أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني














المزيد.....

تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1991 - 2007 / 7 / 29 - 13:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الربع الأخير من القرن العشرين، وبعد إخفاق الحركة القومية العربية، أخذ يبرز شاغل الهوية في التفكير والثقافة العربية. قلنا في مقال سابق أنه واحدة من شظيتين للمركب القومي العربي (الشظية الأخرى هي "الدولة" التي ارتدت سلطة أداتية أو جهازية). كانت مسألة الهوية منحلة في العمل التاريخي لتغيير الواقع في الحقبة القومية. الآن طفت على السطح، مطلبا مستقلا بذاته. وسيسوق تطلب الهوية والانشغال بها نحو الإسلام مرسى وتجسدا أمثل لها في الوقت نفسه. وليس إلا مفهوما، من ثم، أن الإسلام الذي سيسند "الهوية"، أي تعريف الذات، لن يبدو لأحد مشكلة عملية أو مسألة فكرية. بل لن يظهر الإسلام كدين أصلا. يرصد المرء مفارقة في أدبيات عقدي الثمانينات والتسعينات الأساسية: الإسلام حاضر كتراث وثقافة من جهة، وكحركات إسلامية معارضة أو عنيفة من جهة أخرى، لكن ليس أبدا كدين. التعاليم الإسلامية، الأسس العقيدية للدين الإسلامي، "الشريعة"، العبادات والإيمان الإسلامي المعاش، تاريخ الإسلام، بنية التدين الإسلامي المعاصر.. هذه قضايا لن تدرس ولن تشغل بؤرة الاهتمام إلا في السنوات الأخيرة.
بصلة ما مع عالم ما بعد 11 أيلول 2001، ومع ظهور منظمة القاعدة والفكر القاعدي "التفاصلي" والتكفيري، وتنويعات حركية وفكرية مقاربة في العديد من البلدان العربية، أخذ الاهتمام يتحول نحو المتن الديني الإسلامي ذاته. وهذه عملية نرجح لها أن تستقطب اهتماما أكبر وتكون موجة العصر خلال العقدين أو ربع القرن القادم.
ثمة شعور شائع اليوم أن لدينا مشكلة دينية. ليس الدين هو المشكلة إلا في عين بعض المتطرفين، لكن هناك مشكلة في الدين يتعين مقاربتها بالفهم والعمل. توتر علاقة المسلمين بالعالم، وظهور تشكيلات إسلامية متنوعة رافضة للعصر ولدولنا الحديثة ومجتمعاتنا القائمة، وصعود العنف الديني، وتدهور العلاقات بين المجموعات الدينية والمذهبية في مجتمعاتنا، وميل لا ريب فيه نحو التشدد الديني في أوساط واسعة من هذه المجتمعات، وبروز أشكال التدين في الحياة العامة كالحجاب، والفصل المتشدد بين الجنسين، وفتاو متضاربة وفية للتعاليم الحرفية للدين لكن بلا سند عصري من حياة المسلمين أنفسهم، أو "جريئة" و"عصرية" لكن بلا سند فكري وعقيدي متسق.. كل هذه أوجه لمشكلة دينية لا ريب فيها.
مثل كثيرين نعتقد أننا بحاجة إلى حركة إصلاح ديني إسلامية. الإصلاح السياسي أو إصلاح الدولة لا يكفي. وجوهر الإصلاح الديني في نظرنا هو نفي الإكراه عن الدين ومنه. فحيث الدين لا إكراه وحيث الإكراه لا دين. هذا جوهري وأساسي، وهو لا يتعارض مع فكر القاعدة وما شابه، بل كذلك مع "الوسطية الإسلامية" كما يعبر عنها مثلا الشيخ القرضاوي (الملتزم بأساسيات تفكير سيد قطب، وبالخصوص جوهرها نظرية الحاكمية وتكفير من لا يعتبر مسألة السلطة عنصرا جوهريا من الإسلام). الواقع أننا لا نستطيع أن نفهم كيف يجتمع الدين والإكراه، وأية قيمة لدين المُكره. ونرى أن الإكراه الديني يتعارض مع مفهوم الدين بالذات، فوق تعارضه مع الإنسانية والعقل.
أما الدعوة العلمانية التي يسوقها كثيرين حلا لمشكلتنا الدينية فهي، دون إصلاح ديني، بمثابة وضع العربة أمام الحصان. فحال الدين الإسلامي اليوم (غير "متفاصل" مع الإكراه) وحال الدولة (استبدادية وفاسدة وفئوية) وحال "الأمة" (مشوشة الذهن ومنقسمة على نفسها) في حياتنا المعاصرة لا توفر انفصالا متبادلا للدولة والدين إلا بالعنف والإكراه. بعبارة أخرى، ما دام الدين لم يستقل بنفسه عن الإكراه وتنظيماته وحركاته وعقائده، فإن فصله عن الدولة لن يتم بغير الإكراه. وهذا يفتح بابا للعنف قد لا يغلق.
قد يقول قائل: لكن هل من أمل في إصلاح ديني دون عنف؟ طوال قرون استقر تصور معين للإسلام، فهل يمكن أن يتبدل من تلقاء نفسه أو بالإقناع؟ ألم يقتض المثال الوحيد الذي نعرفه لإصلاح ديني حقيقي، ذاك الذي خبرته الكاثوليكية الغربية، عنفا هائلا؟ وهل كانت حقبة الإصلاح الديني الغربية غير حقبة عنف منتشر وتعصب مفرط ومذابح فظيعة... تمخضت في النهاية عن بروز الدول الحديثة و"قومنة" الدين (أي إخضاعه للدول، وليس فصله عنها الذي لن يتم إلا في مرحلة لاحقة) في معاهد وستفاليا عام 1648؟
بلى. قد تسير أمور السياسة والدين والمجتمع في منطقتنا في هذا الاتجاه فعلا. لكن الطرح العلماني السائد يبدو أسير تصور تبسيطي، يهتم بفصل الدين عن الدولة، ثم فليفعل الدين بنفسه بعد ذلك ما يشاء. هذا غير واقعي وغير ممكن على الأرجح.
لكن هل من السهل والواقعي الكلام على إصلاح ديني؟ ألا نبدو كمن يقتبس إشكالية أوربية غربية ويطبقها ميكانيكيا على عالم الإسلام؟ لا نرى ذلك. الإسلام مثل المسيحية الغربية دين عالمي، ارتبط بالسياسة والدولة دوما، سواء نبع الارتباط من تعاليمه كما يعتقد بعضنا، أو كان من عوارض التاريخ كما يعتقد كثيرون بخصوص المسيحية، وكما يعتقد كاتب هذه السطور وآخرون بخصوص الإسلام. أيا يكن، فإننا حيال دينين منخرطين بعمق وقوة في التاريخ، الأمر الذي يحتم أن تنعكس عليهما تغيرات التاريخ الأساسية التي أخذت تحصل في الغرب منذ خمسة قرون ولدينا منذ أكثر من قرنين.
في هذه الحيثية، ربما نحن في القرن السابع عشر الأوربي اليوم كما كتب هنري كيسنجر قبل شهور قليلة. وربما تكون العقود القادمة مؤلمة جدا. فلا مناص أخيرا من مواجهة مشكلتنا الدينية، هي اليوم مصدر اضطراب سياسي وامتحان عقلي. ومن شأن استمرار الأوضاع الراهنة أن تقود إلى تفجر الإسلام ذاته وليس العالم الإسلامي وحده، فيما من شأن الإصلاح الديني أن يكون إنقاذا للإسلام وضمانا لتجدده في عالم جديد لا يكف عن التجدد.






#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيام مشكلة الدولة ولياليها في المشرق العربي
- -أمة وسط- في المشرق؟!
- هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
- تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
- في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
- نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع ...
- أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
- حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
- في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
- في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل ...
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - تصور أولي للمشكلة الدينية والإصلاح الديني