أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل سمارة - ليس اقتصادهم بالمعجزة وليس اقتصادنا بعاجز!















المزيد.....



ليس اقتصادهم بالمعجزة وليس اقتصادنا بعاجز!


عادل سمارة

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 12:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقالة الاولى: إسرائيل: من إسبارطة إلى وادي السليكون
المقالة الثانية: الضفة والقطاع: التحويل بالتمويل

* * *
ملاحظة: بعد كتابة مقالة عن الكيان الصهيوني، وجدت من المناسب إتباعها بمقالة عن اقتصاد المناطق المحتلة بأمل النجاح في تقديم صورة للقارءة/ىء عن اقتصاد الكيان بما هو أداة ووظيفة، ولكنه في علاقته بالمناطق المحتلة يشكل مركزاً وهي محيطه. أما اقتصاد الضفة والقطاع فهو حالة تعجيز وليس عجزاً.

* * *

المقالة الاولى:
إسرائيل: من إسبارطة إلى وادي السليكون

لن نتناول في هذا المقال كيف بدأ الإقتصاد الإسرائيلي في فلسطين سواء من حيث الرعاية الكولونيالية البريطانية أو بعد تشتيت الشعب الفلسطيني 1948 والإستيلاء على وطن بأكمله مثابة هبة لا تقدر بثمن لنموه مما سمح لهذا الإقتصاد بتحقيق "معجزة" نمو، يتحاشى الإقتصاديون الإسرائيايون وغيرهم ممن يدعمون إسرائيل الإشارة إليها.
ستكون نقطة تركيز هذه المقالة في حقل آخر هو: تغير وتنوع آليات حفاظ الكيان على وجوده، وتحديداً كيف حاول الإنتقال من الإعتماد على القوة العسكرية إلى الإعتماد على المعرفة أو الجمع بينهما، وذلك للحفاظ على الوطن الذي سيطر عليه وللهيمنة على الوطن العربي وربما ما هو ابعد، وهو حفاظ تأتى بالقوة بأنواعها واساسها العسكرية والدعم الغربي. ولأجل هذا تركز على هدفين:

الأول: الإندماج في المنطقة العربية تحديداً، وهو أمر كانت له ولا تزال خيارات ثلاثة، الذوبان في الوطن العربي كأقلية إثنية "يكون التعامل معها طبقاً للنظام السائد في المنطقة"، أو البقاء في حالة حرب مطلقةـ أو الإندماج المهيمن في منطقة متخلفة ويجب الإبقاء عليها كذلك. ما يمكننا قوله في هذا السياق أن الخيار الأخير هو الأفضل بالنسبة للكيان لأن الأولين مهما امتد بهما الزمن ليسا عمليين. فخيار الذوبان هو الأشد خطورة لأنه لن يكون بقرار إسرائيلي وهو يعني تغير الوضع العربي بما يجعل ميزان القوى لصالح العرب بشكل متميز. وليس شرطاً أن يكون الميزان المؤثر عسكرياً فقط . أما خيار الحرب المتواصلة فغير ممكن. فهو إن بدا ممكناً بشكل نسبي في حقبة العولمة ووحدانية القطبية، لن يبقى كذلك مع بواكير تعدد القطبية العالمي. وهذا بمعزل عن الدروس المستفادة من الحرب الأخيرة على لبنان حيث أبانت بأن العنصر البشري يمكنه شل قوة التدمير العمياء. فلم يكن ليتوقع أحداً، وهذا درس الشعب وحرب الشعب إن شئنا، أن يقف الإنسان ليقهر الآلة الحربية ، وهو أمر غريب يؤكد أن الإنسان ما زال هو الأقوى.

والثاني: الوصول إلى قدر من القوة لا يُبقي الكيان رهينة مصالح خالقيه أي المركز الرأسمالي العالمي، بمعنى الإنتقال من الدور الوظيفي بما هو استثمار استراتيجي في المنطقة معتمد في تموُّله منذ خلقه وخلال استمراريته على المركز، إلى دور حليف استراتيجي للمركز يعتمد على قدرته الإقتصادية في تعييش نفسه، ويحتاجه المركز كما يحتاج هو المركز تبادلياً .
وهذا يفتح على مسألة هامة هي المزاوجة بين الذراعين العسكري والإقتصادي عبر الإنتقال من مجتمع العسكرة "إسبارطة" إلى مجتمع المعرفة "وادي السيليكون" بما يحقق الأمرين معاً.
قبل أن نتحدث عن محاولات الكيان الجادة لامتلاك خصائص التحول إلى وادي السليكون، تجدر الإشارة إلى دور القيادة السياسية فيه التي نقلتها من درجة من التطور إلى أخرى عبر وعي القيادة سياسياً من جهة ووعيها للتحديات التي وضعت الكيان نفسه فيها وأمامها، وإخلاصها وإدارتها الحكيمة سواء إدارة البلد ديمقراطياً وحرياتياً أو الإدارة المالية والإقتصادية من جهة ثانية. كان لهذه المقدمات الدور الأساس في تمكنها من الوصول إلى بوابة مجتمع المعرفة ووادي السيليكون.
تأتي إسرائيل في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في قدر الإنفاق على البحث والتطوير. وقد يكون هذا إكسير الحياة لأي مجتمع في العالم كي يتقدم. صحيح أن دور المركز الرأسمالي بما هو "استقطابي- والاستقطابPolarization " مكون اساسي في نمط الإنتاج الراسمالي، وهو ما يحول دون تمكًّن دول المحيط من اللحاق بالمركز، إنما لا يعني هذا استحالة اللحاق . ولكن وجود قيادات سياسية علمية وعالمة وتوفر ثروة بدرجة ما يمكن ان تحقق ذلك إذا ما اعتمد إلى جانبهما على البحث والتطوير.
يرى كثيرون (عبد الله الحسن مثلاً-في الحوار المتمدن) أن إحدى علائم التحول عن الإسبرطية كامنة في عزوف الجيل الجديد وحتى جيل الوسط عن الجيش، وتحول الجيش نفسه من "جيش الشعب" أو "الأمة المجندة" إلى جيش من المحترفين.
وهذا صحيح من جهة، ولكنه يفتقر إلى جانب هام وهو أن تحول الجيش من جيش "الأمة" إلى جيش محترفين يترافق مع تطور النظرية العسكرية في الولايات المتحدة، وكما اشرنا في غير موضع فإن إسرائيل تعيد دائماً وفي مختلف
الحقول تكييف نفسها على المقاس الأميركي ليس من حيث إيديولوجيا السوق الحرة "اللبرالية الجديدة" وحسب وإنما من حيث التسلُّح والفكر العسكري. صحيح أن هناك تآكل في مفهوم "اليهودي الجديد" الذي قامت عليه الصهيونية ومن ثم دولتها، ولكن التفوق التقني التسليحي لعب دوراً هو "الركون" إلى هذا التفوق. بعبارة أخرى، فإن التراخي الذي تحدث عنه دان حالوتس له أساسه في تطور الإقتصاد العسكري الأميركي والإسرائيلي بما يقلل من الإعتماد على الفرد "البطل"، هذا ناهيك عن أن نفس العلاقة الحميمة مع الغرب الرأسمالي سواء من حيث الدعم المتواصل ماليا وعسكريا وتقنياً، هو الذي نقل "اليهودي الجديد" من دور المحارب المحترف بالمطلق إلى الشخص المدني الذي استشعر الحاجة للتمتع بنمط الحياة الغربي الذي نقلته إليه هذه العلاقة بالغرب أو نقلته هذه العلاقة إلى الغرب نفسه عبر الزيارات المتواصلة. لعل هذا يبين لمن يضعون اليهود في موضع بشري مختلف أن هؤلاء كسائر الناس! بمعنى أو آخر، فإن هذا الإحتضان الهائل من الغرب والذي حرص الكيان على تواصله، إرتد سلباً بدرجة أو أخرى في مجال العسكرة.
للكيان تاريخ طويل في الدفوقات التمويلية والإستثمارية من الغرب تحديداً ناهيك عن إتفاقات المتاجرة الحرة واتفاقيات التفضيل، فَمَنْ المرشح للتمتع بها غير الإسرائيلي، هذا مع وجوب الإشارة إلى أن العقدين الأخيرين شهدا تدفقات مالية هائلة، كما شهدا انخفاضاً في سقف الممانعة السياسية الرسمية العربية تجاه إسرائيل، وشدة في قمع الشعب العربي، وهذا مصدر تراخٍ آخر. لذا، لا غرابة أنه يوم وقوع الجنديين في اسر حزب الله تموز 2006 كان رئيس الأركان نفسه يمارس التراخي متابعاً تقلبات البورصة التي لا شك أن من يعيش لحظات تقلبها لا يمكنه التفكير بغيرها إلى جانبها .
مرة أخرى، نحاول في هذا المقال تجليس التطورات التي يمر بها الكيان في موقعها وحجمها الطبيعيين كي لا تُبنى عليها نتائج خاطئة أو حتى مبالغ فيها. فليس دقيقاً أن الإسرائيلي وصل مع الوفرة في العقدين الأخيرين
إلى تلاشي مفهوم المستوطن الرائد (الحالوتس) لصالح مفهوم الاستيطان (الديلوكس)".
علينا التنبه إلى أن السلاح لم يفقد دوره، وإن كان في الحرب الأخيرة على لبنان لم يحقق هدفه. وهذا يمكن أن ينسحب حتى على المجتمعات الغربية نفسها. فهي تعيش حياة مريحة جدا مقارنة مع بلدان محيط النظام العالمي، ولكن مواطنيها، وحتى اليساريين منهم شاركوا الدولة حروبها العدوانية الخارجية "اقتسام وإعادة اقتسام العالم" في الحربين العالميتين، ووقف "المجتمع المدني" وراء حكوماته سواء في تدمير العراق او يوغسلافيا، أما الإعتراض على هذه العدوانات، فلم يثن الأنظمة عن قرار العدوان ، كما أنه لم يتواصل حتى انسحاب الإحتلال. والمهم أن الرافضين للذهاب لاحتلال العراق من الجنود هم ندرة، وقد يكون للإحتماء وراء السلاح الفتاك دوراً هاماً في عدم رفض الخدمة، وهذا يفتح مجدداً على أهمية التطور التقني واقتصاد التسلح ومن ثم "التدمير الخلاق".
قد يكون مبكراً الركون إلى التغيرات المشار إليها أعلاه لدى الفرد والجماعات الإثنية والثقافية في إسرائيل. صحيح أن هناك تغير في الهوية الصهيونية التقليدية بمعنى "تراخٍ" أكثر. ولكن، لم تحل محلها بعد هوية/ات أخرى مبلورة بعد. فليس أقرب إلى المثال من مجموعة المؤرخين الجدد التي تمثل نخبة ثقافية، والتي تبددت وانتهى معظم روادها إلى الإعتذاريات "بني موريس" مؤكداً على وجوب طرد الفلسطينيين حينما تصل المسألة إلى من الذي يسيطر على الحيِّز. دعنا نقول هناك تراجع أو تغير في الهوية التقليدية الصهيونية والحريدية الدينية المتعصبة، وهما متلاقحتان تبادليا. ولكن هوية جديدة لم تصعد بعد. فاستطلاعات الراي العام تشير إلى تقدم كاسح لزعيم الليكود بنيامين نتنياهو، ومن يعارضه هم زعماء الأحزاب الأخرى، وليس الشارع الإسرائيلي. هل يجوز لنا القول إن هذا الشارع هو دوماً على يمين حكومته اليمينية! كما أن حرب لبنان الثانية، بدل أن تؤدي إلى مرونة في الراي العام تجاه الحرب وتجاه العرب، أدت إلى كره موسع للعرب، وإلى هستيريا الإنتقام. قد يكون الإستعداد الفردي للحرب قد تراجع، ولكن استمرار هيمنة إيديولوجيا العنصرية ما تزال هي نفسها مساحة هائلة للتجنيد العدواني. لذا، يمكننا قراءة انتصار حزب الله في سياق آخر، هو محاولة تيار العودة إلى الجذور الصهيونية والحريدية استعادة قوته ثانيةً. وباختصار، فإن تداعيات الحرب الأخيرة والدفوقات المالية والركون إلى السلاح واقتصاد السلاح، هي أمور لم تُحسم نتائجها وتاثيراتها بعد.

مقدمات التحول إلى مجتمع المعرفة

يمتلك الكيان العديد من ملامح وخصائص هذا المجتمع وأبرز هذه الملامح:
"1- احتلال إسرائيل المرتبة الأولى عالميا في نسبة الإنفاق على البحوث والتطوير بالنسبة إلى الناتج المحلي، وفي هذا الصدد يقول يائير أوفيك المدير العام لمؤسسة التصدير الإسرائيلية "إن إنفاقنا على البحث والتطوير يرتفع إلى 4.8% من إجمالي الناتج المحلي في حين تبلغ هذه النسبة في فرنسا 2.1%".
2- امتلاك إسرائيل أعلى نسبة من المهندسين في العالم بعد ألمانيا، إذ يبلغ معدل المهندسين في إسرائيل البالغ عدد سكانها (6.8) ملايين نسمة 140 مهندساً لكل ألف من السكان بينما في الولايات المتحدة المعدل هو 83 مهندساً لكل ألف نسمة. وهذا راجع بشكل اساسي إلى قدرتها التجنيدية للمستوطنين الجدد الذين جلبتهم من الإتحاد السوفييتي السابق ودور الولايات المتحدة في إستخدام الضغط الإقتصادي على الإتحاد السوفييتي لتسهيل هجرة المستوطنين إلى إسرائيل.
3- استحواذ إسرائيل على المرتبة الثانية في مستوى أودية السيلكون المنتشرة عالميا، إذ لا يفوق وادي السيلكون بين حيفا وتل أبيب والقدس إلا وادي السيلكون الأميركي.
4- كما تشغل إسرائيل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الشركات الصغيرة المدرجة في قائمة شركات التكنولوجيا المتقدمة (ناسداك) التي يجري تداول أسهمها في بورصة نيويورك.
5- تحتل المرتبة السادسة في عدد براءات الاختراع المسجلة بالنسبة لعدد السكان، وهي تفوق في ذلك دولا متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
6- هي في المرتبة الرابعة في عدد براءات الاختراع المسجلة في أوربا وأميركا.
7- المرتبة رقم 12 في مؤشر الجاهزية الشبكية، وهي تسبق في هذا دولا متقدمة مثل سويسرا وفرنسا واليابان وإسبانيا وإيطاليا والنرويج.
8- المرتبة الأولى في تطوير نظم وحماية أمن البيانات وتحصين مواقع الإنترنت ضد الاختراق.
9- المرتبة الأولى في نسبة صادرات السلاح إلى إجمالي الصادرات.
10- المرتبة الخامسة بين عمالقة الدول المصدرة للسلاح.
11- المرتبة الثانية فيما يخص بعض نظم الدفع الصاروخي لحمل الأقمار الصناعية إلى مداراتها في الفضاء الخارجي "

الدولة: "حبَّة عند اللزوم"!

سائرة في أعقاب المدرسة الريجاينة/التاتشرية فيما يخص الخصخصة وتطبيق السياسة اللبرالية الجديدة، فقد فتح الكيان باب الخصخصة وتملُّك رأس المال الأجنبي في الشركات الإسرائيلية، هذا وإن جعلت من ذلك ثلاثة مستويات:
- شركات إسرائيلية محضة
- شركات تبيع اسهما لراسماليين يهوداً من خارج الكيان
- صناعات تبيع اسهماً لراسماليين غير يهود.
لا شك أن العنصرية والإيديولوجيا تدخلان حتى في الخصخصة، ولكن بيت القصيد هو تقليص دور الدولة لصالح القطاع الخاص، بغض النظر عن جنسيته. فتوسع القطاع الخاص هو بالنتيجة على حساب الفقراء الذين قفزت نسبتهم على 20 بالمئة.
وهكذا، تسير الدولة في الكيان على مبدأ يقترب من أصول الراسمالية كما أسس لها آدم سميث، بدور تسهيل عمل رأس المال دون ان تقود هي راس المال، اللهم إلا حينما يكون راس المال والسلطة مندغمين معاً. لذا، في سيرها على طريق الخصخصة وإعادة الهيكلة، جعلت الدولة من دورها في الإقتصاد شبيهاً بدورها في الولايات المتحدة لا سيما من حيث علاقة الدولة بالشركات الكبرى، اي أن دور الدولة ليس تدخليا في الإقتصاد بل إن دورها هو خدمة كبار راس المال، وهذا يفتح على الإجتذاب للشركات العملاقة وتمويل البحث والتطوير.
فمن أجل إبقاء الشركات المحلية في الداخل، وجذب شركات اجنبية، تقدم الحكومة الدعم المالي للشركات المستثمرة في الكيان، فعلى سبيل المثال لا الحصر خصصت الحكومة عام 2005 مبلغ 525 مليون دولار دعما لشركة أنتل التي أفادت منذ العام 1974 من مساعدات حكومية إجمالية مقدارها 1.275 مليار دولار لقاء استثمارات إجمالية مقدارها 5.5 مليارات دولار، وذلك بصرف النظر عن الإعفاءات أو التخفيضات الضريبية. وهذا منسجم تماماً مع النهج الأميركي في تقديم الهبات للشركات الكبرى كي تبقى في هذه الولاية أو تلك .
كما تسهم في جذب كل هذه المجموعات العالمية اليد العاملة الإسرائيلية الماهرة والرخيصة الكلفة، حيث كلفتها أقل من نصف مثيلتها في الدول الأوروبية، إضافة إلى نسيج صناعي إلكتروني يستخدم 58 ألف إنسان يتوزعون على نحو 2500 مؤسسة. هذا ناهيك عن تسهيل دخول العمالة الفنية الأجنبية من بلدان ذات أجور اقل من إسرائيل كالهند في حين تخلصت تقريباً من العمالة الفلسطينية لأسباب سياسية جوهرها تقويض ظروف المعيشة في الضفة والقطاع من جهة، ولأن هؤلاء العمال ليسوا مؤهلين للعمل في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
يقود هذا التقليص لدور الدولة سواء في القرارات أو في التحكم "الملكية" الإقتصادية إلى تحويل واضح للدولة كاداة لراس المال يستخدمها كما يشار عند اللزوم، في حين كانت، أو هكذا تزعم" لفترة طويلة في خدمة الجميع. تقود سياسة عدم التضبيط هذه de-regulatin إلى إطلاق يد راس المال سواء في خلق شركات مختلطة مع راس المال الأجنبي، وهذا يجلب استثمارات، أو في الإستثمار منفردا أو مع راسمال أجنبي في مناطق أخرى من العالم دونما قيود من الدولة بل برعايتها، وهذا وضع مثالي لوادي السليكون.

إسبرطة وادي السيليكون والعرب

كما اشرنا بدايةً، فإن دور القيادة السياسية والتعبئة الإيديولوجية هامة في مصائر الدول. وقد يسعف إسرائيل في هذا المستوى أنها وليدة حاضنة عالمية متعددة اي مختلف دول المتروبول الغربي، وليست حالة استيطانية ذات جذور قومية واحدة "كالإستيطان الفرنسي في الجزائر".
إن لإسرائيل طموحات اقتصادية تتجاوز الوطن العربي والشرق الأوسط، فهي ترى نفسها جزءاً اقتصادياً من مركز النظام العالمي ولها مصلحة وحصة في عملية التراكم على الصعيد العالمي، وتتصرف على هذا الأساس. من هنا سعت باكراً لجذب كبريات شركات التكنولوجيا العالمية عبر توفير البنية التحتية القادرة على حمل المتطلبات الإدارية والخدماتية لهذه الشركات. ولا غرابة أن تل ابيب تعتبر المدينة العاشرة في العالم من حيث القدرة على خدمة واجتذاب الشركات العملاقة وتشجيع الإستثمارات وتوفير التسهيلات التشريعية للإستثمار الأجنبي.
تجدر الإشارة إلى أن الوطن العربي هو الهدف المباشر للقوة العسكرية الإسرائيلية، وهو الفضاء المطلوب لقوتها الإقتصادية "وخاصة في حقبة المعرفة". ومن هنا، يرى استراتيجيوها وجوب الوصول إلى تسوية مع العرب، هي التي نسميها طبقاً لشروط المرحلة "الإندماج المهيمن" ولكن هذه المرة بذراعين قويين لها، السلاح والتكنولوجيا.
وفي هذا المستوى، فإن هدف إسرائيل الأساسي في اجتذاب الشركات العملاقة هو الحلول النهائي محل بيروت على صعيد المنطقة على الأقل فيما يخص الدور البنكي والخدماتي وشركات التأمين وتقليص دور دُبي، وإبقاء الإقتصاد المصري مفتوح الأبواب لتقويض تجربة التنمية الناصرية، ومن هنا كانت سعادة إسرائيل بتدمير العراق، وفي نهاية هذا كله الوصول إلى انفتاح الأسواق العربية ليس للراسمال اليهودي كما يزعم البعض، بل اساساً لشراء الخدمات الإسرائيلية وعلى راسها الخدمات المعرفية والمعلوماتية. وبغير هذا، فما معنى تحويل تل ابيب إلى مركز متقدم لإدارة الشركات الغربية لانطلاقها باتجاه الوطن العربي وإفريقيا وآسيا الوسطى وخاصة المنفلتة من الإتحاد الروسي. وهذا قد يفسر بدرجة أو أخرى قلق إسرائيل من امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية المدنية قبل العسكرية. إن الوطن العربي هو الصيد السمين بالنسبة لراس المال والتكنولوجيا الإسرائيلية. ففي سعيها للتفوق والسيطرة عسكرياً وتكنولوجياً، فإن الميدان الرئيسي لتطبيق ذلك هو الوطن العربي. وهذا يستدعي النظر في آليات التفكير الإسرائيلي "الحكومي والرأسمالي" في الصراع العربي الإسرائيلي.

ومن هنا يتنازع اصحاب القرار والمال الإسرائيليين تجاذبان:
واحد باتجاه تقديم مرونات للعرب وصولاً إلى تسوية، وواحد مع التصلب الإيديولوجي التوراتي الصهيوني. إلا أن كليهما مفتوح الشهية على السوق العربي الواسع المنتفج بأموال النفط ولكنه كذلك، وهذا الأهم، غير المنتج.
من هنا تتمسك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باتفاقية السلام مع العرب، حيث تغض الطرف عن شدة برودة هذا السلام . ولا يعود هذا لوجود تبادل اقتصادي مع كثير من البلدان العربية بدرجة أعلى كثيراً من علاقات التسوية السياسية، بل ايضاً لأن إسرائيل كوادي سيليكون ستكون وادي سيليكون لإرواء العطش الإستهلاكي للصحراء العربية مترامية الأطراف"تطورا وتقانة".
وكما اشرنا في غير مقال في هذه النشرة، فإن استمرار هذا السلام حتى بدرجة حرارته المقاربة الصفر، هو آلية جذب للإستثمارات الأجنبية من جهة، وهو تأسيس غزو الأسواق العربية بأكملها...ذات يوم من جهة ثانية.
لكن الحب من طرف واحد يبقى عذرياً في أرقى الأحوال. فهناك استعداد عربي للمتاجرة والاستحداث مع إسرائيل، وهو استعداد يتجاوز في أحيان استعداد رجال السياسة، أو سرعة ادائهم.
لذا، يقول إيدان أوفير، رئيس "إسرائيل كورب":
" إن الحزام الأمني الذي اقامته إسرائيل لمنع الانتحاريين الفلسطينيين قطع المناطق عن العالم الخارجي وخنق الإقتصاد المحلي الذي انكمش حجمه البالغ 4 بليون دولار بنسبة 8 بالمئة وهذا أصغر من القيمة السوقية لشركة إسرائيل كورب... وأوفير هو من الجوقة المتنامية من اصحاب الأعمال الإسرائيليين الذين يريدون إقامة أعمال مشتركة مع أعدائهم التقليديين... " .
ويقول في جانب آخر، ان الفلسطينيين راغبين في ذلك:
" يقول طلال ناصر الدين، مدير شركة بير زيت للمنتجات الصيدلانية، الذي التقاة أوفير:
" إن له مصلحة مشتركة في السلام على اساس الأعمال" .
أما عبد المالك جابر المدير التنفيذي لشركة الإتصالات الفلسطينية فقال ل أوفير: " يجب على رجال الأعمال الفلسطينيين أن لا ينتظروا رجال السياسة حتى يجلسوا ويتحدثوا... ليس هناك قانون او نظام، فالأعمال الخاصة تحت رحمة
العصابات... كما ليس بوسعك الانتقال من مكان لآخر بدون تحكم الإسرائيليين....يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يستثمروا معاً الآن. بالنسبة للسياسيين فإن حل الصراع يعني فقدان السلطة...علينا البدء بالإستثمار الآن لخلق مصالح مشتركة. فحينما تكون هناك مصالح مشتركة للناس فلا بد من توفر الرغبة في المساومة"
إن لأوفير أعمالاً في بلدان عربية، ويقوم أوفير ... ويحتفظ بعلاقات مع رجال اعمال فلسطينيين ومنهم سمير خوري نائب رئيس شركة "كونسوليديتد كونتراكتورز" وهي شريكة للشركة البريطانية للغاز التي تدير حقل الغاز في غزة يقول خوري الذي يعيش في اثينا:
"سيبقى أوفير صديقاً إلى أن ينتهي هذا الجنون...إن عملا مشتركاً الآن مع إيدان يمكن أن يكون انتحاراً لأنهم في الوطن العربي سيعتبرون ذلك خيانة".
ويؤمن ايدان بالتكامل كما يقول المحامي محمد الدحلة وهو محام عربي من اسرائيل والذي اختاره اوفير كرئيس لوحدة شركته للكيماويات عام 1999. فهو يود ان يعمل هذا المكان للشعبين. وفيما يخص الأعمال، فهذا يعني انه جاهز للمخاطرة حول العالم بما في ذلك العالم العربي ".
بقي أن نقول، إن هذا المد المعرفي الإسرائيلي أكثر خطورة على المستقبل العربي من القوة العسكرية. فالقوة العسكرية هي حالة صراع بغض النظر عن الرابح، أما التبعية التكنولوجية والمعرفية، فهي التي تقود التابع إلى المتبوع ومن هنا يمكن أن تكون طوعية، وقد تصل إلى درجة استدعاء الإستعمار. وفي حالة حصل هذا، وتمكنت إسرائيل من استخدام اليد العسكرية والأخرى المعرفية، ولأن يداً واحدة لا تصفق ولكن "تلطم"، فإن بوسع يدين ان تصفقا!

For a detailed information on how Palestinian capitalists, like Abdelmalek Jabber, Talal Nassereddinn, Said Khoury were thirsty for business normalization with Israeli Jewish capitalists see: Israel Corp., Palestinian Deal Blocked, Plans China Car Maker, By Simon Clark :http://www.bloomberg.com/apps/news?pid=20601109&sid=abNkP3XU8o8M&refer=home. According to al-Quds newspaper (13 May 2007), many Palestinians will attend the Davos conference including PA Chairman Abu Mazen, Minister of Finance Salam Fayyad, Muhammad Mustafa chairman of Palestine s Investment Fund, Munib al-Masri, Abdulmalek Jaber, Hasan Abu Libdah, Talal Nassereddin, Samir Hilailah…and others.

(*)
المقالة الثانية:
الضفة والقطاع: التحويل بالتمويل

كانت هذه مداخلة قدمتها في ندوة دعى لها مركز دراسات التنمية بجامعة بير زيت يوم 2 نيسان 2007 بعنوان: "التمويل الأجنبي...هل من مخرج؟"، وشارك فيها د. نصر عبد الكريم، و د. سلام فياض حامل حقيبة المالية في سلطة الحكم الذاتي، وأنا نفسي.
لكني وأنا أكتب عن إقتصاد الكيان والمرحلة في تطوره التي وُصفت بمعجزة، وجدت من المفيد أن أكتب عن عجز اقتصادنا كي أخلق تناظراً بين الحالتين، وإن لم تكن مقارنة تفصيلية، ولا أعتقد ذلك ضرورياً هنا.
اي سؤال تنموي في اقتصاد تحت الإحتلال هو سؤال حارق. لذا، ما ساقوله سيكون تفكيكاً لاقتصاد مفكك قد يصعب تركيبه.
لم يقف من رعوا إقتصاد الضفة والقطاع ذات يوم في مستوى التحدي لا تحت الإحتلال ولا بعد أوسلو حيث الإحتلال الفعلي والاستقلال الشكلي . وعليه، فما قُدِّم لنا بموجب أوسلو كما لو كان "حبة ملبس-حلوة من الخارج".
من المفيد ان نبدأ من ما هو العامل الحاسم او المقرر في اقتصاد الضفة والقطاع، وكأي اقتصاد، فإن العامل الحاسم هو مفتاح فهمه. فعلى مدار الجزء الأول من الإحتلال الثاني 1967، اي ما بين 1967-1993، كان المحدد الأساس لهذا الإقتصاد هو سياسة الإحتلال العسكري "شبه المركز، التابع والذي يلعب دور أداة للمركز". وهي سياسة استعمار استيطاني تقوم على فرض تبادل اقتصادي بين الطرفين بقوة السلاح: "تبادل لامتكافىء مسلح". وهي فترة امتازت بمصادرة وإغلاق الأرض واستغلال قوة العمل الفائض (حين الحاجة) وغمر السوق بالمنتجات وخاصة رديئة الجودة والمستوى، ومنع دخول منتجات هذه المناطق لأسواق الإحتلال، اي لم تتمتع حتى "بفرصة المنافسة"،وخلق أجواء الهجرة إلى الخارج سواء عبر القتل وهدم البيوت والبطالة المترتبة عن عدم توفير رخص إقامة مشاريع...الخ. باختصار كان القرار بيد العدو.
يزعم الإقتصاديون البرجوازيون لدينا ولدى الإحتلال أن القطاع الخاص كان رافعة اقتصادية وينسبون له دوراً مقاوماً في نطاق الإقتصاد. والحقيقة أن هذه فزاعة يجب ردها إلى حجمها الحقيقي. صحيح أن الإحتلال كان يعيق بقصد تطور الإقتصاد المحلي، وهي سياسة موجهة ضد الشعب بأسره وليس ضد القطاع الخاص بذاته. ولا يخفى أن كثيراً من الأفراد قد اثروا عبر مشاريع مختلطة "تعاقدات من الباطن" مع اقتصاد الإحتلال بمعنى أن القطاع الخاص لا يتقيد بالصراع السياسي/القومي بقدر ما تقوده مصالحه وتحديداً مناخ الربح. ولا يخفى أن إقامة مشاريع مشتركة مع العدو ليست مقاومة من اي نوع، بل العكس(((ضع عبدالمالك جابر))).
ولأن هذه المناطق لم تكن مستقلة، فقد كان هناك فصلا بين القيادة السياسية (لنسميها تجاوزاً السلطة الحاكمة أي م.ت.ف التي في الخارج) وبين الطبقة المالكة في الداخل. والمهم ان القيادة كانت مأخوذة بالجانب المسلح للمقاومة، اي بلا أفق تنموي. وهو ما أعطى الإحتلال فرصة فصل المواطن عن الأرض سواء بالقمع أو بإغرائه للعمل داخل اقتصاد الإحتلال، أو خلق مناخ هجرته. وأقصد هنا تحديداً، أنه لم تكن هناك خطة تنموية من القيادة في حين كانت للإحتلال خطته. قد يقول البعض كان الإحتلال سيعيقها، وهذا صحيح، ولكن كانت ستكون مقاومة تنموية. أما راس المال الخاص فكان يبحث دوماً عن المجالات الأربح والأكثر أمناً له، وهذا شأنه، لكن المهم عدم نسب دور بطولي اقتصادياً له. وأقصد هنا باختصار، أنه كان بالإمكان أن نستغل السقوف التنموية الممكنة، اي أن نستثمر في القطاعات والمجالات التي لا يحاول الإحتلال منافستنا فيها، وهو ما لم يحدث.

التمويل للتحويل
إثراء المقاومة وإفقار السلطة

يرى كثير من الإقتصاديين أن راس المال وخاصة الأجنبي ليس العامل الحاسم في التنمية، بل الحاسم هو القرار السياسي في العمل الإقتصادي وإدارة العملية التنموية وإشراك المواطنين في القرار التنموي وخاصة الذين سيعملون في المشروع التنموي نفسه.
غني عن القول أن أموالاً كثيرة تدفقت إلى جيوب القيادة اليمينية لِ م ت ف منذ بواكير الكفاح المسلح 1967، وكان التمويل رسمياً عربياً في الأساس. وتختلف التقديرات بشأن دافع هذه المساعدات، حيث يعتقد البعض أن ذلك كان تضامناً مع المقاومة من أنظمة لم تقاوم وذلك ليس لشعور قومي بل لتلطيف وجهها شعبياً. ولكن بواطن الأمور تتحدث عن ما هو أكثر تعقيداً. فالأنظمة العربية الغنية هي أنظمة تدور في الفلك الأميركي، وبالتالي لا تسمح أميركا لها بدعم مقاومة ضد الكيان، بل ضد أميركا كطرف في الصراع. لا شك أن الأنظمة العربية معنية برشوة الشعب العربي بأن تظهر بمسلكيات "قومية" بتمويل المقاومة، ولكن على ما يبدو لتخريبها بالمال. فلو صح أن الدعم حقيقي لكانت اشترطت على القيادة اليمينية آليات المسائلة وضبط الأداء والتوجه للاستثمار، وهذا لم يحصل حتى اليوم. لذا قاد التمويل العربي إلى انتفاخ مالي للقيادة حولها من عناصر طبقة وسطى وبرجوازية صغيرة مناضلة إلى شريحة من راس المال البيروقراطي التي تتحكم بمبالغ تتفاوت التقديرات بشأنها، والمهم أن هذه الأموال اصبحت ملكية خاصة للقيادة، ولم تستثمر في قروض او دعم تنموي لا قبل أوسلو ولا بعده.
ما أن حلت ثمانينات القرن العشرين، حتى تأكدت الولايات المتحدة ودول المركز أن م.ت.ف انتهت كحركة تحرر وطني ودخلت مرحلة التدجين، وعليه بدأت معها علاقات مفاوضات سرية عبر مثقفين فلسطينيين في الخارج والداخل، وبالتلي دخلت القضية مرحلة الإحتواء الأميركي للمقاومة تطبيقاً لمنظور زبجنيو بريجنسكي في احتواء المثقفين والمجتمع المدني إلى جانب تطويع القيادات. وهو الأمر الذي اصبحت م.ت.ف جاهزة له بعد خروجها من لبنان إلى تونس، والذي تطور إلى نقل هذه القيادة إلى الأراضي المحتلة مكافأة لها على استعدادها للإعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة حكم ذاتي داخل الضفة والقطاع.
بقدر ما كانت الإنتفاضة الأولى تجربة في المقاومة الشعبية "مقاومة جماهيرية بدل مقاومة النخبة" بقدر ما تحركت الولايات المتحدة والكيان والأنظمة العربية لاحتواء المجتمع المدني وكبح هذه الظاهرة التي يقود اتساعها إلى استبدال قيادة م.ت.ف بقيادة شعبية وإلى امتدادها إلى الوطن العربي.
من هنا ازداد توجه المانحين لشراء القوى الفاعلة في الإنتفاضة وتغيير وجهتها من النضال ضد الإحتلال ومن التجذير الإجتماعي ألى التحول لفئة بعائدات غير منظورة. كما عقدت صفقة أوسلو مع قيادة م.ت.ف. وترتبت على هذا دفوقات مالية ضخمة "نسبياً" إلى أراضي الحكم الذاتي سواء المعلنة لتمويل السلطة أوغير المسجلة لتمويل منظمات الأنجزة ، ناهيك لا شك عن ما يصل جانبياً إلى فرق العملاء للإحتلال والمخابرات الأميركية وحتى عملاء أنظمة عربية. وهكذا تم اختزال م.ت.ف في سلطة الحكم الذاتي ، التي تمثل المستفيدين من التسوية، وأُفرغت هذه المنظمة من دورها ومحتواها بعد أن كانت تعتبر أم الجميع.
أود هنا تسجيل ملاحظتين:
الأولى: أن دفوقات الأموال إلى المناطق الحكم الذاتي تزايدت، ولكن ليس إلى اقتصاد الطبقات الشعبية، الأكثرية السكانية، بل إلى قنوات متخارجة من حيث الدور والمواقف وبالتالي آليات الإنفاق. هذه الأموال هي ريع للموقف السياسي للقيادة.
والثانية: قيام الدول المانحة بتضخيم الجهاز الوظيفي البيروقراطي لسلطة الحكم الذاتي لدرجة استوعب نفس عدد العمال الذين كانوا يعملون داخل الكيان، وبالطبع قرر المانحون دفع رواتبهم، أي جرى خلق حالة تبعية وظيفية طفيلية تشمل ثلث فلسطينيي الضفة والقطاع (الموظفين واسرهم). ففي حين كان العمال يعملون داخل الكيان بجهدهم، فإن الموظفين هم مجرد معتمدين على الأجنبي.
يمكننا وصف سنوات أوسلو بتمكن الكيان والمانحين، وهم سادته وحلفائه، من احتواء النخبة السياسية والثقافية في الحكم الذاتي، وهما وإن كانتا من الطبقة الوسطى، إلا أنها كانت في تحالف معلن أو غير معلن مع البرجوازية الكبيرة والصغيرة بشرائحها العديدة وفي النخبتين كثيرون منها، إضافة إلى تحول كل من يسمن منها إلى الشريحة الرأسمالية، وهو الأمر الواضح في ظهور الكثير من القطط السمان الجديدة ممثلة في الفساد والمحسوبيات. ولا يخفى أن المانحين ومشروع التسوية كانا في خدمة إقتصاد الطبقة وليس الإقتصاد الوطني
وفي حين كانت هناك حالة تشارك مصالح بين الرأسماليين بموجب أوسلو، واصل الإحتلال هجومه الشامل على الشعب سواء بقتل واغتيال المقاومين ومصادرة الأرض وإقامة المستوطنات. اما المانحين، فواصلو دفع عشرات مليارات الدولارات عبر الإستثمار الأجنبي المباشر إلى شرايين اقتصاد لإحتلال.
بإيجاز، كان هناك تمويلاً لتخريب المجتمع المدني والمقاومة الفلسطينية انتهت إلى فساد معروف ومعلن ومقبول في البلد، مقابل تمويل استثماري داخل الكيان.
تشكل حقبة أوسلو انفصاماً اقتصادياً واضحاً بين اقتصاد الطبقات في مناطق الحكم الذاتي. ففي حين التحقت البرجوازية بشقيها الكبيرة والوسطى-الصغيرة بمشروع التسوية بما يحوي من تنازلات عن النضال الوطني ظلت الطبقات الشعبية في حالة الصراع مع العدو بكل مستوياته. وعليه اصرت البرجوازية على المحافظة على امتيازاتها بأي ثمن.
أما حصول الإنتفاضة الثانية فزاد من الإستقطاب السياسي الإجتماعي في الضفة والقطاع. ففي حين واصلت الطبقات الشعبية نضالها ضد الإحتلال اصرت البرجوازية على التمسك باوسلو رغم تقويض الكيان لأبسط جوانب هذا الإتفاق مما يؤكد أن الاتفاق كان توفير مصالح مالية، وسلطة تتبلور في مصالح مادية لها ولهوامشها، مقابل تمكين الإحتلال من مواصلة مشروعة الاستعماري الإستيطاني. لعل أحد الإستخلاصات الطبقية من هذه التجربة هو وصولنا إلى قناعة بأنه رغم الضرورة الموضوعية لتفكيك اتفاق أوسلو، وقيام الكيان بذلك، فقد استنتجنا مبكراً أن أطراف سلام راس المال لن يفككوا سلطة الحكم الذاتي. إن ما يسمى سلاماً قد حقق للكيان شطباً موضوعياً لحق العودة، وجلب له فرصة مصادرة اوسع مساحات ممكنة وشن حرب على الشعب الفلسطيني كما لو كانت مناطق الحكم الذاتي دولة كبرى، وجذب للكيان استثمارات شكلت "معجزة اقتصادية". أما فريق راس المال الفلسطيني فكسب فرصة مراكمة راس المال والتحكم بالسلطة، وبالتالي، ليس لديه ما يكسبه من تفكيك السلطة، بل لديه ما يخسره.
أما والوضع هكذا، فقد قررت الولايات المتحدة الانتقال إلى الدرجة الثانية من أوسلو، اي توسيع القاعدة السياسية الطبقية للإتفاق وهو الأمر الذي انتهى بإجراء الإنتخابات لرئاسة الحكم الذاتي ومجلسه. وفي حين يعتقد الكثيرون أن مفاجأة هذه الانتخابات كانت فوز حركة حماس ممثلة للإسلام السياسي على فتح ممثلة تيار م.ت.ف، فإن التطور الحقيقي كان في دخول حماس انتخابات بموجب أوسلو مما يعني موافقة أكثر القوى السياسية الفلسطينية على الإعتراف الضمني بالكيان!
وبغض النظر فيما إذا كانت الدول المانحة هي حقاً ضد تمويل حكومة ترأسها حماس أم أن الأمر هو تركيع الشعب الفلسطيني ليقبل باي حل، فإن ما ترتب على نتائج الإنتخابات قيام الدول المانحة بوقف الدعم الرسمي للحكومة الفلسطينية وتسييل المساعدات عبر رئاسة السلطة الفلسطينية أو عبر قنوات مباشرة بين المانحين وقطاعات الموظفين مما وضع الدول المانحة في موضع سلطوي سيادي على المتلقين!. وهذا وضع قيادة حماس في مأزق حرج مفاده إما أن تعترف حماس جهاراً نهاراً بالكيان أو يتم إسقاط حكومتها بانقلاب طويل الأمد على مراحل متعددة اشكال الإسقاط وبمشاركة أطراف عدة.
بيت القصيد هنا أن الغرب الرأسمالي استغل التبعية الوظيفية الحكومية الفلسطينية بالتمويل، ومارس ضغطاً هائلاً ووقحاً في نفس الوقت. وعليه، عاشت الضفة والقطاع حتى الآن سنة ونصف حصار اقتصادي من جهة ومن اختراق استعماري غربي من جهة ثانية تجلى في دخول حكومات المركز ومنظماتهم غير الحكومية في بنية المجتمع كقوة استعمارية ذات قرار.
واللافت للنظر أن القنوات غير المباشرة التي احدثها الإتحاد الأوروبي، والبنك الدولي والجامعة العربية "التي مجرد تدخلها بنحويل الموال هو تطبيع" لتمويل من أراد وصلت كما صرح ممثلوه إلى 900 مليزن دولار عام 2006 "عام الحصار على حكومة حماس"، بينما كانت 319 مليون دولار عام 2005. وإن صح هذا، فلا أحد يعرف اين ذهبت هذه الأموال ومن هو المتحكم فيها.
بعد موقف دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبعد خوف الأنظمة والبنوك العربية من تقديم اية مساعدات للفلسطينيين دون الإذن الأميركي انكشف وجه وخور التبعية. لكن الأدهى من ذلك، أن ما انكشف هو وصول التبعية إلى وضع بنيوي بمعنى أن بنية المجتمع اصبحت معتمدة على التمويل الأجنبي، وأن كثيرا من المنتجين المستقلين الذين كانوا يعتمدون على مشاريعهم الصغيرة غدوا مثل بقية الفئات الطفيلية معتمدين على التمويل الأجنبي، وهو الأمر الذي انخرط فيه قطاع الشباب والمثقفين، ومنظمات نسائية، هذا ناهيك عن انغماس العديد من القوى السياسية في الإعتماد على تمويل من المانحين...الخ. وفي حين ظل يزعم هؤلاء أنهم مصرون على تحرير فلسطين وإنجاز حق العودة، اصبحوا معتمدين معيشياً على انظمة تعتبر إسرائيل محظيتها التاريخية.
لو أردنا تكثيف الصورة لقلنا أن الحركة الوطنية والسلطة السياسية وقطاع واسع من المثقفين، وفئات الطبقة الوسطى القادرة على تقديم الخدمات المطلوبة للسلطة وللمانحين (موظفي السلطة)، والقطاع الخاص اصبحوا معتمدين على التمويل ألأجنبي. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن التمويل الأجنبي لم يكن موجها للتنمية بل لتغطية رواتب وكلف خدمات أغلبها غير ضروري مما أدى باستمرار لعجز في الميزانية وشطب اي بند تنموي فيها.
هذا يعني أن المسألة ليست مجرد عجز عن التنمية آت من الفضاء، بل إنه كان مشروع تعجيز للإقتصاد. اي إشاحة السلطة ببصرها وبصيرتها عن التفكير في التنمية، وفتح قنوات لامتصاص السيولة المالية أو الفائض سواء بالتوظيف الإنتفاخي أو بالفساد والسرقات الواضحة. لا نقصد بالطبع أن التنمية ممكنة في ظل الإحتلال، أو أنها مشروعا سهلاً، ولكن هناك جوانب يمكن تنميتها لو توفر العامل الذاتي. (انظر دراستنا في العدد الماضي التنمية بالحماية الشعبية، كنعان العدد 129). ولكن ما يؤكد مشروع التعجيز هي السمات التالية لسياسات سلطة الحكم الذاتي ومن جلبوها ورعوها ومولوها:
- اعتماد سلطة الحكم الذاتي لوصفات البنك والصندوق الدوليين وهي غير تنموية بامتياز وتكتفي بجرعات التشغيل الدوري لبضعة اشهر في أعمال خدمية لا ثبات لها كتنظيف الشوارع، ودهن الأرصفة...الخ، ناهيك أنها لا تلمس قط وجوب فك الإرتباط بالإقتصاد الصهيوني.
- تدفق منظمات الأنجزة وتفريخاتها المحلية والتي امتصت بشكل مقصود الكثير من العناصر الراديكالية في السياسة والعمل الإجتماعي ليتحولوا إلى أدوات لنشر الثقافة الغربية الراسمالية، ويعظون بالتطبيع وعدم مقاطعة الكيان، وليزعموا أنهم يقومون بتنمية في حين تحولوا إلى شريحة معتمدة على عائدات غير منظورة، هي ريع لمواقفهم السياسية المباعة.
- تبعية لفلسفة البنك والصندوق، تم تضخيم دور القطاع الخاص ونشر إيديولوجيا "دوره وتضحياته" وتسخير مختلف الخدمات الممكنة لصالحه مع العلم أن القطاع الخاص لا يضحي لأحد بل يتبع جدوى المشاريع بوضوح. إن تضخيم دور هذا القطاع وإعطائه دور الشهيد هو تبهيت واستبدال لفكرة المقاومة وإبعاد الطبقات الشعبية عن الهم السياسي الوطني. والمهم أن القطاع الخاص واصل حصد الإمتيازات شبه المجانية لشركات مثل الإتصالات والبورصة وغيرها. ويكفي القول هنا ان خسائر البورصة في الضفة والقطاع لعام 2006 كانت 2,5 مليار دولار، هي مدخرات الطبقات الشعبية والطبقة الوسطى، فأين ذهبت؟ كما ان شركة الإتصالات الفلسطينية التي هي امتياز لشركة بيزك الصهيونية تتقاضى أعلى أجرة مكالمات في العالم لأنها تدفع للشركة الصهيونية حصة من رسوم الخدمة وتفرض حصة إضافية لنفسها كذلك. وفي حين ان الإحتلال كان يقصف المدنيين والمناضلين في قطاع غزة في النصف الثاني من ايار 2007 كان راسماليون فلسطينيون يلتقون نظرائهم الصهاينة في مؤتمر "دافوس" على البحر الميت ليعلنوا أقامة مجلس أعمال فلسطيني إسرائيلي ، وهو تطبيق لنظرية شمعون بيرس، ليس المهم التطبيع السياسي إنما ألإقتصادي. هكذا يعمل القطاع الخاض!
- وجود ميزانيتين للسلطة واحدة للرئاسة وأخرى للحكومة أي عامة. وهي ظاهرة بدأت مع السيد ياسر عرفات، وجاء الحصار ضد حماس ليكررها مع السيد محمود عباس، بل في حقبة عباس اللبرالي وجدنا معظم المساعدات تتدفق إلى مكتبه. إن مجرد وجود ميزانيتين يجعل للفساد فضاء واسعاً.
- في حين تمكن الفاسدون من نهب الفائض في الفترة ما بين بداية أوسلو ووصول حماس للسلطة، رغم أن معظمه فائض من الخارج وليس نتاج العمل الإنتاجي في البلد، لم تقم حكومة حماس بفتح ملف الفساد كما لم تقم بذلك حكومة الوحدة الوطنية، وكأن الأمر قد اتخذ حالة مسامحة هؤلاء. هذا علماً بأن الأموال المسروقة يمكن أن تشكل قاعدة لبداية تنموية.
- انتشار علاقات خاصة بين السلطة والمواطن من طراز المحسوبية والفساد والمصلحة التنظيمية، والكسل في العمل والتوظيف العشوائي...الخ وهي أمور لعبت دوراً في تبهيت العزيمة الكفاحية للشعب حيث اصبحت مقالته وشغله الشاغل ومثار تبرمه وتفجعاته.
- زاد هذا المناخ من هروب راس المال النقدي والبشري إلى الخارج. لا سيما أن البنوك المحلية وغير المحلية العاملة داخل الضفة والقطاع لم تقدم تسهيلات بنكية تشجع الإستثمار. وحيث ان هذا طبيعياً في سلوك راس المال في مناطق المخاطر، لكنه إثبات على أن القطاع الخاص لا يضحي ولا يستشهد! مثلا حينما فرضت اميركا الحصار المالي على حكومة حماس، لم تجرؤ البنوك على تقديم فلساً واحداً للموظفين الجوعى . أما الهجرة البشرية وخاصة الشابة فهي عالية من حيث الرغبة، ولكن شكراً للأزمة الإقتصادية العالمية التي تحول دون فتح دول أخرى ابوابها لعمالة أجنبية، وشكراً لحكومات الخليج العربي التي تفضل العمالة الأجنبية، وشكراً لفزاعة "محاربة الإرهاب" التي تجعل الفلسطيني غير مقبول في أماكن عديدة من العالم!

علاجات مفارقة!

هي مفارقة لا شك أن نسمع أصواتاً من اللبراليين واصحاب الأعمال تدعو إلى توسيع وإعادة القطاع العام بعد خصخصته! وإذا كانت الرأسمالية الكلاسيكية تذهب باتجاه تسليم الشركات الفاشلة للدولة لإشفائها طبعاً على حساب الضرائب المجبية من الطبقات الشعبية، فقد اصبح المطلوب هنا إشفاء البلد بأسرها. من إيجابيات المناداة بإعادة القطاع العام، هو الكفر بالخاص وانكشاف مزاعمه وإيديولوجيا البنك الدولي. ولكن، هل يمكن ذلك في ظل سلطة كهذه؟ فصندوق الإستثمار الفلسطيني المرتبط بالسلطة "بالرئاسة" يستثمر في الخارج كما لو كان راسمالا لفرد يبحث عن مصلحته الخاصة! وهل سيسمح المانحون بتكوين قطاع عام وهم المتحكمون بالقرار كممولين؟ وهل ستسمح الدول العربية التي يفتخر بعضها بأنه لم يمارس خطيئة القطاع العام ويفتخر البعض الآخر بتصفية هذا القطاع؟ كيف لا، وهذه الدول كانت تقدم مساعدات للسلطة الفلسطينية قبل الإنتفاضة الثانية، أما بعد هذه الإنتفاضة فحولت المساعدات إلى قروض!
يدور نقاش بشأن حل السلطة كأحد المخارج وبالتالي تحدي ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي خلق التسوية. ولكن، كلما مر عليها يوماً آخر كلما اصبح حلها أكثر استحالة. فالإحتلال الذي اقامها، لم يحلم بهذه الفرصة سواء من حيث الإعتراف بالكيان أو الظهور في العالم كداعية سلام مما حقق له تدفقات من الإستثمار الأجنبي المباشر حققت له معجزة اقتصادية. وتحت غطاء السلام يدير الإحتلال مذبحة للأرض والناس. كما لن تسمح بذلك لا الولايات المتحدة ولا شريكها الخبيث الإتحاد الأوروبي. ولا الأنظمة العربية التي ستقع ثانية في الحرج القومي. لذا، يؤكد الإحتلال على وجوب التنسيق الأمني مع السلطة وهي لعبة اقرب إلى التسلية والإثارة، أما جوهر مسألة التنسيق فهو إضفاء صفة "السلام" على إجراءات الإحتلال الدموية ضد شعبنا وكل ذلك لتسهيل تدفق الإستثمارات الأجتبية.
وبدورها، فإن كل من شارك أو طمع في المشاركة في سلطة الحكم الذاتي، أو حتى حصل على وظيفة بسيطة فيها بينما غيره عاطل عن العمل ، لن يقبل بحل السلطة لأن وجوده فيها يوفر له منافع مالية، أو مناخا سلطويا إدارياً يولد هذه المنافع. إن حل السلطة معناه الذهاب إلى الخيار النضالي المفتوح، وهذا ممكن لدى قواعد بعض القوى السياسية لكنه مناقض لقناعات اصحاب القرار فيها.
أما الفلتان بأنواعه الرسمي والأمني والفصائلي وفلتان راس المال باتجاه التطبيع، فكل هذه خلقت أضغاناً فردية وعشائرية وتنظيمية وعقائدية لا سيما بعد مذابح غزة. وعليه، لن يكون سهلاً على طرفي مذابح غزة التخلي عن السلطة ليس فقط كمصالح وإنما كذلك خوفاً كل على راسه إذا ما تجرد من السلطة!
أمام وضع من هذا الطراز، فإن تنمية حكومية ليس سوى تربيعاً للدائرة. كما أن التخلص من مشكلة التمويل غير ممكن على المدى القصير وحتى المتوسط. وعليه، فإن اي تفكير في التنمية او التخلص من الإعتماد على التمويل الأجنبي غير ممكنة إلا بتبني مشروع طويل الأمد وضمن الخطوط العريضة للتنمية بالحماية الشعبية.
لا يمكن التخلص من التبعية التمويلية بأي موديل رياضي من التي ينتجها خبراء البنك والصندوق الدوليين. فالمسالة ليست في الإطار الفني، بل هي مسألة الإقتصاد السياسي. وربما لهذا السبب كان حديث وزير المالية في الندوة التي اشرنا إليها أعلاه محصور في التعامل الدبلوماسي والناعم وعدم الإثارة مع المانحين، اي ان الحل برايه هو في الإستمرار فيما هو قائم، ولكن ربما بشطارة أكثر قليلاً. وأعتقد أن الرجل على حق ضمن ثقافته الإقتصادية وضمن حكومات من هذا الطراز.
ولكي نعقد تقارباً قدر الإمكان بين جدل السماء وجدل الأرض، ولأن استراتيجية التنمية بالحماية الشعبية تحتاج إلى حامل كفاحي حزبي ومناخ شعبي مؤات لها، فهي لا بد أن تعمل بعيداً عن السلطة. أما ضمن الوضع الحالي فيكون المطلوب مشروع إصلاح لا أكثر. وحتى هذا يحتاج إلى قرار سياسي مضغوط عليه بحراك شعبي.

اقتصادياً

ولكن، هل يمكن الحديث عن منطقة وسطى بين كل ما تقدم؟ ربما، كما لا بأس في المحاولة علماً بأن ذلك ليس حلاً. يمكن إذا ما تواجدت عناصر جادة اقتصادياً قي سلطة الحكم الذاتي، أن تقام مؤسسة للتخطيط والتنمية والرقابة من مختلف القطاعات الطبقية والمهنية والنوع الإجتماعي تكون هي المتحكمة بالإمكانات المالية والتي تخصص لمختلف الوزارات بما فيها رئاسة السلطة مخصصات محددة ومراقبة. ومن ثم البدء ب:
-استعادة الأموال المنهوبة من الفاسدين واستخدامها في خلق مواقع تشغيل قصيرة ومتوسطة المدى.
- التخلص من الموظفين غير الضروريين وتجريد الموظفين الذين يمارسون عملين من احدهما، وفصل الموظفين الذين لا يعيشون في الضفة والقطاع.
- إقامة مشاريع صغيرة في الزراعة والصناعة تعتمد العمالة الكثيفة، ومنع استيراد بدائل لمنتجاتها شريطة وضعها تحت رقابة الجودة.
- الضغط على البنوك بضمانات السلطة لتوفير قروض لفئة من المستحدثين الموثوقين والذين يوفرون ضمانات.
- استعادة أموال صندوق الإستثمار الفلسطيني من الخارج.

سياسياً

أما سياسياً، فيمكن أن تقوم هذه السلطة، التي يفترض أنها ليست مريضة بالتنفع من دورها وموقعها، أن تقوم بعملية تباطؤ في الدور السياسي لها، ومحاولة حصر دورها في حجمه الطبيعي وهو العمل الإداري والخدماتي، وهذا يشكل بدوره ضغطاً على صانعي التسوية ليخففوا شروط الحصار باعتبار هذه التكتيك تمهيداً لحل السلطة.
كما يجب ان يتم ضبط عناصر الفلتان الأمني والإجتماعي والأفضل نفي ذوي الدور الملموس في هذه الصراعات إلى الخارج وذلك مثابة سحب فتيل التفجير.

قومياً

لا بد لهذه السلطة من الضغط على الأنظمة العربية لتوفير مساعدات تنموية مع أحقية الرقابة على الصرف تلافياً لتكرار الفساد. لكن هذا يشترط استراتيجية مختلفة عن السابق مع الوطن العربي تقوم على إشراك الجمهور العربي في العلاقة بين القضية الفلسطينية والأمة العربية بدل أن تظل محصورة في مستوى أنظمة الحكم وذلك لوقف تهميش الطبقات الشعبية والمجتمع المدني عموماً وبالتالي تشكيل قوة ضغط على الأنظمة لتقريبها من المسار القومي، وهو أمر مستبعد.
لا بد من التأكيد على أن الإستراتيجية الحقيقية للعمل الفلسطيني بتنوعاته هي الصراع مع الإحتلال، سواء لأن حقوق الشعب الفلسطيني لا تتحقق إلا بالنضال طويل الأمد أو لأن الإحتلال نفسه لا يعرض سوى الصراع الدموي. ولكن، طالما أن سقف المرحلة الذي فرضته قوى التسوية هو اقل بكثير من هذا، فإن البحث عن استراتيجيات وسيطة يصبح مرحلة انتقالية باتجاه الأعلى. ولكي لا نخرج كثيراً عن موضوع النقاش، فإن حلاً لمشكلة التمويل غير ممكن على المدى المنظور، وهذا ما يوفر للحلول المؤقتة والإصلاحية موقعاً.
وبعد، إذا كانت التنمية بالحماية الشعبية بحاجة إلى وقت ولإعادة بناء المجتمع المدني الثوري، وإذا كان وجود حكومة إصلاحية بيد "نظيفة نسبياً" غير وارد، فربما تصل الأمور بالناس إلى العصيان المدني ليكون كشروع عودة إلى التنمية بالحماية الشعبية.



#عادل_سمارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحبر الأعظم: رأسمالي وليس مسيحيًا
- هناك اباطرة فساد آخرون!
- إنتخابات: أعلى من البلديات قليلاً، وأقل من الاستقلال كثيراً
- فوكوياما...المثقف العضوي لبربرية الراسمالية الاميركية
- مصر في خدمة نتنياهو -أُخوَّة- القطاع الخاص والعولمة
- ليس أول ولا آخر جدار للدولة الامنية
- قراءة في مبادرة الجبهة الشعبية
- نسوية عربية تبارك عودة الاستعمار - ملاحظات على مقالة فاطمة ح ...
- لهذا لمْ، وربما لنْ، يطردوا عرفات!
- اقتصاد -اسرائيل-: بين ضغط الانتفاضة، انفلات حكومته ومنافع ال ...
- خريطة الطريق: قراءة عربية لإملاءات استعمارية وصهيونية
- تديين الصراع مجرد إيديولوجيا راسمالية: سابقة على الاقطاع ومت ...
- المرأة والانتخابات بين -الكوتا- العالمية والمناصفة في مجلس ا ...
- خطة الهدف ( الحملة الشعبية لأنهاء الاحتلال) أم حملة مع الاحت ...
- إشكالية الناصرية
- الآن-: نحن أقوى من بوش فلنبتزه
- سياسة فك الارتباط لن تكون حكومية
- قمتا بوش في شرم الشيخ والعقبة
- انقسام آخر للمثقفين العرب
- خطاب العرش الامريكي لاستعمار الوطن العربي


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل سمارة - ليس اقتصادهم بالمعجزة وليس اقتصادنا بعاجز!