بركات أوهاب
الحوار المتمدن-العدد: 1995 - 2007 / 8 / 2 - 11:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لا أريد من خلال هذه الحلقة إثارة موضوع ، أو تقليب مواجع كما يحب أن يسميها البعض ، و أريد أن أقول لقارئتي العزيزة / لقارئي العزيز . أنه يمكن أن تكون هذه الحلقة هي الأخيرة ، بسب الموضوع الذي سأتناوله في هذه الحلقة .
لأن الأجهزة الأمنية العربية تترك الحبل حتى يلتف حول عنق صاحبه .
هذا الموضوع هو : ميزانية القصر ، هذا الموضوع الذي يعتبر من المواضيع المسكوت عنها .
و يعتبر الخوض فيها ، خوض في المقدسات .
بمناقشة هذا الموضوع أكون دخلت معمعة كبرى ، بقدر الميزانية الكبرى التي ترصد لها ، هذه الميزانية التي تصرف ببذخ و ترف ، هذه الميزانية التي كان بالإمكان أن تكون أقل من 550 مليار سنتيم / 5.5 مليار درهم .
و هنا أجدني أوجه سؤال إلى كل أفراد الشعب المغربي ماذا ستفعل بمبلغ 1 مليار سنتيم / 10 مليون درهم ؟
أكيد ستنشأ مصنع أو مقاولة ، ستوفر عدد من مناصب الشغل لفائدات مئات من العاطلين و العاطلات ، ستفتح منازل ، سيتمكن عدد من الشباب و الشابات من رؤية أبنائهن أو بنتاهن قبل أن يفوت القطار و يلتحقون بحياة البرزخ .
هذا مليار سنتيم فقط ، أكيد سيقول لي ذلك المواطن العادي البسيط في دخله و حياته ، يأخي بركات ، هذا درب من دروب السياسة ، و أنا مجرد " طالب معاشه " ، و هناك من سيقول لي : أريد أن أبات اليوم بين أحضان زوجتي و مع أبنائي و لا أريد أن أبات في ضيافة مخفر الأمن الوطني أو في فيلا من فيلات ياسين المنصوري .
و هنا أنوب عنهم و أقول إن نفقات الملك تصل إلى مبلغ 5.5 مليار درهم سنويا ، هذه النفقات تنقسم إلى : أجرة الملك ، ميزانية القصر ، إستهلاك القصر ، موظفو القصر ، تنقلات القصر ، الإقامات الملكية و أخيرا الهبات و العطايا و ما أدراك مالهبات و العطايا .
هنا أجدني أمام سؤال بسيط من مواطن بسيط و أنت من أين حصلت على هذه المعطيات و على هذه الأرقام ، أو لعلهم عندما خصصوا هذه الميزانية قاموا بإستشارتك ، عندما وجه لي هذا المواطن هذا السؤال كان يظن في قرارة نفسه أن هذه الميزانية لا زالت في طي الكتمان أو لا زالت في دهاليز القصر .
فردت عليه أن هذه الميزانية كانت تعتبر في سر مكنون محفوظ بدقة في خزنة بأرقام ذهبية و لتلك الأرقام أرقام سرية . أما اليوم فكل شيء تغير ، ذلك كان في الماضي و كان مجرد التفكير قصد الخوض فيه أو طرحه كنقاش على طاولة المقهى ، سيجعلك في ضيافة مقهى كبرى أو مجموعة مقاهي ، مقهي في ملكية " إدريس البصري و الجنيرال القادري " ، و ينتهي بك المقام في مكان تريح فيه رأسك من وجع التفكير و جسمك من كثرة الإرهاق ، و ممكن أن تصل هذه الراحة في بعض الأحيان إلى الراحة الأبدية ، و تلتحق بالراحلين من ذويك ، و حسن أولئك رفيقا ، ستستريح في فيلا ممكن أن تقضي فيها بقية عمرك هذه الفيلا إسمها " تازمامرت " ، أو الإقامة بإحدى الفنادق الرائعة و تدعي مجموعة فنادق " درب مولاي الشريف " .
ميزانية ضخمة ممكن أن يتنازل الملك عن نصفها . و هنا أجدني أتسأل لماذا الهبات و العطايا و شعبنا شعب فقير ؟
لماذا كل هذه المصاريف المخصصة للإقامات الملكية ، للأدوات المكتبية و التعويضات الخاصة بأعضاء المؤسسات الإستشارية ؟ لماذا كل هذه المصاريف على إختلافها و تنوعها ؟
لماذا كل هذه المبالغ المرصودة للتنقلات الملكية ؟
و هنا أقول ، أيها العاهل الشاب و الله العظيم أنني أعتبرك في مقام الأخ الكبير ، و أخا أفتخر به و لكن حق الأخ على أخيه النصيحة . و توجيه النصح للمسؤول الأول على البلاد واجب .
و بالمناسبة أود أن أقول لك أن المئات بل الاف من المغاربة يعيشون مثل الكلاب ، إذ يقتاتون أو بتسيمة أخرى يتمعشون من صناديق القمامة يفترشون الأراضي و يتغطون السماء ، أجل هذه حقيقة و إذا أردت أن تشاهدها بأم عينك ، إذهب إلى المحطة الطرقية في الليل و الناس نيام ، إذهب أنت وحدك مجردا من حراسك و مرافقيك و عندها ستشاهد شعبك الوفي ، ستشاهد منهم من ينامون على أرصفة المحطة الطرقية . و منهم من ينام على أرصفة حديقة الأمير رشيد و هلم جرا .
أستسمح و لكن أود أن أقول لك أيها العاهل الشاب أن الشعب المغربي و لله الحمد شعب فقير ، و هذا الفقير ينقسم إلى قسمين منهم من هو مصاب بالفقر المادي و آخر بالفقر المعنوي ، فالفقير الذي ينتمي للصنف الأول نوعان نوع ظاهري و آخر باطني ، أما الفقير الذي ينتمي للصنف الثاني فينتمي إليه بعض مرافقيك .
و هنا أود أن أتقدم إليك بحل ، لماذا لا تنزل من سلم المرصودة للأشغال و المهام المرتبطة بالقصر و الحكومة ، و ماذا يحصل لو توقفت عن تقديم الهبات و العطايا لمدة عشر سنوات ؟
نعم هذا هو الحل ، لأنك يوم القيامة عندما سيكون الله قاضيا و ملائكته شهودا . ستسأل وحدك فقط و ستتحمل المسؤولية وحدك ، أنت فقط أما الأخرين .
فسيتحملون مسؤولية أخف منك لأنك أنت المسؤول الأول و الأخير .
و ما نقدي هذا من أجل النقد فقط و لكن من أجل التصحيح .
و هنا أتذكر حادثة وقعت في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي عندما حضر إليه سفير قيصر الروم ، فكان أول سؤال واجهه لبعض المارة : أين هو ملككم ؟
فردوا عليه : ليس لنا ملك بل لنا أمير المؤمنين .
فقال : حسنا و أين قصره .
فقالوا له : ليس له قصر بل له كوخ ، و هو في تلك الناحية .
فقال : و أين هو الآن ؟
فردوا عليه : نائم من تحت تلك النخلة .
فوصل عند رأسه فوجده نائما متوسدا نعليه ، فقال : حكمت ، فعدلت ، فنمت يا عمر .
و أرجو من الله العلي القدير أن يكون صدرك و صدر مسؤوليك الأمنيين رحب حتى أستطيع إكمال مشواري في الكتابة النقدية .
و إلى اللقاء في الحلقة القادمة إذا لم تكن هذه الأخيرة .
#بركات_أوهاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟