أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي الجبوري - هل سيبقى بوتين في الكرملين دون أن يضطر لخلع حذاءه؟















المزيد.....

هل سيبقى بوتين في الكرملين دون أن يضطر لخلع حذاءه؟


غازي الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 1999 - 2007 / 8 / 6 - 11:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تصاعدت في الآونة الأخيرة لهجة الخطاب السياسي الروسي إثر التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الأمريكي (غيتس) قبل عدة أسابيع والذي قال فيه انه يجب على أمريكا أن تستعد لمواجهة روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية بجيوش قوية. فبعد يومين من ذلك التصريح وفي المؤتمر الأمني الدولي في ميونخ ألقى الرئيس الروسي بوتين كلمة بحضور زعماء وممثلي الدول والمنظمات الدولية بينهم (غيتس) شخصيا استخدم فيها نبرة حادة وغير مسبوقة من قبله في انتقاد سياسات واشنطن وبعض الدول الأوروبية فخصص جزء مهم من كلمته على إعلان واشنطن نشر أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ على أراضي تشيكيا وبولندا بالقرب من الحدود الروسية، والتي قال عنها بوتين في خطابه إنها لا صلة لها بمكافحة العنف الذي تبرر به أميركا هذه الخطوة وإنما معدة فقط لمواجهة الصواريخ الروسية ، وهو ما أعاد إلى الأذهان ما فعله الزعيم السوفييتي الراحل ( خر وتشوف) عندما خلع حذائه وضرب به على منصة الأمم المتحدة عام 1961 مهددا الغرب ومتوعدا، لكن بوتين الرجل الهادئ بطبعه لم يهدد أو يتوعد إلا انه كشف بصراحة عن عدم رضا موسكو عن سياسات واشنطن على الساحة الدولية بشكل عام وتجاه روسيا بشكل خاص.
كما سخر بوتين في كلمته من الديمقراطية الأمير كية طالبا من الأمير كيين أن يتعلموا الديمقراطية أولا قبل أن يعلموها للآخرين، أما فيما يتعلق بالأوروبيين فقد عاب عليهم انقيادهم لواشنطن ، بقوله "نريد أن نتعامل مع شركاء لديهم إرادة مستقلة وقادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم" وأعلن أن روسيا لن توقع على ميثاق الطاقة مع الاتحاد الأوروبي ولن تقبل أن تفرض عليها أية شروط . وقد أعقب ذلك تجميد عضوية روسيا من اتفاقية الأسلحة التقليدية في أوربا وطرد الدبلوماسيين البريطانيين ردا على طرد لندن أربعة دبلوماسيين روس على خلفية مقتل الجاسوس الروسي في لندن وإجراء تجربة على صواريخ جديدة للدفاع الجوي المضادة للطائرات والصواريخ نوع "س 400" تمهيدا لإدخالها إلى الخدمة في القوات المسلحة الروسية. إن هذا التصعيد الجديد من نوعه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وفي السنة الأخيرة من رئاسة بوتين لفترتين غير قابلة للتجديد مالم يعدل الدستور يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل بوتين السياسي وبالتالي مستقبل روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي . فهل في نية الرئيس بوتين تعديل الدستور لإتاحة الفرصة أمامه لرئاسة روسيا فترة أخرى حسب ما يرصده المراقبون؟ وهل سيوظف المشاعر الوطنية للشعب الروسي التواق لرؤية بلاده تستعيد موقعها السابق - في أسوا الأحوال - والمؤيد لاستمرار بوتين في السلطة حسب استطلاعات الرأي لأنه يرى في بوتين فرصة روسيا الوحيدة المتاحة في المرحلة الراهنة لنفض الغبار عنها والانطلاق نحو المستقبل المنشود . إن التعرف على نوايا وخطط بوتين تتطلب تسليط الضوء على ملابسات وصوله إلى السلطة وعلى السياسات التي اتبعها خلال فترتي رئاسته التي من المتوقع أن تنتهي أوائل 2008 .
إن الظروف التي أحاطت بظهوره على المسرح السياسي في روسيا تشير إلى حجم التدهور الذي ساد الساحة السياسية الروسية في أواخر فترة حكم الرئيس السابق بوريس يلتسين. فقد وصل بوتين إلى السلطة من خلال آلية متقنة خطط لها ونفذها أقطاب نظام حكم سلفه بوريس يلتسين في أواخر التسعينيات ، عند اقتراب نهاية فترة يلتسين الرئاسية الثانية والأخيرة. وكان يلتسين وكبار مساعديه يخشون من وصول منافسيهم إلى السلطة، وبصفة خاصة زعيمي تحالف (الوطن ــ كل روسيا) يورى لوجكوف عمدة موسكو ويفجينى بريماكوف رئيس الوزراء السابق واللذان كانا يوجهان نقداً عنيفاً لكافة السياسات التي يتبناها نظام يلتسين، لما سببته من انهيار وفساد وفوضى داخلية، والتراجع الكاسح على الساحة الدولية. بما ينطوي عليه ذلك من فتح ملفات الفساد الهائل الذي اتسمت به فترتا حكمه ، وتمكن تيار( لوجكوف ـ بريماكوف) من استقطاب تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام الروسي. فتأكد لدى أقطاب حكم يلتسين انه يشكل تهديداً حقيقياً في الانتخابات البرلمانية في عام 1999، و الرئاسية عام 2000، حيث لم يكن يحق ليلتسين المشاركة فيها لأكثر من مرتين وفق الدستور الروسي النافذ ، مما اضطرهم إلى البحث عن مخرج يضمن حماية الرئيس يلتسين وعائلته من المساءلة القانونية بعد تركه للمنصب الرئاسي، كما يضمن حماية مصالح النخبة المسيطرة ماليا من كبار رجال الأعمال، والذين اتهم بعضهم بالضلوع في عمليات الجريمة المنظمة في موسكو. فوجدوا أن المخرج الأفضل يتمثل في تمهيد الطريق أمام بوتين الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات الروسية (أف أس بي) ورئيس مجلس الأمن القومي الروسي آنذاك للوصول إلى السلطة، كرئيس للحكومة أولاً، ثم كرئيس للدولة لاحقاً.
كانت الخطوة الأولى تتمثل في استغلال أحداث داغستان عام 1999، التي قامت خلالها مجموعة من المقاتلين الشيشان بقيادة شامل باساييف بدخول جمهورية داغستان المجاورة، لدعم الحركة الانفصالية فيها، الأمر الذي أحدث دوياً سياسياً في موسكو، مهد لإقالة رئيس الحكومة سيرجى ستيباشين، وتعيين فلاديمير بوتين بدلاً منه في أغسطس 1999، وقدمه يلتسين منذ تلك الفترة باعتباره خليفته القادم في الكرملين.
وفور توليه رئاسة الحكومة، تبنى بوتين سياسة تقوم على الحزم والشدة في مواجهة المحاولات الانفصالية في داغستان والشيشان، وأطلق تصريحات قوية بشأن طرد المقاتلين الشيشانيين من داغستان، مما دفعهم للخروج منها والعودة إلى الشيشان، كما بدأ على الفور في شن حرب شرسة ضد الشيشان، متراجعاً بذلك عن اتفاق السلام الذي كان يلتسين قد أبرمه مع الشيشانيين في عام 1996، مؤكداً أن الحرب ستستمر حتى تحقيق النصر الكامل ، وواصل هذه التأكيدات بدرجة أشد عقب التفجيرات العديدة التي وقعت في موسكو والعديد من المدن الروسية، كما انتقد بوتين الغرب لعدم دعمه جهود روسيا بالقدر الكافي في مجال حربها على العنف الدولي.
إن الأداء القيادي الحازم لبوتين، والمدعوم بتغطية إعلامية كبيرة من قبل وسائل الإعلام المملوكة لرجال الأعمال المرتبطين بالكرملين، قد ساعدا معاً في خلق شعبية واسعة له في أوساط الناخبين . وتكامل هذا التوجه مع قيام النخبة السياسية والمالية المحيطة بيلتسين بتأسيس حزب (الوحدة ــ الدب) بزعامة وزير حالات الطوارئ في الحكومة الروسية سيرجى شويجو، وهو الحزب الذي أصبح يحتل المركز الخامس في استطلاعات الرأي العام، ثم ازدادت مكانته عقب إعلان بوتين صراحة قبل الانتخابات البرلمانية بعدة أيام دعمه القوى لهذا الحزب ، مما أتاح له الحصول على المركز الثاني في البرلمان .
وكان رئيس الحكومة فلاديمير بوتين هو المنتصر الأكبر في تلك الانتخابات البرلمانية، باعتبار أن حزب الوحدة يمثل عنصر الإسناد السياسي له داخل البرلمان، ثم استقال يلتسين فجأة من رئاسة الدولة، لصالح بوتين، في 31 ديسمبر 1999، وظل بوتين قائماً بأعمال رئيس الدولة لمدة حوالي ثلاثة شهور، استطاع خلالها أن يستقطب قطاعات واسعة من الشعب الروسي وهو ما مهد له الفوز في انتخابات الرئاسة التي جرت في 26 آذار 2000، لاسيما بعد تراجع يفجينى بريماكوف عن ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة، ثم إعلان يورى لوجكوف عمدة موسكو وزعيم حركة الوطن بطريقة مفاجئة دعمه لفلاديمير بوتين. وبالتالي، أصبح بوتين المرشح الأوفر حظاً من بين كافة المرشحين.
ركز الرئيس بوتين بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية على استعادة هيبة الدولة وبناء نظام حكم مركزي قوى ومهيمن
ولتحقيق ذلك ، أسند بوتين عدد من المناصب العليا في الدولة إلى سياسيين ذوي خلفيات استخبارية ، في مقدمتهم سيرجى إيفا نوف رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، الذي عين وزيراً للدفاع، كما تم تعيين اثنين من رؤساء الوحدات الإدارية السبع الكبرى من جهاز الأمن (أف أس بي)، وشمل ذلك مناصب رئيسية في قطاع مبيعات الأسلحة .
وفى السياق ذاته تم التركيز على ملاحقة النخبة المالية والصناعية المتهمة بالفساد، والسيطرة على السياسيين ووسائل الإعلام . فقد أصر بوتين على ضرورة تطبيق مبدأ سيادة القانون ، مع التأكيد على ضرورة انصياع الجميع لإرادة الدولة بدون تمييز، وهو ما دفع الكثير من أفراد هذه النخبة للجوء إلى طلب المساندة من الخارج ، واستعداء الدوائر الأمريكية والغربية ضد توجهات بوتين التي لم تكن تروق لهم، لان معظمهم كانوا ضالعين بقوة في عمليات الجريمة المنظمة ، ولم يكونوا يتورعون عن القيام بكافة الأعمال التي يحظرها القانون لضمان مصالحهم . فيما تعامل مع المسألة الشيشانية بوصفها مسألة داخلية بالكامل، رافضاً أي تدخل خارجي في هذه المسألة، وأصر منذ البداية على سحق وقمع الاتجاه الاستقلالي في تلك الجمهورية، تمهيداً لفرض تسوية هذه المسألة وفق صيغة تضمن بقاءها داخل إطار الدولة الروسية.
إلا أن مشروع الضم القسرى للشيشان جوبه بمقاومة شرسة وغير متوقعة من جانب المسلحين الشيشان الذين رفضوا الاستسلام للضغط الروسي، وأقدموا على تنفيذ عمليات في العديد من مناطق روسيا . فكان رد بوتين المزيد من التشدد في التعامل مع المسألة الشيشانية، واستغلال مناخ الحرب على العنف إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، إذ كثفت موسكو اتهاماتها للمسلحين الشيشان بممارسة العنف ، واتهمت الزعيم الشيشاني أصلان مسخادوف ببناء علاقات تنظيمية قوية مع التنظيمات الدولية المسلحة ، ثم قامت القوات الخاصة الروسية باغتياله في مارس 2005.
وعلى الرغم من أن بوتين كان واثقاً من فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في انتخابات مارس 2004، بحكم التأييد الشعبي الواسع الذي يتمتع به ، إلا أن الجانب الذي كان مثار اهتمامه الأول ، هو ضمان السيطرة على مجلس الدوما (البرلمان) من خلال التحكم في نتائج الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 2003، حتى يمكن تمرير مشروعات القوانين التي يريدها، بما في ذلك إمكانية إدخال تعديلات على الدستور.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتجه الكرملين نحو تنفيذ تكتيك دقيق يقوم على توجيه دعمه السياسي والمالي والإداري للعديد من التحالفات الحزبية حديثة العهد، دون قصرها على تحالف (الوحدة ـ الوطن) ، إذ أقدم على تبني عدد من الأحزاب الصغيرة، مثل: الحزب الشعبي ، وتحالف الوطن ، وتحالف حزبي الحياة والصحوة الروسية، إلى جانب بعض التكتلات الحزبية الصغيرة. وقد اتحدت هذه الأحزاب معاً في إطار تحالف روسيا الموحدة، في حين أن الأحزاب الليبرالية اليمينية لم تفلح في التحالف وتوحيد مواقفها لمواجهة تحالف الأحزاب الموالية للكرملين. وقد أتاح هذا التكتيك للأحزاب الموالية للكرملين أن تحقق أغلبية كاسحة في مجلس الدوما، حيث أصبح لدى الأحزاب الثلاثة الموالية للكرملين حوالي 297 مقعداً في الدوما، المكون من 450 مقعداً، مما يعنى أن هذا التحالف يحتاج إلى ثلاثة مقاعد فقط للحصول على أغلبية الثلثين في المجلس، وأصبح قادراً بالتالي على تحقيق أية تعديلات دستورية قد يرغب الرئيس في إجرائها.
ومع انطلاق السباق الانتخابي على منصب الرئيس منذ أوائل عام 2004، بنى بوتين دعايته السياسية في حملة الانتخابات الرئاسية على نجاحه في إنقاذ البلاد من العنف الداخلي ، كما حرص قبل الانتخابات على قطع آخر علاقاته وروابطه مع فريق الرئيس السابق بوريس يلتسين، من خلال إقالة رئيس الحكومة ميخائيل كاسيا نوف في فبراير 2004.
وفى المقابل، حاولت القوى اليمينية الليبرالية البحث عن مرشح قوى لها في مواجهة الرئيس بوتين. وعلى الرغم من أنها حاولت في البداية الالتفاف وراء رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيا نوف لترشيح نفسه للانتخابات في مواجهة بوتين، إلا أنه تراجع عن هذه النية بعدما تبنت معظم أحزاب المعارضة موقفاً يقوم على مقاطعة الانتخابات لإحراج الرئيس بوتين وإفساد العملية الانتخابية ، وقد تقدم لمنافسة بوتين خمسة مرشحين، معظمهم من المستقلين .
ولم تكن المفاجأة فوز بوتين فوزاً ساحقاً، بنسبة 71% من أصوات الناخبين عند إجراء الانتخابات الرئاسية في 14 مارس 2004،، بقدر ما تمثلت في اندحار مخطط المعارضة بتحريض الناخبين على مقاطعة الانتخابات ، حيث شهدت الانتخابات إقبالاً واسعاً ، تجاوز النسبة القانونية المطلوبة. وكان ذلك عائداً إلى الجهود الضخمة من جانب الحكومة والسلطات الإدارية التي وظفت كافة أدواتها الإعلامية والإدارية لحث الناخبين على عدم التخلف عن المشاركة في الانتخابات ، لاسيما انه جرى التحول إلى نظام القوائم الحزبية في انتخابات مجلس الدوما، مع الإبقاء على نظام الانتخاب الفردي، بحيث أصبحت النسبة الأكبر في شغل مقاعد المجلس تتم من خلال انتخاب الناخبين لأحزاب معينة، وليس لمرشحين أفرادا. وقد نظرت معظم القوى السياسية في روسيا إلى هذا النظام بوصفه يهدف إلى ضمان سيطرة الرئيس بوتين على المجلس، لأن أغلبية الشعب الروسي غير منتمية لأي أحزاب سياسية، بحكم انشغالها الكامل بأعباء المعيشة.
أما السياسة الخارجية لبوتين والتي وصفها ب" السياسة العملية" فقد اتسمت بالاعتدال الشديد بعيدا عن سياسة المواجهة التقليدية إبان العهد السوفيتي مع الغرب بقيادة أميركا والتي أدت إلى انهياره، وكذلك بعيدا عن سياسة المهادنة التي تبناها نظام حكم يلتسين ، والتي تجاوزت حدود إنهاء الحرب الباردة مع الغرب، لتصل حد استجداء المعونات من الولايات المتحدة بكل ما يعنيه ذلك من إساءة للشعب الروسي ذي الثروات الطائلة. لقد انطلقت هذه السياسة من إدراكه لحقيقية القدرات الروسية الضئيلة بعد الانهيار، وطبيعة المتغيرات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة التي تتسم بهيمنة قطب دولي واحد هو الولايات المتحدة.
وهكذا فقد تبنى بوتين سياسة الشراكة الاستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة دون أن يتحالف معهم، في حين تبنى سياسة متوازنة تجاه القضايا الإقليمية، وعمل على تعزيز علاقات التعاون بين روسيا والعديد من دول العالم، بما في ذلك تلك الدول المناوئة للولايات المتحدة، مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية، دون ربط السياسة الروسية بالمواقف الأمريكية ، لكي لاتفقد روسيا ما تبقى لها من مواقع على الساحة الدولية . و شهدت العلاقات الروسية الاميركية تحولاً إيجابياً بالغ الأهمية عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، إذ كان بوتين أول من تقدم بتعازيه إلى الرئيس بوش، واقترح عليه التعاون في مكافحة العنف الدولي، فحصل بوتين بالمقابل على الدعم السياسي من الغرب في الشيشان، و قامت الدول الغربية بإغلاق المصادر المالية التي تغذى المقاتلين الشيشانيين بالأموال. أعقب ذلك التوقيع على معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، بالإضافة إلى اهتمام الولايات المتحدة بعدم استفزاز روسيا لدى قيامها بتطوير برنامج الدفاع الصاروخي .
غير أن الغرب لم يتجاوب مع هذه السياسة ، وبدلا من ذلك اتخذ العديد من الخطوات التي تعتبرها روسيا تهديدا مباشرا لمصالحها، مثل توسيع حلف الناتو شرقاً وتبنى الولايات المتحدة لبرنامج الدفاع الصاروخي والامتناع عن ضم روسيا لعضوية منظمة التجارة العالمية وتعزيز العلاقات والروابط الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وبعض دول القوقاز التي تعتبرها روسيا عمقاً استراتيجياً لها، أو دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحكومات مناوئة لروسيا في بعض دول أوروبا الشرقية، مثلما حدث في انتخابات أوكرانيا.
وبدأت العلاقات بين الجانبين تتوتر حينما انحرفت الإدارة الأمريكية بالحرب على العنف باتجاه أفغانستان ومن ثم العراق، لاعتبارات استراتيجية وسياسية واقتصادية. فالموقف الروسي كان قائماً على الخشية من التداعيات الاستراتيجية التي سوف تنجم عنها من كونها موجهة نحو روسيا بالذات ، وهو ماد فعها إلى اتخاذ موقف رافض لغزو العراق في مجلس الأمن، كان سببا في حدوث تصدع في العلاقات الروسية ــ الأمريكية، و تحويل وجهة روسيا نحو بناء علاقات شراكة استراتيجية بينها وبين قوى دولية أخرى، مثل الصين والهند، للتصدي لهيمنة الولايات المتحدة كقطب دولي وحيد على الساحة الدولية، ولكن بوتين أدراك أن مثل هذه المبادرات لن يكون لها تأثير هام على موازين القوى الدولية مالم تتأكد هذه الدول من أن روسيا أصبحت بمستوى من القوة بمكان بحيث لا تغنيها عن الغرب وأميركا فحسب بل وتحميها من انتقامهم . لذلك اتجه نحو تهدئة علاقات روسيا مع واشنطن ، علاوة على محاولتها بلورة مواقف مشتركة بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية في إطار قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى، أو في إطار علاقاتهما الثنائية، ولكن دون أن يعني انتهاء الخلافات فيما بين الجانبين بشأن العديد من القضايا، سواء المتعلقة بأوضاع الديمقراطية في روسيا أو التعاون النووي بين روسيا وإيران . وهكذا أصبحت روسيا أمام مفترق طرق مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في كانون الأول القادم وانتخابات الرئاسة في آذار 2008 والتي ستحدد مصير روسيا المفتوح على ثلاثة اتجاهات هي الاتجاه اليميني اللبرالي الذي سيلقي بإنجازات بوتين في عرض البحر ويعيد روسيا إلى ما كانت عليه في عهد يلتسين و الاتجاه المحافظ المتشدد الذي يشده الحنين إلى العهد السوفيتي المنهار و بوتين الذي يأمل أغلبية الروس أن تقود سياسته روسيا إلى بر الأمان من هيمنة القطب الواحد ، ويبقى التساؤل حول قدرة بوتين على إقناع مجلس الدوما الروسي لتعديل الدستور بحيث يتيح له البقاء في السلطة إلى اجل غير مسمى أو لفترة واحدة في أسوء الأحوال دون أن يضطر لخلع حذاءه وضرب منصات قوى سياسية داخل روسيا قبل أن يفعل ذلك على منصة الأمم المتحدة .



#غازي_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا العلمانية ترتدي الحجاب
- كيف نغير النظرة إلى المرأة من النظرة إليها بصفتها جسد إلى ال ...
- المسجد الاحمر اسم على مسمى
- كيف توزع واردات النفط العراقي على المواطنين؟
- لآتكن لينا فتعصر ولا صلبا فتكسر
- ليس كل مايعرف يقال
- ماهي أسباب تعثر المصالحة الوطنية في العراق؟
- كيف نساوي المراة مع الرجل في المجتمعات العربية والاسلامية ؟
- لكي لا تتكرر مأساة بغداد في كركوك
- كيف يبنى المجتمع الديمقراطي و ماهي سماته ؟
- حجاب المراة بين الواجب الشرعي والحاجة الوقائيه
- مخاطر اقحام الدين في السياسه
- ما يحدث في العراق لمصلحة من؟
- هل القتل على الهوية والفدرالية مقدمه للشرق الأوسط الجديد
- هل تعود بغداد مرة اخرى مدينة للسلام؟؟؟إإإ


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي الجبوري - هل سيبقى بوتين في الكرملين دون أن يضطر لخلع حذاءه؟