صلاح الأنصارى
الحوار المتمدن-العدد: 1997 - 2007 / 8 / 4 - 10:14
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
تابع ماركس , خلال الفترة من عام 1861 إلى 1863 , تحليله للعلاقة بين العمل ورأس المال في مسودة الصياغة الثانية لـ ( رأس المال ) , وفى هذه الفترة , لدراسة سلعة ( قوة العمل ) والتي أعارها اهتماما بالغا , ولتحديد مقدار قيمة هذه السلعة , وتعبيرها النقدي – الأجور بشكل خاص .
لقد نظر الاقتصاديون البرجوازيون , إلى ( قيمة العمل ) كمقدار لا يتغير , ولا يتعلق بدرجة التطور التاريخي , وطورا مفهوم ( الحد الأدنى للأجور ) , الذي بموجبه يحدد مقدار الأجور بقيمة تشكيلية معينة ثابتة من وسائل المعيشة الضرورية لحياة العامل , إن ضحد هذا المفهوم اتاح لماركس تعليل ضرورة نضال الطبقة العاملة من اجل زيادة الأجور , وتقصير يوم العمل . وبين ماركس , إن مقدار ما يسمى بالاحتياجات المعيشية الضرورية وأسلوب تأمينها , يتعلقان , كثيرا , بوضع المجتمع الحضاري ... وهما نتاج التاريخ . ولذا , فعند تحديد مقدار الأجور , شأنه شأن قيمة قوة العمل , لا لزوم , البتة , للحديث عن الحد الأدنى ( للاحتياجات الضرورية ) , رغم إن الرأسمالية تسعى عمليا إلى ضغط قيمة قوة العمل وسعرها , إلى حدودها الدنيا .
من هنا تنتج الضرورة الاقتصادية لنضال الطبقة العاملة , نضالا لا هوادة فيه , من اجل ساعات عمل اقل , وزيادة في الأجور . ولاحظ ماركس عام 1865 انه إذا تقاعس العمال عن النضال ضد ( السلب والنهب الذي يمارسه رأس المال ) , ( فأنهم سيتشوهون , ويصبحون جمعا من الفقراء المتفسخين الذين لا أمل لهم , بالخلاص ) .
وبرهن ماركس على الإمكانية الاقتصادية لنضال العمال من اجل رفع الأجور . كان ريكاردو يقول: إن مثل هذه الزيادة لا تؤدى إلى زيادة قيمة السلع , بل إلى خفض معدل الربح الذي يناله الرأسمالي , فقط . إلا إن التعليل الشامل لهذه الفكرة الهامة , لم يعد ممكنا , إلا , بعد أن أوضح ماركس , وهو يعالج نظريته الخاصة بالربح الوسط وبسعر الإنتاج , أوضح بالاعتماد على قانون القيمة , التقدم الكبير في تشكيل السعر , وهو التقدم الذي تم مع الانتقال من علاقات صغار منتجي السلع إلى العلاقات الرأسمالية . وبين ماركس , إن ما أورده ريكاردو من ( استثناءات ) عن واقع أقره هو , واقع حركة الأجور التي ليس لها علاقة بمقدار قيمة السلع , هي استثناءات ظاهرية لا تخص إلا أسعار الإنتاج لا غير , ولا تمس قيمة السلع , وان زيادة الأجور , عندما تغيير معدل القيمة , لا تسبب إلا انحرافات أسعار الإنتاج عن القيمة , انحرافات يعوض أحداهما الأخر , وهى تمثل السير العادي لميكانيكية تشكل السعر الرأسمالي , ضمن اطر فانون الربح الوسط , وسعر الإنتاج وبهذا برهن نظريا على , تهافت الاعتقاد البالي الواسع الانتشار فى المجتمع البرجوازي حتى يومنا هذا , والذي مفاده , إن زيادة الأجور ترفع أسعار السلع .
ونتج عن هذا المفهوم الخاطىء استنتاج خاطىء , يصبح بموجبه نضال العمال من اجل زيادة الأجور دون جدوى , لان ما يخسره الرأسمالي بموجب هذه الزيادة يسترجعه نتيجة زيادة أسعار السلع التي يبيعها .
وعندما عالج ماركس في كتاباته عملية الإنتاج الراسمالى على مدى تطوره التاريخي , فصل لأول مرة , بين مرحلتين :
• مرحلة إخضاع العمل شكليا للرأسمال , ومرحلة إخضاعه فعليا له . وهما المرحلتان اللتان تناسبان شكلي فضل القيمة , المطلق والنسبي . ورغم إن إخضاع العمل الشكلي الذي يمثل ( وضعه تحت مراقبة رأس المال ) يبرز , تاريخيا , قبل الإخضاع الحقيقي الذي يتطلب إقامة الأسلوب الراسمالى للإنتاج , على وجه الخصوص فان هذا الاختصاص الشكلي يبقى بكامله حتى في مرحلة الرأسمالية المتطورة , شانه فى هذا شأن نتيجته – اى فضل القيمة المطلق .
إن إخضاع العمل , الشكلي للرأسمال يتسم بسيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالية على الأساس الانتاجى القديم . ويكون فضل القيمة المطلق هو التعبير المادي عن هذه المرحلة في تطور الرأسمالية . هذا , وتحفز سيطرة العلاقات الرأسمالية زيادة استمرارية العمل وشدته , وتعاظم الإنتاج وتطور القوى المنتجة للعمل الاجتماعي .
كما إن إنتاج فضل القيمة النسبي , الذي يعتبر التعبير المادي عن إخضاع العمل , الحقيقي للرأسمال , يخضع بدوره للتطور . إن الانتقال من إخضاع العمل الشكلي للرأسمال إلى الإخضاع الحقيقي له يتعاظم بفعل ميكانيكية قانون القيمة , ونتيجة سعى الراسمالى إلى الحصول على فضل القيمة الاضافى , تحت شكل الفرق بين القيمة الاجتماعية لمنتوجه , وقيمته الفردية .
• ويوضح ماركس التأثير المزدوج الناجم عن الانتقال إلى إخضاع العمل الحقيقي للرأسمال , على وضع الطبقة العاملة . فإلى جانب تشديد الاستثمار , يجرى النمو الاجتماعي للطبقة العاملة . ( إن العلاقات الرأسمالية , تتمثل .. بالنهوض إلى درجة اجتماعية أعلى ) .
أولا : بالنسبة إلى العامل الفردي تكون تذبذبات أجوره حول قيمة العمل , ممكنة , من حيث المبدأ (وهى تصادف في واقع الحال ) .( وعلى النقيض من ذلك , فان الحد الأدنى لأجور الرقيق هو مقدار ثابت ليس له علاقة بعمله ). إن هذه التذبذبات تنشىء , كما يقول ماركس " حلبة كبيرة ( في حدود ضيقة ) لفردية العامل " , وتحفز العامل على ( تطوير قوة العمل بالذات) . وتوفر إمكانية " الارتقاء بفضل القدرة الخاصة والموهبة ... الخ إلى مجالات العمل الأكثر سموا , تماما , كما توفر الإمكانية المجردة لان يصبح هذه العامل نفسه أو غيره , رأسماليا , ومستثمر لعمل غيره . ويلاحظ ماركس : إن مهمة النقابات الاقتصادية , إنما تكمن في مقاومة هبوط أسعار قوة العمل ( الأجور ) إلى مادون مستوى قيمتها .
ثانيا : تؤدى العلاقات الرأسمالية إلى لا مبالاة العامل , التامة بمحتوى عمله وبالشكل الخاص لنشاطه . ( لذلك , فما دام تقسيم العمل لم يجعل قوة العمل وحيدة الجانب بشكل كامل , فان العامل الحر يكون , من حيث المبدأ , مهيأ مسبقا ومستعدا لإجراء اى تبديل في قوة عمله ونشاطه العملي ... إذا كان هذا التبديل وسيلة الحصول على اجر أعلى .
• ويلخص ماركس الوضع على الشكل التالي :
" إن جميع هذه العلاقات المتغيرة تجعل نشاط العامل الحر , أكثر شدة وأكثر استمرارية , أكثر حركة وأكثر مهارة من عمل الرقيق , هذا إذا لم نتحدث عن واقع أنها تجعل منه نفسه , قادرا على القيام بعمل تاريخي مغاير تماما ".
المرجع : الحركة العمالية العالمية
قضايا التاريخ والنظرية
إصدار
دار الجماهير الشعبية
دمشق
#صلاح_الأنصارى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟