أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي لهروشي - الجزء الثاني من موضوع : القبيلة العلوية المسلطة على المغرب ،و الأحزاب العميلة لها وجهان لعملة واحدة !!!















المزيد.....



الجزء الثاني من موضوع : القبيلة العلوية المسلطة على المغرب ،و الأحزاب العميلة لها وجهان لعملة واحدة !!!


علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)


الحوار المتمدن-العدد: 1990 - 2007 / 7 / 28 - 11:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


إن عدم التجانس ، و الانصهار السياسي ، بين كل من الأمازيغ ، والعروبين منهم ، على مستوى القيادات ، أوالقواعد الحزبية ، و الاختلال الحاصل بين المكونات ، و الشرائح الإجتماعية المكونة لهذه التركيبة المتناقضة المصالح ، و التوجهات ، و الأهداف ، ناتج أساسا على ضم الحزب الجديد – الاتحاد الوطني للقوات الشعبية - للغاضبين من المنشقين عن حزب الاستقلال ، وهم من يعتمد الأيديولوجية الدينية السلفية الرجعية كمذهب عقائدي ، ثم الليبرالية التبعية الفوضوية المتوحشة اقتصاديا , التابعة للمعسكر الرأسمالي ، وهذا التوجه السياسي ، هو من سيبني الحزب الجديد إلى جانب خصومه ، وأعدائه في الأمس القريب من الفارين ، والمنشقين ، و الغاضبين من الحزب الشيوعي المغربي المتشبعين بالفكر الشيوعي المناهض للبرالية ، و للرجعية العقائدية ، و التابع للمعسكر الاشتراكي ، فكيف يمكن بذلك أن يتعايش و لمدة طويلة الاستقلاليون الذين تفور دمائهم بالسلفية الرجعية ، والشيوعيون المقتنعين بالتقدمية ، وبالتخلي عن المعتقد ، كيف يمكن لهاتين المنظومتين المتناقضتين ، المتحاربتين ، أن تتعايشا وتجمعا بين الأعضاء البرجوازيين من جهة ، والكادحين من جهة ثانية في حزب واحد إسمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ؟ متى كان المنطق يسمح بأن يلتقي الضحية و الجلاد في نفس المركب ، حتى اجتمع هؤلاء داخل هذا الحزب الجديد ؟ وبذلك يظل التناقض الذي عرفته الانطلاقة الأولى في المجال السياسي ، والحزبي بالمغرب منعكسا سلبيا على مستقبل السياسة المغربية ، ما قبل وما بعد نهاية الحماية الفرنسية ، والإسبانية ومغادرة آخر جيوشهما لأرض المغرب ، وتمتيع هذا الأخير باستقلال شكلي ، لا تنتهي صلاحيته إلا بنهاية الملكية ، وتنحيتها عن الحكم ، نظرا لسببها في تأخر المغرب على جميع الأصعدة ، إذ لايشغل بقائها سوى استمراريتها في الحكم ، حتى ولو تطلب الأمر التضحية بالبلاد ، و العباد ، مما يقسم الماضي السياسي المغربي القريب ، دون الخوض في البعيد المر ، إلى مراحل يتوجب الوقوف عندها وهم : مرحلة 1955 إلى 1960 التي تشكلت فيها الحكومة الأولى ، وتضم 21 وزيرا معدل سنهم 43 سنة تحكم عنصر الانتماء لحزب الاستقلال ، و الدفاع عن عرش الملكية في خلفية اختيار وزرائها ، الذين عملوا على إجهاض الثورة الريفية الأمازيغية بالشمال ، وانتفاضة القبائل الأمازيغية بالجنوب ، التي اندلعت سنة 1958 ، ثم القضاء على جيش التحرير ، وتجريده من السلاح ، إما عبر تصفية قادته ، و أعضاءه ، أو عبر دمجهم في قوة عسكرية تابعة للملكية ، فيما جاءت الحكومة التي غطت المرحلة الممتدة ما بين 1960 إلى 1972 ، التي ضمت 26 وزيرا معدل سنهم 46 سنة ، وعنصر اختيارهم لا يختلف عن العنصر المتحكم في اختيار الحكومة الأولى ، سوى بضم الحكومة الثانية لكبار الملاكين ، و التجار الميسورين ، مخافة الملكية من طموحات هذه الطبقة الإقطاعية ، التي قد تجعلها تضع العرش نصب عينيها ، حيث تتمكن من زعزعة عرش تلك الملكية الهش كعش العنكبوت ، و بالتالي سبقت الملكية لاحتضانها لتلك البرجوازية ، والعمل على مهادنتها ، حينها كانت تلك الأحزاب الثلاثة المتواجدة على الساحة السياسية تعمل في ما يسمى بالشرعية القانونية ، التي تجعلها منضبطة لما تمليه القوانين الموضوعة من قبل الملكية ، حيث لا يسمح لأحد أن يتجاوز الثلاثية المعروفة ، و المفروضة على الجميع ، وهي : ، الله ، الوطن ، الملك ، كخطوط حمراء ، يعاقب كل من تجاوزها ، وهي القيود التي قبلتها ، وعملت بها الأحزاب ، مما جعلها لا تتجاوب مع الطموحات و التطلعات الثورية للشباب ، و لبعض رموز جيش التحرير ، وهو ما جعل هذا الشباب يتطلع إلى بديل أفضل ، ناهيك عن وجود عوامل وطنية ، كطغيان الملكية وحزب الاستقلال معا ، ودولية كالتدخل الفرنسي لحماية الملكية بالمغرب ، وتجاذب العالم بين معسكرين متناحرين ، إضافة إلى هزيمة العرب في حربهم سنة 1967 مع إسرائيل ، ونكستهم التاريخية ، وبذلك كان الاختيار الثوري في نظر بعض المغاربة هو المخرج ، و السبيل الوحيد لبناء الدولة المغربية الديمقراطية ، الحديثة ، خاصة وأن النواة الأولى لهذا الاختيار قد تشكلت من داخل المعاهد ، و المدارس ، والجامعات ، فكان لابد من العمل الجدي ، والبحث عن مصادر الخبرة في المجال السياسي و العسكري ، ومن هذا الباب تم الاتصال ببعض زعماء الوطنيين الثوريين أمثال كل من : - محمد الفقيه البصري - المتواجد آنذاك بفرنسا ، و - محمد بن سعيد أيت ايدر- ، و - عبد السلام الجبلي - المتواجدين بالجزائر ، ومن تم انطلقت التداريب العسكرية والسياسية ، بكل من الجزائر وسوريا ، وهما الدولتين المحسوبتين على المعسكر الشرقي الاشتراكي التقدمي أنذاك ، فارتكزت بذلك النقاشات السياسية داخل المغرب ، وخارجه على الموضوع الإيديولوجي ، والسياسي ، وكيفية الوصول للجماهير الشعبية كقاعدة ثورية ، واعتبار الطبقة العمالية طليعة كل الفئات في التغيير الاجتماعي ، و السياسي ، و الاعتماد على الحركة الطلابية ، و العمل الثقافي و التربوي ، و الجمعوي ، في إطار وحدوي بين كل مكونات المجتمع ، بالرغم من اختلاف التقديرات السياسية ، و القناعات الثورية بين المنظمات السرية الثلاثة المتواجدة آنذاك وهم : - منظمة إلى الأمام - منظمة 23 مارس - منظمة لنخدم الشعب ، لكن قمع الملكية ، وعبيدها من الأحزاب الإصلاحية المسخرة ضد الشعب ، و التذبذب الإيديولوجي سيعمق الخلاف بين المنظمات الثلاثة ، و سيقوى جناح القصر و الأحزاب الإصلاحية ، و يجعلها تضغط على الشعب ليس بلغة وبلعبة العصا والجزرة ، بل بلغة العصا بدون جزرة ، لإن بعض المقاومين ، والمناضلين الإصلاحيين قد اختاروا العمل الشرعي ، و الانضباط للملكية ، محاولين امتصاص غضب الشعب بكل الوسائل ، وبشتى الطرق ، وهو ما عمق من الاستبداد ، و القمع ، والبيروقراطية ، وجعل الشعب يؤدي ضرائب مالية على الإنسان ، والحيوان ، وسياسية عبر الاعتقال ، والاختطاف ، و الاغتيال ، كلما انفجر الشارع عبر انتفاضة شعبية ما ، لرفض السياسة المتبعة من قبل الملكية ، وأحزابها الذيلية ، التي روجت حكايات ، وفبركت اساطير تظهر الملكية من خلالها ، كأنها المنقد الأول و الأخير لحياة الشعب المغربي ، ومن بين ما نفخ فيه الخونة ، كما تفعل ورثاتهم الأن ، هو اظهار الحسن الثاني كملك عصري ، متواضع ، وحداثي ، وقد صوره الإعلام في صورة ملك – بفتح اللام - وليس بملك – بكسر اللام – تناقلته تلك الأبواق الرسمية وهو من بين وسط العمال بطريق الوحدة الرابطة بين كل من مدينة فاس و- الحسيمة - عبر منطقة - تاركيست - تلتها الزيارات المختلفة ، والمتعددة لمختلف المناطق الحساسة بالمغرب ، لإظهاره كملك متواضع ، ولين مع الشعب ، وهي سياسة منحته الفرصة ، وزادته من الحظ للتحكم الجيد في السلطة ، حيث العصا لمن عصا ، ناهيك على أنه كرس خرافة انتمائه لسلالة الرسول محمد ، وهو الملك الذي تمكن بكل الوسائل غير المشروعة المعتمدة على القمع ، و الرشوة ، والإغراء ، وشراء الضمائر والذمم ، باحتواء أكبر فصائل المقاومة ، وجعلها تتبنى نهج الخيار الإصلاحي ، في نضالها بدلا من الخيار الثوري ، ومن جهة أخرى عمل على خلق أحزاب إدارية ، هدفها إضعاف الأحزاب المنبثقة عن المقاومين ، فيما يتم القضاء على أخر معاقل جيش التحرير إبان الزلزال المعروف بمنطقة – أكادير- ثم عمل على تكسير شوكة المناضلين الثوريين عبر الاختطاف ، و الاغتيال ، والاعتقال ، و المحاكمات ، بالمقابل يظهر نفسه كوطني بارع على باقي الوطنيين المغاربة في كل المناسبات ، والمحطات ، ومنها إعلانه قيام المسيرة الخضراء في اليوم السادس من شهر نونبر 1975التي كانت إجبارية على الأسر المغربية ، عكس ما روج لها على أنها تطوعية ، و التي لم تكن في الواقع سوى اختبار الملكية لنفسها ، و مدى تأثيرها ، وتحكمها في الشعب المغربي الذي ما فتئ في محطات سياسية عديدة يعبر عن رفضه ، للحكم الملكي المطلق ، البيروقراطي ، الاستبدادي و القمعي ، مدنيا عبر الانتفاضات الشعبية ، وعسكريا عبر الانقلابات العسكرية التي عرفتها الفترة الممتدة ما بين نهاية الستينات ، وبداية الثمانينات ،
فالمرحلة الثالثة من المراحل التي عرفها المغرب قد امتدت من 1972 إلى 1982، وهو تعيين حكومة تضم 39 وزيرا معدل سنهم 51 سنة ، والعنصر المعتمد في اختيارهم هو الانتماء للأحزاب الإصلاحية المعتدلة منها ، ومن عدة شخصيات ، وفعاليات حزبية وسياسية للإشراف على إجراء الانتخابات التشريعية لسنة 1983، فيلاحظ من خلال المراحل الثلاثة أنها مراحل مشكلة من 196 وزيرا تم فيها تعيين نسبة 3,6 في المائة من العينة المدروسة بعد سن الستين ، أي أن معدل السن للوزراء يرتفع لتصبح حكومة الشيوخ ، بعدما تحكم في ذلك معيار الانتماء لجيل محمد الخامس ، و خصوصا معيار الصداقة مع الملك ، و الولاء و الإخلاص للملكية بصفة عامة ، وبالخصوص معيار التوقيع على وثيقة الاستقلال ، فيما تم تجاهل ، و الالتفاف عن التمثيل الجغرافي ، والحزبي ، و النقابي ، فلم يقتصر عدم التوازن في اختيار الوزراء على المدن فقط ، بل هناك عدم التوازن حتى بين عدد السكان ونسبة الوزراء الممثلين لهم ، حيث أن منطقة الوسط تمثل أكبر نسبة سكانية ، ولم تمثل على الصعيد الحكومي إلا بنسبة 14,8 في المائة ، على عكس منطقة الوسط الشمالي التي تمثل على الصعيد الحكومي بنسبة 38،8 في المائة ، مع العلم أنها لا تمثل من الناحية السكانية إلا 11،7 في المائة وهذا التفوق لمنطقة الوسط الشمالي يعود إلى ما تحظى به فاس من أولوية لدى الملكية لما قدمه حزب الاستقلال ، و الفاسيون الذين هم خليط من اليهود و العروبيين من خدمات للقصر، وهو ما جعل فاس من دونها تحتل المرتبة الأولى في تعيين الوزراء الذين يطلق عليهم بوزراء السيادة فمن أصل 18 وزيرا تعاقبوا على الداخلية مند 1955 إلى 1992 فقد كان لفاس سبعة وزراء ، أما وزارة العدل فينحدر من فاس خلال نفس الفترة إحدى عشر وزيرا ، من أصل خمسة عشر ، أما وزارة الخارجية فلها سبعة وزراء من أصل ثمانية عشر ، ثم لها ثلاثة وزراء أولون من أصل عشرة ، وباستثناء وزيرين للدفاع المنحدرين من مدينة الخميسات ، وهذا ما يؤكد تهميش النخبة القروية ، والطبقة الشعبية ، والمناطق الأمازيغية بكل الجهات الأربعة للمغرب ، من قبل الملكية التي مارست ولا تزال تمارس الحكم القبلي ، لكونها منحدرة من القبيلة العلوية ، ولا تعطي الأولوية إلا لمن يخدمها ، ويناصرها ، و لما يسمى بالشرفاء أو اليهود والعرب ، دون الأمازيغ ، أصحاب الأرض والحق ، وليس الخونة منهم ، مما فتح المجال لكل أشكال التملق ، والتسيب ، والوصولية ، والانتهازية ، والعنصرية ، والمحسوبية والرشوة ، وكل أشكال الفساد على مختلف المجالات ، بل ساد الحكم الملكي المطلق ، ومنطقه الخاص و المزاجي في تسير شؤون المغرب بقبضة من حديد ، فيعفي الملك من يشاء ، وينصب من يشاء ، وهو القادر على كل شيء ، معتمدا في اختياره على الأصول العائلية ، والغنى ، لبناء بورجوازية متوحشة لا وطنية ، و لا ديمقراطية ، ولا اجتماعية ، همها الوحيد الحفاظ على مصالحها ، بالمزيد من النهب والفساد ، عن طريق بيعتها للملكية التي تستظل بها ، لممارسة جرائمها ضد الشعب الأعزل ، وهي السياسة المتبعة بالمغرب تحت الحكم العلوي ، الذي وجد في دعمه لهذه البرجوازية ، استمرار يته ، و استقراره ، وبقائه على كرسي العرش ، وهو الأمر الذي ضمن بالمقابل لتك العينة من البرجوازيين ، و الإقطاعيين المتوحشين العيش في الرخاء ، ويسر اقتصادي ، وسياسي ، ومما يزيد من التأكيد في هذه المسألة ، هو انحدار تسعة عشر من الوزراء المعينين خلال تلك المراحل من المزارعين ، والملاكين من الإقطاعيين الكبار ، ثم خمسة وثلاثون وزيرا من التجار الميسورين ، و خمسة عشر وزيرا من المهن المخزنية التي لها ارتباطات مشبوهة بالملكية ، وتسعة وثلاثون وزيرا من القضاة ، و الأساتذة ، والفقهاء المقربين للقصر، ثم سبعة عشر وزيرا من البشواة ، والقواد ، و المحتسبون ، أما المدرسة الوطنية للإدارة العمومية فلم تمثل إلا بوزيرين ، فيما مثلت الطبقات الشعبية بثلاثة وزراء خلال تسعة وثلاثون سنة ، فإذا كانت هذه المنافذ الظاهرة هي الطريق لتولي منصب وزير تحت الحكم الملكي الاستبدادي المطلق ، فإن المنافذ الخافية هي القرابة بين الوزراء ، و الانتماء لتحالفات عائلية معينة ، و الفوز بعلاقات مصاهرة مع عائلات مرموقة ، و نسج علاقات مع سماسرة الملكية ، وشراء الضمائر و الذمم ، والخنوع والركوع ، والسجود ، و التسبيح بحمد الملكية ، وكذا التوفر على علاقات مهمة ، لاستقطاب ، و تشجيع بعض الوزراء غير المنتمين سياسيا ، أو المستقلين من بعض الأحزاب التي تراها الملكية وكأنها مشاغبة ، كي يعاقب هذا النوع من الأحزاب الإصلاحية المشاغبة ، التي ستراجع شعاراتها الإصلاحية المستفزة للملكية ، بعدم منحها الفرصة لتولي مناصب حكومية ، و بالتالي تخوف المنتمين من الوصوليين و الانتهازيين لها ، باقناعهم بعدم اعتبارتلك الأحزاب المشاغبة كمنفذ رئيسي للاستوزار ، و بالتالي يتوجب عليهم تركها ، لتظل ضعيفة ، خواية الوفاض ، و لا ثقل لها ، كما يعفى بعض الوزراء من مهامهم دون الحكومة كلها ، فيما يعود بعضهم ليشغل منصبا وزاريا أخر ، أو يعين في منصب سامي ، حسب مزاج الملك ، أو يعود إلى البرلمان كمؤسسة صورية ، مزورة لا تمثل الشعب ، ولا علاقة لها بالوطنية ، و لا بالديمقراطية ، و لا بالشأن الشعبي الاجتماعي ، و السؤال الذي يطرح نفسه دائما على الباحثين ، والمهتمين بالمهزلة السياسية المغربية هو : كيف عجز المغاربة عن خروجهم ولعقود من الزمن من المأزقو المستنقع الذي وضعتهم فيه تلك الملكية ؟ إن تحكم الأحزاب بمختلف توجهاتها في وسائل الإعلام ، هو الذي كرس التعتيم ، ومارس التضليل ، مكسرا جسر التواصل بين الرأي الحر والنزيه الذي يعبر عليه السواد الأعظم من أبناء الشعب ، أفرادا وجماعات ، فتغيرت المفاهيم عبر تلك الأحزاب التبعية للملكية وإعلامها التابعي ، و المسخر، فصار المناضل انتهازيا ، والانتهازي مناضلا ، و الخائن مقاوما ، والمقاوم خائنا ، والوطني لا وطنيا ، و أللا وطني وطنيا ، والحق باطلا ، والباطل حقا ، و الظلم عدلا ، والعدل ظلما ... فأصبحت الأحزاب وإعلامها مجرد قنوات لتمرير المغالطات ، و نشر الأكاذيب ، خدمة للملكية ، التي تجازيها بالمبالغ المالية الباهظة التي ترصد لها من ميزانية الشعب تحت ذريعة الدعم المالي للأحزاب ، وللإعلام مما فوت على الشعب التواق إلى التغيير فرصة تحقيق التواصل بين الوطنيين المخلصين والشباب الثوري الهادف لإحقاق الحق ، وإزهاق الباطل ، وفرض المساواة والديمقراطية ، لكن للأسف كانت السياسة القمعية ، وأسلوب الملكية في إدارة الحكم ، هو الحاسم ، خاصة بعد استدراجها للأحزاب ، و التحكم من بعيد في تنصيب قيادتها ، وتوجيه قراراتها ، وتحويلها إلى أحزاب سلبية تطبق في وجه الشعب الغاضب مقولة " أكلمك يا بنيتي وأسمعك يا جارتي " وهي المقولة التي سقط فيها حتى الإعلام السمعي ، والبصري ، والمقروء بالمغرب ، الذي خان الأمانة ، منحرفا عن الرسالة النبيلة التي خلق هذا الحقل من أجلها ، في إنارة الطريق ، وفضح المتلاعبين بمستقبل الوطن ، والمواطنين ... كما أن الغموض و التذبذب الإيديولوجي ، و التناقض السياسي المشار إليه سابقا ، والذي ولد داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، هو نفس التناقض و التذبذب ، الذي واكب المسار الحزبي المغربي برمته ، وهو السرطان الذي لم تتم معالجته مند ظهوره منذ البداية ، وبالتالي قد تحول إلى الجسم السياسي المغربي ، لكونه السبب في الانشقاقات المتتالية التي تفجر كيان كل حزب ، كلما توقف للحسم في قضية معينة ، أو فرض عليه إعطاء موقف واضح في مسألة معينة ، فيكون ذلك بمثابة النقطة التي تفيض الكأس الحزبي ، حيث يحضر في حينه عدم ذلك التجانس الإيديولوجي ، والسياسي ، والفكري ، و الأخلاقي ، و الثقافي ، و الإثني ، واللغوي ، الذي لم يحسم أمره مند بداية تأسيس الحزب ، الذي اعتبر في حينه مجرد إختلاف ، وتعدد هامشي ، ولم يسيطر على هم المؤسسين سوى مواصلة عملية الاستقطاب في صفوف الجماهير ، للحصول على كم بشري مؤثر إلى حد ما ، وهو ما يظل كقنابل موقوتة تنتظر وقت الانفجار، وقد تنفجر عندما تسود الأنانية ، ويغيب العقل ، وتوزع الاتهامات ، خاصة و أن المغاربة السياسيين منهم من لا تربطه رابطة أية روابط أخلاقيةو لا التربية على التواضع ، والتنازل من أجل المصلحة العامة ، و الحوار الجاد ، والتواصل مع الجماهير ،عبر السمع ، و الاستماع للرأي ، و الرأي الأخر، وعلى التفوه بالحقيقة مهما كان ثمنها ، وعلى النقد ، والنقد الذاتي ، الذي هو العمود الفقري لأية سياسة ناجحة ، إضافة إلى أن رغبة الحزب في جمع كم هائل من الأعضاء بدون قناعة ثورية قد يفتح الباب أمام اختراق جواسيس السلطة ، و الملكية لذلك الحزب ، وهم من يعمل في الأخير على تضخيم الصراع من داخله بغية تفجيره ، و تقزيمه ، و إعطاء بذلك مدلول سيئ للسياسة ، وجعل الجماهير تعزف عن ممارستها ، وعدم ثقتها في السياسيين حتى وإن كانوا مخلصين لها ، وهي النتيجة التي يعيشها المغاربة حاليا .
و الغريب في السياسة المغربية هو أن المنظمات الثورية الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها ، كونها يسارية جاهلة ، وغافلة لمسألة الحسم في توجهها السياسي ، والإيديولوجي ، والثقافي واللغوي مند بداية عملها السري ، و كأنها غير واعية بأهمية الحسم في هذه الجوانب الأساسية ، وذلك لتتجنب السقوط في نفس تجربة الأحزاب السابقة ، وتعيد إنتاج نفس الممارسات المسيئة للعمل السياسي ، وهو ما أنتج كل من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، المنشق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ثم حزب التقدم والاشتراكية ، الذي أفرزه الحزب الشيوعي المغربي ، ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، التي خرجت للعمل الشرعي بعدما كان أغلب مناضليها ينتمون لمنظمة 23 مارس السرية ، إلى جانب حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المعروفين برفاق الشهداء ، المنسحبين كلجنة إدارية من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وكلها أحزاب وتوجهات متصارعة فيما بينها تارة ، ومتوحدة تارة أخرى ، وكل حزب منها يعتقد أنه الوحيد القادر على التغير ، والتأثير في الشارع عبر استقطابه للجماهير ، وهيمنته على النقابات العمالية ، والطلابية ، وعلى الجمعيات النسائية ، والحقوقية ، والطفولة ، لكن ذلك مجرد ماكياج ، ومساحيق ظاهرية ، أما الباطن منها فهو الحصول على أكبر عدد ممكن من الكراسي داخل المؤسسات التي تعتبر في نهايتها مجرد رقعة ملكية للشطرنج ، و الهدف من اتقان تلك اللعبة هو تحسين وضع الحزب ، والوضعية المادية للمتحكمين فيه ، من قيادات ، تم تنصيبها برضا وعطف الملكية ، التي تتدخل في كل شيء ، وعندما يصل الصراع بين المصالح الذاتية للقياديين إلى وضع مقلق ، فإنه سرعان ما تنفجر التناقضات المسكوت عنها ، والتي همشت في بداية تأسيس الحزب ، وهو التناقض العقائدي ، والأيديولوجي ، والعرقي ، والطبقي ، و المهني ، و الإثني ...إلخ ، و هي المسائل التي تم وأن وصفتها بالقنابل الموقوتة التي تنتظر الانفجار في أية لحظة ، سواء من قبل الجواسيس المندسين داخل الحزب ، أو من قبل الوصوليين ، الانتهازيين ، والأنانيين من الأعضاء المهروليين للسيطرة على القيادة و التحكم في القاعدة ، وهو ما يفرخ خلال كل عقد من الزمان أحزابا ، لا تعد ولا تحصى ، فشاء التناقض المشار إليه أن يولد كل حزب من رحم الأخر ، حيث خرج حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي من رحم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحزب الجبهة الديمقراطية من رحم حزب التقدم والاشتراكية ، ثم الحزب الاشتراكي الديمقراطي من رحم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، وما إلى ذلك من أحزاب قد يجهل المتتبع للمسيرة الحزبية المحسوبة على اليسار المغربي ، أما اليمين فلا يمكنني الإشارة إليه ولو بجرة قلم ، لأن الغيور الصادق عن الوضع السياسي ، وعن الشعب المغربي قد لا يكرس قلمه ووقته ، ومعلوماته عن أحزاب إدارية يمينية صنعتها الملكية بطريقة مباشرة ، بل قد يجند نفسه لانتقاد الأحزاب الإصلاحية التي خلقتها الجماهير ، وفي الأخير احتوتها الملكية ، التي تغتصب كل شيء ، أما العدد الحزبي الحالي بالمغرب فقد يتراوح خمسة وثلاثون حزبا متصارعين فيما بينهم ،حول رقعة الشطرنج للتلاعب إلى جانب الملكية بمصير حوالي ثلاثين مليون مغربي ، وهو ما يسيء للسياسة الحزبية بالمغرب ، ويعطل تقدمه ، وانعتاقه ، إن التعددية الحزبية المسيئة للعمل السياسي الجاد ، كانت بوادرها بارزة ، ومعالمها واضحة مند هيمنة الغموض الإيديولوجي ، و غياب الوضوح السياسي ، والهدف المحدد من تأسيس حزب معين ، وهو ما تسبح فيه كل مكونات الحركة الإصلاحية ، فبالرغم من الشعارات الإصلاحية التي رفعتها تلك الأحزاب قبل حصولها على الشرعية القانونية ، والسماح لها لولوج العمل السياسي ، فإنها ظلت تناضل ، وتتحرك داخل هامش مرسوم لها من قبل الملكية ، وأعوانها المقربين ، وهو التعبير عن آراء محددة من داخل المؤسسات الصورية - كالبرلمان - ، وبطرق وأساليب محددة ، كمعارضتها للمشروع الحكومي ، بقولها - لا - أو – نعم - أو عدم مشاركتها في التصويت ، دون أن تتمكن في ظل القيود التي التزمت بها في إطار ما يسمى بالشرعية القانونية لممارسة لعبة السياسية ، أن تخالف عقدها مع الملكية ، وتنادي مثلا بذلك الجماهير للنزول إلى الشارع ، لحماية حقوقهم ومصالحهم ، لكون ذلك يتناقض مع السلم الاجتماعي ، الذي يوقع عليه إي حزب في بداية تأسيسه ، أو أن تنسحب من البرلمان ، لتعطيل العملية السياسية برمتها ، أو الاستقالة من المناصب السياسية التي تحتلها بالمؤسسات المصنوعة ، والمعينة ، من قبل الملكية المطلقة المستبدة ، ل، ذلك قد يعرضها للخطر ، و يجعلها متجاوزة لما صادقت عليه قبل التأسيس ، وهو ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي ، ما يجعل هذه الأحزاب تفضل أن تمارس التعتيم ، والأكاذيب على الجماهير ، وتجد تخريجات لتقديم تبريرات واهية للشعب بكونها تناضل من أجل تغيير دواليب الحكم من الداخل ، وهو ما يجعل المرء يتساءل : هل سيموت المغرب إذا ظل بدون أحزاب ؟ من يضغط على تلك الأحزاب لقبول اللعبة السياسة ، والتعامل بها حسب رغبة الملكية ، كي لا ينسحبوا من العمل السياسي إن كانوا صادقين فعلا ، وإحداث فراغ للملكية وأعوانها ؟ أم أن المصالح الذاتية ، و الشخصية ، و العائلية ، هي الضاغطة لقبول فصول تلك اللعبة ، بعيدا عن رغبة أغلبية الجماهير الرافضة للعمل السياسي تحت النظام الملكي الاستبدادي المطلق ؟ كيف لتلك الأحزاب ياترى أن تحقق الإصلاح المنشود ، في ظل سلطة متخلفة ، فرضت استمراريتها عبر العنف و المجازر ، و التخطيط بالليل و النهار ، لخلق خريطة سياسية تخدم مصالح الملكية ، و إقصائها للجماهير الشعبية ، وعرقلتها لأية قفزة نوعية ، تهدف لتطوير المجتمع ، لأنها تعلم علم اليقين أن تطور المغاربة ، وتحررهم قد يضرب مصالح الملكية ؟؟ وتجنبا لحدوث ذلك عملت الملكية ، وأعوانها ، لتوريط الحركة الحزبية الإصلاحية في خطتها المسمومة ، واستدراجها لتسخيرها كوسيط لإجهاض تقدم المغاربة ، ولذلك تتحمل المسؤولية فيما وصل إليها المغرب ، من دمار تحت الحكم الملكي المطلق ، ومن تزوير للحقائق ، وإخفاء للملفات ، وتشويه لتاريخ الزعماء ، من الوطنيين الحقيقيين ، و التستر عن جرائم الملكية في كل المجالات ، و الدعاية المغرضة لصناعة الأبطال بدون بطولات ، وما إلى ذلك من تحريف ، وتزوير للإرادة الشعبية في التغيير ،و التقدم ، والحداثة الفعلية ، ومواكبة العصر ... إن الحركة الإصلاحية ، و اليسار القديم ، قد أدركا أن الظروف الذاتية ، والموضوعية ، تتبدل ، بتبدل المتغيرات الدولية ، والعالمية ، فلم يكن مقبولا لديها إذن أن تحجب الشمس بالغربال ، و تخفي الواقع المغربي ، خاصة بعد انتفاضة الشعب المغربي بمختلف ربوع الوطن يوم 14 دجنبر 1990 فعملت على إثر ذلك على تأسيس إطار سياسي تشاوري أطلقت عليه اسم - الكتلة الديمقراطية - وهو عبارة عن تجمع قيادي حزبي ، ليس بعيدا كل البعد عن الجماهير الشعبية فقط ، بل هو إطار بعيد حتى عن القواعد التابعة لتلك الأحزاب نفسها ، وهي كتلة تجمع نفس الوجوه ، والشخصيات من المنشقين في الماضي بعضهم عن البعض ، سواء عن الحزب الشيوعي المغربي ، أو عن حزب الاستقلال... وبعد نصف قرن شاءت الظروف السياسية أن تجمع بينهم من جديد ، وهو ما يؤكد عن فشل اختياراتهم السابقة في الانشقاق البعض عن الأخر ، وكون وحدتهم هو الحل الوحيد لإعادة الاعتبار للشعب في التصدي للملكية الاستبدادية المطلقة ، لكن الأحزاب ليست مع هذا الطرح الجماهيري ، ولم يكن لقائها داخل إطار الكتلة إلا عندما شعرت بتجاوز الملكية لها كأحزاب إصلاحية ، وتلك الكتلة مشكلة من : حزب الاستقلال ، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحزب التقدم و الاشتراكية ، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، وهي كتلة سياسية إصلاحية ، اعتمدت في عملها أسلوب المذكرات المطلبية الموجهة للملكية ، عبر مستشاريها ، و التي تركز على ضرورة القيام بإصلاحات سياسية ، بدءا بتعديل الدستور ، وضمان نزاهة الانتخابات ، ثم النظر في الملفات الاجتماعية ، والاقتصادية ، مما دفع بالملك الحسن الثاني أن يتحدى الجميع كعادته ، لكونه ملكا مسلطا حديديا ، لا يعترف بأحد سوى بالقوة ، والجبروت ، خاصة وأنه مدعم من قبل كل من إسرائيل ، وأمريكا ، و اليمين الفرنسي الحاكم ، ولكونه أيضا العضو المتحرك مع المخابرات الأمريكية على مختلف الأصعدة ، حسب ما ذكرته مختلف الجرائد العالمية ، كجريدة عرب تايمز الصادرة من أمريكا ، وبتلك القوة التي اكتسبها من الإمبريالية العالمية الضاغطة على العالم ، جعلته يعتبر الشعب المغربي مجرد قطيع من الغنم ، وهو من يردد في خطاباته دائما مصطلحي الراعي و الراعية ، إذ أن المغاربة من مفهوم الملك مجرد رعايا وعبيد ، ولا يستحقون التمتع بالمواطنة ، لمناداتهم بالمواطنين ، وهو الذي يعرف ما يحمله هذا النعت من حقوق ، وواجبات ، وبذلك تحدى كل من الشعب ، و القوى السياسية بمختلف توجهاتها ، ومواقفها ، بمنحه كعادته دستور سنة 1992 قصد التصويت عليه بنعم ، مع عدم السماح ، أو التساهل مع كل من يروج - لا - وذلك بمنع كل التجمعات ، والتظاهرات ، واللقاءات ، وتم إطلاق العنان ، وإعطاء الأمر للشرطة السرية ، والعلنية ، ولكل أجهزة المخابرات بمختلف أنواعها ، وللدرك الملكي ، وللشيوخ ، والمقدمين ، والعريفات ، وللسماسرة لممارسة الضغط ، عبر التهديد والوعيد ، و الانتقام ، من كل من لا يتجه لصناديق الاقتراع ليصوت بنعم ، وذلك لإظهار الملك للعالم أن الشعب المغربي قد صوت بأغلبية 99،99 في المائة على الدستور الممنوح ، لكن الغريب في المسألة ، و الأمر الذي لم يثره أحد في التصويت على الدساتير الملكية الممنوحة هو : لماذا التصويت أصلا لهدر المال العام في الأوراق ، والمطابع , الإشهار...إلخ مادام الملك يفرض – نعم - بنسبة خيالية عبر وزارة الداخلية ، التي قد لا تحصي حتى الأصوات أصلا ، بل تكتفي بإعطاء النتيجة التي تريدها لإرضاء الملك ، وتنفيذ أوامره ، التي لا تناقش ، و لا تعارض ، و لا يبدي أحد حوله رأيا ما ؟ كيف ُيطلب من المغاربة التصويت على دستور ، في مسرحية ُتلعب فصولها بإدارات ، ومؤسسات الملكية ، في غياب الطرف المعارض ، الذي بإمكانه السهر على العملية منذ بدايتها ، وذلك للدفاع عن رفضه بإحصائه الأصوات المعبرة عن – لا – أو المقاطعة لذلك التصويت من أصله ؟ وهذا ما لا يتم في الاستفتاءات التي عرفها المغرب ، وتظل الأحزاب الإصلاحية المكونة للكتلة متفرجة عن فصول المسرحية ، معبرة بين حين وأخر عن عدم مشاركتها فيها ، باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي دافع عن الدستور الممنوح ، داعيا عبر إعلامه المسخر أعضاءه للتصويت عليه بنعم ، وهي الصفقة السياسية التي عقدها الحزب مع الملكية ، مكنته على إثرها من الحصول على إحدى عشر عضوا بمجلس النواب ، وتمكن بذلك من تكوين فريق نيابي له لأول مرة في تاريخه ، بعدما كان الحزب لا يتجاوز عضوا واحدا بنفس المجلس الممثل بأمينه العام المدعو الرفيق - علي يعتة - و لعقود من الزمن ، وهو الأسلوب المعمول به من قبل الملكية بالمغرب ، حيث تجزي من تريد ، وتعاقب من تريد ، بكل الوسائل ، واعتمادها منح الرشاوى للأحزاب وللجمعيات الدولية ، والمغربية ، وللأشخاص لشراء ، مواقفهم وآرائهم في أية قضية ، وهذا ما يزيد من تحدي الملك للشعب ، حيث مرر دستوره الممنوح بنسبة خيالية لا يتقبلها العقل الحيواني ، فما بالك إذن بالعقل البشري ؟ ، مسخرا لذلك الجنود ، والدرك ، والأمن ، وكل الأجهزة القمعية ، للمشاركة في التصويت على ذلك الدستور بلغة الأوامر ، والطاعة العمياء ، إذ لا يحق لهؤلاء ذكر كلمة – لا - على ألسنتهم ، مع العلم أن هذا الجهاز القمعي لا ُيسمح له بالتصويت ، والمشاركة في الانتخابات البرلمانية ، والبلدية والقروية ، وهي مفارقة عجيبة حيث يقومون بعملية الإنزال كالجراد لتمرير الدستور الممنوح ، عبر تصويتهم عليه بنعم ، و في نفس الوقت لا يحق لهم الإدلاء برأيهم في الانتخابات الأخرى ، حتى وإن كان ذلك الرأي ، والصوت مزورا ؟؟؟ وبهذه الأساليب الديكتاتورية ، تحدى الملك الشعب المغربي بمختلف مكوناته الحرة ، والتواقة للتغيير ، وعمل على تزوير الانتخابات ، و إنشاء الغرفة الثانية ، التي يتجلى دورها في عرقلة مشاريع الغرفة الأولى ، كما عمل على تجميد تحركات الكتلة ، عبر التعديل الدستوري ، الذي عرفته سنة 1996 ، حيث وقعت الأحزاب المكونة لتلك الكتلة ، للملك شيكا على بياض ، بحجة استعادة الثقة بين الطرفين ، فصوتت بذلك على ذلك التعديل الدستوري ، وعبرت بنعم ، باستثناء مكون من مكونات تلك الكتلة ، الذي هو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، التي اكتفت بموقفها المحتشم المعبر عن عدم المشاركة ، وتتجلى حشمتها في مشاركتها في الانتخابات الموالية لسنة 1997 ، وقد استطاع الملك ، و أعوانه ، قلب أوراق اللعبة ، حيث أعطى توجيهاته السامية في اجتماعات القصر السرية على جزاء أحزاب الكتلة عن موقفها الإيجابي ، الذي كان ينتظره منهم عبر ذلك التعديل للدستور ، وحصل بذلك أن زورت الانتخابات لصالح تلك الأحزاب الثلاثة : حزب الاستقلال ، و حزب التقدم و الاشتراكية ، والاتحاد الاشتراكي ...
لقد اعتقد قيادي تلك الأحزاب أن جزاء الملك لهم بذلك التزوير ، هو بداية منه لإحياء العمل معهم ، بعدما فقد فيهم الثقة ، ولوقت طويل ، وقد يمد لهم يد الصلح لتصفيف أوراق اللعب معهم من جديد ، لكن ثقتهم العمياء في الملك ، جعله يصفعهم صفعة قوية بمنطق السياسي الذي ُيقبل خصمه باليد اليمنى ، حاملا للمسدس باليد اليسرى ، عندما استدرجهم بعدما اخبره الأطباء بكون الموت يطارده ، وقد يلحق به في زمن قصير ، لن يحسب له حسابا ، ولكونه لابد من خدع المغاربة جميعا ، وجر الأحزاب بكل منطلقاتها لتقديم البيعة لولي العهد بعد موته ، فقد عمل على تنصيب زعيم من زعماء الكتلة المدعو - عبد الرحمان اليوسفي - كوزير أول ، وهي الضربة القاضية للأحزاب التي أنشأت تلك الكتلة ، وهي الضربة القاضية كذلك للشعب المغربي ، الذي كان يعلق أماله على مكونات تلك الكتلة ، وفي نفس الوقت كانت العملية التي أظهرت النوايا الخبيثة لتلك الأحزاب الإصلاحية ، التي ُتنسب نفسها للجماهير ، وتم بذلك الكشف عن تخاذلهم للشعب ، الذي فقد فيهم الأمل ، والأمانة ، والثقة إلى وقت لا رجعة فيه ، وهو ما جعل نصف الشعب ينتقم منهم ومن نفسه بمساندته للإسلاميين ، بدعم أحزابهم ومنظماتهم ، وجمعياتهم ، بالرغم من عدم قبوله ، و رضاه عن برامجهم ، ومواقفهم ، وخطهم الرجعي ، والإيديولوجي ، فيما مارس النصف الأخر من الشعب عزوفه عن أي عمل سياسي بالمغرب ، وظل بعيدا عن المسرحية السياسية الدائرة أطوارها بين الأحزاب ، و الملك ، ولم يمس الشعب وحده من هذا المسلسل ، و المسرحية الخبيثة ، بل حصل وأن انتقلت عدواها إلى داخل الأحزاب نفسها الإدارية منها ، و الإصلاحية ، حيث برزت من داخل هذه الأخيرة ثلاثة توجهات متشنجة فيما بين بعضها البعض وهم :
1 التوجه الإصلاحي الذي يدافع عن المشاركة في الحكومة لكسب التجربة ، عوض الانتقاد من بعيد ، مع العمل على الإصلاح من الداخل...
2 التوجه الإصلاحي الذي يرى أنه بدون إصلاح للنظام السياسي ، عبر التعديل الدستوري والفصل بين المؤسسات ، وإطلاق الحريات ، لا يمكن لجهاز تنفيذي أن يحقق مكتسبات معينة ، لأنه لا يتوفر على صلاحيات حقيقة ، بالإضافة إلى عدم توفر شروط النزاهة ، والمصداقية حتى يتم بذلك إنجاح ما سمي بالتناوب ، الذي روج له الإعلام السمعي ، والمرئي ، و المقروء...
3 التوجه الثالث الذي يريد الاحتفاظ عن ماء وجهه أمام الجماهير ، وصار بذلك تائها بعدما احتد الصراع ، وتم تشتيت كل الأحزاب ، وصنع أخرى جديدة ...
لقد انتصر الملك كعادته في تجميد الكتلة ومطالبها الإصلاحية ، كما تمكن من رسم خريطة سياسية ، تخدم مصالحه بالدرجة الأولى ، من خلال تزويره للانتخابات ، ثم نزعه للتعهد ، والعهد من قبل الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعين كوزير أول ، لتغيير العجلة السياسية المغربية المعطوبة ، و لضمان استمرارية الملكية عبر مبايعة ولي عهده ملكا في حالة موته المباغت في أية لحظة ، الذي صار يقترب على الأبواب ، لإصابته بمرض ظل سره حابس جدران القصر ، إلى الوقت الحالي ، فتم بذلك الإعلان عن حكومة الكتلة الإصلاحية ليوم واحد مارس 1998 رغم تزيف الانتخابات ، و الإرادة الشعبية ، التي اعترف بها الجميع ، وتشكلت بذلك حكومة اليوسفي الأولى من سبعة أحزاب ، حتى من التي كان يعتبرها إلى وقت قريب حزب الوزير الأول الاشتراكي المعين ، بالأحزاب الإدارية ، التي لا يجب التعامل معها تحت أي ضغط ، بكونها المسؤولة إلى جانب الملك عن فساد العمل السياسي ، و المجال الاقتصادي ، و الاجتماعي ، و الأخلاقي ، والإداري ، متحالفين جميعا مع بدعة سياسية لا توجد بالعالم أجمع ، وهي ما يسمى بوزارات السيادة ، وهي وزارات معينة ، ولا تخضع لسلطة الوزير الأول ، و لا تنبثق عن المجالس ، ولا تخضع لمسائلة أحد سوى الملك ، ووضعها لا يلتقي لا مع منطق الأغلبية ، و لا مع منطق الأقلية ، ثم اللعب من داخل مؤسسات مزورة ، والحكم بدستور ممنوح ، لا يعطي السلط الكافية للجهاز التنفيذي ، حتى يتمكن من رسم سياسة البلاد ، ويعمل على تنفيذها ، ليكون بذلك مسؤولا أمام الشعب ، فكان أن سقط الملك مع حكومة الأحزاب الإصلاحية في مسرحية سياسية قد يطلق عليها " الرقصة بين الأعمى و الأعرج "
ولا أدري كيف غاب على عقل السياسيين المغاربة ما لم يغب على الشعب ، إذ أن الجميع مقتنعا أنه من الناحية الأدبية ، والأخلاقية ، لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي ، والتناوب الحقيقي ، و الحريات ، وغيرها ، من انتخابات نزيهة في ظل الملكية الاستبدادية القمعية ، التي تضغط بكل السبل لتعين حكومات مختلطة ، لا تسمح تشكيلتها المتناقضة سياسيا ، و إيديولوجيا بوضع برنامج متفق عليه ، و أهدافا واضحة ، مما جعل الاشتراكيون المتورطون في الحكومة المعينة بأسلوب ملكي احتقاري ، واستبدادي ، يروجون لمشاريع بتبريرات واهية ، ليبرالية ، أكثر توحشا من اللبرالية المعتادة لدى ما يسمى بالأحزاب الإدارية المصنوعة بطرق مباشرة من قبل الملك ، وحاشيته لممارسة اللعبة السياسية ، مع الأحزاب الإصلاحية المصطنعة كذلك من قبل القصر بطرق غير مباشرة ، لكن الفارق الوحيد هو أن البعض من تلك الأحزاب يحسب نفسه عن اليمين ، فيما يحسب الأخرون أنفسهم غعن اليسار ، وبالتالي لا يرجى منهما معا شيء لتحقيقه للشعب ، وتلك هي خطة القصر ، حتى تظل الوضعية على ما هي عليه ، حفاظا على مصالحه ، وضمان استقراره ، وبقائه على العرش ، رغما عن أنف المغاربة ، من الرافضين للملكية الاستبدادية ، المسلطة ، و القمعية ، التي تظل الوحيدة المتحكمة في تسير كل شيء بدون منازع ، و التخطيط لكل شيء ، مثل ما يسمى بالتناوب ، ومنحها الدساتير ، وتقسيمها للخريطة السياسية ، عبر تزوير الانتخابات ، التي عرفها المغرب مند مغادرة الحماية الفرنسية ، والإسبانية ، اللتان كرستا الحكم الملكي بالمغرب ، وبما أن الأحزاب الإصلاحية قد تورطت في مشاركتها في الحكومة الاشتراكية المعينة ، وعجزت بذلك عن قيامها بأي شيء لصالح الشعب ، فإنها نهجت سياسة المكر ، و الخداع بادعائها ، وتحميلها المسؤولية لوجود ما تسميه بجيوب مقاومة التغيير من داخل الهيكل الحكومي ، و عرقلته للمشاريع التنموية ، ودفاعه فقط عن حماية مصالح اللوبي ، الذي لا يزال يسيطر على دواليب السلطة و الاقتصاد ... متغافلين ، ومتجاهلين بذلك عيوبه م كمحسوبين عن الاشتراكيين ، ممن يعرف حق المعرفة أنه لا الشروط السياسية ، ولا الدستورية ، ولا القانونية ، متوفرة لأن تكون هناك حكومة قد يمكن أن نسميها حكومة التناوب ، التي لم تأتي في إطار مد جماهيري ، ونقابي ، و حزبي ، كدعامة لنجاحها ، ومنحها الدعم والمساندة ، مع مراقبتها ومحاسبتها ، من قبل نفس الجماهير في حالة خطئها ، لكن الملك شعر من خلال وضعه الصحي المتدهور ، و الخطير بضرورة تغيير العرش من ملك على وشك الموت ، إلى ملك شاب ، بإمكانه ضمان استمرارية الملكية ، ومن تم تعددت الخرافات ، وتنوعت الأساطير ، استعدادا لتقبل الشعب للملك الجديد ، حيث تجنذت المخابرات وأعوانها ، من أحزاب ، وجمعيات ، ومنظمات ، وإعلام ، لترويج إشاعات مختلفة ، كوجود اختلاف مند القدم بين الملك ، وابنه الأمير، وإظهار هذا الأخير وكأنه على صواب في ذلك الخلاف بميله للشعب أكثر من أبيه ، ثم كونه يتحرك بسيارة عادية بدون حراس ، ويحترم إشارة المرور كباقي السائقين ، ويحيي الناس بتواضع ، ويعانق المعاقين ، والمعطوبين ، وذوي العاهات ، ويحب الفقراء حتى وصفه الخونة بملك الفقراء وهي نفس السياسة المتبعة عبر الحكم العلوي ، المعتمدة على سياسة الأساطير ، والأكاذيب ، والمراوغات ، والنفاق ، لاستغلال النوايا الحسنة للشعب المغربي النبيل ، أما العقلاء فيعرفون حق المعرفة مدى خطورة الملكية على المغرب ، و المغاربة ، وما تسديه للمغرب من انهيار أخلاقي ، واقتصادي ، وسياسي ، وتحميلها ديون ا لتتمتع الملكية في الرخاء ، والبذخ ، على حساب الشعب المغلوب على أمره ، إن الغريب في الأمر هو أن الأحزاب المغربية الإصلاحية منها على الخصوص ، تمارس النفاق ، والمكر ، والخداع المغلف بالسياسة ، دون أن تعتبر الذاكرة الشعبية التي تسجل كل شيء ، وقد لن يترحم أحد حتى على هؤلاء عندما تنتهي أعمرهم ويوارون في التراب ، لأن تلك الأحزاب كانت ومنذ الحماية ، تقف في صف الملكية الديكتاتورية المسلطة ، و لا تعير أي اهتمام للشعب ، وصولا حتى أخر حكومة للاشتراكيين تحت رآسة الوزير الأول الخائن ، عبد الرحمان اليوسفي ، التي عملت على تمرير انتقال كرسي العرش من ملك ميت ، إلى ابنه عن طريق مبايعته بأمن ، و سلام ، وتسترها على ما كانت تنتقده قبل تحملها المسؤولية الحكومية ، و هو ما كانت تنعته باقتصاد الامتيازات ، وبوجود لوبي لا وطني ، مستغل للثروة الوطنية ، وللمال العام ، وقد استسلمت للوضعية التي كانت تنتقدها من قبل ، بل طعنت الشعب من الخلف بسكين الغدر ، الشعب الذي كان يعلق عليها أمله في التغيير، بقبولها المفاجئ لحقائب وزارية ممنوحة لها من قبل الملك ، مكتفية بملأ تلك المقاعد الوزارية دون التحكم في ما كانت تسميه بجيوب مقاومة الإصلاح ، و التغيير ، فلم يكن لوزرائها بذلك أدنى تأثير عن العمال المسيرين لشؤون العمالات ، ولا عن الولاة ، والقواد التابعين لوزارة الداخلية ، التي تدخل فيما اصطلح عليه بوزارة السيادة ، فتركت بذلك حكومة الاشتراكيين " الفاجعة " الخونة يتاجرون بثروات الوطن والشعب ، ووضع المغرب في المزاد العلني أمام باقي دول العالم ، وتم إعطاء الأوامر التي لا ترفض من قبل الملك للوزير الأول الاشتراكي المعارض بين قوسين ، للتجوال ، والترحال ، عبر العالم لمسح ما كانت ترسمه نفس المعارضة قديما من صورة سيئة عن مغرب الملك الطاغي ، والعمل على إعادة تحسين تلك الصورة من قبل المعارضة قديما نفسها ، وهو ما يظهر سذاجة تلك المعارضة التي صارت ُتكذب بممارستها تلك كل ما كانت تقوله في السابق لدول العالم حول ديكتاتورية الملكية ، وهو الأمر الذي يعطي نوعا من القوة ، و الفوز لتلك الملكية ، فيما يعطي الضعف ، و الفشل ، لما كان يسمى بالاشتراكيين ، أو الشيوعيين المعارضين في نظر كل المتتبعين للشؤون السياسية بالمغرب ، فهل كان الاشتراكيون المغاربة واعون بهذ ا الفخ ، والمصيدة ن قبل قبولهم المشاركة في الحكومة المعينة دون أن يتم تلبية مطالبهم، التي ما فتؤو يطالبون بها ؟ أم أن الأمر كان مجرد خدعة للشعب ، وللعالم ، وعلى من كان يصدقهم في ذلك ؟ ألم يكن الأمر مجرد لعبة مسرحية بين الملكية ، و تلك الأحزاب ، حيث ظل الجلاد في مكانه ولم يتم سوى تغيير الضحية ؟
لقد روجت تلك الحكومة الملعونة لما كانت تسميه بالانتقال الديمقراطي ، و التناوب ، بعد عقدها صفقة مع الملكية ، جانبها الإيجابي هو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذي كان الملك الميت لا يعترف وجودهم بالمغرب كسياسيين ، وقد تكون له تبريراته في ذلك ، لأن المستقبل أظهر مدى انتهازيتهم للمشاركة بدورهم في نهب المال العام ، عبر ما يسمى بتعويضات ضحايا الاعتقال السياسي ، وسنوات الجمر ، و الرصاص ، عندما تقبلوا استلامهم تلك التعويضات ، التي لم تؤخد من ميزانية الملك كجلاد أول لهم ، بل أخذت من المال العام في واضحة النها ر، فهل الشعب هو الذي سجنهم ؟ ألم تنطبق عليهم بذلك صفة المعتقلين المأجورين عوض المعتقلين السياسيين ا ؟ فكان لتلك المرحلة وجهان متناقضان ، ومسرحيتان مختلفتين ، واحدة تلعب في العلن لكسب المزيد من الدعم الدولي للملكية بالمغرب ، وعملها على خدع الجميع ، بتغير بعض الوجوه التي يرمز لها في العهد القديم بالإجرام في حق الشعب ، وفتح مسلسل أطلق عليه التضامن الاجتماعي ، وعودة المنفيين ، و المغتربين ، وأخرى سرية تلعب في الخفاء بالظلام ، حيث اختطاف النقابيين ، والهجوم على الجامعات ، والكليات ، والإعتصامات الطلابية ، والعمالية ، والرمي بالأبرياء في السجون ..
يتألم القلب ، وتهتز المشاعر لكل إنسان غيور على ما يجري بالمغرب من تجاوزات وخروقات ، في كل المجالات ، وعلى رأسها حقوق الإنسان ، حيث الهجوم البوليسي بالعصي و الهراوات ، وخراطيم المياه ، وبكل وسائل القمع القديمة والحديثة منها لتفريق المتظاهرين من المتضررين في مختلف المجالات ، لا لشيء إلا لأنهم عبروا على سياسة الحاضر بالمغرب تحت سيطرة الملك الجديد ، التي لا تختلف في شيء عن سياسة الماضي تحت هيمنة الملك القديم ، ومع ذلك لا تزال الأحزاب و المنظمات ، والجمعيات ، والاتحادات ، والأبواق الإعلامية تروج العكس مدعية سير المغرب على الطريق الصحيح ، الذي هو الديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، والحريات ، متناسين أن كل من يمارس هذا التعتيم ويخفي الحقيقة ، وكأنه يحجب الشمس بالغربال ،لأن الأحداث أثبتت عكس ما يروجون له ، وبالتالي فهم يعدون بذلك بدورهم متهمين في الجرائم التي يتعرض لها المغاربة بمختلف شرائحهم الاجتماعية ، وانتماءاتهم الإيديولوجية ، و الإثنية ... لأن التاريخ مهما طال سيكشف يوما عن كل شيء ، حيث يظهر كل المتواطئين من قريب أو من بعيد مع الملكية ، التي هي موطن داء المغاربة ، فلا يعقل أن ينتحر الشباب المغربي في البر تحت ضغط اليأس ، وانسداد الأفق أمامهم ، أو عندما تقرر جماعات من المعطلين من حاملي الشهادات ، و غيرهم الانتحار الجماعي بقلب العاصمة ، أو في البحر لما يحاول الكل الهجرة السرية من أجل البحث عن لقمة عيش ، عبر قوارب الموت ، فيموت بذلك منهم ما يعادل ثلاثة ألف مواطن غرقا في كل سنة ، وهو العدد الذي لم يمت خلال مدة ثلاثة سنوات من انتفاضة الشعب الفلسطيني ، أمام الآلات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي ، وهي الصفعة الموجهة للملكية ى المستبدة ، التي لا تسمع لأحد ، ولأعوانها من الأحزاب الخائنة ، و لكل متربع على كراسي البرلمان ، و المؤسسات البلدية والقروية ، والجماعية ، و الجيش ، و الأمن ، والقضاء ، والدرك ، والصحافيين المنشغلين بما لا ينفع الشعب ، وممن لا يحرك ساكنا أمام المعضلة المتربصة بالمغرب ، و بالمغاربة ، فلماذا لا يركز الإعلام بالمغرب على القضايا الشعبية ، و الجوهرية ، التي هي مسألة التغيير الحقيقي ؟ لماذا لا يشار إلى مثل هذه القضايا إلا بجرة قلم ؟ مع أنها قضايا تتطلب التركيز عليها حتى يتم تحت الضغط الدولي ، والعالمي جر المجرمين على كل التجاوزات و الخروقات التي تمس المغاربة إلى المحاكم الدولية ، لأن مكانهم هو السجن ، مهما كانت درجاتهم ، ومناصبهم ، إذ لا شيء يجب تقديسه سوى الإنسان كإنسان ، وهو الطريق الصحيح لأية ديمقراطية ، ولأي تناوب ، فبدون ذلك يظل الجميع يطبل في الفراغ !!! في أي مجتمع من المجتمعات البشرية غير الدكتاتورية التي يتم فيها اعتقال الطلبة من الأمازيغ وغيرهم ، و الهجوم على الحقوقيين ، والمعاقين ، والمكفوفين بالعصي ، والهراوات ، وبكل الأشكال الوحشية ، والرمي بهم بمستشفى المجانين ، لأنهم عبروا عن حقهم في العيش ، و البقاء على قيد الحياة ؟ ماذا كان الأمر سيكون لو رفع المغاربة شعارا لإسقاط الملكية التي هي سبب مأساة المغاربة ؟ ألم يتم الهجوم على الجرائد غير الحزبية للتضييق على الحريات ؟ ألم يتم تكريم المجرم إدريس البصري الرجل القوي في عهد الملك الميت كوزير للداخلة ، تلك الوزارة التي كانت تنعت من قبل الإصلاحيين المتورطين فيما بعد في اللعبة ، بأم الوزارات ، واعتبار ما قام به مجرد خدمات جليلة للوطن ، وللمواطن ، وهو الجلاد الكبير بالطبع بأوامر الملك ؟ ألم يتم التراجع عن مدونات الأحوال الشخصية ، والمس الواضح بحقوق المرأة ، وتزوير الانتخابات ، والتراجع عن تحقيق مطالب العمال ، و الفشل في إصدار مدونة الشغل ، واستفحال الزبونية و الرشوة ، والنهب للثروات الوطنية ، وتوزيع الامتيازات بين الفئات المهيمنة والتدهور الصحي ، و الاقتصادي ، و الفلاحي والسياسي ، و الاجتماعي ، الذي دفع بالفلاحين إلى التخلي عن أراضيهم ، وهجرتهم نحو المدن ، وبذلك دفعه م لأبنائهم إلى الهجرة نحو أوروبا وأمريكا ، و الشرق الأوسط ، حتى بالسبل الخطيرة منها كمحاولاتهم قطع البحر عبر قوا ريب الموت ؟؟؟ ومما زاد الطين بله هو تمرير قوانين لردع الصحافة المستقلة ، التي تعرض بعض مديريها للمحاكمات المتعددة ، ناهيك عن إصدار قانون لتأسيس الأحزاب ، الذي يزيد من وضع الحواجز أمام من يرغب في تأسيس حزب معين ، حيث لا يحق له الحصول على المشروعية إلا إذا وافق على الثلاثية المعروفة كسيف دويزان : الله ، الوطن ، الملك ، وما يرافقها من السلم الاجتماعي ، والمسلسل الديمقراطي ، والإجماع الوطني ، ثم التوفر على لائحة تضم توقيعات ألف عضو ، ثلاثة مئات منها قد يكون سبق لها وأن مارست ، وشاركت في عملية الاقتراع أي في الانتخابات المزورة التي يعرفها المغرب ، مع تسطير إستراتيجية ، وأهداف الحزب ، وهي حواجز وموانع أمام المناضلين الثورين ، الذين لا يمكنهم الموافقة على ذلك بالبات ، و المطلق ، وكون هؤلاء لم يسبق لهم أن شاركوا في أية مهزلة انتخابية من قبل ، و بالتالي فنوايا الملكية ، وخدامها من الأعوان ، والعبيد ، واضحة في عدائها ، ومواجهتها العنيفة لكل من هو ثوري ، معارض لها.
إن الصراع بين الملوك ، و الشعب ، خلال كل المراحل ، و العقود ، التي مرت من حياة المغرب تحت ظل هذا الحكم المسلط ، يتراوح بين المد ، والجزر ، حتى عجز المتتبع عن تمييز مرحلة عن الأخرى ، وملك عن الأخر ، مما جعلني أعتبر الصراع بين الشعب بفئاته المختلفة ، وبين الملك بأعوانه ، وخدامه ، المسخرين لهذا الغرض ، بما فيهم بعض المنابر الإعلامية ، وما أكثرها ، ثم الأحزاب المصنوعة لهذا الدور ، ولهذه المهمة ، لأنه حسب التجريبة ، و صيرورة التاريخ السياسي المغربي ، فقد يتبين أن الملكية تعمدت افتعالها التعدد الحزبي بصنعها لأحزاب إدارية بطريقة مباشرة ، ليست في الواقع سوى أحزابا لا تستجيب لمقومات الحزب السياسي ، ذو برنامج متكامل على جميع الأصعدة ، يتوجب عليه تبنيه في ممارسته السياسية ، والدفاع عن تطبيقه حتى في حالة تعارضه مع التدخل الملكي ، ثم صنعها لأحزاب أخرى إصلاحية بطريقة غير مباشرة ، يحلوا لقياديها أن ينعتوا أنفسهم بالقوى الوطنية ، لكن الحقيقة ، وواقع الأمر ليس كذلك ، لأن الوطنية لها شروطها ، و واجباتها ، وهو ما لا يوجد بهذه الأحزاب ، إلى جانب خلق الملكية لأحزاب متسكعة تائهة ، تارة تحسب نفسها عن الأحزاب الإصلاحية ، وتارة عن الأحزاب الإدارية ، وهو سر اللعبة ، حيث أن هذه الأحزاب التي تلعب دور الوسط ، تستعملها الملكية لتقوية الطرف الذي تريده أن يمارس معها اللعبة ، بتعيين المحسوبين على ذلك التجمع السياسي في اطار تلك اللعبة دائما ، في مناصب وزارية ، لذر الرماد في عيون المجتمعات المراقبة للشأن السياسي المغربي ، وتمويههم بمسرحيات الديمقراطية ، و التناوب ، و التغيير... و في واقع الأمر، أنه لولا الارتباطات المفروضة على المغرب مع العالم الخارجي ، سوف تلغي تلك الملكية الأحزاب برمتها ، مكتفية بتنصيب كل منحدر من القبيلة العلوية لتولي مناصب الوزراء ، وغيرهم ، بمنطق الموت لمن تكلم ، وهو ما تحسنه ، بعيدا عن النقاش الذي واكب المسيرة السياسية منذ مطلع الستينات بالخصوص 1962 ، وهي المرحلة التي بدأ فيها اليسار قبل أن يتحزب المنتميين إليه ينقسم حول نفسه ، إذ يلح البعض على ضرورة تشكل الحقل السياسي ، وفق تصور مضبوط ، لتخليق الحياة السياسية ، و التنافس الشريف بين كل من اليمين ، و اليسار ، وما بينهما الوسط ، فيما يرى الأخرون بضرورة جعل الهدف من النضال هو ، مقاومة الجميع ، ملكا ، وأحزابه ، وإعلامه ، وخدامه ، وعبيده ، كحركات ثورية ملتصقة مع هموم الشعب ، و المنبثقة منه ، لكن الملكية سرعان ما وجهت ضربتها القاضية لهذا التوجه بتواطؤ مع الخونة من الأحزاب ، حيث شردت ، وقتلت ، وسجنت ، واختطفت ، وعذبت كل من تشم فيه رائحة الثورة ، التغيير الحقيقي ...
ويظل وجود أكثر من ثلاثين حزبا معترفا به الآن على الساحة السياسية بالمغرب ، هو في الواقع من إفرازات الأخطاء التي إرتكبتها الأحزاب منذ بداية إنطلاقتها الأولى ، كما سبق توضيح ذلك ، ثم تلاعب الملك بالشأن الحزبي لتميع العمل السياسي ، و إظهار نفسه كالواحد القهار ، القادر على جمع شمل المغرب ، و المغاربة ، وهو تكتيك ينهجه ليضمن بقائه الدائم على كرسي العرش ، فيما أن ذلك العدد من الأحزاب في الحقيقة ، لا يمت بصلة مع التعددية ، التي هي مكون من مكونات الديمقراطية ، كما أن ذلك هو الدليل الواضح عن رغبة الملك في نسج ، وإستنساخ نفس التجارب السابقة ، التي هي العمل على اجتثاث القوى المعارضة ، لتحويل صراعها معه من بعده الصدامي الثوري ، إلى التعايش السياسي السلمي ، وهو ما وقع لبعض مناضلي الستينات من الثوار المستسلمين ، والمستدرجين لقبول تلك اللعبة السياسية مع الملكية ، وتقبلهم لدعمها المادي الممنوح لهم من الميزانية العامة للشعب ، في ظل ميزان القوى المائل للملكية ، عبر استخدامها لأساليب استدراج الجميع ، وفي الأخير تعمل على فضحهم أمام الشعب ، الذي يحاكمهم بتجريدهم من الثقة ، التي وضعها فيهم لسنوات طوال ، وبالتالي يتم ترك المجال لهذه الملكية للهيمنة على كل المجالات الفكرية ، والسياسية ، والاقتصادية ، و الاجتماعية ، والثقافية ، و اللغوية ، وحتى التنظيمية داخل هذه الثلاثية الحزبية المسماة باليمين ، واليسار ، و الوسط ، وما هي في واقع الأمر إلا أحزاب إصلاحية ، وأحزاب إدارية ، وأحزاب متسكعة ما بينهما ، ويرجع سبب تدخل الملكية في شؤونهم الداخلية ، إلى عدم بنيان قاعدتها الصلبة على قوة الجماهير الشعبية ، ثم غياب الديمقراطية داخلها ، وعدم التداول ، و التناوب على المسؤولية الحزبية ، وترك الأشخاص المسيرين كقادة لها حتى وفاتهم ، كأنهم أشخاص مقدسة ، ومعصومة من الأخطاء ، فكيف لهم أن يطالبون الملكية بما هو غير موجود داخل أحزابهم تلك كالديمقراطية ؟؟؟ وهو ما أضعف تلك الأحزاب ، وزعزع شأنها الداخلي ، و أثبت عدم نضجها ، وصفائها السياسي ، وصدقها مع الجماهير ، وهو نفس الضعف الذي جعلها ه تقبل وإن على مضض العمل ، والتعامل بالقبول ، والرضا مع كل الدساتير الممنوحة ، التي لا علاقة لها بما هو حقوقي ، ولا وطني , ولا شعبي ، ولا إنساني ، وهي بذلك تزكي المؤسسات الصورية المزيفة ، مع استمرار العبودية ، و تميع العمل السياسي ، والحزبي ، والنقابي ، و الجمعوي ، بشراء الضمائر ، والأصوات ، وفتح الباب أمام مختلف المساومات ، وإجراء الصفقات على حساب الشعب ، والاستفادة الشخصية ، و العائلية من امتيازات الوطن ، مما ساهم في فقدان الجماهير الثقة في العمل السياسي ، بعدما انعزل العمل الحزبي الجاد بالتدريج عن تلك الجماهير ، التي فضلت عزوفها عن السياسة ، و عن ما يسمى بالانتخابات ، وهو ما كان من حظ الإسلاميين المتكئين على وسادات مليئة بالأحلام الدنيوية والأخروية ، فحصل أن اقتحموا بذلك المجال السياسي بإيديولوجية عقائدية رجعية ، وتحويل ميزان القوى لصالحهم باستغلالهم للوضع المزري ، و المتردي ، الذي وصل إليه المغرب ، و المغاربة ، كأنهم يمتلكون العصا السحرية لتغيير تلك الوضعية عبر قراءتهم لسورة الفاتحة ، رغم أنهم بعيدون كل البعد عما هو حقوقي ، وإنساني وسياسي ، واجتماعي واقتصادي ، مما يفتح الطريق أمام أسوء الاحتمالات ، إذ ما هو الفرق بين جبروت هؤلاء ، وبين جبروت الملكية ؟ وهو السؤال الذي يجب الوقوف عليه بجدية من قبل الغيورين الصادقين ، و الثوريين المغاربة ، ممن يهدفون منهم إلى التغيير الحقيقي ، و لتحرير الشعب المغربي من التخلف و الرجعية ...
إن الأوضاع السياسية التي يمر منها المغرب تجعل المتتبع أمام أسئلة عديدة عالقة ، إذ كيف يمكن حدوث ما يسميه الجل بالانتقال الديمقراطي في ظل إقصاء الجماهير الشعبية ، وتفقيرها وحضر المعارضة الثورية الحقيقية ، وتجويع الشعب ، وشن مراقبة صارمة على جمعيات المجتمع المدني ، و على المتظاهرين ، واتوجيه اتهامات لا أساس لها ، كالمس بالقدسات ، في الوقت الذي لا يوجد فيه مقدس أخر غير الله ، و الكتب السواوية ، والأنبياء ، و الرسل ، حسب ما وضعته قوانين هذه الديانات و العقائد ؟؟ كيف سيتطور الوضع المغربي نحو التقدم و الإزدهار إذا كان يسجن ، ويقتل كل رأي يحاول أن ينتقد اللعبة المرسومة من قبل الملكية ، وخلق مؤسسات ، ومجالس مزيفة لا تعكس إرادة الشعب ، مع حصر العمل السياسي على أتباع الملكية من النخبة ، وذوي الامتيازات ، وحرمان الأمازيغ حتى من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية ... ؟؟؟ كل هذه الممارسات الاستبدادية سببها بكل وضوح ، وشجاعة ، ومسؤولية ،هي الملكية التي يرتبط وجودها ، و استمراريتها ، وبقائها على كرسي العرش بهذه التجاوزات ، و الخروقات ، إذ لولا ذلك لتحقق زوالها بين عشية وضحاها ، وبسرعة البرق ، لما يكلفه بقائها لمالية الشعب من نفقات لا تعد و لا تحصى ، كما يلاحظ عن الملكية و كأنها أحيانا تظهر في تعاملها مع الشعب نوعا من الليونة ، كلما مات ملك ، وخلفه أخر ، وذلك سياسة منها لتوطيد الحكم ، وترسيخ الوتد ، وتثبيت العرش ، بمراوغة الجميع يليه فيما بعد الاختطاف ، و الاعتقال ، والمحاكمات الصورية ، والتزوير للإرادة الشعبية ، والقمع الجماعي و الفردي ، لكل من يحاول الإدلاء برأيه السياسي في الشأن العام ، فيما يظل الإعلام المتحزب ، وغيره مهتما بما يسمى بالانفراج السياسي ، و الإشارات ، كأن الشعب صم ، بكم ، لا يفهم إلا عن طريق تلك الإشارات ، التي توحي وكأنه قد تم بروز نظام سياسي ، ديمقراطي ، مع الملك الجديد ، مختلف عن النظام السياسي الملكي القديم ، وهو ما تسرع الأحزاب لتأكيده ، دون أن تضع في حساباتها السياسية ، واحتمالاتها أن عودة الملك الجديد إلى الوراء ، واردة في أية لحظة ، في غياب دستور ديمقراطي ، شعبي ، وقوانين تلزم الجميع ، بما فيها الملك أو غيره ، ةقد تظهر تلك الأحزاب سذاجتها ، وكأنها لا تعي أن التجربة مع الملكية في المغرب قد أثبتت أن هذه الأخيرة تمارس سياسة خطوة إلى الأمام من أجل عشرة خطوات إلى الخلف ، بتحكمها في القوانين والدساتير الممنوحة ، لأن الليونة ما هي إلا سياسة لبلوغ الهدف ، الذي هو التحكم المتين في كل شيء ، حيث تكمن القوة في تسيير كل شيء ، بعقلية الراعي ، و الراعية ، وبلغة السيد ، والمسود حيث تحضر العصا لتعذيب ، ومعاقبة كل من عصا ، ومع ذلك ، لم تأخذ الحركة الحزبية بالمغرب العبرة مما مضى لتجنب ما سيأتي ، حيث غاب عنها التفكير في تحقيق مستقبل متين يضمن الحياة والأمن للجميع ، في مجتمع يحبه الجميع ، ويبنيه الجميع ، وقد ساهمت بوعي منها أو بغير وعي ، في القضاء على الانتقال الديمقراطي الحقيقي ، تاركة الملكية تتحكم في خيوط اللعبة ، وفي صيرورة التغيير حسب مزاجها ، ووفق المتغيرات العالمية و الداخلية ، ومن هنا برزت نزعتين متناقضتين داخل الحركة الحزبية : نزعة الحركة الحزبية الإصلاحية التي تطلق على نفسها " الحركة الوطنية" و التي اغتالت ، و ضحت بالانتقال الديمقراطي الحقيقي ، عن طريق مبايعتها للملك الجديد ، وكأنها تمثل الشعب في ذلك حقا ، و جنوحها إلى مخططات الملك في توجيهه لكل شيء ، حسب مصالحه ، ورغباته ، فتظهر بذلك وكأنها حركة حزبية مشلولة متذبذبة ، غير ثابتة على مبادئها التي خلقت من أجلها في بداية مشوارها ، ولا هي قادرة على تحقيق وعودها للشعب ، و لا الالتزام مع نضالا ته، ولا هي قادرة على تقديم نقد ذاتي ، أو الاستقالة ، وترك الساحة فارغة أفضل حتى يُفضح جشع الملكية للعالم ، كما أنها لا تستطيع الخوض فيما يجري من فساد في القصر، ونهب للمال العام ، ولا هي قادرة على توجيه الانتقاد للمؤسسة المالية ، والعسكرية ، و العقائدية ، ولا إثارة موضوع الامتيازات والثروات غير المشروعة للملك ولحاشيته ، ولكل من يحيط به ، فظلت بذلك كحركة حزبية ، مريضة ، مصابة بالجنون ، هدفها الحصول على شرف لعب دور المعارضة ، و الحصول على امتيازات من قبل الملكية ... أما النزعة الثانية فهي متجلية في أفراد من اليسار الجديد يحسبون على الأصابع ، متشبثين بمهاجمة المصالح ، وامتيازات الماسكين بزمام الأمو ، دون أن يسموا الأشياء بمسمياتها ، موجهين بذلك خطاباتهم بالمرموز لطبقات مثقفة ، أثقل الغرور ، و الديون كاهلها ، ولم تعد قادرة على أداء دورها عبر التحرك لتوعية المجتمع ، معتمدة على الإنتظارية ، و رغبتها في أن يخرج ما يسمى بالانتقال الديمقراطي من غرفة الإنعاش الذي وضع فيه ، بأسلوب ، وممارسات سرية بين كل من الملكية من جهة ، و الأحزاب الإصلاحية ، و الإدارية من جهة ثانية ، إلى العلنية ، لتخذير الشعب ، ومحاولة استقطاب رموزه ، لدمجهم كدماء جديدة في اللعبة السياسية التي تدور رحاها بين أسوار القصر لقرون من الزمن ... فكيف سيتم ذلك الانتقال الديمقراطي المنتظر في ظل الحكم الملكي الاستبدادي المطلق ، الذي لم يبالي حتى بمطالب الحركة الإصلاحية ، فكيف له بذلك أن يهتم بمطالب ذلك اليسار الجديد المحسوب على رؤوس الأصابع ؟ ألم يكن من المفيد أن يتم استخلاص العبرة ، و الدروس من التجربة السلبية ، بقراءة ماضي ، و مستقبل الأحزاب الإصلاحية ، التي فشلت في تحقيق هدفها ، ومن تم تكون الانطلاقة الحقيقية ، و الواقعية هو المواجهة الثورية مع الملكية لتحرير المغرب ، و المغاربة ، وذلك ما تنتظره منا الجماهير ، عوض إعادة إنتاج ما سبق من سلبيات للحركة الإصلاحية التي تدعي الوطنية؟؟؟ إن الطريق المؤدي لنتيجة جيدة ، ولبناء عمل سياسي جاد ، وفعال يبدأ من القدرة على الإحاطة الموضوعية أولا بالحقل السياسي المغربي المتشعب ، و العودة لقراءة الأصول ، و المنطلقات ، للوقوف عند السلبيات ، خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار التنوع الكبير في الآراء ، والمواقف ، والإطارات التنظيمية ، المهتمة بالحقل السياسي ، والنقابي ، والأيديولوجي ، والمهمة الرئيسة من تلك العودة هي الوقوف عند مكامن الضعف ، وأسباب الإخفاق ، ومكامن القوة لاستخلاص العبر، والدروس ، للاستفادة منها خاصة إذا كان الهم ، والهدف الكفاحي ، و النضالي الحقيقي ، رغبة في الرؤية الثاقبة ، والهادفة لبناء المستقبل السياسي المنشود ، بتجاوز المتاريس ، و الصعاب التي تبعد النظر عن الرؤية الحقيقية للأمور، و تحجب الرؤية الصحيحة لما يريده الشعب المغربي منا ، وما نريده منه ، المجسد في تحرير المغرب من الحكم الملكي ، وبناء جمهورية ديمقراطية ، متكونة على شكل فيديراليات حسب التنوع اللغوي المختلف جغرافية من منطقة لأخرى ، الذي يتميز به المغرب ، فيديراليات تتمتع بالإستقلال الذاتي ، في إطار مغرب موحد تحت النظام الجمهوري ، و الحكم الرأسي المنتخب كل خمس سنوات ، ولن يتم ذلك بالطبع إلا عبر الصدق ، و النزاهة ، و الشفافية ، و الحرية ، و الديمقراطية ، وسيادة القانون الذي يرضي الجميع ، في إطار يطغى عليه الإحترام ، و الحوار ، و التواصل بين جميع الفعاليات ، لأن المغرب يتوفر على طاقات من المناضلين بالداخل ، و بالخارج من المخلصين لقضايا الشعب ، إلا أن أغلبهم يناضل ضد قيادات الأحزاب مهدرا طاقاته الفكرية والسياسية في مواجهة الجليد ، أو في مخاطبة العقول المصنوعة من الحديد ، فانشغل هؤلاء في صراع يجعل الملكية قوية بأسلوبها المعتاد المبني على فكرة " فرق تسود" لأن تلك الأحزاب هي الحصن الحصين لها ، وضد كل رياح التغيير التي قد تعصف من أية جهة ، وبالتالي فمن المفروض ومن الواجب لمواجهة عنف الملكية ، والأحزاب المحصنة لها أن تتوحد جهود المناضلين في إطار سياسي بالداخل ، وبالخارج لتطوير موضوع الجمهورية بكل صدق وتحدي ، وشجاعة لما فيه خير لكل المغاربة على السواء دون ميز ، ولا تمييز ، ولا إقصاء ...




#علي_لهروشي (هاشتاغ)       Ali_Lahrouchi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من موضوع : القبية العلوية المسلطة على المغرب ، و ...
- قمع خدام ، وعبيد القبيلة العلوية للمغاربة يفرض علي المناضلين ...
- النساء درجات في القهر و الظلم بالعالم والمرأة الأمازيغية بال ...
- قصة الوجه الثاني لمحمد
- التزامات الحزب الجمهوري الديمقراطي المغربي الذي لم يؤسس بعد
- سقطت عذريتكم يا حكام العرب من المشرق إلى المغرب
- حرقة الاِنتظار
- وزارة التربية الوطنية والتعليم بالمغرب تدس السموم للأطفال في ...
- قصة :الله يرى ولكنه لا يتدخل
- قصة : الطريق إلى الجحيم
- تأملات من عمق الذاكرة: صرخة يقظة من القلب إلى الشعوب المحكوم ...
- المغرب بين مطرقة القبيلة العلوية المستبدة ، وسندان الأحزاب ا ...
- أعوان القبيلة العلوية المسلطة تنهج سياسة تشويه وتفريق الأماز ...
- اللإنتخابات المزمع تنظيمها بالمغرب تحت استبداد سلطة القبيلة ...
- ما هو التسامح المطلوب من قبل المسلمين للمملكة الهولندية ؟ ال ...
- ليكون الغرض من إحياء الأمازيغية هو الدفاع عن الإنسانية والهو ...
- ما هو التسامح المطلوب من قبل المسلمين للمملكة الهولندية الجز ...
- ما هو التسامح المطلوب من قبل المسلمين للمملكة الهولندية؟الجز ...
- ما هو التسامح المطلوب من قبل المسلمين للمملكة الهولندية؟الجز ...
- جلسات الاستماع لضحايا الاعتقال السياسي بالمغرب مجرد دعايات ت ...


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي لهروشي - الجزء الثاني من موضوع : القبيلة العلوية المسلطة على المغرب ،و الأحزاب العميلة لها وجهان لعملة واحدة !!!