أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رنكين ئاميدي - شرق الاوسط وأزمة الابداع















المزيد.....

شرق الاوسط وأزمة الابداع


رنكين ئاميدي

الحوار المتمدن-العدد: 1991 - 2007 / 7 / 29 - 13:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كالكثيرمن المشاكل والازمات التي يعيشها شرقنا الاوسط في العصر الراهن والتي اصبحت اشبه بأنياب قديمة نخر فيها ديدان الزمن ولم يعد لاساليب التخدير والتسكين والتنويم قدرة على ايقاف مواجعه والامه بحيث صارت تقض مضاجع اصحاب الضمائراليقضة والافكار والاقلام التقدمية في مجتمعاتنا الشرق الاوسطية، ألا وهي ازمة الابداع بجميع انواعه من ابداع فكري وعلمي وفني وفلسفي وادبي , في هذه المجتمعات التي كانت يوما من الايام مهدا لاولى حركات الابداع البشري ومسرحا لاولى الثورات الذهنية والوجدانية والتي بزغ فجرها في العصور الحجرية واستمرت في التالق مع صعود اعتى امبراطورياتها من سومر واكاد وبابل واشور وميديا واصبحت هذه البقعة الخصبة مركز انبعاث حضاري وابداعي في تلك الحقب الماضية التي دخلت التاريخ كونها كانت عصورا ذهبية ,اذن فالابداع هو الذي يضفي على الزمان والمكان صفة الجمال والجاذبية ويجعل من العصور ذهبية .... والسوال الذي يفرض علينا اهميته هو مالذي يجعلها تتناسى ذاكرتها الاولى وتستمر في الحياة كمجتمعات فاقدة للذاكرة لا تفقه جذورها التاريخية وتعيش عقدة النقص الابداعي حتى النخاع ..؟؟ واين ومتى حدث الانحلال والتراجع..؟؟
لا شك في ان للامر اسباب عديدة منها التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكن الجانب المهم الذي ساحاول الوقوف عليه في مقالي المتواضع هذا هو الجانب الايديولوجي في المرحلة الاقطاعية واثر فلسفة ارسطو طاليس على الهوية الايديولوجية وعلى عقلية المجتمعات الشرقية وبالاخص في اواسط العصور الوسطى ونهايتها . تلك المرحلة شهدت ذروة تقدم المجتمعات الشرقية وانهيارها على التعاقب مخلفة ورائها اشلاء مجتمع يتارجح وهنا وشقاء وخمولا , مجتمع يعيش الاغتراب عن جوهره ويفر هاربا من كل حقيقة تعيده الى صوابه ويقضي ايامه راثيا ماضيه وهاجيا حاضره ويائسا من وعلى مستقبله . لاشك ان الصعود والانهيارحالتان طبيعيتان في مسار تطور كل المجتمعات البشرية ولكن الاستسلام للانهيار المستمر وعدم اجتياز حالة التدهور والانحلال هذه والتخندق خلف حصون التعصب والجمود العقائدي للدفاع عن قيم ومعتقدات بالية والتعامل مع تلك القيم والمعتقدات وكانها مقدسات لا يمكن مسها او تخطيها هي التي تمثل الخروج عن المألوف . كل هذه الامور هي براهين مادية لحالة غير طبيعية تمر بها مجتمعاتنا الشرقية ويجب معالجتها لانه لا يوجد ما هو اقدس واعظم من قانون التغير الديالكتيكي (قانون نفي نفي)الذي به تبقى حياة المجتمعات من حيث بناها الفوقية والتحتية كنهر متدفق فائض بالابداعات الانسانية الخالدة. المجتمعات الشرق اوسطية لم تكن غريبة عن الابداع فالاجتهاد الفكري والعلمي في هذه المناطق كانت تتسم بالشمولية والكلية في البحث والتحليل والتصوير والتفكير في الحقائق والقوانين الطبيعية التي تتحكم بالكون والمجتمع وحياة الانسان معا. حيث كان الفكر رغم بدائيته كلا في كل واحد وكانت القدرة على معرفة كل العلوم الانسانية وربطها ببعضها البعض في بوتقة الفكر فضيلة سامية ومقدرة ابداعية راقية لا يتحلى بها الا الحكماء والانبياء والعلماء ومن قبلهم الرهبان والكهنة ورجال الدين في الزقورات السومرية والمعابد المصرية . ومن هنا جاءت المكانة العظيمة التي شغلتها الميثولوجيا والاساطير لكونها كانت حصيلة ابداعية لجميع المعارف الانسانية من الهيات وطب وفلك واداب وفنون, لذا بقيت هذه الاساطير والملاحم رغم بعض اوجهها الخرافية نموذجا خالدا للابداع الانساني, فتلقائية المشاعر والافكار وعدم الفصل بين العقل والجسد, الخيال والواقع ,الحلم والحقيقة ادى الى ظهور قفزة ابداعية هامة على صعيد التاريخ البشري ويوما بعد يوم صارت مصر , بابل وبلاد فارس مجلب انظار العالم وكعبة يتوافد اليها الزوار وطلاب العلم, فالتاريخ يسجل توافد الكثير من الفلاسفة والعلماء ومنظري الحضارة الاوربية الى هذه البلاد سعيا وراء العلم والحكمة والاداب والفنون كافلاطون وارسطو وسقراط وغيرهم فالشرق كان موطنا جذابا وغامضا يبعث في النفوس حب المغامرة والاكتشاف والبحث عن الحقائق الابدية والالغاز الخفية والابداعات الانسانية بشتى صورها ومجالاتها لانها ومن حيث تاريخ حضاراتها ومنشا الانسان فيها كانت الام الحكيمة لكل البشرية .ولكن وبعد الحملات الاغريقية على بلاد الشرق بقيادة اسكندر المقدوني وبداية الفترة الهلينية التي امتدت من اواخر القرن الرابع قبل الميلاد وحتى بداية القرون الوسطى نحو 400 بعد الميلاد وجدت المنطقة نفسها امام رياح جديدة . ففي هذه الفترة استطاع اسكندر ان يصل بجيشه الجرار الى الشرق الاوسط وحتى الهند بالحضارة الاغريقية ذات الغلبة وتفتحت في المماليك الهلينستية الكبرى(اي مقدونيا, سوريا, مصر والعراق) بحجة ان هذه الفتوحات تهدف الى عملية صهر هذه الثقافات والافكار في جروع تضمن التزاوج بين كلا الحضارتين العملاقتين .اثناء الفتوحات تعرفت المجتمعات الشرقية على فلسفة الاغريقية من خلال اساتذتها العظام كافلاطون وارسطو وبالاخص ارسطو طاليس لانه كان معلم اسكندر منذ طفولته ومرشده فيما بعد في سياسته ومخططاته التوسعية وفتوحاته. ومن هنا جاءت المقولة المشهورة "غزا اسكندر الشرق بجيشه وبعقل ارسطو". فعلى الرغم من ان فلسفة ارسطو كانت بمثابة قفزة نوعية جديدة بالنسبة لكلا الحضارتين الشرقية والاوربية الا ان عدم تجاوز منطق ارسطو من قبل المجتمعات الشرقية في القرون التي تلت القرون الوسطى ادت الى تاخر هذه المجتمعات الشرقية عن ركب التطور الانساني , فمنطق ارسطو الغائي (لكل شي علة ونتيجة) المتسم بالجمود العقائدي والدوغمائية الفكرية في تعريف مشاكل الكون والمجتمع ,اضافة الى نظرته للقوى المتافيزيقية بقوله"ان كل شي سيتحد مع السبب الاول" كانت نظرية قاضية على الارادة البشرية وعلى امل الانسان في التغير والتطوير وثقته في نفسه وفي قدراته على خلق واقع يتلائم وظروفه واحتياجاته الانسانية وجعله مجرد كائن لا يتعدى الكائنات الحية الاخرى التي لا تمتلك نعمة التفكيروالارادة وقوة العقل وموهبة استخلاص الدروس الحياتية . وبالاخص عندما تم تبني مثل هذه النظريات من قبل الانظمة السياسية الحاكمة وبمرور الحقب الزمنية تحول الانسان الشرقي الى مخلوق توكلي ومستهلك و كثير الشكوى والتضرع وازدواجي بين ما يحتاجه ويتوق اليه وبين ما يكبته ويهابه ويتضرع اليه ويمقته في نفس الوقت ، ومن جراء الانظمة المستبدة التي تغير اقنعتها وتبقى محتفظة بجوهرها الاستبدادي القاهر لارادة الانسان وقدراته الابداعية , صار يعيش انفصاما عميقا في الشخصية وانقساما بين الروح والعقل والجسد وتناقضا فيما بينهم ومثل هذا كان سببا كبيرا (بالاضافة الى الاسباب الاخرى التي لن نتطرق اليها كثيرا كي لا نبتعد عن صلب الموضوعا) ادى ويؤدي باستمرار الى العقم الابداعي والاستسلام للكسل والخوف من مواجهة الثوابت الايدولوجية والعقائدية والاجتماعية .ايضا كانت طريقة أرسطو في التصنيف والتجنيس والتقسيم بين العلوم الانسانية والمنطق لها اثر سلبي على وحدة التطور الفكري وشموليته, فعلى الرغم من انه حاول دمجها ببعضها لاستخلاص نتيجة شاملة ونظرة عامة عن الكون والحياة والطبيعة بصورة عامة الا ان طريقته في تصنيف العلوم ادى الى فصلها عن بعضها البعض ومع مرور الزمن صارت تدرس وتبحث على حدا كعلوم الحيوان ، النبات , علم الكيمياء والرياضيات...والخ, ايضا كان لتفسيره للكثير من الظواهر الاجتماعية والطبيعية رياضيا وحسب قوانين رياضية ثابتة وقيم تامة ومطلقة اثرا سلبيا فيما بعد على اسلوب التفكير من حيث تحكم الاحكام المسبقة والقيم الثابتة فيها. هذا المنطق هيمن بقوة على طريقة تفكير الانسان الشرقي المتسم بالاعتدال والوسطية والمثالية .الامر الاهم هو تاثر الاديان التوحيدية بفلسفة ارسطو ومنطقه.فقد ظهر تثبيت دعائم حكم الدولة والملكية اعتمادا على فكرة ثبوت وجود الله اي تم ربط ابدية حكم الدولة وحاكمها بابدية وجود الله اعتمادا على فكرة الملك خالد على الارض كخلود الله في السماء. هنا لا نستطيع انكار الايجابيات التي وفرتها فلسفة ارسطو على المجتمع الاسلامي في بداية بزوغ فجر الاسلام الا انها وبشهادة علماء التاريخ اصبحت فيما بعد وسيلة للتعصب والتخلف والتشدد الديني واصبح التعبد والتنسك (اللتان كانتا وسائل لعبادة الهية خالصة) وسائل لاثبات ابدية الدولة والسلطة السياسية وذريعة للاستبداد والاضطهاد والاستسلام للرجعية وفق منطق ان الحكام ظلال الله على الارض . تلك الفترات شهدت ماسي ومواجع انسانية عميقة واصبح كل من يحاول مواجهة الواقع بعقلانية من علماء ورجال فكر زنادقة وكفارا يستحقون القتل والحرق والرجم وقصة الحلاج منصور مثال واضح على ذلك وغيره كثيرين. حيينها صارت اليات تفكير وتطور الانسان والمجتمع الشرقي يبتعدان رويدا رويداعن القوى الجدلية التي تحفز طاقات الابداع البشري وللاسف ما زال هذا الواقع الكئيب يكرر نفسه ويسبح في عالمنا وفي مجتمعاتنا الشرقية ويجعلها تشل امكانية الابداع لدى الافراد والمجتمع . لان الفرد يتعود منذ طفولته المبكرة على الاستسلام لثوابت المحيط وقواعده ويفقد بالتالي ميزة الشك والرغبة في اكتشاف محيطه بولع , تلك الميزة التي يشترك بها الاطفال والفلاسفة والمبدعين والتي اذا تم حمايتها عند الاطفال وتم تطعيمها بالخبرات والبحث والمطالعة في المراحل التالية من اعمارهم سوف تودي بهم الى احداث طفرات نوعية في مجالات الابداع المختلفة . ودون الشك ولفضول الوالرغبة في التعلم واكتساب الخبرات يفقد الرغبة في البحث وحب المغامرة واكتشاف محيطه ويعتاد على واقعه المغلق ويستسلم يوما بعد اخر للكسل والتطفل والانغماس في فضاء رمادي يمنعه من رؤية الالوان الزاهية الموجودة بين لوني الابيض والاسود ويبقى وللاسف ما تعلمه في الصغر كالنقش على الحجر. فالدراسات العلمية والبيولوجية تثبت ان عقول الاطفال تضمحل عضويا بعد سن العاشرة مع اضمحلال الخيال بسبب الاحساس بالذنب لتجاوز حدود الثوابت الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية واتضح من هذه الدراسات ان الوصلات العصبية بين خلايا المخ تتناقص بعد سن العاشرة الى النصف تقريبا والسبب هو النظام التعليمي والديني والسياسي . والسوال الذي يوقفنا هنا هو ان كلا الحضارتين الشرقية والغربية تاثرتا بفلسفة ارسطو ومنطقه المهيمن ولكن لماذا وكيف استطاعت الحضارة الغربية تجاوز هذا الامر واعادت مياه الابداع والتطور الى مجاريها.....؟؟ الجواب هو ان الحضارة الغربية في نهاية القرون الوسطى استطاعت من خطو خطوات سديدة مجتازة الجمود العقائدي والتعصب الديني واستبداد الكنيسة التي كانت متاثرة بمنطق ارسطو انذاك, فكما نصر القديس اوغسطين افلاطون في بداية القرون الوسطى هكذاحاول توما الاكويني ان يدمج بين منطق ارسطو ومبادي المسيحية . كل هذه الامور ادت الى انبثاق الصراع الذي جعل اوربا تقف امام ابواب النهضة الحقيقية .وبدا برجوازي النهضة يتحررون من السادة الاقطاعيين ومن سيطرة الكنيسة وبدات الولادة الثانية للانسانية القديمة . فعلى الرغم من الماسي الكثيرة التي شهدتها اوربا في تلك الحقبة كنتيجة للصراع الكبير بين الانظمة التقليدية السياسية منها والدينية التي تحولت الى وسيلة سياسية تستعبد الانسان وتجعله يجر اغلاله تحت نير قساوة الحكام وعنجهيتهم وبين افراد مبدعين تركوا العنان لأفكارهم ونظرياتهم العلمية الجديدة ومخيلتهم ليبدعوا ويبحثوا عن البديل الذي سوف ينقذهم من جبروت تلك الانظمة الباهتة ومن البديهي ان تشهد مثل هذه المراحل التاريخية المهمة من التاريخ البشري تضحيات عظيمة وبطولات خالدة كحرق جوردانو برونو ومحاكمة غاليلو وفرانسيس بيكون وغيرهم كثيرون لافكارهم ونظرياتهم .الا ان هذا لم يعرقل مسيرة الانسان النهضوي المبدع الذي صب جل اهتمامه بكل ما له صلة بتطور الحياة والفن والعلم والفلسفة دون ان يفصل بين مجال واخر ومن هنا صار الابداع يطرق ابواب اوروبا وبدا العلماء والفلاسفة المفكرين الشباب يبدون تحفظهم فيما يتصل بالنظريات والعقائد البالية وظهرت التجريبية كاسلوب جديد في التفكير وظهرت شخصيات مبدعة ذو نزعة انسانية كليوناردو دافنشي وايراسيم دو روتردام .الشي الذي ميز هولاء النهضويين كونهم اضافة الى ذ يوع صيتهم في مجال ابداعي معين الا انهم تميزوا بألماماتهم العامة بالشعر والرسم والفلسفة والتاريخ والموسيقى والسياسة وغناهم الثقافي الذي جعل كل واحد منهم نهرا عظيما من الابداع صب نفسه في يم الانبعاث الانساني الجديد وكان تعطشهم لكشف اسرار الكون والطبيعة والنفس البشرية بعيدا عن اي تعصب فكري او جمود عقائدي او قوالب فكرية بحتة سببا مهما في انتصارهم وابداعهم وخلودهم. واصبحت اوربا بفضل تضحياتهم وابداعاتهم وشجاعتهم في مواجهة مخاوفهم من الارهاب العقائدي والفكري والسياسي والاجتماعي هي على ما عليها اليوم من رقي وحضارة وتطور مستمر في كل المجالات الابداعية ولابد لنا ان ناخذ العبر من تطورات الشعوب والثقافات الاخرى التي مرت مثلنا بمراحل وظروف نعيشها ونعاني منها اليوم لانها هي الاخرى وفي مراحل سلبقة تعلمت منا ووضعت ما تعلمته في صالح تطور شعوبها وافرادها. فتصور الانسان الشرقي ان هناك فاصلا بين مجالات الابداع المختلفة وبالتالي الانغماس في مجال معين والتجرد عن المجالات الاخرى امر سي ء لانه شكل اخر من اشكال اسلوب (فرق تسد) المتبعة من قبل الانظمة الحاكمة التي تفصل وتفرق بين كل شي كي تبقى هي المتمسكة بزمام الامور. هذا الفصل والتجريد خلقت نموذجا لشباب متعلم وغير مثقف ، متعلم ولكنه يفتقر الى خلفية الثقافية والفكرية والفلسفية فمعظمهم لا يقرا الادب ولا يهذب مسامعه بالموسيقى الراقية ولا يهتم بالتاريخ ويعد الفلسفة ثرثرة وتبجحا..!! وكل هذا يجعله فريسة للتعصب والتطرف وضيق الافق وبالتالي يبقى بعيدا كل البعد عن الابداع في حين ان التاريخ يؤكد ان جميع المبدعين والعباقرة كانوا ذوي ثقافة عالية والمامات متعددة ولعل اعظم علماء العالم (البرت اينشتاين ) هو اكبر مثال على ذلك فصاحب النظرية النسبية الذي كان له الفضل في تفجير الذرة واستخدام الطاقة النووية في مختلف مجالات العلم والحياة وكان له الفضل ايضا في نزول الانسان على سطح القمر وغزو الفضاء واخيرا فان القرية الصغيرة التي تحولت اليها الدنيا كانت هي الاخرى بفضل ابداع وعبقرية هذا الانسان المبدع ، فقصة حياة اينيشتاين تمثل بالدليل القاطع ان النبوغ في مجال ما مرتبط اشد الارتباط باتساع افكار الانسان وتنوع ثقافته والمامه الكبير بالفنون والاداب وتفكيره الحر البعيد عن كل الثوابت والمحاذير والقوالب الفكرية والعقائدية ,حيث كان اينشتاين يحب الموسيقى وكان كما يقال عازفا ممتازا للبيانو ويحكى ان ميلاد النظرية النسبية تعود للالهام الذي نزل على العالم الكبير وهو يعزف على البيانو ويسجل ملاحظاته لاسبوعين متتاليين وهكذا ولدت نظرية النسبية .الكاتب المصري حسنين هيكل ايضا وصف في مذكراته مكتبة اينشتاين قائلا " مكتبته تبث في المرء الشعور بان هذا الانسان ملم باسرار الكون " اذن فهذا التكامل بين العلم والادب والفن هي التي سمحت لمواهبه ان تنفجر واعطته القدرة على التفوق والابداع. فالمواهب والعبقرية في اي مجال كان فليكن , لا تزدهر ولا تثمر اذا ما عاشت وترعرعت ضمن اسوار حديدية صلبة او بقيت مجرد معلومات علمية او ايدولوجية بحتة وضيقة ومجردة فللكون حقيقة متكاملة وشاملة وموحدة والالمام الواسع يجعلنا نصل لنقاط الانطلاق نحو الابداع والابداع في حد ذاته هو محاولة الوصول الى الحقيقة بشتى السبل ولان الوجود وضع بعضا من مكامن اسراره في نوتة موسيقية ,قصيدة شعر, نظرية علمية, فكرة فلسفية وكثيرا ما تصبح بعضها مبعث الهام لاكتشاف اخر وبالتالي ايجاد الحلقات المفقودة في سلسلة الحقيقة الابدية لان الوجود كل في كل واحد وجزء من الكل نفسه والفصل بين كل هذا يعني خلق رؤية مشتتة وانسان ومجتمع مجزء ومصاب بالانفصام الفكري .فمن منا لم يدرس في المدارس والجامعات الالاف القوانين العلمية والفلسفية ومعادلات كيميائية وقوانين فيزيائية ومدارس الادب والفن الا انها تدرس وتحفظ كمجرد معلومات على ظهر قلب وفي الجانب الاخر نتعلم الثوابت والوغمائيات والعقائد المتناقضة كل التناقض مع هذه المعلومات والقواعد العلمية فعلى سبيل المثال تدرس قوانين داروين وأصل تكوين الارض وفي نفس الوقت يتعلم كل تلك الامور بنظرة دينية واجتماعية وعقائدية متناقضة ويبقى المتلقي مشتتا بين الاثنين وتحت طائل مشاعر الخوف والخجل وعدم الجراة في مواجهة الثوابت يقضي على قدرة التفكير الحرة عند الانسان ويبقى يردد كالببغاء الاثنين معا في مكان وزمان واحد . مثل هذا النموذج البشري بعيد كل البعد عن الابداع لان الابداع نتيجة ايجابية للصراع الحر المستمر في نفس البشرية وبالتالي يلزم الخروج من دائرة الاعتياد والتقزم والكسل والملل ولا يقبل الاستسلام للاحكام والثوابت المسبقة .والحل الوحيد مرهون بقيام نهضة انسانية جديدة ,النهضة فكرية اجتماعية ثقافية وفنية وعلمية تعيد النظر في جميع القيم والثوابت الاجتماعية والعقائدية والفلسفية البالية التي لم تعد تلبي احتياجات المجتمع المعاصر وتنظف وتزيل مخلفات العصور السابقة التي صارت تعرقل التقدم والتطور والابداع . اذن الم يحن الوقت بعد لمثقفوا بلادنا ليفكروا في نهضة شرق اوسطية تعيد اليهم والى مجتمعاتهم امطار الابداع التي جفت منذ عصور سحيقة ..؟ الم يحنوا الى ان يعبروا عن انفسهم وافكارهم ومواجعهم وخبراتهم الحياتية في المجالات الابداعية المختلفة دون رقابة عقائدية وسياسية واالاجتماعية ودون ثوابت واحكام وقوالب فكرية مسبقة ...؟؟! الم يحن الوقت لنشعل نارا زردشتيا ينسف ويحرق القديم البالي ليفتح الطريق لنور ونار الابداع البشري ..؟؟!

* كاتبة وحقوقية



#رنكين_ئاميدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رنكين ئاميدي - شرق الاوسط وأزمة الابداع