أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - رياض حسن محرم - من أصداء الحركة الطلابية فى السبعينيات















المزيد.....

من أصداء الحركة الطلابية فى السبعينيات


رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 05:26
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الى من رحل فى هدوء
الى روح الصديق المناضل /لطفى نور الدين

تأتى هذه الوداعية متأخرة ربما ثلاثون عاما عن موعدها, لكن لعل الظروف هى التى حكمت بذلك ,ودون الدخول فى التفاصيل دعونا نبدأ .
حدث هذا فى بداية عام 1973حيث كان الإعتصام الطلابى بكلية الهندسة جامعة الأسكندرية قد تم فضَة بالقوة بواسطة الأمن المركزى, وذلك بعد أن شعرنا بالإرهاق من السهر والبرد والضرب يوميا من العناصر الطلابية المباحثية, حيث كانوا يتربصون بنا يوميا بعد منتصف الليل, و كان عددنا قد تقلَص الى حد كبير,خاصة فى فترات المساء بعد إنتهاء الإجتماعات.
كان قد تم اختيارى لأمانة السكرتارية,وهى وظيفة بيروقراطية لكنها كثيرة الأعباء وحساسة, حيث أنها تسمح بتوجيه الموقف حيث تريد القيادة, وكنت من على المنصة المحه يتحرك كثيرا, يملك وجها بريئا وقلب طفل, يقوم بأعمال كثيرة لكنها غير ظاهرة, أعتقد إن لم تخوننى الذاكرة أنه كان فى لجنة التموين, وهى اللجنة المسؤولة عن كل الإمدادات المطلوبة للإعتصام ووكانت أعبائها متنوعة وكثيرة.
كنت قد أعلنت فى الميكروفون الداخلى قبل فض الإعتصام أن غدا الأحد التاسعة صباحا هوموعد التجمع أمام المجمع النظرىللقيام بمظاهرة, كنَا ملتهبين حماسا فى تلك الأيام, والرغبة فى التحدى عارمة, ولا توجد حدود لطموحاتنا
تسللنا فرادى من الأبواب الخلفية للكلية, وتفرقنا لقضاء ماتبقى من الليل على موعد اللقاء فى الصباح.
مرَت الليلة هادئة على عكس التوقع, وفى اليوم التالى كنَا بالموعد, بدأنا التجمع داخل أسوار المجمع النظرى, وما أن شعرنا أن حلقة الزملاء والزميلات بدأت تكتمل حتى قررنا أن نتحرك, طفنا بالكليات الثلاث رافعين شعاراتنا, ثم خرجت المظاهرة الى الشارع فى الطريق الى كلية الهندسة, فوجئنا بوجود أعداد غفيرة من قوات الأمن المركزى تملأ الشارع, مع وجود عدد من البوكسات لإخلاء من يقبض عليهم, صممنا على التحرك, بدأت بعض عناصر أمن الدولة والضباط فى محاولة فتح نقاشات جانبية لشق وحدة الصف, كنت قد لاحظت أن بعض الزملاء قد دخلوا فى مناقشات حامية مع رجال الأمن, رفعت صوتى صائحا: المسيرة تستمر,,,,,المسيرة تستمر , بعدها مباشرة بدأ هجوم قوات الأمن , وإرتفت العصى والهراوات على رؤوسنا,وبدأوا بالقبض علينا وتحميلنا فى البوكسات حتى
إمتلأ البوكس على آخره بالمتظاهرين وألقى بى أرضا بالبوكس وإنهال على أحدهم ضربا وهو يقول: خد يا بتاع المسيرة تستمر
عندما بدأ البوكس فى التحرك, وكان لطفى لم يقبض عليه , نظر حوله فلم يجدنا,وجدناه فجأة يجرى متسلقا السلم الخلفى للبوكس, ملقيا بنفسه بيننا وهو يصيح: خدونى معاكم
***
فى السجن كان يتمتع بجلد وصلابة, كان راغبا فى المعرفة, دائم البحث عن الأفكار, يقدم خدماته للجميع فى صمت وتواضع, وكان دائم التفاؤل. قررنا الإضراب عن الطعام مطالبين بتحسين ظروفنا المعيشية,من ذلك السماح لنا بالزيارات, والسماح بالجرائد والكتب, وبزيادة وقت الفسحة
كان نظام السجن الأَ يتم الإعتراف بالإضراب عن الطعام إلا بعد مرور أربع وعشرون ساعة, أى حينما يقدم الطعام فى اليوم التالى ويجدون طعام الأمس لم يمس,حينها تبدأ مجموعة من الإجراءات العقابية.
قبل بداية هذه الإجراءات يتم إجراء تحقيق منفرد مع كل مضرب على حده, عن أسباب هذا الإضراب,وتحذيره من العواقب,بعد ذلك يتم نقل المضربين الى غرف التأديب,بعد تجريدهم من كافة ما معهم ولا يسمح لهم بشئ الاَ ببرش وبطانية وجردلين أحدهما للبول والآخر للشرب وكروانة معدنية للطعام.
كنت لم أنتهى بعد من كتابة بيان الإضراب والذى سيتم تسريبه للجامعة, كان البيان عادة يبدأ بسقف عال من المطالب وعلى رأسها الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين فى كافة السجون المصرية مرورا بذكر الحقوق الديموقراطية من تنظيم وإضراب وتظاهر وإعتصام , ثم يتدرج البيان الى أن يصل إلى مطالبنا الإجرائية البسيطة, وتختتم جميع بياناتنا بعبارة ( كل الديموقراطية للشعب, كل التفانى للوطن.
***
كانت الشمس توشك على الغروب, وضوء النهار الآتى من كوَة عالية بالسقف يوشك أن يتلاشى, بينما كنت أمسك ببقايا قلم رصاص وقطعة من الورق فى حجم راحة اليد تم تهريبهما بوضعهما بين ثنايا البرش تضفيرا أثناء نقلنا للتأديب, كنت أكتب العبارة الأخيرة للبيان إستعدادا لتهريبه إلى خارج السجن عن طريق أحد أفراد الحراسة المتعاطفين ليتم نشره بالجامعة.
سمعت صوتا وجلبة بالخارج, تخيلت للوهلة الأولى أنها أصوات تغيير مناوبة الحرس, لكن الأصوات إرتفعت, سمعت المفاتيح تدور فى الأبواب بقوة لفتحها, لم تكن عندى فرصة لعمل أى شيئ, وضعت البيان فى جيب البنطلون الأيمن والباب يفتح بعنف ويد خشنة تقذف بى إلى الخارج.
وجدنا بالإنتظار بالخارج قوة من الحرس تقدر بحوالى عشرين فردا, على رأسهم مأمور سجن الحضرة فى هذا الزمن ويسمى ’’كميل عطالله ‘‘وكان يسميه المساجين لقسوته وبطشه ’’كميل شمعون‘‘.
بدأت الحملة فى تفتيش الزنازين وكلما إنتهوا من تفتيش زنزانة فتشوا أحدنا ذاتيا ثم سحبوه ليقذفوا به داخلها ويغلقوا الباب عليه بعنف.
كان وقوفى قبل الأخير, بعدى مباشرة كان ’لطفى‘ ,وضعت يدى فى جيب البنطلون على الورقة, جاء دورى وبدأ أحد العساكر تفتيشى, إبتداءا من شعر الرأس, وكانت أصابعى على الورقة تكورها ببطإ ,و قبل أن يسحب يدى إلى خارج جيبى رفعتها بسرعة لأضعها فى فمى وألوكها بين أسنانى بشدَه.
كانت عين المأمور كالصقر تراقب المشهد, إنتفض صارخا: طلعو الحاجة اللى حطها فى بقه إبن الكلب, تكالبوا على, أمسك احدهم بفكىَ بشدة محاولا فتحهما,بينما آخر يضغط بيده الغليظة على رقبتى, والآخرون ينهالون بالضرب على بطنى, سحبتهم وسقطت أرضا, إذداد الضرب على بطنى بأحذيتهم, وبعد أن إنتهيت من مضغ الورقة بصقتها.
فى هذه الأثناء لم يكن لطفى يدرك ما حدث , لكنه بتلقائية بدأ فى الصراخ والإشتباك معهم, مناديا على الزملاء, ليبدأ الصياح والشتائم من داخل الزنازين.
بسرعة مد المأمور يده للإمساك ببقايا الورقة المهترأة الممزوجه بالدماء والبصاق والطين, أسرع أحد الحرس بإخراج منديله ووضعها فيه.
إنتصبت واقفا, نظر إلى المأمور نظرة تحدى وإنفعال: فاكر نفسك بطل, والله لأربيك. نظرت إليه باسما فى سخرية وأنا أحاول أن أتماسك.
قذفوا بى فى الزنزانة, إنبطحت على أرضها الرطبة, لا أقوى على الحركة, مستعيدا المشهد كله, شاعرا بالنشوة أننا ما زلنا صامدين نقاوم, وما زالت المعنويات عالية.
***
أفقت لا أدرى متى من الليل على صوت دقات على الجدار من الزنزانة المجاورة, إنه لطفى, ناديت عليه, رد بصوت ضعيف قائلا أنه مريض, ويتنفس بصعوبة,لأنه مصاب بمرض عضال بالقلب, إنتبهت جيدا, بدأت بالدق والنداء على الزملاء اللذين إستفاقوا من النوم وبدأوا بالقرع على أبوب الزنازين الحديدية مستخدمين الكروانات.
فى عنبر التأديب لا يوجد حرس داخلى, أو ما يسميه المساجين’غفر الليل‘ ,وهم عادة لا يستجيبون لأحد , ولكنهم بسبب إصرارنا إستجابوا لإصرارنا وطلبوا نجدة, بعدها بوقت بسيط سمعنا صوت البوابة الرئيسية للتأديب تفتح, وصوت المأمور يأمر بفتح الزنزانة الخاصة بى, وعندما فتح الباب فوجئت بأنوار ساطعة موجهه الى وصوت يقول:تعال, وجدت بالخارج عدد من العساكر يحملون نقاَلة والمأمور كميل مرتديا بيجاما عليها روب دى شامبر يسألنى: فين زنزانة زميلكم المريض.
بعد أن حمله العسكر وإتجهوا به للخارج , بإتجاه مستشفى السجن, إلتفت الٌى المأمورقائلا:عرفت إن زميلكم مريض ,جيت بنفسى. وتغيرت نظرته ونبرات صوته وهو يقول:إسمع, مش إنتوا بس الوطنيين, إحنا كمان كنا بنعمل مظاهرات ضد الإنجليز, ولم ينتظر الرد بل إستدار ذاهبا.
***
بعد أن خرجنا من السجن إختفى عنَا مدة من الزمن, كنت كلما سألت عنه جاء الرد أنه مبتعد لإنهاء دراسته. بعد تخرجه, عاد مرَة أخرى الى النشاط الوطنى بقوة, شارك فى اللقاءات السياسية, والمؤتمرات الشعبية, وكافة الوان النشاط الجماهيرية
***.
بعد شهور غادرنا فى هدوء دون أن يحدث جلبة
***.
وداعا لطفى نور الدين
***
وداعا أيها الصديق



#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياة فى مرمى الموت
- البدلة الحمرا
- ثلاث قصائد
- أبانا الذى على الأرض
- ولادة
- الفارس الأخير
- ممنوع ذبح الإناث


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - رياض حسن محرم - من أصداء الحركة الطلابية فى السبعينيات