|
موت إنغمار بيرغمان ، آخر رواد السينما العالمية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1994 - 2007 / 8 / 1 - 06:13
المحور:
الادب والفن
على أبواب الحلقة التاسعة من عمره ، رحل هذا اليوم المخرج السويدي العالمي ، إنغمار بيرغمان . إنه واحد من آخر عمالقة القرن العشرين ، الذين أسهموا بقوة في ترسيخ المفاهيم الجديدة للسينما والمسرح . وإذا كانت هوليوود قد أحتفت بالعديد من مواطني مخرجنا الراحل ، المبدعين ـ كغريتا غاربو وإنغريد بيرغمان وأنيتا إيكبيرغ وماكس فون سيدو ، إلا أنّها تفردت بترشيحه للعديد من الأوسكارات عن أفلامه ؛ مثل " نبع العذراء " ، " كما في المرآة " ، " همسات وصراخ " . ثم فاز بأربع جوائز اوسكار ، عن فلمه " فاني والكسندر " . هذا الأخير ، المنتج عام 1982 ، يتناول جانباً من طفولة إنغمار بيرغمان ؛ هو المولود في مدينة اوبسالا عام 1918 .
في مسقط رأسه ، ذاك ، المعدّ أصلاً كمدينة طلابية ، أكمل مبدعنا دراسته الإبتدائية والمتوسطة ، ثم إنتقل لاحقا لدراسة المسرح في ستوكهولم ـ التي أضحت بالنسبة إليه مدينته الثانية . وقد عمل فيما بعد على الخشبة لعدة أعوام ، فصار مديراً لمسرح مدينة " هلسينبورغ " ، الجنوبية ، وهو بعد في منتصف العشرينات من عمره . ثم عاد إلى عاصمته ، الحبيبة ، ليصبح مديراً لـ " الدراما " ؛ كبرى مسارحها وأهمها . إلا أنّ السينما بأنوارها المبهرة ، الجذابة ، سرعان ما جذبته إليها ، ليستهل العمل كمخرج منذ أواسط الأربعينات من القرن المنصرم وحتى أواخر حياته ، الحافلة .
طوال عقود ثلاثة ، ممتدة بين الخمسينات وحتى أوائل الثمانينات ، حققت أفلام إنغمار بيرغمان شهرة عالمية ، وبرز فيها كمخرج مجدد ، متعدد المواهب ؛ هوَ من دأب على كتابة معظم سيناريوهاتها ، فضلاً عن عمله مع مجموعة مختارة ، أثيرة ، من النجوم الذين أسهم بإكنشافهم وتقديمهم لعالم الإبداع والشهرة ـ كايرلند جوزيفسون وهارييت اندرسون وماكس فون سيدو والنرويجية ليف اولمان . المستغرب أنّ نجمة السويد الأشهر ، إنغريد بيرغمان ، الساطعة في سماء هوليوود ، لم تتعاون مع مخرجنا سوى في فيلم واحد حسب ، في الخمسينات ؟
سينما إنغمار بيرغمان ، تراوحت مواضيعها بحسب مسيرة مبدعها . ففي الأربعينات والخمسينات كانت أجواء الحياة السويدية ، المتوحدة الكئيبة ، هي الغالبة على أفلام تلك الحقبة . ولكن إعتباراً من الستينات ، وجدت مشكلات الإنسان ككل ، الوجودية والمصيرية ، مكاناً راسخاً في أفلامه ؛ كما في " صمت الإله " ، " الصمت " ، و " اليانور " المتسائلة عن الشك واليقين . ومع دخول الشاشة الصغيرة إلى الحياة المنزلية وصيرورتها كجزء غير منفصم منها ، إلتفت مبدعنا إلى المسلسلات الدرامية وقدم مساهمات فيها مهمة ومميزة ؛ مثل " مشاهد من زيجة " و " فاني والكسندر " . هذا الأخير ، كما سلف وألمعنا ، سبق أن أنتج كفيلم روائي طويل في بداية الثمانينات ، وكان من آخر أعماله .
إلتفت بيرغمان ، مجدداً ، إلى المسرح ، وخصوصاً بعيد عودته من منفاه الإختياري ، في باريس . إلا أن إهتمامه بالسينما طوال المرحلة الأخيرة من حياته ، ما فتر مطلقا ؛ هوَ الذي رفد أفلام تلاميذه وأصدقائه بالسيناريوهات ، علاوة على إرشاداته القيمة . وقد خلد مبدعنا للراحة مؤخراً في " فورو " ؛ إحدى بلدات الإقليم الغوتلاندي ، الجنوبي ، وفيها أغمض عينيه أبداً . وستبقى بدورها ، أبداً خالدة ، إسهامات هذا الرائد العظيم ، في السينما العالمية . لقد كان من عظم تأثير إنغمار بيرغمان على الفن السابع ، الغربيّ ، أن صدرت عنه بالإنكليزية لوحدها ما يقارب الخمسة آلاف كتاب ، تناولت مختلف إبداعاته . أما بالسويدية ، فلم يحظ أبداعه سوى ببعض الكتب هنا وهناك . فبقي مبدعنا ذلك النبيّ المطرود من موطنه ، دهراً ، حتى إذا إعترف العالم أجمع به ، فقد تذكره مواطنوه وأكرموه وإحتفوا به أيما إحنفاء : لقد وقع إنغمار بيرغمان ضحية البيروقراطية في بلده ، في بداية السبعينات ، على خلفية قضية ضرائب ، ونال حكماً متعسفاً بالسجن مع وقف التنفيذ وتسديد غرامة باهظة . كان من تأثر مبدعنا آنذاك بتلك القضية ، أنه عقد مؤتمراً صحافياً في باريس ، حيث كان يعيش ، أعلن فيه تنازله عن جنسيته السويدية . إلا أنه عاد وإستعاد جنسية موطنه ، في أواخر حياته ، وشاء أن يحيا هنا قرب ذكرياته وطفولته ، حتى دنو ساعة الرحيل .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمير الشعر
-
لحية أتاتورك
-
السادي والسويدي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 5
-
ويحدثونك عن العدالة السويدية
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 4
-
محاكمة الكاتب
-
التنكيل بالكاتب
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة / 2
-
سندريلا السينما : فنها وعشقها الضائع
-
كركوك ، قلبُ تركستان
-
سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
-
في مديح الخالة السويدية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة
-
أدبُ البيوت
-
مناحة من أجل حكامنا
-
حليم والسينما
-
كنتُ رئيساً للكتاب العرب
-
السينما المصريّة وصناعة الأوهام
-
شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
المزيد.....
-
وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على
...
-
البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل
...
-
الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب
...
-
كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي
...
-
وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
-
-نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال
...
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|