أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد السلام أديب - سوء التنمية ومحاربة الفقر















المزيد.....

سوء التنمية ومحاربة الفقر


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 608 - 2003 / 10 / 1 - 04:31
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الرباط في 22 فبراير 2000

هناك ظاهرة بدأت تغزو بسرعة ضواحي  الكثير من المدن المغربية،  وتتمثل في ظاهرة تنامي مدن الصفيح والمساكن العشوائية  التي أصبحت تشكل إحدى الخصائص الرئيسية لمدننا بما تحمله من ملامح تفضح عمق إشكالية الفقر في المغرب. وتتعدد الأسباب المنتجة لهذه الظاهرة التي تشكل ما يسمى بأحزمة الفقر حول المدن، والتي تشكل ملجأ للمئات بل للآلاف من التعساء سواء المهاجرون منهم من البادية إلى المدن أو ضحايا التفكك العائلي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي  أو بعبارة أوضح ضحايا سوء التنمية.

وبموازاة مع هذه الظاهرة هناك ظاهرة أخرى متولدة عن الظاهرة الأولى بدأت تتفاقم بدورها في أغلب المدن المغربية وتتمثل في تفاقم أعداد  المتسكعين والشحاذين وأطفال الشوارع. فلم تعد تخلوا منهم الحافلات ومواقف إشارات المرور ومختلف الأماكن العمومية. ولعل أقسى هذه المشاهد تتمثل في ظاهرة أطفال الشوارع وهم أعداد من الصبية والفتيات الصغار الذين شاءت أقدارهم التعسة ووسطهم العائلي الظالم، أن يحرموا من نعيم الطفولة، وأن يجبروا على البحث عن لقمة العيش لإعالة أنفسهم أو عائلاتهم. فبعض هؤلاء لا يجدون لهم مأوى سوى أرصفة الشوارع والخرابات. وأغلبهم محروم من حنان الأمومة والأبوة نظرا لعدم وجود من يرعاهم أو لبعدهم عن أماكن أسرهم.

هناك من يفسر تفاقم ظاهرة أحزمة الفقر وأطفال الشوارع بكونها حالة طبيعية تنتج عن حالة  التخلف والتزايد السكاني. ويستند هذا التفسير المالتوسي للظاهرة  إلى أنها تحدث عندما يفوق معدل نمو السكان معدل النمو الاقتصادي، الشيء الذي يحدث اختلالا بين أعداد السكان المتزايد وحجم الموارد الاقتصادية المتاحة. والحل المترتب عن هذا التفسير يتمثل في  ضرورة التغلب على المشكلة السكانية بتخفيض معدلات النمو السكاني حتى يعود التناسب بين السكان والموارد الاقتصادية. وهنا تطرح بعض الاقتراحات المعتدلة كتنظيم الأسرة وتأخير سن الزواج كما تطرح اقتراحات أخرى لاإنسانية تدعو مثلا  إلى تعقيم الرجال أو النساء أو إلغاء التعويضات العائلية عن بعض أطفال الأسر الفقيرة كبيرة الحجم.

بطبيعة الحال  لا أحد ينازع في أن مشكلات البطالة والفقر والمرض والبؤس والأمية هي تعبير ، بشكل أو بآخر، عن مشكلة التزايد  السكاني. بيد أن الصعوبة الأساسية تكمن في أن النمو السكاني متغير ثقيل الحركة بطيء التغيير، ولا يمكن التأثير فيه في الأجل القصير . فهو يحتاج إلى جيلين أو أكثر. والتأثير في هذا المتغير  من خلال برنامج تنظيم الأسرة والدعاية السكانية والإرشاد، يكاد يكون تأثيرا هامشيا في الأجل القصير والمتوسط.

من هنا تبدو  أهمية تسريع وثيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم تأجيل قضايا التنمية والارتفاع بمستوى المعيشة  إلى حين حل مشكلة التزايد  السكاني، لأنه لا يمكن أن يكون حلا منطقيا. فذلك أشبه بوضع العربة قبل الحصان. كما أنه من الخطأ ربط مشكلة التزايد  السكاني بالتناقض القائم بين عدد السكان وحجم الموارد المتاحة. فالمشكلة السكانية تعتبر نتيجة للتخلف وسوء التنمية وليست سببا له. فهي عبارة عن تناقض بين النمو السكاني وطبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد الذي يعجز عن أن يوفر مقتضيات التنمية الحقة وما يأتي في ركابها من تزايد في الدخل وفرص التوظيف وترقية لمستوى المعيشة.

كما لا يجب أن ننسى بأن السكان يؤثرون في التنمية، وأن التنمية تؤثر في السكان ونموهم. حيث تكون العلاقة هنا  ذات طابع جدلي. وتشكل العدالة الاجتماعية هنا  بعدا رئيسيا في حل المشكلة السكانية. فقد يتحقق النمو وترتفع معدلات الناتج الوطني  ولكن قلة قليلة من السكان هي التي تستأثر بثماره، بينما تضل الأغلبية الساحقة تعاني من الفقر والبطالة، وبالتالي تظل مشكلة التزايد  السكاني بدون حل.

إضافة إلى ما سبق أثبتت الدراسات السكانية المعاصرة أن السكان متغير ذاتي التنظيم بمعنى أن السكان يميلون من تلقاء أنفسهم إلى تنظيم أعدادهم عند مستويات معقولة، حينما يرتفع مستوى المعيشة ويتغير نمط الحياة ودونما حاجة إلى برامج سكانية مخططة أو إرشاد أو دعاية. وهذا ما أثبتته خبرة الدول المتقدمة التي اختفت فيها المشكلة السكانية عبر تقدمها الاقتصادي والاجتماعي، وأثبتته أيضا تجارب التنمية في بعض البلدان النامية. حيث تبين أن أفضل نتائج حققتها البرامج السكانية كانت في تلك البلدان التي حققت أفضل إنجاز تنموي كما هو الشأن بالنسبة لدول النمور الآسيوية.

الخلاصة هي أن أحزمة الفقر بضواحي المدن وكذا ظاهرة أطفال الشوارع تعبر عن فشل جهود التنمية، وإعلان صريح بإفلاس الاختيارات السائدة طيلة ما يزيد عن أربعة عقود غابت فيها حقوق الإنسان ومبادئ العدالة الاجتماعية من خلال  التفاوت الكبير في توزيع الدخل والثروة. وتبديد الموارد المالية، وإهدار فرص كثيرة للنمو عبر حالات الفساد والإثراء غير المشروع وتهريب الثروة إلى الخارج. وهذا بالإضافة إلى شروط صندوق النقد الدولي عبر ما يسمى بسياسات التصحيح الاقتصادي وما أفرزته من انكماش اقتصادي وبطالة وضغط شديد على الإنفاق الاجتماعي الموجه للرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة ودعم المواد الغذائية للفقراء والمحرومين.. كل ذلك يؤكد على أن الفقراء هم ضحية كل هذه الأمور وليسوا ضحية تزايد عدد السكان.

ليس هناك من حل سحري للفقر سوى تحقيق التنمية والتحرر الاقتصادي ونفي التبعية ومواجهة علاقات الاستغلال في السوق العالمي، والحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية. فقضية  مكافحة الفقر ترتبط بالنضال ضد الظلم الاجتماعي الذي تفرضه السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة لحد الآن وفي مقدمتها الليبرالية المتوحشة التي تعمل على اغتناء الغني وإفقار الفقير في ضوء أوهام استعادة التوازنات الاقتصادية والانفتاح على الخارج. ولن يتحقق كل هذا سوى في إطار من الديموقراطية ومراعاة حقوق الإنسان والتنمية الاشتراكية التي لا مكان فيها للتفاوت الطبقي.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام التأهيل والمنافسة الحرة
- النساء والعولمة الليبرالية
- المعجزات التنموية ودور الدولة
- الهجرة الى الفردوس الاقتصادي
- التقسيم الدولي الجديد للعمل
- تناقضات العولمة الليبرالية
- نقطة نظام الانقلاب التكنولوجي
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب ( ...
- أزمة المالية العامة في المغرب
- خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين
- التجارة الخارجية في زمن العولمة الليبرالية
- البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد ...
- مــــأزق البطالــــــة
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - ...
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد السلام أديب - سوء التنمية ومحاربة الفقر