أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - دفاعا عن النظرية الماركسية















المزيد.....



دفاعا عن النظرية الماركسية


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 10:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



انطلق ( كارل ماركس ) من مقولته ( لقد انشغل الفلاسفة في تفسير العالم ، أما الآن فالمهم تغييره ) ليصوغ نظريته الاشتراكية العلمية من اجل عالم يسوده السلام ، خال من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، إذ الثروات كلها للجميع ، ولا تميز لأحد إلا بما يستحقه وفق قوانين عادلة يسنها ويحميها من يؤمن بأن الناس سواسية متكافلون مع بعضهم في حب ونكران ذات ، ولا مجال لمن يسعى للحصول على الثروة واحتكارها على حساب بؤس الآخرين في ظل أنظمة جائرة ، تكرس جهود الشغيلة والمبدعين لتحقيق أهدافها في السيطرة الغاشمة على الحياة في الدماء والشقاء .
لقد جذبت هذه النظرية العديد من المناضلين الذين يبحثون عن الطريق السليم في نضالهم من أجل التحرر الوطني والخلاص من كل ما يشوه الإنسان ويستبيح كرامته ، وساروا على نهجها باعتبارها مرشدا لهم في مختلف الظروف مبدعين في تطبيقها بوعي مجتهد بعيدا عن التعصب والجمود وفقا لقوانين التطور الشامل ، لأنها نظرية التطور الدائم نحو الإمام . لقد استلهمها قادة ومفكرون وما زالوا ، فلقد شغلت العالم وما زالت تشغله .
دكتاتورية البروليتاريا مرحلتها وأسبابها
ونتائجها:
حينما نتطرق في الحديث عن مرحلة دكتاتورية البروليتاريا بعد قيام ثورة أكتوبر العظمى لا بد من دراسة ومعرفة أسبابها وأهدافها ونتائجها . فالمرحلة الحرجة والظروف الصعبة التي حدثت فيها الثورة والتي طبقت من خلالها سلطة دكتاتورية البروليتاريا التي كانت ضرورية ومهمة ، فثورة أكتوبر العظمى قسمت الشعب الروسي إلى قسمين : القسم الذي قام بالثورة من العمال والفلاحين والمثقفين والجنود ، وكل القوى التي لها مصلحة في التغيير والتقدم ، والتي تتطلع إلى حياة أفضل يسودها السلام والأمان والتقدم والسعادة والازدهار ، والقسم الأخر المتكون من الإقطاعيين والرجعيين وأنصار القيصر الذين لا يرغبون في التغيير ، ويريدون المحافظة على مكاسبهم ومكانتهم وسلطتهم ، ومن خلال هذا التناحر والتناقض والصراع يحدث التطور في المجتمع والتاريخ .
إن القوى الرجعية والقوى المتضررة من الثورة لم تترك الثورة وحالها وإنما تحركت لإجهاضها بمساعدة أربع عشرة دولة استعمارية وقد قال في حينها رئيس وزراء بريطانيا ( تشرشل ) ( يجب القضاء على الشيوعية ما زالت في البيضة قبل أن تنمو وتترعرع وتتطور ) .
ثم حدث تمرد جنرالات الجيش بمساعدة الرجعيين وأنصار الحكام السابقين لإجهاض الثورة الوليدة والقضاء عليها ، وضرب الحصار الاقتصادي على الاتحاد السوفيتي ، فكانت دكتاتورية البروليتاريا لكبح جماح أعداء الثورة والشعب والمحافظة على الثورة وصيانتها وديمومتها .
ان دكتاتورية البروليتاريا تعني لا حرية لأعداء الشعب أولئك الذين ضربت مصالحهم ومراكزهم من أنصار النظام القديم وإطلاق الحرية والديمقراطية الموجهة والصحيحة ، والواسعة لأنصار الثورة من العمال والفلاحين والمثقفين والطبقات التي تسعى وتطمح في التطور والرقي وبناء المستقبل الأفضل لكل أبناء الشعب .
إن الحكم على مرحلة دكتاتورية البروليتاريا يجب أن ينطلق من خلال دراسة الظروف والتطورات والأخطار التي أحاطت بها ، كما اتضح ذلك في كتاب ( عشرة أيام هزت العالم للكاتب جون ريد ) الذي يتحدث عن تلك الثورة العظيمة التي فتحت الآفاق الرحبة وأبواب التاريخ الواسعة أمام آمال وطموح الملايين من أبناء الشعوب التي تتطلع إلى مجتمع تسود فيه العدالة الصحيحة والعلمية ( حيث لكل إنسان حسب طاقته ولكل إنسان حسب حاجته ) ويلغي فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان والظلم والاضطهاد والقضاء على الأمية والجهل والمرض .
في مثل هذه الظروف والأحداث والمخاطر ماذا يكون موقف قادة الثورة العظام ؟ ألم نلاحظ الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين إن أية دولة تتعرض إلى مخاطر داخلية وإحداث وفوضى تعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية وتشكيل غرفة عمليات لمواجهة ذلك الموقف ؟
إن إصدار الأحكام على مرحلة من التاريخ دون معايشتها ودراسة أسبابها ومعرفة حيثياتها وظروفها والاعتماد على أقاويل وكتابات منتقديها الذين هم بالأساس من خصومها والمتشككين بها وبدورها في التاريخ ومن الذين وقفوا واصطفوا في طابور ( يا أعداء الاشتراكية اتحدوا ) .
إن الظروف الحالية والمستجدات التي حدثت على الساحة الدولية ( بانهيار المعسكر الاشتراكي ) أدى إلى فرض مرحلة جديدة ( مرحلة العولمة والقطب الأوحد الذي تقوده الولايات المتحدة ألأمريكية ، والثورة المعلوماتية التي جعلت من العالم أن يكون قرية صغيرة) وتجريد النظرية العلمية الماركسية من جميع محتوياتها والتشكيك بأفكارها واعتبارها أفكارا طوباوية ومثالية ، وجندت من اجل ذلك العشرات من المطبلين والمزمرين من أشباه المثقفين للتبشير بالعهد الجديد من الليبرالية وطي صفحة النظرية العلمية الماركسية وآفاقها الرحبة في مستقبل سعيد للإنسانية جمعاء ، ومن اجل ذلك شجعت على نشر الكتب التي تؤيد رؤيتها ووجهة نظرها ككتاب ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير) للكاتب ( فرانسيس فوكوياما ) وكتاب ( تصادم الحضارات ) للكاتب ( صموئيل هنفتون ) وكتاب ( نهاية الشيوعية ) . وحتى تكتمل دائرة السيطرة تتسلل هذه الإيديولوجيات بأساليب وطرق مموهة تخفي حقيقة أهدافها الرامية إلى تدجين الجيل الصاعد عبر العديد من الأفلام والبرامج المؤثرة بإغرائها وجاذبيتها في منحى التكوين العقائدي للشباب وهم في طور التفتيش عن ملاذ تكتمل فيه شخصيتهم الموجهة حتى تتطابق وفق هذه السياسة الإعلامية مع نماذج أبطال الأفلام ذات مضمون يحثهم على الانخراط في دائرة الاستهلاك السوقي .
إن الأمانة الفكرية تقتضي الصمود ومواجهة الافتراءات المجحفة بحق الخيار الإنساني للبشرية في اختيار أنظمتها ، نظام اجتماعي عادل يوفر الفرص أمام الجميع بالتساوي والى نظام اشتراكي منقح من أخطاء نموذج النظام الاشتراكي السابق في تطبيق النظرية الماركسية العلمية بعيدا عن الجمود العقائدي والبيروقراطية والأنانية والمصلحة الذاتية .
بداية ظهور الاشتراكية :
كانت الاشتراكية في بادئ الأمر فكرة مثالية قليلة الوضوح إلا بمقدار ما أوضحها اشتراكيون مثاليون إنسانيون من طراز ( سان ريمون ) و ( فورنيه ) و ( برودون ) و ( واوين ) الذين كانوا يبشرن بنظام اشتراكي مستوحى من مبدأ الإخوة الإنسانية والعاطفة والضمير والعدالة الاجتماعية ، وتقديم المساعدات للمعوزين أرضاء وتقربا من الكنيسة ، وكانت هذه الاشتراكية اشتراكية إنسانية طوباوية ومثالية تنبع من الضمير والعاطفة ليس لها مرتكزات علمية ومادية ، وكان أسلوبها هذا وقصورها في تفهم وتفهيم الحقيقة الاشتراكية سببا لظهور وقيام اشتراكيات جديدة ومتعددة ومتباينة في وجهات النظر ، منها الاشتراكية الديمقراطية ، والاشتراكية النقابية ، والاشتراكية التعاونية ، والاشتراكية التبادلية أو الإصلاحية ، والاشتراكية المسيحية ، ومن هذه الفوضى في مفهوم الاشتراكية انبثقت الأحزاب الاشتراكية في الدول ذات الأنظمة الدستورية ، وقيل لبعض الناس إن الاشتراكية يمكن تطبيقها ضمن نطاق هذه الأنظمة دونما الرجوع إلى المبدأ العلمي المادي التاريخي ، ودونما مساس بنظام إبقاء ملكية وسائل الإنتاج في حيازة الرأسمالي وحده ، وعلى الرغم من تكون الفكرة الاشتراكية فقد بقيت فكرة إنسانية في الضمير تقوم على العدالة الاجتماعية ذات طابع مثالي وطوباوي ومفهوم مبهم ينبع من الإخوة البشرية والضمير والعاطفة الإنسانية . وأخذت تتجاذبها تيارات سياسية ، ويتزعمها زعماء أحزاب سياسية ، وزعماء منظمات شعبية أمثال ( لاسال ) و ( بيبل ) و ( ليجنت ) لجذب جماهير الشعب بغية الوقوف ضد الدكتاتورية والطغيان والاضطهاد ، ومع إن اشتراكية هؤلاء كانت أكثر عملية من اشتراكية النخبة السابقة ( سان ريمون ) و ( فوزيه ) و ( برودون ) و( واوين ) ، لكنها لم تكن عملية إلا بمقدار ما توحي به المصالح السياسية والعاطفة الإنسانية و العدالة الاجتماعية في هذا البلد أو ذاك ، إذ إن القصر السياسي كان غالبا على القصر الاقتصادي، وتوفير حياة سعيدة مرفهة لجماهير الشعب تقوم على أساس علمي مادي .
إن التحرري الذي انبثق من الثورة الفرنسية كان بمثابة الرافد المغذي والعنفوان الدافع لنمو بذرة الاشتراكية ، وإخراج فكرتها العلمية المادية من طيات الضمير والإخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية إلى نور الوجود والحقيقة والواقع . وكانت الثورة الفرنسية سببا لاندلاع حركات شعبية تحررية واسعة أحدثت تأثيرا فعالا في النظم القائمة آنذاك على الرغم من مقاومة السلطات الرجعية لها وبذلها أقصى الجهود الترقيدية أحيانا والزجرية والعنف أحيانا أخرى لوقفها أو الحد من فعاليتها على الأقل . وما كاد القرن التاسع عشر ينتصف حتى أجبرت كثير من الدول على سن قوانين القضاء على العبودية والرق وتحرير العبيد والاقنان تحريرا قانونيا ، وكان أكثر أبطال الحرية والديمقراطية إخلاصا وتفانيا ( ابراهام لنكولن ) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فشرع قانون 1863 م القاضي بإطلاق الحرية إلى جميع السكان بما فيهم الزنوج وإضرامها حربا أهلية شعواء دامت عدة سنوات حتى انتصرت قوى الحرية والديمقراطية على قوى الاستعباد والعبودية .
كانت ثورة ( ابراهام لنكولن ) التحررية الشرارة التي ألهبت الضمائر والوعي الجماهيري لإشعال الثورات في كثير من الدول التي ترزح شعوبها تحت كابوس الظلم و الاضطهاد والاستعباد ، وكانت هذه الثورات أكثر جذرية وواقعية لتحرير الإنسان ليس فقط من الطغيان والاستبداد الحكومي والرجعية بل تحرره أيضا من الفقر والجوع والعوز والحرمان والاضطهاد . هذه الشرارة والشرارات الأخرى كانت اللهب الذي انطلقت منها الشرارة الأقوى والأعظم والأعم شرارة ( كارل ماركس ) للاشتراكية العلمية المادية التاريخية .
إن ( ماركس ) قد هبط بالفلسفة المادية العلمية التاريخية من سماء العلوم الطبيعية والمعرفة العلمية المجردة والافتراضات الفلسفية الصرفة إلى ارض الواقع ، وأصبح الصراع والمعركة ( صراع ومعركة الجماهير ) وليست عراكا فلسفيا ، وحولت الأفكار والقوانين من مجال الفلسفة إلى صراع طبقي خلال القوانين والظواهر والتطورات الاجتماعية .
إن النظرية الماركسية مبنية على المنطق والعقل ، وتقوم على المعرفة بالحواس التي تتألف وتتركب وتستنتج منها نتائج علمية موضوعية ، كما أنها انطلقت من حديث ناضج ومعرفة علمية تقوم على أحدث وأرقى معارف الإنسان في البحث والتحليل والاستدلال العلمي في شتى الميادين ، وهي تتمحور حول الإنسان وسعادته ورفاهيته ومستقبله ، وسعيه الدائب للخلاص من الاستغلال والاضطهاد والجوع والجهل والمرض والأمية ، وتوقه للحرية والعيش المرفه السعيد . واعتمد ماركس في نظريته على المذهب العقلي والكشفي معا ، واستطاع أن يرتقي بنفسه من المحسوس إلى المعقول ومن المعقول إلى الكشف بواسطة العقل .
والماركسية نظرية علمية تتألف من ثلاثة أقسام : ــ
1ـ المادية التاريخية : وهي تعميم للمنهج المادي على التاريخ حسب البحث والاستكشافات التاريخية ، والاستدلال والتحليل العلمي في قارات أمريكا الجنوبية وإفريقيا واستراليا وغيرها ، والنتائج التي أفرزتها هذه البحوث وما توصلت إليها من المفهوم المتداول الذي يقوم على التشكيلات المتعاقبة : ( المشاعية البدائية والعبودية والإقطاع والرأسمالية والاشتراكية ) .
2ـ المادية الديالكتيكية : على اثر دخول ماركس الجامعة في السابعة عشرة من عمره واقتحم الحياة بنهج ثوري عنيف ، وجعل يتفحص الفلسفة ( الهيغيلية ) تفحص الناقد المدقق، وحمل سيفا حادا في محاربة مثاليتها وضربها في النقاط الضعيفة التي بنيت عليها واخذ من ديالكتيكها سلاحا ضدها ، وطلع بديالكتيك جديد مستوحى من الحقائق العلمية المادية لا من الفكرة المثالية التي تستوحيها فلسفة ( هيغل ) ، إذ لم يكن عند ( ماركس ) إيمان بشيء إلا بما يدله عليه العلم والواقع التاريخي ، وتقوم على أولوية المادة على الوعي وعلى شمولية التناقض الجدلي ( الهيغلي ) وعلى أزواج المادة والوعي والجوهر والمظهر والشكل والمحتوى والكم والنوع .
3ـ الاشتراكية العلمية : تقسم بدورها إلى الاقتصاد السياسي للرأسمالية والاقتصاد السياسي للاشتراكية مندمجة في قوانين صارمة وثابتة للانتقال والنتائج والتضاد والتحول .
ومن خلال مكونات وأسس النظرية وضع ( لينين ) قاعدة الانتقاد والانتقاد الذاتي مدللا على إن النظرية الماركسية ليست عقيدة حكمية ، وان الانتقاد والانتقاد الذاتي يجب إن يكونا عنصرين صميمين فيها من اجل التوصل إلى معرفة الحقيقة ، إن عنصر الانتقاد يدخل في صلب كل فلسفة ، ولكن لم يسبق لفلسفة غير الماركسية أن أدخلت في صلبها عنصر الانتقاد الذاتي وأصرت على إحلاله عنصرا حميما فيها ، وهو الدليل على إنها الأكفأ بين كل الفلسفات التي سبقتها لاستطلاع الحقيقة والكشف عنها ، بل هو الدليل الواضح والثابت على أنها الفلسفة الوحيدة القابلة للتطور مع تطور العلم والمعرفة والفلسفة الوحيدة التي في وسعها حل مشاكل الناس .
كما إن النظرية الماركسية تستمد صيرورتها ومسيرتها وديمومتها واستمراريتها من القوانين العلمية التي تستطيع بواسطتها الاستكشاف والوصول إلى حقيقة الظواهر المختلفة والذي هو يعتبر مقياس علمية الفكر والمعرفة ، وان الفكرة التي لا يمكن التحقق منها استقرائيا ولا يمكن اختبارها تجريـبـيا ، يجب أن تحذف من قائمة الأفكار التي تدخل في دائرة العلم لأنها تبقى مجهولة وغير واضحة ما عدا الفكرة التي يجري اختبارها تجريـبـيا تعتبر مقياس الصدق ومصدر معارفنا للوصول إلى الحقيقة لأن الفكرة الصحيحة نظريا كما يقول ( أنجلز ) قد تلعب دورا رجعيا في التاريخ إذا ما طبقت في غير شروطها التاريخية ، فليس ثمة فكر اجتماعي لم يصبح واقعا حقيقيا إلا بعد اختباره تجريـبـيا واستقرائه واستدلاله ، وحينما نستلهم من التجربة ما هو سليم وصحيح فأن ذلك يتحول فكرة مرشدة للعمل .
كما إن جوهر النظرية الماركسية تقوم على ما يلي: ــ
1ـ إن الأشياء وجدت مستقلة عن الإنسان وعن شعوره ووجدانه .
2ـ لا فرق بين الأشياء وما ينتج عنها.
3ـ الاختلاف مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يصل الإنسان إلى معرفته.
4ـ لا عصمة في المعرفة، إن الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته.
5ـ المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست محدودة ولا مطلقة بل نسبية وقابلة للبحث والاستكشاف.
لقد تكونت النظرية الماركسية نتيجة لمؤثرات الثورة الصناعية التي تفاعلت وانبثقت من خلالها نظرية مبدعة في ظروفها وشروطها التاريخية وما تعكسه وتقرره مؤثرات ومعطيات الثورة التكنولوجية من مفاهيم ومقولات في النظرية الماركسية بما يتلاءم مع روح العصر وشروطه المختلفة معتمدة على قانون جدلية الفكر الماركسي الخلاق الذي يقوم على الوعي الفكري وعلى التغيير المستمر متكيفا ومنسجما مع ضرورات وظروف كل مرحلة جديدة من حيث الزمان والمكان والشخصية الإنسانية ، وإنها تعتبر لا شيء مطلقا في الوجود سوى الحركة والتغيير، مما يعني إن الفكر الماركسي وتطبيقاته يجب إن لا تترجم بشكل حرفي بل حسب المستجدات والمتغيرات التي تستوحي من خلالها الغاية والمنفعة ، وقد تتخطى مقولات ماركس نفسه مما يستلزم ويستدعي إعادة النظر والتحليل والبحث ومراجعتها أفكارا ونصوصا مراجعة مستمرة كي تبقى أداة منهجية فعالة في وقائعها ومعطياتها بدلا من الاعتقاد المطلق بها على الصعيد النظري والتطبيقي ، وهذا مما يعني إن الفكر الماركسي ليس ثوبا مفصلا وجاهزا يمكن ارتداؤه في أي وقت ولا يحتمل التعديل . من سمات الفكر الماركسي المبدع والخلاق التعديل الدافع وفق متغيرات الظرف ألزماني والمكاني ، وحسب تطور ووعي مستوى الشعوب وفق خصائصها المجددة وتقاليدها وعاداتها ومكوناتها النفسية .
ليس هناك خلاف في جوهر النظرية الماركسية وإنما هنالك فرق في طرق تطبيقها بما يتلاءم مع المراحل التاريخية وظروف ملابساتها ومشاركاتها من حيث الزمان والمكان والشخصية الإنسانية ، ومن خلال العمل والنضال والملاحظة ، إذا عجز التطبيق عن تحقيق النظرية الماركسية فلا بد من وجود خلل في ذلك التطبيق مما يستدعي إعادة النظر والتحليل والبحث ومراجعتها أفكارا ونصوصا وملاحظة الاختلاف والتغير لأن ما يصح تطبيقه في مجتمع ما يكون صحيحا اليوم قد لا يكون كذلك غدا بسبب تبدل الواقع ، وكذلك من حيث الشخصية الإنسانية لأن كل فرد وكل باحث أو مجتهد يفهم الفكر ويتعامل معه وفق خصائصه الشخصية وثقافته ومعرفته وتكوينه العقلي والنفسي ومن حيث الرؤيا والاجتهاد .
هكذا وبكل بساطة ينتهي الصراع ويحل السكون في معادلة نافية لآلية التطور التاريخي وناهية لصيرورة التحولات الاجتماعية لتنعقد المصالحة بين التاريخ ومبتغاه الرأسمالي المتمثل بالسيطرة المحكمة من مفاهيم ومقولات ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية باعتبار أن هذه المصالحة تعبر عن طبيعة الإنسان المتعطش للاتساق مع ذاته المفتقدة في كل هذه الأنماط الاجتماعية السابقة وخاصة النظام الاشتراكي غير المتلائم مع طبيعة البشر الساعية بدورها إلى الاستقرار من خلال صيغة مجتمعية تتوافر فيها حرية الفرد وتتحقق بها مصالحه المتعارضة والمتضاربة مع ما ترمي إليه القوانين العلمية ومبادئ المنظومة الاشتراكية ، وهذا ما تسبب بحسب ما تطالعنا به النظريات الجديدة للنظام العالمي الجديد بالثورة والتمرد للإطاحة بهذه الأنماط والأنظمة وذلك لتبديلها بصيغة نظامية أكثر انفتاحا بعدما كانت الاشتراكية خيارا وهدفا رئيسا لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العالقة عند تلك الشعوب التي تعيش الآن مخاض التغيير الذي يفترض إلا يتخذ منحى رأسماليا كما يعتقد أصحاب النظريات المهللة لنهاية التاريخ وصدام الحضارات في هذا النظام الرأسمالي الواعد بمفاجآت أقلها ما نشهده على الساحة الدولية من مجازر وحروب وجوع وبطالة ومرض نرتسم معالم النظام الجديد .
إن الذي حصل بانهيار المعسكر الاشتراكي هو انهيار النموذج في التطبيق وليس للفكر الماركسي والقيم والمفاهيم الاشتراكية ، إنه انهيار نتيجة الانحراف عن محتوى الاشتراكية الصحيحة وجوهرها الإنساني الديمقراطي بالاعتماد على عبادة الفرد وترسيخ نهج الركود والجمود الفكري والنزعة الفردية البيروقراطية والأوامر الإدارية الأنانية وإغفال الخصوصيات التاريخية والاجتماعية لكل بلد . وكان المنظرون والمفكرون والباحثون الشيوعيون يستمعون فقط ويرددون ما يسمعون دون النظر إلى ظروف وطبيعة بلدانهم وتقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بينما قانون جدلية الفكر الماركسي وجد لكل زمان ومكان وتكوين الشخصية الإنسانية واختلافها من منطقة إلى أخرى وتشبه النظرية كالعربة يستطيع قائدها إن يسيرها في طرق معبدة أو طرق كلها حفر وحجر ومطبات ، ولكل طريق سلوك وعمل . كما إن البيروقراطية والتعالي على الجماهير والعجرفة والتقوقع في صالونات مغلقة بعيدا عن الجماهير ومشاكلهم ومعاناتهم ومعرفة حاجاتهم وآلامهم ، وعدم استماع واحترام الرأي الآخر، واعتماد الشفافية والحوار الفكري والإصغاء لشكاوى ورأي الآخرين وإنهاك الخزينة الروسية من خلال حرب التدخل بعد ثورة أكتوبر العظمى من قبل أربع عشرة دولة استعمارية للقضاء على الثورة الفتية العظمى والتي قال عنها رئيس الوزراء البريطاني ( تشرشل ) : ــ
( يجب إن نقضي على الشيوعية ما زالت في البيضة ولم تولد وتـنمو بعد )
ثم تمرد الجنرالات الروس أنصار القياصرة لإسقاط الثورة الوليدة ثم الحربان التي أشعلتها الامبريالية الاستعمارية والنازية المتوحشة والتي ذهب ضحيتها أربعون مليون إنسان ، إضافة إلى تدمير مدن بكاملها في الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وجميع البنى التحتية ومشاريع الخدمات والحرب الباردة والأحلاف العدوانية وسياسة حافة الحرب التي اتـّبعها في الخمسينيات وزير الخارجية الأمريكية ( جون فوستر دالاس ) ورئيسه ( ايزنهاور ) والتهديدات المستمرة بشن الحرب ضد المعسكر الاشتراكي مما دفع بالاتحاد السوفيتي إلى توظيف واستخدام الكثير من أمواله لبناء ترسانة حربية كبيرة لمواجه التهديدات الاستعمارية بدلا من استخدام وتوظيف تلك الأموال لتطوير ورفع مستوى العلم والمعيشة لشعوب الاتحاد السوفيتي وبلدان المعسكر الاشتراكي ، وكان أخطرها وأشدها الخديعة واللعبة الكارثية التي قامت بها وكالت المخابرات المركزية الأميركية بافتعال ( حرب النجوم التي جعلت الاتحاد السوفيتي إن يستخدم جميع إمكانياته الاقتصادية في بناء ترسانة رهيبة من الصواريخ والأقمار الصناعية والقنابل الذرية والهيدروجينية إضافة إلى الدور التخريبي للاقتصاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي التي قامت بها وكالات التجسس الغربية والأميركية وإفراغ المخازن من السلع والحاجيات الضرورية كالملابس والأحذية والمواد الغذائية إضافة إلى وسائل الإعلام لإذاعة صوت أوروبا الحرة التي تبث سمومها وتحريضها وتأليبها ضد الحكم والسلطة في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية إذ يستمر البث لمدة أربع وعشرين ساعة ، إضافة إلى المساعدات المادية والمعنوية التي كان الاتحاد السوفيتي يقدمها إلى شعوب البلدان المتحررة من الاستعمار والتي تناضل وتكافح من اجل استقلالها وحريتها في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ، إضافة إلى إن الاتحاد السوفيتي لا يستطيع الحصول على القروض من البنوك الدولية وكذلك الدول الرأسمالية مما أدى بشعوب تلك الدول إن تقف في طابور كبير من اجل الحصول على رغيف الخبز أو سلعة أو حاجة ضرورية ، مما أدى بهذا الطود الشامخ إن ينهار بفضل ومساعدة رجل حاقد على الاشتراكية ( غورباتشوف ).
بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والتي انهارت معه الآمال والأماني لملايين البشر الذين كانوا يتطلعون بأمل ورجاء إلى تلك القلعة العملاقة للسلام والديمقراطية نصير الفقراء والمضطهدين والشعوب المتطلعة إلى المستقبل المشرق السعيد فظهرت وطفحت تفسيرات المتشككين والشامتين ومن المطبلين والمزمرين فلابد من الإشارة إلى احد هؤلاء المهللين وهو ( فرانسيس فوكوياما ) مؤلف كتاب ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) حيث يقول في الصفحة 45 من كتابه المشار إليه : ( كيف إذن كانت هناك توقعات أولية لما حدث ؟ وما هو سبب الضعف الرهيب الذي حل بهذه الدولة القوية والتي ظهرت لنا بهذا الضعف منذ تفجر البروسترويكا ؟ )
كان العامل الأساسي الذي غاب عن المراقبين السياسيين الغربيين وتسبب في هذا الضعف الذي انتاب الاتحاد السوفيتي ، العامل الاقتصادي ، فقد كان من الصعوبة بمكان تحمل الفشل الاقتصادي لأن النظام السوفيتي قد أسس شرعيته بناء على مقدرته على تحقيق مستوى معيشي مادي مرتفع للمواطنين . ويستمر فيقول : ( فيما بين الأعوام 1928 إلى 1955 ازداد معدل النمو في الاقتصاد السوفيتي (GNP ) بمعدل سنوي 4,4% إلى 3,6% ثم ازداد بمعدل النصف مرة أخرى مثل (GNP ) الأمريكي خلال العقدين التاليين ، وهو ما أكسب تهديد ( خروتشييف ) الشهير بالقضاء على الولايات المتحدة الأميركية مصداقية إلى حد ما ، لكن منتصف السبعينات شهدت انخفاض معدل النمو السوفيتي بمقدار 2% إلى 3,2%سنويا فيما بين الأعوام 1975 إلى 1985 . إلا إن الدلائل تشير إلى مبالغة القيادة السوفيتية في الأرقام التي أعلنتها عن النمو الاقتصادي ، فقد أكد العديد من علماء الاقتصاد السوفييت إن النمو في هذه الفترة لم يزد عن 6,0% إلى 1% وأحيانا وصل إلى صفر بالمائة , إن تزايد نمو ( الناتج القومي الإجمالي ) والذي كان يسير جنبا إلى جنب مع الزيادة السنوية في مصروفات الدفاع خلال أوائل الثمانينات من 2% إلى 3% سنويا كان يعني ضمنا إن الاقتصاد المدني قد انكمش بمعدل كبير في العشر سنوات السابقة على وصول ( غورباتشوف ) إلى السلطة ) .
( يرى بعض المفكرين والباحثين الشيوعيين إن ما حدث في انهيار الاتحاد السوفيتي وأنظمة بلدان أوروبا الشرقية ليس إخفاقا أو نهاية للشيوعية وإنما هي تجربة أولى تاريخية لبناء الاشتراكية وصولا إلى الشيوعية، وان التداعي جاء نتيجة تراكم أخطاء وتجاوزات وتشويه للمثل والممارسات والأفكار الشيوعية ).
ويقول الأستاذ ( نديم مجدي ) في كتابه ( بيان الأطياف ) : ( إن الواجب والمسؤولية التاريخية تفرض إن نعطي هذه التجربة حقها في النقاش والتحليل والبحث لكي نصل إلى ما هو أفضل في خيارنا لبناء المجتمع الاشتراكي ، وليس من المعقول أيضا إن نتصرف كما يراد لنا أن نؤمن باستحالة تحقيق الاشتراكية فنفقد الأمل ونرضخ لما هو قائم ، فمن غير الممكن سقوط المعاني الإنسانية في الاشتراكية بسقوط تجربة محددة في تلازم شبه عضوي، وبالرغم من الذي جرى ومع هذا كله نستطيع أن نلاحظ إن رفض شعوب المنظومة الاشتراكية لأنظمتها لم يكن رفضا للغاية التي رمت إليها مفاهيم ومبادئ الاشتراكية بل تخليا عن مضاعفات أو ملحقات شوائب تطبيقها التي اتسعت لتحتل الحيز الأساس في أذهان مسئولي وأداري المنظومة الاشتراكية وذلك من خلال ما نشهده ونلاحظه من نتائج في الانتخابات الديمقراطية بعودة الأحزاب الشيوعية التي كانت بالأمس القريب هدفا لتمردها ، مما يعني إن للاشتراكية انجازات ايجابية لا يمكن إنكارها بالرغم من المساوئ التي اعترت تطبيقها فيما لو دخلنا في المفاضلة التجريبية لشعوب تلك الدول التي استعادت خيارها رغبة بالاشتراكية من خلال انتخابها ألاستفتائي الراهن لأحزاب اشتراكية وفي كثير من الدول الاشتراكية السابقة .
كما نجد إن وهج الاشتراكية لم يقتصر تأثيره على البلدان الحائرة في خياراتها النظامية بل تعدى ذلك ليطال عمق النظام الرأسمالي في الغرب بحيث انتظمت فيه شرائح وفئات واسعة في قطاعات نقابية حققت الكثير من المطالب والمكاسب الاجتماعية المشروعة من مجانية التعليم والطبابة إلى زيادة الأجور وتقليل ساعات العمل كما إن وهج الاشتراكية شمل كثيرا من دول أمريكا اللاتينية ، لقد جرى ذلك تماشيا مع مبادئ وأهداف الاشتراكية حتى إن جاذبية هذه التسمية (الاشتراكية ) وصلت إلى إطلاقها على العديد من أحزاب ذات طابع يميني ومحافظ بداعي التجييش والاستقطاب الشعبي لغرض الوصول إلى سدة السلطة في العالم الرأسمالي ، مما يعني إن وعي الشعوب المعاصرة وإيمانه العميق بالاشتراكية قد لامس حاجته لاشتراكية تراعي خصوصية وظروف واختلاف التراث الحضاري في كل أمة ودولة بعيدا عن دوغمائية القوالب الجاهزة والجامدة في زمن التطور التكنولوجي السريع ).
أما الفيلسوف لبريطاني ( برتراند راسل ) فيقول في كتابه ( الحرية والتنظيم ) وصفا للبيان الشيوعي : هو عمل من الأعمال الخارقة في حيويتها وقوتها ، ويعرض في اختصار أنيق العبارة ( القوى الخارقة في العالم ومعركتها الأسطورية والنهاية المحتومة )
انه مؤلف ذو أهمية قصوى في تطور الاشتراكية ، كما انه يعرض عرضا يدعو إلى الإعجاب بالمبادئ التي ذكرت في إسهاب أكثر في ( رأس المال ) مما ينبغي معه على كل من يريد إن يفهم السيطرة التي اكتسبتها الاشتراكية الماركسية على عقول وأخيلة نسبة كبيرة من زعماء الطبقة العمالية وأن يلم بعباراته الأخاذة ، كما يتطرق إلى الشيوعية فيقول : إن الشيوعية تقدم حلا للمعضلة الصعبة وتساوي بين الجنسين ، وتمنح الأطفال التربية التي تستبعد فيها فكرة التنافس المعادي للمجتمع ، وتخلق نظاما اقتصاديا يكون نقيضا عمليا ووحيدا لنظام الأسياد والعبيد ، وهي تزيل الفصل بين المدرسة والحياة ، وهي تمنح الشباب أملا ليس خياليا ، فإذا استطاعت الانتصار ــ وهذا ممكن ــ فإنها سوف تحل أغلب الشرور الرئيسية في المجتمع ، وعلى هذا الأساس ( رغم الحفظ ) فأنها تستحق المساندة والتأييد ، كما يقول : إن المثقفين في كل بلد ــ ما عدا روسيا ــ انتهازيون يميلون لأن يكونوا أدوات طيعة بيد الأغنياء ومساندين لهم ( كتاب التربية والنظام الاجتماعي للفيلسوف برتراند راسل ) ويقول في كتاب ( الزواج والأخلاق ) : لا يوجد قطر في العالم كله ، ولا عصر من العصور في تاريخ العالم كانت فيه الأخلاقيات نابعة من الجوانب العقلانية إلا في روسيا السوفيتية، اعني إنها لم تـنبع من الخرافات والتقاليد البالية .
يقول الرئيس الأسبق للهند الراحل ( نهرو ) في أحد رسائله إلى ابنته ( أنديرا غاندي ) حينما كان في السجن : إن الماركسية طريقة لتفسير التاريخ والاقتصاد والسياسة والحياة والنزاعات البشرية ، وهي نظرية لدعوة وعمل ما ،وفلسفة تـتـناول جميع نواحي النشاط الإنساني ، ومحاولة لجعل التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله نطاقا منطقيا يحمل في طياته مصائر محتومة كالقدر . ولاحظ إن الإنسان منذ وجوده يجاهد في سبيل بقائه ضد الطبيعة وضد أخيه الإنسان ولذا فانه جاهد للحصول على ما يسد به رمقه ويكفل له ضروريات الحياة وكلما مر به الزمن تطورت أساليبه في حصوله على حاجته ، ويعتبر إن وسائل الإنتاج مقومات الحياة وأهم ما يشغل بال الإنسان والمجتمع في كل مكان وزمان ، ويعتبر انتصار الطبقة الجديدة الناحية الاقتصادية والسياسية ، وهو يعبر عن انتصار وسائل الإنتاج الجديد مما يؤدي إلى تغيير في نسيج المجتمع بأسره من الناحية الفكرية والسياسية والقانونية والعرقية وغيرها . وتصبح هذه الطبقة الجديدة مستغلة لمن دونها من الطبقات حتى تقوم مكانها طبقة أخرى، ويستمر الكفاح حتى يصل المجتمع إلى المرحلة التي لا يستغل فيها طبقة ما طبقة أخرى . وهذا لا يتهيأ إلا عندما تزول الطبقات من المجتمع وتبقى طبقة واحدة، فلا يبقى مجال للاستغلال لأن الطبقة الواحدة لا تستغل نفسها وهذه هي الوسيلة الوحيدة لخلق التوازن في المجتمع وقيام التعاون مكان التنازع والتنافس القائمين حاليا .
ويقول الفيلسوف الفرنسي ( جان بول ساتر ) : إن الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها بعد . يخطئ من يحكم على مستقبل الشيوعية على ضوء حاضرها المأزوم لأن التاريخ ليس أبدا لقطة فوتوغرافية ساكنة للحظة زمنية راهنة وإذا كان النموذج السوفيتي بل أخطاؤه وانحرافاته قد سقط في الاختبار وانهار فان هذا لا يبرر أبدا الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية ذاتها تماما كما إن موت المريض داخل غرفة العمليات بسبب خطأ ارتكبه جراح لا يبرر أبدا الدعوة لإلغاء علم الجراحة ، وسيظل الأطباء يصيـبون ويخطئون ، وسيظل المرضى يشفون ويموتون ، وسيظل الطب محتفظا بمكانته كعلم يواصل اكتشاف الجديد وأداء رسالته في المعرفة الإنسانية . ويقول الأديب الكبير أديب مروة : إن التجربة بالرغم ما فيها من أخطاء يجب دراستها بروح موضوعية لكي نصححها وتستفيد منها الأجيال القادمة في ظروف بالغة الدقة والصعوبة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .
ويقول الأستاذ محمد نبيل الهلالي ( الشيوعي المصري ) : إن الماركسية ليست نصوصا مقدسة جامدة بل هي نظرية حية ومتجددة وهي لا باضت ولا شاخت ولا ماتت ، الشيوعيون هم الذين يخطئون ويشيخون ويموتون أما الماركسية فهي نظرية قادرة على تجديد وإثراء نفسها وتصويب أخطائها .
ويقول احد المفكرين : إن الالتصاق العضوي بين الماركسية والاشتراكية في وعي الناس قد يدفعهم إلى إلقاء التهم جزافا على الماركسية حينا وعلى الاشتراكية حينا أخر من دون التفكير في طريق الخروج من المأزق الراهن فبغض النظر عن من يتحمل المسؤولية في فشل هذه التجربة وحتى لا تقع في دوامة الجدل البيزنطي ( الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة) لابد من المشاركة في إيجاد حلول منسقة مع المعاني الإنسانية للاشتراكية ولو إن الدلائل جميعها تشير إلى إن الخطأ في التطبيق وليس في النظرية ماعدا البعض الذي يحمل جزءا من المسؤولية على النظرية وذلك من اجل الاستفادة من أخطاء هذه التجربة من دون الاستعجال في إطلاق الأحكام المبرمة بحق حاجات المجتمع المعاصر لبدائل ليست هي في مكان ولا في ما هو سائد إلا إن معانيها وعناوينها ( التجربة المأمولة تتضح أكثر فأكثر من خلال جلاء صورة الوضع القائم بكل معالمه هذه التي كانت كامنة وراء الخطابات الإيديولوجية المشوشة لخياراتـنا المستقبلية ) .
وقد كتب عالم الرياضيات الكبير واكبر علماء الفيزياء ( البيرت اينشتاين ) مقالته الموسومة ( لماذا الاشتراكية ) سنة 1949 في المجلة الأميركية ( مونتلي رفيو ) قال فيه : إن نشوء الطبقات الأساسية في المجتمع من الناحية التاريخية والطبيعة القسرية للتمايز الطبقي والذي أنعكس على المجتمع من خلال عزلة الفرد عن مجتمعه . ويرى إن الظروف دفعت بالإنسان للوصول إلى حالة من اليأس والاغتراب مع انه يسعى ويجاهد من اجل الوصول إلى حالة من التوازن مع نفسه ومع المجتمع لذلك فقد الأمل في تحقيق أي نجاح مهما كان ضئيلا ، لأنه كان يسعى في فراغ . انه التعبير عن الغربة المحزنة والعزلة التي يعاني منها الكثيرون في هذه الأيام ،ويعتبر الإنسان كائنا مزدوجا : فهو من ناحية كائن فرد له طموحاته وآماله وتحركه حوافز معينة ، وله مصالح شخصية يدافع عنها ويسعى من اجل إنمائها ، ومن ناحية أخرى انه كائن اجتماعي له علاقاته المتشابكة يؤثر ويتأثر بمن حوله ، لهذا تنشأ لديه قيم وأهداف ورغبات متغيرة ومتعارضة ، وفي ظل وجود مثل هذه القيم المتغيرة والمتعارضة على الدوام والمناقضة أحيانا لطبيعة الإنسان الخاصة وعبر تركيباتها النوعية يتحدد المدى الذي يمكن أن يصله الفرد في سعيه من اجل بلوغ حالة التوازن وقدرته على فعل ما هو خير لصالح المجتمع كما يشير في مقالته : إن الإنسان يكتسب منذ ولادته مكونات وراثية بايلوجية يفترض أن تكون ثابتة غير متغيرة مع الزمن وتغير الظروف ، ومن بين هذه المكونات الحوافز التي تعتبر السمة المميزة للجنس البشري إضافة إلى ما يكتسبه خلال حياته من مكونات حضارية يحصل عليها نتيجة اختلاطه بالمجتمع . ثمة نقطة أخرى يثيرها ( اينشتاين) خلال تحليله للعلاقة بين الفرد والمجتمع وهي إن الإنسان ليس كائنا سلبيا بل هو قادر على إن يؤثر كثيرا من خلال موقعه ودوره ومستقبله ومن خلال المقارنة المتعلقة بالحضارات تبين إن السلوك الاجتماعي للأفراد مختلف من مجتمع إلى أخر ومن عصر إلى أخركما إن ( كارل ماركس ) قد أعار العلاقات الاجتماعية أهمية أساسية في التطور المتسق والشامل لشخصية الإنسان ، ويعتبر مجموع العلاقات الاجتماعية هي الحاسمة في تشكيل الإنسانية وان رغبات الإنسان تكمن تحت جميع العلاقات الاجتماعية، ومن هذه التحاليل والاستنتاجات يتبين انه ليس محكوما على البشر بفعل طبيعتهم البيولوجية أن يقتل ويبيد أحدهم الأخر أو أن يكون تحت ظروف وقدر متوحش نابع ومتأصل في النفس البشرية مما جعل ( اينشتاين ) أن يغلق الطريق منذ أواسط القرن الماضي أمام الأصوات النابحة والمطبلين والمزمرين ، أمام الأصوات التي ترتفع ألان لتعلن إن رفض فكرة الاشتراكية أمر محتوم ، تفرضه عوامل بيولوجية كامنة في الطبيعة الإنسانية الأنانية كما يطرحه الكاتب ( فرانسيس فوكوياما ) وأتباعه في كتابه ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) عن وصول البشرية إلى أخر مراحل تطورها .
ويتساءل ( اينشتاين ) عن الأسباب الجوهرية التي قادت إلى هذا الخلل الكبير في العلاقة بين الفرد والمجتمع ؟
فيجيب : إن الفوضى الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي ( كما يتجلى اليوم ) هو المصدر الحقيقي للشر ( ويلاحظ إن هذا المجتمع الضخم من المنتجين يسعى أعضاؤه باستمرار إلى تجريد بعضهم البعض من ثمار عملهم الاجتماعي ليس عن طريق القوة فقط بل عن طريق الإذعان لشرعية القوانين السائدة الآن في مرحلة العولمة والثورة المعلوماتية والقطب الأوحد للولايات المتحدة الأميركية ).
لقد أكد ( اينشتاين ) هذه الأهمية للعلاقة بين الفرد والمجتمع ليثبت ويستنتج إن الأنانية وحب الذات ليست صفة راسخة في الطبيعة البشرية بسبب عوامل بيولوجية بل هي خاضعة لطبيعة النظام الاجتماعي ، وذهب أبعد من ذلك حينما عبر بصراحة عن تعاطفه مع فكرة الشيوعية إذ قال : إن الفلسفة التي تقف خلف الشيوعية تمتلك العديد من المزايا لكونها تسعى إلى إنهاء استغلال الإنسان وتوزيع العمل والخيرات حسب الحاجيات والقدرات . وقال في موضوع آخر : إن الشيوعية كنظرية سياسية واقتصادية واجتماعية تعتبر تجربة هائلة وتصب في مصلحة الإنسان والمجتمع وسعادته ومستقبله الأفضل .



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - دفاعا عن النظرية الماركسية