أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -أمة وسط- في المشرق؟!















المزيد.....

-أمة وسط- في المشرق؟!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1985 - 2007 / 7 / 23 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تبدو سورية "أمة وسطا" بين دول المشرق والجزيرة العربية. فيها شيء من العراق وشيء من لبنان، شيء من فلسطين وشيء من الجزيرة العربية. في جغرافيتها وبيئتها الطبيعية، وفي سكانها وأنماط حياتهم ولهجاتهم، ما يقربها من جميع الدول المذكورة. على أن سورية تختلف عن العراق والجزيرة بان اقتصادها غير متمحور حول النفط، أقرب إلى اقتصاد متوسطي من حيث هيكله الإنتاجي (إنتاج زراعي، مهن صناعية وتجارية، وتربية حيوانات..). وتختلف عن لبنان وفلسطين في العقود الأخيرة بما عرفته من استقرار سياسي وامني، واقت عمر الاضطراب اللبناني. وهذا التكوين الجغرافي الاجتماعي الثقافي لا ينطبق على الدول المشرقية الأخرى.
لا غرابة أن يقصدها العراقي اللاجئ. فهنا يجد بلدا مجاورا لبلده، يشبه كثيرا بلده، ولهجة لا يعسر عليه فهمها، ونمط حياة يقارب ما عرفه في بلده حتى سنوات خلت. فإذا فضل العراقيون سورية على غيرها من البلاد العربية، فلأنها خيارهم الأكثر عقلانية. ورغم أن سورية لم تكون خيارا خاصا للفلسطينيين حين لجؤوا إليها في موجتين، قبل 60 عاما و40 عاما، إلا أنهم وجدوا فيها بيئة عيش مريحة. ولم يكن لدى اللبنانيين الذين لجؤوا إلى سوريا أيام الحرب اللبنانية، أو قبل عام من اليوم في حرب تموز من العام الماضي، لم يكن لديهم خيار آخر، إلا أنهم لم يجدوا صعوبة في الحياة في البلد.
على أن الميزات الكبيرة التي لا تنكر لهذه "الأمة الوسط"، لا تجد شكلا سياسيا يضمن أمثل استثمار لها وأقصى تفتحها. هذه هي نقطة ضعف كبيرة في تكوين سورية الراهن. إذ يبدو أن هياكل السلطة والمعرفة في البلد تفتقر إلى إدراك لهذا الوضع الممتاز الذي يمكن أن يرسو عليه دور إقليمي كبير لسورية، لكن على أساس مختلف عن دورها بين أوساط السبعينات وحتى الاحتلال الأميركي للعراق ثم الانسحاب السوري من لبنان. نفكر على سبيل المثال بأن سورية (ومعها لبنان) هي بوابة العراق الاقتصادية الطبيعية، أكثر من تركيا وأكثر من الجزيرة العربية، وبالطبع من إيران. وأن إعادة إعمار العراق يمكن أن تكون رافعة لانتعاش الاقتصاد السوري لسنوات طويلة تأتي. وسورية بعد هي بوابة تركية إلى الجزيرة العربية، ومن شأن سياسة سورية أكثر استرخاء واقل توترا داخليا حيال محورها الشمالي الجنوبي أن تكون عميمة النفع على اقتصادها ومجتمعها شأن سياسة مماثلة على المحور الغربي الشرقي (المتوسطي العراقي).
ويصلح التفكير في هذين المحورين أساسا لإعادة هيكلة دور سورية الإقليمي على أساس اقتصادي وتنموي بعد أن انطوت صفحة الدور المؤسس على ركائز أمنية وسياسية. ربما يُجادل في انطواء هذه الصفحة، غير أن محاولات إعادة فتحها لن ترتد على البلد ومحيطه إلا بالمصاعب وعدم الاستقرار كما يشهد بذلك سجل ما بعد الانسحاب من لبنان. ويحسن أهل القرار إلى بلدهم وحكمهم ذاته إن لم يتأخروا طويلا في إدراك ذلك.
ثم إن دورا إقليميا أساسه الاقتصاد لا يلغي بصورة نهائية دورا ذا أبعاد أمنية وسياسية، وإن كان يقتضي أن يقوم ذلك على الشراكة لا على التبعية والوكالة. الحالة اللبنانية منذ أكثر من ثلاثة عقود تزكي الدولة القوية في منطقة مدوّلة بعمق وتجاورها إسرائيل، لكن الحالة العراقية تزكي تصورا للقوة مختلفا عن نظام الحزب الواحد والأجهزة الأمنية. هذا فضلا عن أن الانتعاش الاقتصادي يقتضي استقرارا أمنيا متينا.
بيد أن هناك مشكلتان كبيرتان تحولان دون إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية: المشكلة الإسرائيلية، والوعي الذاتي للنظام. إسرائيل تحتل 1250 كيلومترا مربعا من الأرض السورية في الجولان منذ أكثر من أربعين عاما. لكن يبدو أنها تحتل 100% من الأرض النفسية والثقافية للحياة العامة السورية، وحاضرة منذ أربعين عاما، بل ستين، في حياة كل واحد من السوريين، 19 مليونا اليوم. كيف ذلك؟ كيف حصل أن استسلمنا كل هذا الاستسلام للعدو، وسمحنا له باحتلال حياتنا الوطنية، السياسية والنفسية والثقافية، إلى هذا الحد؟
يتعين النظر في هياكل السلطة والمعرفة القائمة من أجل الإجابة على السؤال، وبالتحديد إلى قيامهما معا على الاستثناء. "المعرفة" تقرر أننا في حالة حرب ضد عدو،وما يستتبع ذلك من "صمود" و"ممانعة" و"تضحيات".. والسلطة تقوم على حالة طوارئ دائمة، وما يقتضيه ذلك من "أمن" وسلطة محض. وتسعف أوضاع المشرق غير المستقرة لإدامة نظام الاستثناء السياسي والثقافي ومنع تطبيع الحياة العامة. ومنذ مطالع العهد البعثي على الأقل ترافق ذلك مع زوال المجال العام الوطني، أي الدولة والمجتمع سياسي. هناك من جهة مجال فوق عام، تحلق فيه قضايا كبرى ومعان مجردة (الأمة العربية، التحرير، النضال، الشهداء، التضحيات..)؛ ومن جهة أخرى هناك سلطة جهازية، حزبية صراحة، وهناك مصالح خاصة متنوعة، وهناك تكوينات أهلية، أي مجال دون عام، تقيم فيه قوى عيانية وجزئية، لا ترتفع إلى مستوى العام. ويتكفل المجال فوق العام، الإيديولوجية وخرافاتها المقدسة، بتمويه هذا الواقع، بالتحديد حجب إشغال عالم المصالح والتكوينات الجزئية لموقع الدولة وسلطاتها ووظائفها. ويقع على ذلك المجال أيضا جعل السلطة معيارا للحقيقة، وشل قدرة الوعي العام على النقد والتفكير المستقل. الواقع أن مبدأ الحقيقة يتبخر، وفكرة معرفة موضوعية تتلاشى. ويلتحق العام العقلي بالعام السياسي إلى لجة العدم.
الغرض أن نقول إن زوال المجال العام والدولة أخطر من زوال فلسطين، وأن تحريرهما مقدم على تحرير أية أراض محتلة، إن في الجولان أو فلسطين. الغرض أن نقول أيضا المشكلة الإسرائيلية "وظيفة" لتصور معين للذات يتكفل به "نظام معرفة" مفروض ومحمي بالتخوين والتخويف، وأن من شأن مراجعة هذا وإعادة بنائه أن يجعل المشكلة الإسرائيلية مسألة عملية، صعبة على الأرجح، لكنها ليست مستحيلة الحل كحالها اليوم. فإسرائيل اليوم ليست مشكلة لأنها أقوى منا، وأكثر تقدما منا علميا وتقنيا واقتصاديا، أو لأنها ديمقراطية؛ إنها مشكلة لأننا مشوشون بالكامل حيالها، فكريا وعمليا وأخلاقيا. ولا سبيل إلى الخروج من التشوش إلا في سياق إعادة هيكلة النظام السياسي ووعيه لذاته باتجاه نزع الاستثناء السياسي والثقافي، وتطبيع الأوضاع الداخلية والتفاعلات الإقليمية للبلاد في اتجاه ما بعد قومي: تعاون إقليمي وشراكة اقتصادية وأمنية ومحاولة التحكم بمفاعيل العولمة. هذا ما قد يجنب البلاد خضات وتفجرات مدونة في بنية نظام الاستثناء ذاتها.
استرجاع الجولان يساعد، والسلام مع إسرائيل يساعد، لكن ينبغي أولا استرجاع الدولة وإرساء السلام الوطني الداخلي.
تحتاج "الأمة الوسط" إلى هياكل سياسية قائمة على التوسط والاعتدال، تثمّر ميزاتها الكثيرة، وتمكنها من الاسترخاء في محيطها. أمن سورية يحتاج قبل كل شيء إلى تصور مختلف لسورية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
- تراجع السياسة الوطنية وصعود السياسة الأهلية
- تحقيب تاريخي بلا تاريخ: تعقيب على تعقيب بكر صدقي
- في شأن مشكلات العرب الواقعية ومشكلتهم الثقافية
- الإصلاح السياسي وإعادة بناء الهوية الوطنية في سورية
- بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
- نظرات أولى في أطوار التاريخ السياسي الإيديولوجي المشرقي المع ...
- أية أكثرية جديدة لحل المشكلات الطائفية؟
- حين تكون المذابح أداة سياسية.. السياسة تموت!
- في نقد العلمانية والديمقراطية أو مشكلتا الدين والدولة
- في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويل ...
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -أمة وسط- في المشرق؟!