل والوادي، والعمق والاتّساع... أحيازاً مكانيّة تشدّ الكاتب إليها كما شدّت أخاه الإنسان من قبل ليعيش بين أحضانها بدفء أليف، لأنّ هذه الأحياز لها فعلها النّافذ في بناء كلّ سؤال وفي هيكليّة الإجابة عنه. (( من هنا كان للمكان قيمته الكبرى ومزيّته الّتي تشدّه إلى الأرض، ولا غرو في أنّ المكان يلعب دوراً رئيساً في حياة أيّ إنسان، فمنذ أن يكون نطفة يتّخذ من رحم الأمّ مكاناًً يمارس فيه تكوينه البيولوجيّ والحياتيّ، حتّى إذا حان المخاض وخرج هذا الجنين يشمّ أوّل نسمة للوجود الخارجيّ كان المهد هو المكان الّذي تتفتّح فيه مداركه وتنمو فيه حواسّه من بصر وشمّ وذوق وسمع ولمس، بعده - أي بعد المهد – تتبلور الأبعاد المكانيّة للإنسان بصور أوضح في البيت والمدرسة والنّادي والسّينما والكازينو والشّارع، سواء في القرية أو المدينة أو الصّحراء، بل في البحر والجوّ أيضاً في أحياز مكانيّة لا حصر لها، قد يكون القبر في الحقيقة هو النّهاية أو المحطّة الأخيرة لكلّ منها.))(2)
إنّ لغة العلاقات المكانيّة وسيلة من الوسائل الرّئيسة لوصف الواقع، وينطبق هذا حتّى على مستوى ما بعد النّصّ، فإذا نظرنا إلى مفاهيم مثل ( أعلى - أسفل )، أو ( يسار - يمين)، أو ( قريب - بعيد )، أو ( محدّد - غير محدّد )، أو ( مجزّأ - متّصل ) نجد أنّها تُستخدم لَبِنَاتٍ في بناء نماذج ثقافيّة لا تنطوي على محتوى مكانيّ، فتكتسب هذه المفاهيم معاني جديدة مثل ( قيّم - غير قيّم )، أو ( حسن - سيّء )، أو ( الأقربون - الأغراب )، أو ( سهل المنال - صعب المنال )، أو ( فانٍ - أبديٍّ )، ... إلخ. ويمكن القول: إنّ نماذج العالم الاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة العامّة الّتي ساعدت الإنسان - على مرّ مراحل تاريخه الرّوحيّ - على إضفاء معنى على الحياة الّتي تحيط به، نقول: إنّ هذه النّماذج تنطوي دوماً على سمات مكانيّة. وقد تأخذ هذه السّمات تارّة شكل تضادّ ثنائيّ:( السّماء - الأرض ) أو ( الأرض - العالم السّفليّ )...(3)
تكون العلاقة جدليّة - إذن - بين الاسم والمسمّى، وهي علاقة يجسّدها تعلّق الفعل بالفاعل إذ إنّ اسم المكان قد يكون اسماً مشتقّاً للدّلالة على مكان وقوع الفعل، حتّى إنّنا نجد في حالات كثيرة يجيء اسم المكان وله معنى يختصّ به لدرجة تجعلنا نتوهّم بُعْدَهُ عن معنى الفعل، فمثلاً مبدأ من الفعل بدأ من الممكن أن يعني البداية أو المنطلق، ولكنّه أيضاً يعني الأساس أو الاتّجاه أو المبدأ بالمعنى المألوف. هذا وقليل من أسماء المكان إنّما تشتقّ من الأسماء لا من الأفعال، فمثلاً مقهى إنّما يشتقّ من قهوة حيث لا يوجد فعل يشتقّ منه اسم المكان.(4) وهذا يعني أنّ هناك سجالاً يحاول تجسير جدل بين المعنى والدّلالة والوقوف على أبعاد كلّ منهما، حيث يتوقّف المعنى عند حدود المعجم اللغويّ، في حين أنّ الدّلالة تتخطّى هذه الحدود لتعانق آفاق القراءة الّتي ستجعل منها عوالم قابلة للتّناسل والإخصاب تتجدّد وكلّ فعل للكتابة يكتسب ماهيّته عبر الأضواء القادمة من بين شقوق الكلمات النّاذرة ذاتها لقراءات تجدّد حضورها بتجدّد الأحياز المكانيّة المانحة صيرورتها أسباب التّحقيب حيث تبدأ الرّحلة مسيرتها بعد كلّ انتهاء.
إنّ قراءة المكان والاحتفاء بجماليّته الدّلاليّة لا تعني استبعاد عناصر أخرى يكون لها حضور بنيويّ في هيكلة الوجود والموجودات في عالم الإبداع، لاسيّما في القصّة الأدبيّة الّتي تسهم في بنائها أنماط من دونها يظلّ المكان حيّزاً فاغراً فاه لا يملؤه إلاّ الصّمت، ونعني بهذه الأنماط الزّمان والشّخصيّات الّتي بديناميّتها تنوجد الأحداث فتلفت تنبّه الآخر إليها، فتأخذه حرارة أصواتها ليتلفّت قلبه هو الآخر إليها فينشغل في معاينتها طامحاً في مصاحبة لذّتها المدفوفة بين تضاريس الواقع وأطياف الخيال، فينحاز لكليهما ليرتقي بالواقع فيمنحه شيئاً من بهاء السّموّ، ويأتي بالمتخيّل فيكسبه تنهّدات الواقع ليكون قريباً من مستوى الإدراك؛ تناوس تفعله الشّخصيّات بصخبها الإنسانيّ الرّافض للذّوبان في بوتقة المكان وفي سراب الزّمن المنسيّ، لأنّ هاته الشّخصيّات تظلّ حالمة بالألق المندلق على ذرّات أديم المكان وأضواء الزّمن المتّقدة وإن كان هذا الزّمن غابراً، لأنّها هي المطالبة حقّاً بمنحه غواية البقاء.
يوحي السّياق النّصّيّ عادة بألق المكان الّذي يظلّ فضاء تتناسل فيه لحظات الحدث، إذ إنّ الحدث لا يمكن أن يكون في فراغ، وأنّ الزّمن كذلك لأنّه هو الفعل الباني لذاك الحدث وبهما معاً تعتّق الشّخصيّة وجودها في الحيّز المكانيّ الّذي تتجلّى فيه الوقائع وتدور؛ أي أنّ المكان حيّز تواصليّ تعلّمه الآنات ( الزّمانيّة ) فيغدو سلسلة مكوكبة بالتّقنيات الفنّيّة الأخرى الّتي ينبني بها النّصّ، فتتخلّى - حينئذ - هذه العناصر عن ماهيّتها المعجميّة لتنحاز إلى الأبعاد الدّلاليّة لتولّد دوالاًّ أخرى في التقائها ينوجد النّصّ الإبداعيّ ليؤكّد أنّ المكان معطى جماليّ ذو طبيعة مزدوجة يتجاوز وجوده كحيّز يؤطّر الأشياء ويحدّدها وفي هذا غاية الاعتبار.
بناء على ما تقدّم نستطيع القول إنّ المكان ينطوي على أبعاد جماليّة تشكيليّة ووظيفيّة تمنحه سمة أخرى قد لا يكتسبها سواه من العناصر البانية للنّصّ الإبداعيّ، فقد (( يتحوّل المكان إلى رمز وقناع يخفي المباشرة، ويسمح لفكر المبدع أن يتسرّب من خلاله. وقد يكون المكان تقنية مستقبليّة يتجاوز بها المبدع مكانه وواقعه، فيصعد إلى السّماء والفضاء، وقد ينزل إلى أعماق الأرض والبحار، ليبثّ الرّمز نفسه، ويهرب، بل ينسرب من خلاله أو ينقده.))(5)
يعني هذا أنّ الأماكن قد تبدّل معطياتها الدّلاليّة كما فعلت من قبل حينما تخلّت عن ماهيّتها الجغرافيّة لتستحيل إلى نصّ أرضيّ، فلا يتمّ التّوصّل إلى هذه الأبعاد إلاّ من خلال السّياق الّذي يطالب القارئ بإمعان النّظر وإعماله ليصل إلى ما يعنيه المكان من معطى جديد بوصفه رمزاً وقناعاً وُظّف ليبعد النّصّ عن المباشرة والتّقريريّة فيجعله متّشحاً بثوب الإبداع الّذي لا يمكن معاينة خيوط نسيجه إلاّ بامتلاك التّقنيات الكافلة لفكّ شفرات النّصّ والعيش هناك بين شطآنه الحالمة بمعانقة الأمواج وارتشاف رذاذها المندّي الشّفاه الظّمأى الّتي أضناها طول المسير.
لم يعد توظيف الأدباء للمكان ممارسة مجّانيّة، بل هو عمل ينغلّ بعيداً في أعماق الرّوح المتطلّعة إلى معرفة طبيعتها عبر ملئها حيّزاً في الوجود، وكيف تكون الذّات فاعلة في هذا الحيّز حينما تقيس قيمة وجودها بقدر تعلّقها بمحيطها الخارجيّ، وبتفاعلها معه سلباً أو إيجاباً. لقد علم المبدعون أنّ كلّ اتّصال بالآخر الخارجيّ هو تجديد لحدود الذّات وانبعاث لها، فلا يغدو التّفاعل مع الخارج - حينئذ - وجوداً جسديّاً خالصاً، بل سيغدو وجوداً نفسيّاً قائماً على التّرابط الجدليّ بين الدّاخل والخارج، فإقرار الذّات يعني اعترافاً بوجود الآخر، لا إلغاء له، لأنّ الذّات لا تجد نفسها إلاّ في نظيرها، مهما كان هذا النّظير، وإنّني لأرى في هذا المقام المكان هو الآخر الّذي يجسّر وجود الذّات ويمنحها ألق البقاء ولو إلى حين، حتّى وإن كان هذا التّعالق قائماً على الصّراع الّذي هو ديدن الكائن الحيّ الباحث عن فجر جديد لعلّه آت عن طريق الخيال، (( لأنّه على الإنسان أن يتخيّل بفاعليّة عالية حتّى يتمكّن من معايشة تجربـة المكان الجديد.))(6) وبين الواقع والمتخيّل سنصاحب القاصّ الليبيّ علي مـصطفى المصـراتي(7) في رحلة تملؤها المغامرة للكشف عن تجلّيات المكان السّايكولوجيّ في قصّة (( هل تسمعون حكايتي ؟ ))(8) وأثره في العناصر الفنّيّة الأخرى البانية للقصّة لاسيّما الشّخصيّات والأحداث.
2_ تجلّيات المكان السّايكولوجيّ: تنشر الرّوح ظلالها على الأشياء حتّى تبلغ حدّ التّوحّد معها أحياناً، لذلك سيكون لمنظومة الدّاخل والخارج المكانيّ علائق جدليّة بسايكولوجيّة الإنسان، لأنّ هذه المنظومة تتمتّع بالسّمات السّايكولوجيّة ذاتها حين تكثف وجود الإنسان داخلها فاعلاً ومتفاعلاً معه، من هنا يكون الدّاخل والخارج متآلفين مهما كان بينهما من اختلاف، حتّى إنّهما يبدوان دائماً على استعداد لتبادل المواقع، وقد يتجلّى هذا على صعيد اللغة في الممارسات الإبداعيّة الّتي يكون فيها المكان مجموعة (( من الأشياء المتجانسة من الظّواهر أو الحالات أو الوظائف أو الأشكال المتغيّرة.))(9) مسجّلة حضوراً لافتاً للخيال الّذي يشيّد شبكة الاتّصال والانفصال بين العناصر المكوّنة للنّصّ الإبداعيّ، الأمر الّذي يمكن متابعته في القصّة الّتي وضعها المصراتي بين يدي قرّائه منتظراً استجابتهم لها.
1.2_ سلطة العنوان: يحتلّ عنوان قصّة ( هل تسمعون حكايتي ؟ ) سلطة باذخة في بناء هذا النّصّ وإنتاج دلالته نظراً لما للعنوان من أهمّيّة تتجلّى في العتبة الأولى عبر علامة السّؤال الّتي تلفت تنبّه القارئ إليها، لأنّها تزرع بذور التّوجّس المعرفيّ المحايث لصوت السّارد المبتلّ بأنّات الوجع منذ الوهلة الأولى الباحثة عن معنى السّؤال وجغرافيّاته المبحرة في عمق الإنسان الّذي يكون حيث تكون الدّهشة والإنصات. وهذا قادم من دلالة العنوان المتمثّلة في (( العناصر الموجودة على حدود النّصّ، داخله وخارجه في آن، تتّصل به اتّصالاً يجعلها تتداخل معه إلى حدّ تبلغ فيه درجة من تعيين استقلاليّته، وتنفصل عنه انفصالاً يسمح للدّاخل النّصّيّ، كبنية وبناء، أن يشتغل وينتج دلاليّته.))(10) إذ تبيّن لنا دراسة العنوان مدى فعله وعمقه ومساهمته في بناء النّصّ الأدبيّ، لذلك يحتاج متلقّي النّصّ إلى حيل تكتيكيّة للقبض على دلالاته، وأوّل الحيل التّكتيكيّة (( هي الظّفر بمغزى العنوان ))(11) حيث يمدّنا العنوان (( بزاد ثمين لتفكيك النّصّ ودراسته… ويقدّم لنا معونة كبرى لضبط انسجام النّصّ وفهم ما غمض منه، إذ هو المحور الّذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه... فهو- إن صحّت المشابهة - بمثابة الرّأس للجسد، والأساس الّذي تبنى عليه.))(12) والمسافة بين الرّأس والجسد لا يمكن إلاّ أن تكون تداخلاً وتفاعلاً يتجاوز البناء من خلالهما المصاحبة ليصل إلى حدّ التّوحّد، فهو بنية نصّيّة متضمّنة في النّصّ، أي هو جزء من كلّ. وقد يكون هذا الجزء القلبَ النّابضَ الّذي يمنحُ الكلَّ دم الحياة ويلفت النّظر إليه... وإنّي أتلمّس الإشعاعات السّايكولوجيّة الّتي يقدّمها عنوان قصّة ( هل تسمعون حكايتي ؟ ) وكأنّه عينان تبلاّن جدران النّصّ لتغتسل روحه بسحاباته المسافرة بلا انقطاع، والّتي تدعو المتلقّي إلى مرافقتها لقراءة ما تجلّى هناك في اتّساع المكان وضيقه الّذي جعله المصراتي محوراً تدور العناصر البانية للقصّة حوله ومنه تأخذ زاد رحلتها، فمن الملاحظ أنّ عنوان هذه القصّة ينطوي على معان تتجلّى عبرها أقانيم ثلاثة هي الشّعور والتّخيّل والتّذكّر الّتي كانت بؤرة شبكة العلائق الحواريّة بين شخصيّات القصّة، والّتي يسعى البحث إلى الوقوف عند منعرجات سفرها المتجسّد عبر الأحداث الّتي لا تكفّ عن تفعيل وجودها.
2.2_ المكان المغلق: ينطوي المكان المغلق على دلالات تأخذ مشهداً دراميّاً يشيّد البعد النّفسيّ للشّخصيّات، ويدفعها إلى الإفصاح عمّا يجول في داخلها من أسئلة تتعلّق تعلّقاً جنينيّاً بالمعاناة الّتي تتجلّى عبرها الحالة السّايكولوجيّة، والّتي تنبني أحداث القصّة في ضوئها. من هنا نستطيع القول إنّ صراع الدّاخل والخارج يشكّل فضاء المكان الّذي يستثمره الكاتب عادة في بناء نصّه مستدعياً عبر آليّة التّخيّل الصّور الّتي تحتفظ بها كلّ الذّوات المساهمة في بناء عالم القصّة، (( فالمتخيّلة هي الّتي تحفظ هذه الصّور بعد غيبتها عن الحواسّ.))(13) والّتي يسعى أصحابها إلى إظهارها بين النّاس لغايات لا تبتعد كثيراً عن إرضاء الذّات ومحاولة إقناعها نفسيّاً، الأمر الّذي نجد المصراتي قد تعامل معه تعاملاً مدركاً حين ابتدأ قصّته بالمعطى المكانيّ الدّالّ دلالة مباشرة على المكان المغلق الّذي ستتناسل منه الأسئلة الفنّيّة البانية للقصّة عبر أنماطها المألوفة:
السّيّارة تتأرجح وتتطوّح في الطّريق الطّويل، تاركة المدينة منذ الصّباح الباكر، مثيرة وراءها غباراً كثيفاً كما تثيره الخيول قديماً، خيول المعارك اللاهبة، وإن كانت الخيول أسرع من هذه السّيّارة العتيقة البطيئة الّتي تخلّفت عن الزّمن، أو خلّفها الزّمن تركة في عنق الطّريق تتخلخل المفاصل والعجلات عندما تصطكّ وتحتكّ بالأحجار، تحدث قرقعة ودويّاً اعتادت عليها آذان المسافرين بها في المناطق الجبليّة النّائية.(14)
لقد عمد المصراتي هنا إلى دمج الواقع بالمتخيّل، وكأنّه يكتب باستعارات تغلّفها استعارات تنسي القارئ أنّها كذلك، بيد أنّ إنعام النّظر في البناء اللغويّ وفي الدّلالة النّصّيّة يبدّد هذا الوهم ويجعل القارئ ينفتح على أفق قراءة أخرى لا تذهب بعيداً عن المكان. فالسّيّارة حيّز يشكّل بؤرة بناء القصّة ومنطلقها، إذ إنّ السّيّارة - في الظّاهر - تشكّل كوناً مغلقاً يساعد على التّماسك، ولكنّ هذا الحيّز هو الّذي يخلق أمزجة الذّوات الرّاحلة فيه، ويكرّس وجودها بحميميّة في داخله، فيأخذ هذا الحيّز شكله المغلق ليس على الصّعيد الهيكلانيّ فقط، وإنّما على الصّعيد النّفسيّ أيضاً، وكأنّه - والحالة هاته - يجعل الذّوات تعيش لحظة انفصال عن الخارج، فتعود لتأمّل ذواتها والإنصات إلى دويّ ما يجري في الأعماق، إنّها لحظة التّأمّل وقراءة الذّات عبر مرآتها. وما يعزّز هذا الزّعم هو الحالة الّتي قدّم بها القاصّ هذا الحيّز المكانيّ ( السّيّارة ) والهيئة الّتي هي عليها، والّتي لشدّة وضوحها لا تحتاج إلى مزيد تفاصيل. حيث إنّ الشّخصيّات تبدو وكأنّها تعيش في كون مغلق (( مثل حبّة الجوز الّتي أصبحت مدوّرة داخل قشرتها.))(15)
هكذا نرى أنّ المكان ليس مجرّد حيّز تجري فيه الأحداث وتعيش فيه الشّخصيّات، وإنّما هو عنصر فاعل في نسيج بنائها، فلا غرو أن نرى المصراتي قد ابتدأ قصّته بجملة اسميّة يقودها المكان إلى الثّابت بنيويّاً والمتغيّر فعليّاً، ليتصدّر المكان (( الواجهة كشخصيّة اعتباريّة مستقلّة فاعلة ذات قدرة على تحديد مسار العلاقات بين الشّخصيّات ونمط الأحداث والوقائع.))(16) وفي هذا اعتبار يقود الباحث إلى تلمّس الأصوات المعبّرة عن الحالة السّايكولوجيّة الّتي تجسّدها القصّة عبر الصّفات الّتي عرضها المصراتي لهذا المكان المغلق: ( تتأرجح – تتطوّح – العتيقة البطيئة الّتي تخلّفت عن الزّمن – تتخلخل المفاصل والعجلات – تحدث قرقعة ودويّاً...) إنّها صفات تعمل على خلق تلوّث بيئيّ يدفع الإنسان إلى الضّجر والتّبرّم، وبالتّالي يخلق لديه وضعاً نفسيّاً يظلّ باحثاً له عن مخرج لمغادرته كما غادرت هذه السّيّارة زمنها، أو غادرها الزّمن كما قال القاصّ.
لا أظنّ أنّ المصراتي ذهب إلى استخدام هذه الملفوظات الواصفة بحثاً عن ترف فكريّ أو صورة تنبني عبر حروف يكتبها المألوف في زمنه، وإنّما هي تعبيرات أوردها الكاتب لخلق عالم مليء بالتّرقّب لمعرفة ما سيجري من أحداث قد ترافقها الدّهشة والانبهار، لتفرض على الآخر اتّخاذ موقف تعبيريّ من المكان وتحديد شكله هل هو أليف أم غير محدّد ؟ وهذا يعني (( أنّ الصّراع بين الدّاخل والخارج يمتنع عن اتّخاذ الدّليل الهندسيّ كمعيار.))(17) بل تُقرأ الأشياء بعلائقها الإنسانيّة الّتي تكشف عالم الإنسان الدّاخليّ في أيّ حيّز كان؛ تختلط فيه الذّاتيّة والموضوعيّة منصهرة في بوتقة الأحاسيس والانفعالات والتّجارب الّتي خبرها الإنسان عبر علاقته بالكون الّذي يحيط به، فترسّبت في وعيه كونها نتاجاً لتفاعل الذّوات وموضوعاتها، وهي رغبة تدفع بها النّفسُ الإنسانَ للبوح عمّا يكنّ في داخله حتّى بات هذا الأمر ظاهرة ترسم تشكيلات الحياة وتلويناتها بشكل يألفه الإنسان وإن كان غائباً عن عينه في أحيان كثيرة:
العربة كالحة اللون. ذات يوم كان اللون واضحاً ولكنّ الأمطار وأشعّة الشّمس ووحل الزّمن عبر عمرها الطّويل أزال منها اللون وهي سيّارة مؤهّلة لاحتلال مكان مرموق في المتحف. رؤيتها في المتحف قد يجلب إيراداً أكثر من سيرها في الطّريق. قد استعملها الأجداد. من العربات الّتي كانت تستعمل في العشرينات. المقاعد من نوع الخشب المستطيل المتهرّئ والألواح الزّجاجيّة في النّوافذ مشروخة.. أو ما تبقّى منها، وألصقت في بعض النّوافذ أوراق من الورق السّميك المقوّى، ولكنّه لا يدفع حرّاً ولا يردّ برداً ولا يقي شرّ الرّيح المزمجر، وقد قاوم الرّكّاب هذا البرد والرّيح بالتّلملم والتّكوّر في العباءات والجرود.(18)
يقدّم لنا هذا النّصّ أكثر من علامة دالّة على المكان المغلق، ولعلّ أولى هاته العلامات ( المتحف ) الّذي ورد ذكره مرّتين في هذا النّصّ، والمتحف حيّز مغلق تنعدم فيه الحياة، لأنّه يشكّل ظاهراتيّة وجوديّة تأخذ من الزّمن معنى بقائها، لذلك لا يحفل هذا المكان بالحياة وإن امتلك شيئاً من تأريخها، وأنّ البحث السّايكولوجيّ يقترب كثيراً من طبيعة هذه الظّاهرة الّتي تعني الانتقال من شكل حياتيّ إلى آخر يحمل إشارات تدلّ عليه، إنّها لحظات الزّمن المتعاقبة الّتي تجعل الحياة مدوّرة. هذا ما نلمسه في حالة الصّراع الّتي تمارسها الشّخصيّات ضدّ الخارج المكانيّ متكوّرة على ذاتها ( بالتّلملم والتّكوّر في العباءات والجرود ) مقاومة شراسة الطّبيعة الّتي لا يصدّها المكان المغلق الّذي تعيش فيه هذه الشّخصيّات، والّذي من المفترض أن يوفّر لها الحماية، لكنّ شرط الزّمن كان أقسى، ممّا انعكس على حالتها السّايكولوجيّة فأخذت شكلها الدّائريّ الموحي بالانغلاق أيضاً ولكن على ذاتها هاته المرّة، لكن هذا لا يعني أنّ نبض القلب قد توقّف، وأنّ الحياة قد أفلت، فالصّراع بين الأحياز المكانيّة والشّخصيّات الفاعلة فيها مازال نامياً:
وكانت هذه العربة هي الوسيلة الوحيدة الّتي تربط البلدة النّائية في طرف الجسر بالعاصمة، وهي الشّريان الّذي يربطها بالمدينة بعد أن مضت عهود الخيول، وأزيلت قضبان السّكّة الحديديّة منذ سنوات. وتزدحم هذه العربة الضّخمة يوم السّوق وفي النّواحي القريبة من القرى على الطّريق..(19)
على الرّغم من أنّ المكان المغلق بما يحمل من دلالات ذات طابع سايكولوجيّ، يظلّ التّفاعل معه قائماً، وهذا أمر يشغل وعي الإنسان وذاكرته إلى حدّ الاستغراق في تفعيل ماهيّة التّواصل الإنسانيّ حتّى يصل إلى درجة تخصيب الإيقاع الدّاخليّ للذّات الّذي تحياه الكائنات، ولا يعني هذا أنّنا في حضرة مشهد رومانسيّ بقدر ما نحن في حالة معايشة لواقع يرتقي به الخيال عبر السّياقات النّصّيّة الّتي أنجزها القاصّ مبرهناً على أنّ التّواصل الإنسانيّ يظلّ متلاحقاً مهما كانت أهواء النّفس وقسوة الظّروف، لتبقى الشّخصيّات تمارس دورها الإيجابيّ في بناء النّصّ القصصيّ:
والسّائق العجوز ألف مقعده وسيّارته يدندن بأغنية قديمة متذكّراً حبّاً قد لفّه الزّمن في طيّاته الكثيفة، ويتوقّف قليلاً، ثمّ يعود للدّندنة والغناء نافثاً دخّانه، وموزّعاً لعناته على شركة السّيّارات الّتي لم توافق على إعطائه علاوة مبيت بعد أن ثبت لها أنّه يبيت في القرية في أحد البيوت القديمة مجّاناً.. ويشرب من صهريج من عهد الرّومان بعد أن يتكوّر في عباءته النّالوتيّة القديمة.. بل ثبت لإدارة الشّركة بعد التّحرّي والتّرقّب أنّه يحصل على شرب الشّاهي والعشاء مجّاناً.. فلماذا العلاوة ؟!(20)
يشي هذا النّصّ بعمق علاقة الشّخصيّة بالمكان المغلق الّتي تصل إلى حدّ الالتصاق، وإلى تبادل الأدوار في آن، وتصرّح أيضاً بالمكان المغلق من خلال علامات دالّة على هذا النّزوع، لعلّ أهمّها ما يقوم به السّائق حين ( يتكوّر في عباءته النّالوتيّة القديمة )، إذ تشكّل هذه الحركة ظاهراتيّة الاستدارة الّتي تكشف عن علاقة الإنسان بعالمه الخارجيّ، ولكي يستمرّ القارئ معاصراً لعمليّة التّفاعل هاته عليه أن يعاين بعين مدرّبة علاقة الامتصاص المتبادلة بين المكان الأليف والمكان المنفتح على مشارف التّيه، حيث تتشعّب السّبل وتتعدّد في أطرقة تأخذ من النّأي لها قريناً، تطاولها فيها الشّخصيّة لتشاطرها فعل البناء النّصّيّ وإنتاج الدّلالة.
لقد وعى المصراتي هذه الحالة فجعل شخصيّاته تعيش حالة انسجام مع واقعها وإن كان يعتورها التّبرّم، وكأنّ القاصّ ذهب في بناء شخصيّاته إلى (( أن يتعمّق دراسة الطّبيعة الإنسانيّة عامّة، وأن يفطن إلى دوافع الإنسان وانفعالاته وعواطفه.))(21) وهذا ما يدفع إلى تأمّل الشّخصيّة القصصيّة ( السّائق ) الّتي لا تكفّ عن التّطلّع إلى معانقة الآخر سعياً لتهشيم جدران المكان المغلق ولو على صعيد التّخيّل المقترن بممارسة تتجاوز الحدود المسموح بها وظيفيّاً:
بل أنّه جعل نفسه منافساً لمصلحة البريد فيأخذ الرّسائل من المدينة إلى القرى في طريقه حتّى القرية الأخيرة ويوصلها، بل بجانب هذا ترسل معه صناديق وشوالات في الذّهاب والإيّاب فلماذا العلاوة ؟(22)
أتقن المصراتي لعبة الكتابة القصصيّة حين قدّم شخصيّته متّسمة بطابع الغرائبيّة الّتي توصلها إلى حدّ الكاريكاتيريّة، والّتي تثير تعاطف المتلقّي معها، بل تدعوه إلى الرّغبة في معايشتها عن كثب، لأنّ القارئ يستشعر الصّدق في البناء الفنّيّ لهذه الشّخصيّة وكأنّها قريبة منه في حركاتها وسلوكها الّذي قد يثير حفيظة الآخرين كما نرى:
بل أنّ حضرة مستشار الشّركة المجلوب من إحدى البلدان النّاطقة بالعربيّة قال تقريباً إلى مدير الشّركة:
* يمكن للشّركة أن ترفع قضيّة على السّائق لأنّه استغلّ سلطته ويمكن أيضاً من الوجهة القانونيّة والموضوعيّة والشّكليّة لمصلحة البريد أن ترفع قضيّة لأنّ السّائق الملعون تدخّل في اختصاصها. وإن كان النّاس يقولون إنّ المسألة واحدة لأنّ الوسيلة الوحيدة في المنطقة النّائية هي هذه السّيّارة العتيقة. فقال المستشار وهو يكزّ بأسنانه ويقارب ويباعد ما بين حاجبيه في حركة لاشعوريّة بقانون التّدفّق أو الارتعاش في عروقه..
- إنّ وزارة المواصلات تضرّرت من السّائق وأنّه على هذا ومن أجل هذا ولهذه الهذية. يمكن أن يرفع وزير المواصلات دعوة ضدّ السّائق لأنّه يسبّب ضرراً في موضوع طوابع البريد، تلك الطّوابع الّتي كان يمكن أن يشتريها المستهلكون.(23)
يستمرّ المكان المغلق مفعّلاً دور الشّخصيّة في بناء النّصّ، وما نلمسه في هذا المقطع القصصيّ من دلالات توحي بسمة هذا المكان الدّائريّة تتعدّد وتتنوّع، وقد تكون أبرز هذه العلامات الدّالّة على الاستدارة عبارة ( المنطقة النّائية ) حيث (( الشّيء يصبح مدوّراً حين يصبح منعزلاً. عندها يتّخذ شكل وجود مكثّف منطو على ذاته.))(24) من هنا تأتي ردّة فعل الشّخصيّة القصصيّة:
وعندما سمع السّائق برأي المستشار القانونيّ المجلوب واستعرض في تصوّراته هذه الصّورة وهو على مقعد السّيّارة والمقود في يديه يتحاشى به الاصطدام ببعض صخرات الطّريق.. ويتعرّج بين الكثبان... أخذ يهمهم وأضاف اسم المستشار إلى قائمة الملعونين في الشّركة. هو مستشار لا يفهم.. ودندن بمقطع أغنية يثير في نفسه شجناً دفيناً من حبّ قديم...(25)
إنّ الملامح الطوبوغرافيّة للطّريق الّتي يسلكها السّائق، والخصائص الّتي تنطوي عليها السّيّارة وكيفيّة تعلّق السّائق بها كلّها توحي بظاهراتيّة الاستدارة، لاسيّما مقود السّيّارة الدّالّ دلالة مباشرة على الحيّز المغلق الّذي يوحي بسمات سايكولوجيّة مشحونة بتفاعلات الذّات مع محيطها الخارجيّ، موحية بالقلق والضّيق وإن كانت منفتحة على خارجها الكونيّ. إنّها حشود من الآمال والآلام تفرضها رغبات الذّات في التّطلّع إلى الانفلات من إسار حيّزها الأنطولوجيّ، لتكسر رتابة الواقع وتعيش حالة التّأمّل واستشراف ما هو آت من صخب تدشّنه أصوات الآخرين الّذين سيكون لهم الحضور الجوهريّ في هذه الرّحلة النّازفة الأصوات في محجّاتها البعيدة، وهي تنفتح كانفتاح المكان على وجوده المترع بالبوح والسّؤال والتّرقّب.
3.2_ المكان المنفتح: لقد أومأنا إلى أنّ المكان يتخلّى أحياناً عن سماته الفيزيائيّة والطّوبوغرافيّة ويكتسب سمات أخرى تجعله يعيش وضع تحوّل من حالة إلى أخرى، وذلك بفعل عوامل خارجيّة أو داخليّة تسهم مساهمة فاعلة في خلق هذه السّمات الجديدة، هذا ما نلاحظه في القصّة الّتي بين أيدينا الّتي سيأخذ المكان فيها وضعاً مغايراً فيتحوّل من الانغلاق إلى الانفتاح دون أن يفقد صفاته الأولى الّتي تعدّ تمهيداً لحالة التّحوّل الجديد، والّتي أسهمت في صيروريّتها الشّخصيّات الأخرى المرافقة للسّائق في رحلته عبر العربة الّتي استولت على صفات الحيّز المكانيّ بتفاصيله البعيدة والقريبة، الواضحة والمتّشحة بالغموض:
ويزمّر السّائق، ولكنّ صوت السّيّارة أصبح خافتاً، صوت البوق أجشّ. غدا متآكلاً لا يرعب الماشية فليحاول بمهارته أن يتلافى طريقها بحذر، والسّيّارة العتيقة ذات الألواح والدّسر في تأرجحها تميل وتكاد أن تنقلب في ميلانها فهي مترجرجة كقفّة مصارين.. ويدير عجلة القيادة وهو يبسمل ويحوقل فيكاد يفلت منه الزّمام عندما انساب العرق من يديه وأصبحت يداه لزجتين ويخرج بيده منديلاً من جيبه واليد الأخرى بعرقها على المقود.. وهي على حافّة واد سحيق.. والرّكّاب بعضهم يبحلق في بعض في متاهة أو بلاهة أو استسلام وتوكّل باطنيّ ويمسح السّائق عرقه من جبينه ويجفّف يديه ويحاول بكلّ جهده السّيطرة على عجلة القيادة ويصرخ الرّكّاب محتجّين على هذا السّائق المزعج الّذي يكاد أن يقذف بهم في وادي الرّمال.(26)
يفصح هذا النّصّ عن تفاصيل المشهد السّايكولوجيّ المتّسم بالتّوتّر والانفعال الّذي تحياه الشّخصيّات وهي تتفاعل مع حيّزها المكانيّ سلباً وإيجاباً حتّى ينفتح على فضائه الخارجيّ الّذي تسهم في إحيائه عناصر خارج هذا المحيط من خلال إسهامها في حالة الصّراع الوجوديّ بين عناصر القصّة. إنّها حالة المعاناة المركّبة الّتي تحياها الذّوات وهي تعبّر عنها بصرخات غضب وأنّات تقوّض سكون المكان المنغلق بفعل اندياح هذه الأصوات إلى الخارج، فتسجّل حالة توحّد بين الذّات والآخر على صعيد المغالبة والمجاهدة في لحظة تبدو أقرب إلى المكاشفة السّايكولوجيّة، متجسّدة في تمرّد إحدى الشّخصيّات حينما يعلو صوتها بانفعال بانية حواراً مشهديّاً يرتقي بالقصّة إلى مستوى أعلى من التّقنية الفنّيّة الّتي لا تبرح مضمون القصّة:
ويصرخ أحدهم وقد استيقظ بعد شخرة ونخرة...
- ما تعرفش تسوق لواه يوظّفوك في الشّركة !؟ ويردّ السّائق في انفعال وهو يطوي منديله في جيبه.
- تعال يا فالح سوق أنت.
ويحتجّ آخر...
- سوق على مهلك.
ويردّ السّائق...
- اسكت وإلاّ انزل.
- أنا دافع حقّ التّذكرة موش راكب بلاش..
- خود ثمنها مرّتين بس.. اسكت وإلاّ انزل..
- هيّا سيّارة حوشكم، ما هي سيّارة الشّركة..
- في سيّارة هيّا سيّارة هذه كركابة، وقال السّائق: يحاول أن ينفّس من كربة الطّريق ومشقّته.
- يا جماعة صلّوا على النّبيّ..
وارتفعت الأصوات في تبتّل طيّب اللهم صلّ وسلّم عليه، يا جماعة هيّا سيّارة ! حتّى الحديد يدوب... ويتحال على التّقاعد من خمسين عام وها السّيّارة تكركب يلعن بو شركة السّيّارات المهملة.(27)
هكذا يبدو أنّ الإنسان يرتبط بعلائق حميمة والمكان الّذي يعيش فيه تتجلّى من خلال السّلوك الّذي يصدر عن الإنسان والتّأثيرات الّتي يفرضها الحيّز الّذي يشغله الإنسان ذاته. بيد أنّ هذه العلائق قد تنشأ على أساس البحث عن متنفّس تلامس فيه الذّات تخوم حرّيّتها (( وتصبح الحرّيّة في هذا المضمار مجموع الأفعال الّتي يستطيع الإنسان أن يقوم بها دون أن يصطدم بحواجز أو عقبات، أي بقوى ناتجة عن الوسط الخارجيّ، لا يقدر على قهرها أو تجاوزها.))(28) الأمر الّذي نلحظه في مشاهد القصّة المتلاحقة الّتي يلعب فيها الحيّز المكانيّ الدّور الرّئيس في إنجاز الأحداث وتفعيلها حينما يخلق جوّاً من عدم الرّضا والتّبرّم، وحالة صراع بين الشّخصيّات، لذلك يبدو (( أنّ المكان حقيقة معاشة، ويؤثّر في البشر بالقدر نفسه الّذي يؤثّرون فيه. فلا يوجد مكان فارغ أو سلبيّ.))(29) من هنا نجد المكان يحمل (( في طيّاته قيماً تنتج من التّنظيم المعماريّ، كما تنتج من التّوظيف الاجتماعيّ؛ فيفرض كلّ مكان سلوكاً خاصّاً على النّاس الّذين يلجون إليه.))(30)
يستثمر المصراتي خبراته القصصيّة فيعمّق المشهد دون انفراج كبير بزاوية النّظر الّتي يكتب فيها، إذ يتجلّى هذا الأمر من خلال جسّه لأغوار النّفس الإنسانيّة فيستقدم شخصيّات أخرى قد لا تكون ذات أثر ناجز في البناء السّرديّ، لكنّها فاعلة على صعيد انفتاح المكان بحضورها اللافت والمدهش في آن:
هناك ركّاب يعدّون على أصابع اليد الواحدة قد نزل معظم الرّكّاب في المحطّات السّابقة. وبقي هؤلاء إلى آخر الشّوط، وبقية المشوار للسّيّارة امرأة عجوز متلفلفة بردائها القطنيّ المخطّط قبضت على طرف الرّداء لتحجب وجهها.
وظهرت دبالجها الفضّيّة في يدها الّتي أمسكت بها طرف الرّداء، رغم أنّها عجوز متقدّمة في السّنّ إلاّ أنّها مازالت تصرّ بحركة عفويّة أبديّة على التلحّف و – التّبمبك – وتغطّي كافّة الوجه الّذي لا تظهر منه إلاّ العينان.. رغم أنّ العربة نزل أكثر ركّابها وبقي هؤلاء، ولا عيون تتلصص.(31)
يُعدّ حضور المرأة العجوز صورة معبّرة بصمتها عن العالم الباطنيّ للتّفكير والشّعور المنفتح على الآخر من خلال المكان الّذي يفعّل وعي الشّخصيّات بما يجري حولها داخل الحيّز المكانيّ وخارجه بمعزل عن مشهد الحوار الّذي يكتبه صمت هذه المرأة وحشمتها الّتي تُعدّ هي الأخرى تجسيداً للحياة النّفسيّة الّتي تحياها الشّخصيّات في هذه اللحظة النّصّيّة:
ولكنّها قابعة في حشمة متوارثة ووقار ترقب الطّريق الفارغ بحذر.. والطّفل بجانبها.. هو حفيدها خاطت له أمّه في طاقيّته عظم حوت، وقرناً صغيراً ليردّ عيون الحسّاد، وإن لم يستطع أن يطرد ذبابة صحبته من محطّة المدينة طالبة في إلحاح وإصرار أن تشاركه في امتصاص حلوى اشتراها من هناك وكلّما هشوها عادت بإصرار، وسلّم الطّفل صدره لجدّته.(32)
إنّ دخول الطّفل – الحفيد بناء المشهد يعمّق العلائق النّصّيّة بين ( العقدة، الشّخصيّات، الفضاء ) وذلك بالمعطيات الإنثروبولوجيّة الّتي حمّلها المصراتي له بمسحة تهكّميّة تبعث على الغرائبيّة المحبّبة الّتي حفلت بها القصص القائمة على السّحر والغيبيّات، وهي لا تبرح صعيد التّصوّر السّايكولوجيّ الّذي تخلقه الأحداث والشّخصيّات بسلوكيّات مشهديّة تستغني عن الوصف لعمق واتّضاح دلالاتها.
بعد هذا يذهب المصراتي الآن ليفتح فضاء أطروحة الشّخصيّة الرّئيسة الّتي تأخّر حضورها كثيراً، وكأنّ القاصّ يخفي كنزه في مكان بعيد لعلّ الدّليل عليه غيمة سابحة في أفق سيرانها، فلا يمكن الوصول إليها إلاّ بعد التّنهّد ووضع اليد على القلب الرّاجف بالمعاناة:
ورجل أصفر الوجه، أشعث الشّعر هزيل، في وجهه بقايا من جدريّ قديم يرقب الطّريق الطّويل المملّ في صمت مطبق الشّفتين مبحلق العينين، ورجل آخر سمين ضخم أقرب ما يكون إلى القصر والبشاشة وبلا مقدّمات دخل الرّجل القصير في حوار مع نفسه بصوت مرتفع..
- دنيا ! إيه.. وين احنا... قدّاش قطعناها شبر... شبر..(33)
يعمد المصراتي هنا إلى رسم شخصيّاته بالوسيلة المباشرة أوّلاً وذلك حينما يقدّمها بملامحها الخارجيّة، ثمّ يترك لهذه الشّخصيّات أن تقدّم نفسها عبر تصرّفاتها الخضوعة لسلطتي الوعي أحياناً واللاوعي أحياناً أخرى. إذ إنّ القاصّ يلجأ أحياناً إلى إحدى طريقتين لعرض شخصيّاته في مشهد البناء القصصيّ؛ الأولى الطّريقة التّحليليّة والثّانية الطّريقة التّمثيليّة.(34) ويبدو أنّ المصراتي لجأ إلى الطّريقتين معاً واضعاً في اعتباره إغراء المتلقّي في الحضور من خلال غرائبيّة التّشخيص الّتي عرض بها الشّخصيّات أوّلاً، ومن ثمّ دعوة المتلقّي لمصاحبة هذه الشّخصيّات بالإنصات إلى حوارها الدّاخليّ المحمّل بانفعالات تشدّ الآخر إليها بأنفاس لاهثة، وبفضولِ تطلّعٍ يغري مشاركة الآخر أيضاً، فتشكّل هذه الشّخصيّات أصواتاً مجتمعة تقوّض سلطة المكان المغلق وتشرع بانفتاحه عبر نشاطاتها البانية للحدث القصصيّ، والّذي يتجلّى - هذه المرّة - من خلال حوار الشّخصيّات ذاتها:
ويسترعي انتباه قاطع التّذاكر..
- قدّاش مازال ؟!
ويردّ، وأصابعه مازالت تعبث ببقايا دفتر التّذاكر.
- مازال ساعتين إلاّ خمس دقايق.
- خمس دقايق ما تقولش إلاّ يحسب الحياة بالدّقيقة !
- ويصمت قاطع التّذاكر.
ويردّ الرّجل.
- أنا ننشد قدّاش مازال في العمر.
- الله.. الله.. أنت تخرّف مع من تحكي ؟!
- مع نفسي.
- خلّيها تجاوبك.
- معرفتش قدّاش مازال في عمري.. امتي يكمل الطّريق ؟
- الله أعطالك العمر هو اللي يعرف.
- إيه.. هذي طريق قطعناها على الرّجل.. وعلى جمل وعلى حمار.. وعلى كاليس وفي سيّارة طليانيّة، وألمانيّة، وإنكليزيّة، وأنا كنت مجنّد مع الطّليان..(35)
لم يتوقّف الرّجل السّمين الضّخم الأقرب إلى القصر والبشاشة عن وصف المشاهد الخارجيّة وتحديد العلامات الدّالّة في الطّريق وتبيان ما يتعلّق بها من آثار الزّمن الشّاهد على الذّهاب والإيّاب في هذا المحجّ الّذي خبرته السّنون والعيون معاً فصار بمثابة الشّاهد والرّفيق على كلّ رحلة، والمجيب عن كلّ سؤال... وكأنّنا - والحالة هاته – نلتقي بالشّخصيّة المحوريّة الّتي ستسجّل انعطافاً لافتاً في مسار القصّة بشكل عامّ وفي انفتاح المكان بشكل خاصّ، سواء عن طريق الحوار الدّاخليّ ( المونولوج ) أو بالمساهمة مع الشّخصيّات الأخرى الّتي ستوصل العقدة إلى أعلى ذراها.
لقد سعى المصراتي بتوظيفه لتقنية الحوار الدّاخليّ إلى أن يرسم (( معالم الشّخصيّة من خلال عالمها الشّعوريّ واللاشعوريّ الخاصّ، ومن خلال الأضواء الّتي تلقيها الشّخصيّات الأخرى عليها.))(36) بهذا يكون المصراتي حاول تقديم صورة متّسمة بالطّرافة والدّهشة لاسيّما وهو يأخذ قارئه إلى بؤرة التّوتّر النّصّيّ وملامسة تخوم السّؤال الّذي يرفل به العنوان ( هل تسمعون حكايتي ؟ ) ولم تتّضح معالم الإجابة عنه بعد. لكن على الرّغم من كلّ ما سلف لم يقدّم القاصّ الشّخصيّة الرّئيسة بالتّفاصيل (( الّتي تتّسم بها طريقة عرض الحياة الخارجيّة مثلاً. ونحن نلمس ذلك جيّداً، إذا رصدنا حياة الإنسان العادي، فإنّ فكرته عن نفسه تختلف تمام الاختلاف عن الفكرة الّتي نكوّنها نحن عنه، عن طريق مراقبتنا لأعماله اليوميّة في الحياة العاديّة. وهذه الطّريقة تقدّم لنا ضروباً من التّحليل النّفسيّ وتصوّر لنا، في الغالب، حياة الإنسان اللاشعوريّة.))(37) وتظلّ - مع كلّ هذا - معرفة الذّات مرتهنة برؤيا الآخر، إذ (( ليس الإدراك الخارجيّ للجسد وحده هو ما يحتاج إلى تحديق الآخر وتفرّسه؛ فإدراكنا لذواتنا الدّاخليّة مربوط، على نحو لا يمكن شقّه، بإدراك شخص ما، كما يدلّ على ذلك اكتشاف الطّفل جسده بتسمية أجزائه ملتجئاً بذلك إلى اقتراض لغة الأب أو الأمّ الطّفليّة.))(38) وهذا يعني أنّ اكتشاف الذّات يتمّ بتقديمها للآخر، وأنّ مصالحة الذّات تجري بمعونة الآخر أيضاً، فتتشكّل حدود الوعي الباني لشبكة العلاقات بين الأنا والأنت. هذا ما فعله المصراتي حينما قدّم شخصيّته الرّئيسة مصرّة على البوح لنظيرها:
والرّجل الصّامت ذو العينين المفلوتتين مازال سادراً في نظراته.. ويخاطبه الرّجل القصير المتكوّر كقنفود مصاب ببرد ورعب.. ثمّ ينطلق قائلاً..
- سمعت أهو نعرف الطّريق يشير بإصبعه هادي رشادة ليها قدّاش عام ما تحوّلتش من مكانها، حتّى السّيل ما جرهاش، والرّيح ما أثّر فيها.
وهزّ الرّجل الصّامت رأسه، وعيناه مفلوتتان، شفتاه كانتا مطبقتين.. ثمّ انفرجتا نصف انفراجة، هل هي بسمة إعجاب ؟!
أم بسمة سخرية..
أم بسمة اللامبالاة..
أم هي مزيج من السّخرية والإعجاب..
الخطّ الوهميّ بين السّخرية والإعجاب، واندلقت العربة في حفرة كبيرة، وواصل السّائق مقاطع سبابه ولعناته ويؤمن على سبابه ودعواته اللاهبة قاطع التّذاكر والرّجل الّذي كان يتحدّث..
كأنّ فمه صنبور خرب لا يكفّ عن التّدفّق هل أصيب لسانه بنزيف كلاميّ ؟!
ما أكثر الأفواه المصابة بنزيف الكلام وعلى المقعد الخشبيّ هذه التّعادليّة، أو الضّدّان،
- صامت مطبق الشّفتين.
- ومتكلّم لا يهدأ في حركة يده، ولسانه.(39)
برع المصراتي في تسجيل تجربة إنسانيّة في حيّز مكانيّ هو الفاعل في تسيير الأحداث وتوجيهها بواسطة الحوار الصّاخب الّذي يكثّفه صمت الطّرف الآخر فيجعل المشهد القصصيّ لائذاً بالاعتبار، مدركاً في الآن ذاته (( أنّ انقطاع الذّات عن الآخرين وعزلها لنفسها وانغلاقها هي الأسباب الرّئيسة لضياع الذّات...))(40) لذلك كان لابدّ من الانفتاح على الآخر واستقدامه للمشاركة ولو بأصوات دون أفواه أو بكلمات من غير صدى، لأنّ (( الوجود الفعليّ للإنسان – الدّاخليّ والخارجيّ أيضاً – يكمن في التّواصل العميق. أن نوجد يعني أن نتواصل... أن نكون يعني أن نكون للآخر وبالنّسبة له ومن خلاله، أن نكون لأنفسنا.))(41) هذا هو التّطلّع النّاجز للصّوت الرّئيس في القصّة الباحث عن متلقّ لحكايته وهو يسرد الأحداث الّتي مرّت بحياته في هذا الطّريق الّذي صار صنواً لعمره، وباتت معالمه علامات دالّة على كلّ شيء خبرته رحلة العمر الطّويلة، لكن هل عثرت الأصوات على صداها وهي تخرج من أعماق باحثة عن وعي الآخر ليمنحها شكلها المفقود !؟ سيل من الحوار بين الشّخصيّة الرّئيسة للقصّة والرّجل الصّامت:
- وهزّ الرّجل الصّامت المبحلق رأسه شمالاً ويميناً مع تأرجح السّيّارة..
وواصل ] الشّخصيّة الرّئيسة [ حديثه غير المنقطع – أنت مقيم وإلاّ مسافر تخدم وإلاّ ما عندكش خدمة، تقرا وإلاّ ما تعرفش تقرا ؟!
كيف بعضه.. الحال من بعضه.. ريت صدري ؟!
أهو صدري –
هذه رصاصة في معركة مع الطّليان خشّت الرّصاصة في الجهة اليمنى المقابلة للقلب.. آه يا بابا... إيه يا بابا..
تحت الثّدي الأيمن، لو جتّ في الجهة اليسرى راني رحت متّ.
كنت في الغابرين.. لكن أهو عشت... إيه لو متّ راني شهيد – عند الحور العين..(42)
لكنّ الشّخصيّة الرّئيسة لا تكفّ عن الحوار مستمرّة في البحث عمّن يسمع حكايتها، فلا تجد غير هذا الملتفّ بالصّمت لتسرد له ما يجول في خاطرها، لعلّها تفكّك خيوط الحكاية فتوصلها إليه. وكأنّها تعزف إيقاع الذّات الدّاخليّ لتؤثّر في متلقّيها فتحفّز مشاعره ليشاركها الإحساس ذاته المدفوف في لغة البوح ولذّتها:
راني شهيد كيف ولد عمّي... إيه يا ترّاس.. أنت تفكّرني بولد عمّي.. كان كيفك ديمه ساكت يسمع وما يردّش.. يصمت وما يردّش.. يصمت وما يتكلّمش.. ما تسمع منه كلمة.. لا تأخذ منه صرف ولا عدل.. كنّا هازيين عليه.. لكن طلع في العركة فارس عمره ما دل.. عمره ما ولّى.. كان في الصّفّ الأوّل.. ما هرب من معركة.. الله يرحمه.. شهيد... عند الحور العين.. يا بخته خشّ الجنّة بلا حساب.. الله يرحمه.. شهيد... عقبه ولد توّا راجل يلهد على الخيل.. خلاّه في القماط.
وصرخ الرّجل وهو يسرد حكايته.. وعضّ شفتيه وهو يتصوّر منظر السّاحة في المعركة وتهاطل الرّصاص آه يا بابا... أيه يا بابا.. لو كانت جتّ في الجهة اليسرى وتحت الثّدي راهو خشّت في القلب.. أيه أربعة سنتيم خمسة سنتيم قدّاش هو لحم البنادم ؟!(43)
تعني مخاطبة الآخر بحثاً عن تطلّعات الذّات في ملامسة حدودها المفترضة بالمنظور السّايكولوجيّ، إذ (( إنّ الصّورة الّتي أراها في المرآة هي بالضّرورة غير مكتملة؛ ومع ذلك، وبمعنى من المعاني، فإنّها توفّر لنا نمطاً بدئيّاً من إدراك الذّات، ولكنّ شخصاً واحداً يحدّق فيّ يمنحني الشّعور بأنّني أشكّل وحدة كلّيّة.))(44) إنّ وعي الذّات بأهمّيّة الآخر يتحدّد وفق المفهوم السّايكولوجيّ بتقويض العزلة وتحقيق ماهيّة الانفتاح، لأنّ الذّات لا تعرف حدود الاكتمال إلاّ بمعانقة الموضوع، وقد يكون إدراك الموضوع عن طريق الآخر، سواء تحقّق هذا الإدراك برضا أو بسواه. (( كائن إنسانيّ آخر فقط يمكن أن يمنحني هيئة تتطابق في مادّتها وظهورها مع مادّة العالم الخارجيّ وظهوره.))(45) هذا هو الّذي يبحث عنه المتحدّث ليحكي له قصّته:
أهو خلّيني أنا نحكي وأنت تسمع... وين وصلنا في الحكاية.. في الميدان ضربت الطّليانيّ في رأسه ولدين الكلب.. كان لابس طاسة حديد. ولد الفرطاسة.. ما جتش فيه.. كان حداي ولد عمّي.. زول.. راجل صنديد ضربه على ثديه الأيسر جتّ مشمسة.. طاح الطّليانيّ تحتي أنا.. راح ولد عمّي شهيد... تعرف ولاد عمّي راحوا..... ما حدّ قايل بيهم ولا ناشد عليهم كيف ما رحنا دوايح.
- وهزّ الرّجل الصّامت رأسه... وابتسم.. ثمّ ضحك في شكل همهمة غريبة.. وواصل الرّجل سرد كلامه.(46)
يشكّل المشهد بين المتحدّث والصّامت ثنائيّة تشدّ الانتباه، حتّى توصل الأحداث إلى نوع من التّوازي القائم بين الذّات والآخر، بوح تمليه شروط الذّات العابئة بالهمّ والمعاناة، فلا تجد لذّة الفرح إلاّ في إنصات الآخر، ولكن هل ينصت الآخر حقّاً، أم أنّ غيوماً في سماء الحوار تلوّح ؟ خاصّيّة لا يمكن التّحقّق منها إلاّ بمتابعة المسير مع هاتين الشّخصيّتين الغارقتين في الصّمت والكلام معاً؛ لكلّ منهما سماتها الّتي تميّزها عن الآخر الّذي يظلّ محاطاً بأنّات الذّات واختباراتها الّتي يحاول البوح إخراجها من مكامنها لعلّ سماءها تلامس الصّفو، لكنّ أصوات هاته الشّخصيّة المدوّية هل تمكّنت من اختراق أسماع الآخر:
- أيه تضحك.. عجبك الكلام.. هذا كلام يضحّك..؟.
أنت ما تعرفش خسارة الفارس لمّا يريح.. ما تعرفش المرارة لما يتفكّر الواحد الفارس كيف طاح.. كيف راح... ومازالت السّيّارة تتكركب.. والطّريق الصّخريّ الرّمليّ يمتدّ.. كأنّ المسافة لا حدّ لها.. وغنّى السّائق ثمّ سكت.. ونقر بائع التّذاكر على لوحة التّذاكر نقرات.. ثمّ جذبه السّبات ونام.(47)
على الرّغم من علوّ صوت الشّخصيّة الرّئيسة في القصّة إلاّ أنّه لم يكن الصّوت الوحيد في هذا المشهد، بل أنّ أصواتاً أخرى شاركته الصّخب ذاته مسهمة في تشكيل فضاءات نصّيّة يتعمّق البناء السّرديّ في ضوئها، لكنّ هذه المشاركة لا تبعد الصّوت الرّئيس عن التّبئير القصصيّ، إذ يظلّ صاحب هذا الصّوت حالماً بتحقيق غايته في أن يسمعه الآخر فيحقّق حلمه في البوح والإنصات في آن، وهذا مسعى جماليّ عمل المصراتي على تعميقه أكثر حينما جعل الحوار لا يكفّ عن التّماهي في عين الآخر، لأنّ اللذّة الجماليّة لا تتحقّق هنا إلاّ حينما تأخذ شكلاً حواريّاً، الشّيء الّذي يظلّ يطارده صاحب الحكاية:
ومازال الرّاكب الآخر يواصل حكاياته سارداً بلا توقّف ولا ملل.. والرّجل الصّامت يبحلق بعينيه.. وصفهما صاحبه بأنّهما عينا قطعي.. يبحلق خلف الطّريق والرّجل القصير السّمين لازال يواصل كلامه.. كأنّما هو مذياع لا يكفّ وشريط لا نهاية له.(48)
إنّ الإسهام في البوح والإصرار على مخاطبة الآخر هو المعادل لموضوع تعتمل به أعماق الذّات، فما يُرى في ما قدّمه المصراتي في هذا النّصّ ليس حكاية فحسب، بل هو نصّ يتغيّا بدهشته الجماليّة المحبّبة تحوّلات قد لا تقطف هذه الذّات ثمارها الآن، لأنّها مازالت مصرّة على مطاردة حلمها المتّسم في البوح:
- قولي تسمع فيّا والاّ لا ؟! ردّ عليا..
من الصّبح وأنا نتكلّم وأنت تسمع.. طول الطّريق وأنا نكلّم فيك.. ردّ... قول... ما عندكش حكاية...
تسمع تقبض وما تعطيش... قول.. الكلام أخذ وعطا...(49)
يبدو أنّ صبر صاحب الحكاية قد نفد، وكذلك القاصّ علي مصطفى المصراتي حيث أراد كلّ منهما أن يبني من خلال الآخر شبكة الفاعليّة الجماليّة للنّصّ القصصيّ؛ وذلك من خلال ترسيم حدود الإجابة وتبيان أبعاد السّؤال، إذ إنّ العبارات الأخيرة الّتي تفوّه بها صاحب الحكاية تنمّ عن حالة سايكولوجيّة بلغ المتكلّم فيها ذروة التّوتّر، وأنّ القاص أراد أن يبني - في الآن ذاته - حدود الدّهشة الجماليّة الّتي ينتظرها القارئ بلهفة وانبهار، فكان لابدّ من ظهور الطّرف الثّالث الّذي كان له الدّور الأكبر في بناء المكان المغلق ( سائق السّيّارة ) ليسهم هذه المرّة في انفتاح المكان بشكل يحقّق شرط الغرائبيّة النّصّيّة والإحساس بها من خلال تدخّله بوصفه ذاتاً ناجزة في بناء أحداث القصّة وإنتاج دلالتها:
ولكنّ السّائق... ضحك ضحكة طويلة وهو يقترب يكاد يصل إلى المحطّة... وقال له:
- هو أصمّ... ما يسمع... مع من تخرّف من الصّبح..
ولفّه الصّمت بعد ضحكة مدوّية.. وطرقعة في سقف الحنك.(50)
لقد وُفّق المصراتي هنا في خلق المفاجأة غير المتوقّعة الماثلة في الطّرف النّاصت للحكاية، والمفترض أن يكون الآخر الّذي يحدّد شرط وجود الذّات وإذا به لا يستطيع ذلك... فيظلّ السّؤال قائماً بدهشة وإلحاح متعلّقاً بالعنوان تعلّق الرّأس بالجسد، وهو يأتي على لسان صاحب الحكاية: هل تسمعون حكايتي ؟
3_ التّركيب: لم يكن المكان في هذه القصّة مكاناً محايداً، بل كان عنصراً فاعلاً مشاركاً الشّخصيّات في أدوارها البنائيّة، خالقاً أوضاعاً سايكولوجيّة باتت سمة من سماته هو، بالقدر الّذي تتّسم بها الشّخصيّات ذاتها. حيث نزع المصراتي في قصّة ( هل تسمعون حكايتي ؟ ) إلى استثمار تقنيات السّرد الحديث وقراءة الوعي الاجتماعيّ من خلاله، فعمل جاهداً على تعميق هذا الوعي بالطّرائق النّفسيّة الّتي اتّخذت من اللغة فضاء لها، حتّى باتت معطى سوسيولسانيّاً أتقن الكاتب وضع بنياته بين يدي المتلقّي سواء على صعيد المكان أو الشّخصيّات أو الأحداث أو الحوار.
1.3_ وحدة التّنوّع: تنماز الشّخصيّة القصصيّة بوحدة التّنوّع مهما كان دورها، إذ إنّ الحديث عن الشّخصيّة القصصيّة يعني تحديد مفهومها داخل العمل القصصيّ، بيد أنّ هذا المفهوم لا يعرف تحديداً جامعاً مانعاً له، وإنّما يُقرأ من خلال حضور الشّخصيّة ذاتها، ومدى مساهمتها في بناء العمل القصصيّ، لذلك سيكون من المجازفة بمكان أن نطلق على إحدى هذه الشّخصيّات صفة البطل، لأنّ لكلّ منها دوراً في تفعيل الحادثة وبلوغ النّصّ مراحله النّهائيّة، ويعني هذا (( أن يقوم بينهم جميعاً رباط يوحّد اتّجاه القصّة ويتضافر على ثمار حركتها، وعلى دعم الفكرة أو الأفكار الجوهريّة فيها، وذلك بتلاقيهم في حركتهم نحو مصائرهم، واتّجاه الموقف العامّ في القصّة.))(51) لذلك أطلقت لفظة الرّئيسة على الشّخصيّة الّتي أولاها المؤلّف فائق عنايته، عندما ألقى الضّوء على جوانبها النّفسيّة ومنحها سمة تحريك الأحداث لتحتلّ موقع البؤرة فيها، ولكن مع ذلك لم تعثر على تفرّدها لأنّ وجودها الذّاتيّ كان منوطاً بوجود الآخرين. إذ (( إنّ الشّخصيّة الإنسانيّة تصبح حقيقيّة وواقعيّة تاريخيّاً ومنتجة ثقافيّاً بقدر ما تكون جزءاً من الكلّ الاجتماعيّ، من طبقتها ومن خلال طبقتها.))(52) هكذا يتقاربون جميعاً في حضورهم الفنّيّ، فيكون القاصّ – في هذه الحالة – قد قصد (( إلى الكشف عن وعيهم جميعاً بالقياس إلى الموقف العامّ في القصّة. فتصير غاية القصّة الأولى هي الكشف عن جوانب موقف، وعن أصدائه النّفسيّة العميقة في مجموعة من الأشخاص...))(53) يوحّدهم التّواصل القائم على التّفاعل في حدود تتّسم بالتّماهي والاختلاف في آن.
2.3_ بصمات الإيهام: تظلّ الحادثة واحدة وإن تنوّعت فصولها وتعدّدت وقائعها، وهي ليست بالضّرورة مستلّة من واقع الحياة، وإنّما ينبغي لها (( أن تساق سوقاً متماسكاً منطقيّاً بالنّسبة لبواعثها ولما يماثلها في الواقع النّموذجيّ للحياة والنّاس.))(54) أي لا تتحقّق قيمتها الفنّيّة إذا تخلّت عن عنصر الإيهام بأنّها تعبّر عن واقع معيّن وإن لم يكن الأمر كذلك في حقيقته، فإذا كانت ماريان مور تتحدّث عن الشّعر باعتباره يقدّم (( للمتمعّن حدائق خياليّة تملؤها هوام حقيقيّة.))(55) فإنّ الحال كما هو مع أدغار ألان بو حيث إنّ (( القلاع الموحشة الّتي يصفها بو لا تقوم في ألمانيا أو ولاية فرجينيا، بل في الرّوح.))(56) ولعلّ المصراتي قد أفلح في إيهام المتلقّي بواقعيّة قصّته.
3.3_ ازدواجيّة الحوار: يُعدّ الحوار من العناصر الأسلوبيّة الّتي توضّح قدرة الكاتب على تقديم شخصيّاته، فيكونون والمتلقّي وجهاً لوجه توحّدهم الأصوات وكأنّهم أحياء يتحرّكون فيشاركهم القارئ انفعالاتهم الّتي تقوّض حيّز الأحداث وتمنحه سمة التّواصل، بوصف الحوار العنصر الرّئيس من عناصر السّرد، لذلك فإنّ (( الصّفة الرّئيسة في السّرد القصصيّ انفتاحه، فهو يرصّع المشاهد بالحوار – الّذي يمكن أن يمثّل - مع تقريرات مختصرة عمّا يجري.))(57) غير أنّ مشكلة الحوار في القصّة العربيّة (( وجه بارز من وجوه المشكلة الّتي نعانيها من جرّاء الازدواج اللغويّ عندنا بين الفصحى والعامّيّة. ولعلّه أكثر الوجوه تمثيلاً لمشكلة اللغة من هذه النّاحية.))(58) لأنّ الحوار في الحياة اليوميّة يجري في العامّيّة، وأنّ استعمال الفصحى في الحوار يعني الابتعاد عن حيويّة التّفاعل بين الأشخاص، لكنّه يشكّل - في الآن ذاته - حاجزاً بين القارئ العربيّ الّذي لا يعرف العامّيّة وبين النّصّ الّذي كُتب بهذه اللغة، وأعتقد أنّ نصّ المصراتي يعاني من هذه المشكلة الّتي بحاجة إلى قارئ متمرّس ليتمكّن من معانقة أبعاد الحوار الجماليّة الّذي ينفتح به النّصّ على ضفاف القراءة، كما ينفتح الحيّز المكانيّ على آفاق أخرى فيطوّح بالصّمت والانطواء.
4.3_ ظاهراتيّة النّسق: يظلّ المكان في العمل الإبداعيّ منظومة ثقافيّة تسهم في بناء النّصّ، وتعمّق أواصر التّواصل بين مكوّناته حتّى إنّه يأخذ شكل نسق ظاهراتيّ تتتشكّل حوله العناصر اللامكانيّة في النّصّ، ويعني هذا (( أنّ النّصّ الفنّيّ ليس محاكاة لنسق معيّن، ولكنّه ينتظم طبقاً للدّلالات الّتي يتطلّبها النّصّ، سواء كانت هذه الدّلالات تتماشى مع النّسق أو لا تتماشى.))(59) لذلك اتّخذت الأصوات البانية لنصّ المصراتي أشكالاً نسقيّة محكومة بالبنية المكانيّة الّتي تؤطّرها وتتفاعل معها في آن بالطّريقة الّتي كوّنت بها منظومتين ثقافيّتين متقابلتين تمثّلت الأولى بالحيّز المغلق في حين تجلّت الثّانية في الحيّز المفتوح توحّدها ألفة الصّراع الطّبيعيّ بين الكائنات البشريّة الموشومة بظروف سايكولوجيّة لاحظنا بإمعان كيف أنّ الحيّز المكانيّ هو الّذي فرضها عبر رحلة السّفر الممتدّة بين نقطتين لا تقاسان بالمقاييس الهندسيّة، بل بالتّفاعل بين الذّات والآخر وهذه طبيعة إنسانيّة نجح المصراتي بعيداً في توظيفها من خلال الخطاب النّصّيّ الّذي أضحت فيه اللغة ذات أبعاد سوسيولسانيّة، من هنا يمكن القول:(( إنّ بنية مكان النّصّ تصبح نموذجاً لبنية مكان العالم، وتصبح قواعد التّركيب الدّاخليّ لعناصر النّصّ الدّاخليّة لغة النّمذجة المكانيّة.))(60) والّذي يظلّ فيه العنوان العلامة المهيمنة الّتي تحدّد اتّجاه القراءات المصاحبة لغواية النّصّ.

الهوامش:
1_ يرى الشّاعر الألمانيّ شيللر أنّ العبقريّة ملازمة للسّذاجة. انظر: عبد الله العروي_ الأيديولوجيا العربيّة المعاصرة، المركز الثّقافيّ العربيّ، بيروت_الدّار البيضاء، الطّبعة الأولى، 1995، ص: 249.
2_ أحمد طاهر حسنين_ ظرف المكان في النّحو العربيّ وطرق توظيفه في الشّعر، ألف ( مجلّة البلاغة المقارنة )، العدد السّادس، ربيع 1986، ص: 10.
3_ انظر: يوري لوتمان_ مشكلة المكان الفنّيّ، تقديم وترجمة: سيزا قاسم دراز، ألف ( مجلّة البلاغة المقارنة)، مرجع سابق، ص: 89.
4_ انظر: بيتر عبّود وآخرون_ العربيّة المعاصرة، المرحلة المتوسّطة، الجزء الأوّل، آن آربر، ميشغان، 1971، ص: 280.
5_ مدحت الجيّار_ جماليّات المكان في مسرح صلاح عبد الصّبور، ألف ( مجلّة البلاغة المقارنة )، مرجع سابق، ص: 29.
6_ غاستون باشلار_ جماليّات المكان، ترجمة: غالب هلسا، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت، 1983، ص: 187.
7_ قاصّ وكاتب ليبيّ وُلد في 18/8/1926 بالاسكندريّة. انظر ترجمته في عبدالله سالم مليطان_ معجم الأدباء والكتّاب الليبيّين المعاصرين، الجزء الأوّل، مداد للطّباعة والنّشر والتّوزيع والإنتاج الفنّيّ، طرابلس، الطّبعة الأولى، 2001، ص _ ص: 402 _ 406.
8_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، الدّار الجماهيريّة للنّشر والتّوزيع والإعلان، مصراتة، الطّبعة الثّانية، 2002، ص _ ص: 717 _ 731.
9_ يوري لوتمان_ مشكلة المكان الفنّيّ، مرجع سابق، ص: 89.
10_ محمّد بنّيس- الشّعر العربيّ الحديث: بنياته وإبدالاتها ( التّقليديّة )، دار توبقال للنّشر، الدّار البيضاء، الطّبعة الأولى، 1989، ص: 76.
11_ محمّد مفتاح- مقاربة أوّليّة لنصّ شعريّ، الكاتب العربيّ: مجلّة فصليّة تصدر عن الاتّحاد العامّ للأدباء والكتّاب العرب، السّنة الثّالثة، العدد الحادي عشر، 1405 هـ/1985م، ص: 152.
12_ المرجع السّابق، ص: 161.
13_ مصطفى كاك_ الخيال في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، فكر ونقد: مجلّة ثقافيّة شهريّة، السّنة الرّابعة، العدد 33، نوفمبر 2000، ص: 98.
14_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 717.
15_ غاستون باشلار_ جماليّات المكان، مرجع سابق، ص: 208.
16_ مرشد أحمد_ المكان والمنظور الفنّيّ في روايات عبد الرّحمن منيف، دار القلم العربيّ، حلب، الطّبعة الأولى، 1998، ص: 5.
17_ غاستون باشلار_ جماليّات المكان، مرجع سابق، ص: 206.
18_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 717.
19_ المصدر السّابق، ص _ ص: 717 _ 718.
20_ المصدر السّابق، ص: 718.
21_ محمّد يوسف نجم_ فنّ القصّة، دار صادر، بيروت، دار الشّروق، عمّان، الطّبعة الأولى، 1996، ص: 83.
22_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 718.
23_ المصدر السّابق، ص: 718.
24_ غاستون باشلار_ جماليّات المكان، مرجع سابق، ص: 213.
25_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص _ ص: 718 _ 719.
26_ المصدر السّابق، ص _ ص: 719 _ 720.
27_ المصدر السّابق، ص: 720.
28_ يوري لوتمان_ مشكلة المكان الفنّيّ، مرجع سابق، ص: 82.
29_ المرجع السّابق، ص: 83.
30_ المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
31_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 721.
32_ المصدر السّابق، ص _ ص: 721 _ 722.
33_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 722.
34_ انظر: محمّد يوسف نجم_ فنّ القصّة، مرجع سابق، ص: 81.
35_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص _ ص: 722 _ 723.
36_ محمّد يوسف نجم_ فنّ القصّة، مرجع سابق، ص: 70.
37_ المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
38_ تزفيتان تودوروف_ ميخائيل باختين: المبدأ الحواريّ، ترجمة: فخري صالح، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، الطّبعة الثّانية، 1996، ص: 178.
39_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص _ ص: 723 _ 724.
40_ تزفيتان تودوروف_ ميخائيل باختين: المبدأ الحواريّ، مرجع سابق، ص: 179.
41_ المرجع السّابق، الصّفحة ذاتها.
42_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 725.
43_ المصدر السّابق، ص: 726.
44_ تزفيتان تودوروف_ ميخائيل باختين: المبدأ الحواريّ، مرجع سابق، ص: 177.
45_ المرجع السّابق، ص: 178.
46_ علي مصطفى المصراتي_ خمسون قصّة قصيرة، مصدر سابق، ص: 726.
47_ المصدر السّابق، ص _ ص: 726 _ 727.
48_ المصدر السّابق، ص: 727.
49_ المصدر السّابق، ص: 731.
50_ المصدر السّابق، الصّفحة ذاتها.
51_ محمّد غنيمي هلال_ النّقد الأدبيّ الحديث، دار الثّقافة _ دار العودة، بيروت، 1973، ص: 569.
52_ تزفيتان تودوروف_ ميخائيل باختين: المبدأ الحواريّ، مرجع سابق، ص: 70.
53_ محمّد غنيمي هلال_ النّقد الأدبيّ الحديث، مرجع سابق، ص: 570.
54_ ميشال عاصي_ الفنّ والأدب: بحث جماليّ في الأنواع والمدارس الأدبيّة والفنّيّة، منشورات المكتب التّجاريّ للطّباعة والتّوزيع والنّشر، بيروت، الطّبعة الثّانية، 1970، ص: 152.
55_ أوستن وارين ورينيه ويليك_ نظريّة الأدب، ترجمة: محيي الدّين صبحي، مراجعة: الدّكتور حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعيّة، دمشق، 1972م، ص: 276.
56_ المرجع السّابق، ص: 278.
57_ المرجع السّابق، ص: 280.
58_ ميشال عاصي_ الفنّ والأدب: بحث جماليّ في الأنواع والمدارس الأدبيّة والفنّيّة، مرجع سابق، ص: 154.
59_ يوري لوتمان_ مشكلة المكان الفنّيّ، مرجع سابق، ص: 98.
60_ المرجع السّابق، ص: 89.



#محمد_عبد_الرضا_شياع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرّؤيا الشّعرية بين التّصورين الغربي والعربي*
- التّرجمة وإشكالية التّواصل الثّقافي*
- طنجة موتيفة الشّعراء
- سيرة المعتمد بن عبّاد في مخطوطة الأحلام
- سايكولوجية التّمرد في شعر تأبط شرا*ً
- الومضة الشّعرية: انكشاف العتمة وتوهج الذّات*
- لوث غارثيا كاستنيون: تؤكد عشقها للشعر العربي ولبغداد وللقاهر ...
- الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع
- فيديريكو غارثيا لوركا وثقافة الموت
- أوكتابيو باث: زمن المكاشفة وبوح الذّات*
- الاغتراب في الإبداع الأدبي
- *نازك الملائكة: قارورة الحزن الشفيف
- السّفر في عذابات الرّوح
- الرّؤيا الشّعريّة سفر على أجنحة الخيال
- دلالة المكان الدّائري في رواية جسد ومدينة
- خليل حاوي : سنديانة الشعر والموت
- محمد علي شمس الدّين والتّحولات اللوركية في شعره


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الرضا شياع - المكان السّايكولوجي في قصة - هل تسمعون حكايتي ؟ للأديب الليبي على مصطفى المصراتي