أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل الحاج عبد العزيز - التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[3]















المزيد.....

التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[3]


عادل الحاج عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 08:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


((الَمَ، غُلِبَتْ الرُّومُ، في أدنى الأرضِ وَهُم مِنْ بعد غلبهم سَيَغْلِبونَ، في بضع سنين لله الأمرُ مِن قبل ومِن بعدُ ويومئِذٍ يَفرحُ المؤمنُونَ))
( سورة الروم،الآيات،1،2،3،4 )[1]
(( أني اكره العقائديين: إنهم يمثلون في نظري أسوأ أشكال المراجعة، ويعيش بعضهم بكل إخلاص داخل أسوار تعصبهم ولكن أغلبهم يتشدقون بالكلمات الجميلة لا لشئ سوى لاخفاء مصالحهم الفردية المريبة. وقد تأكد لى ذلك منذ الطفولة..))
( يوميات الواحات، صنع الله ابراهيم)[2]
احتمال آخر:
الاحتمال الآخر هنا ان الشيخ الترابي من خلال فتواه الاخيرة يريد ان يمضي (حداثيا) الى الامام ابعد من اجتهادات سابقيه او ربما اجتهاداته هو نفسه و المتمثله في منهج المقاصد وفقه الضرورة، والذي ينقصه اي اقتران واضح بالمنهج التاريخي الرائج في عصرنا الحالي. الذي اسس له كثير من المدارس الفكرية المعاصره حيث يعمل ذلك المنهج على دراسة النصوص المقدسة اوغير المقدسة و دراستها في سياقها المرتبط بالمجتمع، الزمن، الواقع، النسبي.[3] إذ يقول "لوكاش" احد الماركسيين المستقليين المجتهدين في كتابة "التاريخ و الوعي الطبقي"، الترجمة الفرنسية: " إن كل الاشكال العليا من الوعي ( الفن والدين والفلسفة)، على الرغم من علاقتها بمحيطها الطبيعي و الاجتماعي و ارتباطاتها به، فانها إذ تمارس تأثيرها حسب خصائصها الذاتية و قوانينها الخاصة – بمجرد ما تتشكل و تتبلور – تحتفظ باستقلال اكبر كثيراً من ذلك الذي تحتفظ به اشكال "الروح المطلق" ( أي الفن والدين والفلسفة) يمكن ان تبقى قائمة و محتفظة بقيمتها و معاصرتها ( للاجيال المقبلة)، بل محتفظة ايضاً بقيمتها كنموذج. و ما يؤسس هذه "الاشكال العليا من الوعي" انها جملة من الترابطات تحمل في ذاتها، إزاء التغيرات المتواصلة التي تعتري الاشكال الاجتماعية الخالصة". بالاضافة لذلك فان هذا المنهج التاريخي اصبح لدى بعض المفكرين المعاصرين او التحديثيين الحل الناجع الذي به يمكن أن تعالج مسألة النص، وقد لازم طرحهم له مفهوم (تاريخانية النص) و اعني به هنا تحديداً النص القرآني، و "تاريخانية" تحيل هنا مباشره الى التاريخ اذ يذهب المفكر محمد عابد الجابري[4] للقول ان المصطلح نفسه ليس عربياً اصيلاً، بل ( فرنسي الاصل وهو مترجم عن الالمانية) في وضعه المكتوب باللاتيني. أما معناه الاولي فيفيد النسبة الى التاريخ: فعندما يوصف به الشئ فإن ذلك يعني ان الشئ له وجود حقيقي، اي انه وجد فعلاً تاريخيا ًو يتحدد بالزمان و المكان، وليس مجرد وجود افتراضي او اسطوري. وهذا عن المعنى الاولي للعبارة، و هو معنى محايد، اذ يعني انه لا يدل على مدح او قدح, و يمضي بنا د. الجابري موضحاً، اما المعاني الفلسفية و الايديلوجية التي البست لهذا المفهوم في العصر الحديث فهي اكثر من أن تحصى. لقد عرف تاريخ الفكر الاوربي منذ القرن السادس عشر الى اليوم فلسفات ومذاهب فكرية تتخذ من مفهوم" التاريخانية" أحد الاركان الرئيسية في صروحها. وبما ان المجال قد لا يتسع لشرح اوسع فسنقتصر على الاشارة إلى بعض الجوانب الرئيسية التي تعين القارئ غير المتخصص على اكتساب تصور غير سطحي عن هذا المفهوم المركزي في الفكر الاوربي الحديث والمعاصر. ليواصل ايضاً هنا[5] ان طرح مفهوم "التاريخانية" اول ما طرح بوصفه يجسم الفرق الاساسي بين الانسان والطبيعة: الإنسان له تاريخ والطبيعة لا تاريخ لها. وتاريخية الإنسان تعني في هذا المجال انه وحده بين الكائنات يعي وجوده التاريخي، يعي تاريخيته. هذا من جهة ومن جهة اخرى اتخذت النسبة الى التاريخ في الفكر الاوربي في وقت من الاوقات معنى قدحياً، وذلك عندما يراد ان الموصوف به ينتمي للماضي وأنه لم يعد موجوداً، وبالتالي لا قيمة له لا في الحاضر ولا في المستقبل. وعلى العكس تماماً اعطى في مرحلة لاحقة لمفهوم "التاريخانية" معنى" الاهمية التاريخية" بلغتنا الرائجة. الشئ الآخر المعين على فهم المفهوم هنا ما ساقه د.الجابري في نفس مقاله هو: وإذا عدنا الآن إلى عبارة "تاريخانية النص" - والمقصود القرآن- وأردنا ان نحدد معناها على ضوء ما سبق نجد انها تنطبق عليها كل المعاني التي ذكرناها:
أ ) فمن جهة: القرآن نص تاريخي، بمعنى انه وجد وجوداً حقيقياً في زمان ومكان. وهو نفسه يؤكد ارتباطه بالزمان والمكان، فيقول تعالى: "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا"[6]، هذا فضلاً عن اشارته الى احداث تاريخية وقعت في عصره مثل "الم، غلبت الروم في ادنى الارض وهم بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين" والامثلة كثيره وهي كلها تؤكد تاريخية القرآن. الشئ الذي لايسمح بتاتاً بنسبة أي نوع من الوجود الاسطوري لهذا الكتاب و المقدس. هذا بينما يصعب جداً نزع نوع ما من الوجود الاسطوري لكثير من الاحداث و الرجال فيما تحكيه الاسرائيليات مثلاً أو "الالياذه"و"الأوديسا" لهوميروس.
هذا الوجود التاريخي للنص القرآني تفصله روايات المفسريين وأهل الحديث والفقهاء في ذلك الصنف من الابحاث و المرويات التي تدرجت منذ القدم تحت اسم "علوم القرآن"، ونقصد بذلك ما يعبر عنه ب"اسباب النزول"، والمقصود الحوادث والملابسات والمناسبات والتساؤلات التي جاء الوحي المحمدي ليبينها أو يرد عليها أو يحكم فيها... الخ
ب ) ومن جهة ثانية القرآن الكريم تاريخي بمعنيين: بمعنى انه ينتمي الى الماضي، لكنه في المقابل تاريخي بمعنى انه كان حدثاً تاريخياً اسس المستقبل فجعل تاريخ العرب، ثم تاريخ العالم، ينقسم الى ما قبل ظهور الاسلام وما بعد قيامه و فتوحاته.
ج ) ومن جهة ثالثة القرآن نص تاريخي بمعنى انه مرتبط بظروفه التاريخية، وهو يشهد على ذلك من خلال جداله مع خصومه، الملأ من قريش ومجادلته اهل الكتاب، ومن خلال ما يعرف بالناسخ والمنسوخ وبأسباب النزول..الخ، كل ذلك يشهد و يؤكد انه مرتبط بظروف تاريخية معينة هو ما يسمى في الاصطلاح ب"معهود العرب". وقد يصح القول ايضاً إن تلك الظروف هي بمعنى من المعاني نتيجة له، لان منهجه الجدالي أو السجالي يقوم على الفعل ورد الفعل، وكثير من الوقائع التاريخية التي سجلها القرآن في فتره نزوله كانت عبارة عن ردود فعل من خصومه.
بالرغم من استشهادنا في ما سبق بآراء الدكتور الجابري لتسهيل فهم هذا المنهج التاريخي الا أنه هو نفسه أحد الرافضين لاستخدام شعار "تاريخانية النص" باعتبار أن استخدامه لا يساعد في تغير الواقع الاجتماعي المعاش للشعوب(الإسلامية والعربية)، بل يذهب الى ان ماتتطلبه المجتمعات هو "تغيرات اجتماعية اكثر عمقاً تغيرات تفصل بينها عصور بكاملها" وان التحديث يجب ان ياتي من داخل المجتمعات نفسها بفعل قواه الداخلية الخاصة، البشرية والمادية بإعتبار المفهوم بحد ذاته نشأ في سياق بيئته التاريخية (الفكر الاوربي)، بعكس الحماسة الطاقية في دعم هذا التوجهة البادية في اطروحات د. محمد اركون[7] اذ تعتبر فكره مركزية لمشروعه الفكري. على أي حال إفتراضنا بمحاولة الدكتور الترابي الانضمام لقافلة المفكريين المعاصرين الذين يدعمون منهج تاريخية النص يظل غير مكتمل، إلى ان تثبت كتاباته اللاحقة عكس ذلك، إلا ان الشيخ بتسرعه في إطلاق فتواه المعروفة أخيراً لم يحالفه فيها ذكاؤه المعروف عنه، فالرجل لم يمهد حتى لمشايعيه طيلة مسيرته الفكرية من ابناء حركته على تحمل هكذا عبء بل اوصلهم الى "ام دبيكرات" جديده ليفنى معه من تبقى على العهد الفكري. وهنا ملمح من ملامح التناقض الفكري يجافي ادعاء الشيخ للحداثة، فبالعوده الى مسيره الرجل الفكرية نجده كما اشرنا في موضع متقدم من مقالنا هذا أن الشيخ تخاطفه الجدل السياسي لفترات طويله بحيث انها لم تترك له مجال حتى لوضع صوره واضحة لمشروع فكري متكامل يستطيع ابناؤه من بعده تفسيره او الدفاع عنه وهذا يعني بالضروره في حالة تغييب الموت للشيخ، فهذا يعني انقطاع نسل افكاره، إلا اذا اقنعنا الشيخ من موقع حداثته انه يؤمن( بنظرية موت المؤلف).
ما تبقى لنا بعد ان تنقلنا بين كثير من الاحتمالات، احتمال اخير هو اكثر فداحةً، به قد تنسف كل الفرضيات التي اسس عليها هذا المقال منذ البدء، وهو ان الدكتور الترابي بفتواه الاخيرة لم ينتقِل اصلاً من (السياسي إلى الفكري) بل ظل قابعاً كما هو في مساره واضعاً مزيداً من الالغام في طريق ابناء الامس، مضيفاً للمشهد العام السوداني صفحة جديده من صفحات الردة الفكرية، ومعلناً بذلك أن السودان وطن لاخِطابات معاصرة تصلح فيه سوى الخِطابات العنصرية والجهوية والطائفية مؤطراً لها بفتاوى دينية لا تنظر إلى الأمام كما خيل لنا بدايةً!! بل هو فقط يضع المرايا امام الجميع لتبدو لهم عوراتهم الوطنية و الفكرية القابعة تحت الحجاب!.
عادل الحاج – شتاء سيدني، خريف بلادي 2006-04-28
ــــــــــــــــــــ
مصادر:
[1] القرآن الكريم
[2] ابراهيم، صنع الله، 2005، يوميات الواحات ص130، دار المستقبل العربي، القاهرة، مصر.
الالكترونية) ) [3] عابدالجابري، محمد، مقال" شعار تاريخية النص ليس هو الحل؟"، صحيفة الإتحاد الإماراتية العدد2004 /06/22
[4] عابدالجابري، محمد،2004 مصدر سابق.
[5] مصدر سابق،2004.
[6] سورة السراء، الآية106.
[7] أركون، محمد، 1996، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، مركزالانماء القومي بيروت، المركزالثقافي العربي الدار البيضاء، لبنان، المغرب.
أنتهى.......



#عادل_الحاج_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لفضّ الإشتباك
- ) قراءة من سيرة رجل1
- قراءة من سيرة رجل يهجو اهله ( 2 )
- مُقرَنْ العَنِتْ .. مُلتقى النظاميّن الأميركي و السوداني


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عادل الحاج عبد العزيز - التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[3]