أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حسين ابو سعود - الطفل العراقي ... وقفة عاطفية















المزيد.....

الطفل العراقي ... وقفة عاطفية


حسين ابو سعود

الحوار المتمدن-العدد: 1981 - 2007 / 7 / 19 - 08:10
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    



عندما يتوزع صوت الاذان ساعة الفجر في الفضاء يمغط النيام اجسادهم ،و ليس للفقراء الا ان يفيقوا ويتهيئوا بعد الصلاة للبحث عن الرزق لسد الرمق اليومي ، ولاسيما طبقة العمال غير المهرة يتجمعون في أماكن معينة بانتظار من يأتي لياخذ معه مجموعة منهم خاصة لاغراض البناء، وهذا المنظر العادي يتحول الى لوحة مأساوية عندما نجد بين الواقفين اطفال او شبان في عمر الزهور تتطلع عيونهم الى فرصة عمل يومي ، والحسرة تعبث باحلامهم الوردية عندما يشاهدون اطفالا آخرين يتوجهون الى المدارس بملابس نظيفة حاملين معهم كتبهم وكراريسهم.
على ان المجالات التي يعمل فيها الاطفال تتعدى مجال البناء لتشمل جميع مرافق الحياة ، والطفل العراقي باوضاعه الرثة وهو يتجول بين السيارات وسط الشوارع المزدحمة والزوايا المليئة بالنفايات ، يفعل ذلك منذ تأسيس الدولة العراقية ولم تتحمل اي حكومة من الحكومات التي جاءت وذهبت عن طريق الانقلابات مسئولية الطفل ولم يرحمه احد ، بل ان هذه الحكومات اهملته وظلمته وجنت عليه حتى جعلت منه صباغ احذية وبائع علك ومتسول محترف وعرضة للانحراف والاغتصاب والاجرام، مع ان حق الطفل محفوظ في الشرائع السماوية وفي المذاهب الارضية ، وصار توفير الرعاية والحماية له مسطورا في الدساتير والقوانين وأما حال صغار العراق في الرزية لم تختلف عن حال الكبار بحال من الاحوال ، وحتى العاب الطفل العراقي بسيطة يخترعها لنفسه من علب الشخاط و(تايرات البايسكلات) والطيارات الورقية ، فصارت طموحاته محدودة للغاية مع ان ذكاءه لا ولن يختلف عن ذكاء الاخرين في دول العالم الاخرى الذين يخوضون الحروب الوهمية خلف لعبة البلاي استيشن ، الا ان الطفل العراقي كما يقال حظه مايل وهو المنتمي الى بلد النفط والخيرات وبلد الاضرحة والزيارات وبلد الزراعة و(التجارات )، وقد اضرت به الحكومات حتى شربته عقائد الحزب الواحد والتصفيق للرؤساء وعلموه اناشيد الجندية ، وتم تعويده على اصوات الانفجارات والحروب واثار الحصار حتى تجرع سم الاحتلال وصار يعاقر اهوال التفخيخ والقتل اليومي ، ووصل الامر الى زرقه هذه الايام بحقن الطائفية والقومية والحزبية ، وحتى تجار لعب الاطفال استهدفوه ولم يرحموه فصنعوا له المسدسات والرشاشات والدبابات البلاستيكية ، واغروه على شرائها ، فوجهوه الى العنف بدلا من توفير العاب التسلية البريئة والمشجعة على الاستكشاف لاسيما ان لعب الاطفال فيها فوائد جمة يتوخى منها الاتيان بنتائج ايجابية عن طريق كسب مهارات جسمية وعقلية وذهنية.
وليس هذا فحسب بل وصار له من التهجير نصيب فاجبر على مرافقة والديه الى خارج الحدود بحجة التبعية او بداعي الهروب من سطوة النظام والتوزع في ارض الله الواسعة فلم يبق في العالم منطقة لا يوجد فيها طفل عراقي وبعضهم وصل الى المدن المضيئة وصار يتمتع بحقوق الطفل وبعضهم توزع على ارصفة المدن في دول الجوار معرضا نفسه لمختلف انواع البلاء ، وقد رأيت مرة في السيدة زينب بدمشق طفلا متورد الخدين في صباح شتائي بارد ينظر الى المارة يستجديهم صبغ احذيتهم مقابل مبلغ بسيط يخفيه عن اهله ليشتري به سندويتش فلافل يسد به رمقه ويدفع عن تقاسيمه آثار الشحوب ، وقد يسرح خياله وهو يمسح الاحذية فيتخيل لعبة جميلة يداعبها بانامله ، وقال الطفل الجميل الذي كان يسعل من آن الى آن انه يتيم عراقي اضطر للعمل لمساعدة امه المريضة المفجوعة .
والحقيقة هي ان الطفل طفل سواء كان عراقيا ام صوماليا او هنديا تجمعهم البراءة والطهر وقد قدرت منظمة العمل الدولية في عام 2005 عدد الاطفال العاملين في العالم بــ 250 مليون طفل تتراوح اعمارهم بين 5 – 14 سنة يتركز 61% منهم في اسيا ، ولكن وضع الطفل العراقي له مزايا مأساوية خاصة فهوالذي حُرم في بلده حتى المياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي المناسبة ، وقد حدث في العراق تراجع ملحوظ في معدلات التحاق الاطفال بالمدارس في مختلف مراحل الدراسة وان 22% من اطفال العراق لم يلتحقوا اصلا بالمدارس ، وقد ذكرت منظمة رعاية الطفولة التابعة للامم المتحدة بان هناك اكثر من خمسة ملايين طفل يتيم في العراق و900 الف معاق ، وان اكثر من الف طفل قتلوا واصيبوا بسبب الالغام والذخائر الغير منفجرة لعدم استطاعتهم تجنب مثل هذه الاخطار ، فضلا عن الاعداد المتزايدة ممن يعانون سوء التغذية الحاد والمزمن ، وباختصار نقول بان جميع الاوضاع المأساوية التي يعيشها العراقيون تنسحب بالضرورة على الاطفال بصورة مباشرة .
اقول ان الطفل العراقي يختلف في بعض احواله عن اطفال الدول الفقيرة الاخرى لانه ضُرب من قبل حكومته بالاسلحة الكيمياوية وتعرض للاشعاعات الضارة وزج باباء الاطفال في حروب عبثية بدءا من حركات الشمال ثم حرب ايران ثم الكويت ثم امريكا ثم حرب العراق على العراق ، مما نتج عنه قتل واسر واعاقة اعداد كبيرة منهم ترتبت اثارها القاسية على ابنائهم ، وتكدس الطفل العراقي في الملاجئ والمخابئ اثناء الغارات ،وصار الان هدفا بسيطا لعصابات الخطف الذين يطالبون بالفدية فضلا عن انهم يشكلون لقمة سائغة للجريمة والمخدرات والعنف والبغاء ، وليس هذا فحسب بل قامت عصابات التكفير وحثالات الشقاة الجناة العتاة باستهداف مدارس الاطفال وتفجيرها في جرائم يندى لها الجبين الانساني .
فالطفل العراقي يحتاج اذن الى رعاية خاصة بعد الظروف الصعبة التي مر بها من خلال سن تشريعات خاصة لحمايته ، والمسئولية في ذلك لا تقع على عاتق الحكومة العراقية لوحدها بل ان على المجتمع الدولي وعلى راسها امريكا عليها ان تقوم بدور اساسي في ذلك ، وان القوى التي تتدخل في افغانستان والصومال والعراق عليها ان تضع الاطفال ايضا نصب عينيها وتوفر الحماية المطلوبة لهم ، وتحشد الطاقات والامكانات لدفع الفقر والجهل والامية والبطالة والجريمة عنهم ، والتركيز على التوجيه الاجتماعي والارشاد الثقافي واشغال المدرسة والمسجد والحارة بمثل هذه المهمات ، علما بان المجرمين الكبار كانوا يوما اطفالا وان هؤلاء الاطفال قد يكونون غدا في دائرة الاجرام .
وعلى الدولة الاستفادة من القوانين المتبعة في الدول الاخرى الخاصة بحقوق الطفل واقامة المزيد من الملاعب والنوادي ودور الحضانة ورياض الاطفال وقاعات الالعاب وابعادهم عن الشوارع ومخاطرها وانتزاع مظاهر العسكرة من الحياة اليومية والاهتمام بالمناهج ، فالطفل العراقي حالة خاصة ويحتاج الى اعادة بناء مع التاكيد على الجوانب العلمية والاخلاقية والتربوية في شخصيته وتنمية خياله وتحفيزه على الابداع وانشاء مكتبات خاصة ثابتة وسيارة للطفل .
وفرض التعليم الالزامي حتى المرحلة المتوسطة على الاقل ، كما ان هناك ضرورة لتنظيم عمالة الاطفال وتهذيبها خاصة وانه لايمكن في العصر الحاضر ولا في المستقبل القريب منع هذه الظاهرة بسبب الظروف الخاصة التي تمر بها اكثر الاسر العراقية ولكن يمكن تشغيلهم في اعمال تتناسب مع طاقاتهم واعمارهم وتكوينهم الجسدي ، ولا اكون مبالغا لو اقول بان الطفل العراقي يحتاج الى وزارة خاصة كما تم استحداث وزارة للمهجرين لكي تتولى متابعة شئون الطفل العراقي ( المظلوم ) بالتنسيق مع الوزارات الخدمية الاخرى للدولة ، لان الطفل اصلا بحاجة الى رعاية وان افضل العبادات هو حب الاطفال كما في الحديث ، فالطفل يعني الحياة باجمل صورها فهو اليوم ببهجته وهو الغد باشراقته ، وان هذا المخلوق الجميل يحتاج الى حنان ودفء ورعاية وميزانية سخية ، فالاطفال هم الربيع والورود والسلام وكل شئ جميل ، ومن حق اطفال العراق ان يعيشوا كما باقي الاطفال في العالم مع اننا لا نطمح ان يصل مستواه الى مستوى الطفل الهولندي مثلا الذي تم تصنيفه على انه اسعد طفل في العالم ، ولكن يجب ان ياخذ نصيبه على الاقل .
واذا أُريد بناء العراق يجب بناء الطفل العراقي ، ولتحقيق ذلك يمكن الاستفادة من خبرات العراقيين الموزعين في دول العالم فان لديهم الافكار والامكانات العلمية والفكرية الكافية لوضع برامج توعية سليمة خاصة بالطفل .
والطريف باني قرأت خبرا نشر مؤخرا مفاده ان الاطفال البريطانيين هم الاكثر تعاسة وبؤسا بين اطفال العالم المتقدم ، وان المراهقين في بريطانيا هم الاكثر تعاطيا للكحول والتدخين والمخدرات ، وقد امتص هذا الخبر( الصادم ) الكثير من اليأس الذي يحيط بمستقبل الطفل العراقي ، ولا سيما ان بريطانيا هي من اغنى دول العالم ، فيما استطاعت جمهورية التشيك التي لا تصنف ضمن الدول الغنية تحقيق مستوى افضل لاطفالها قياسا بالدول الغنية الاخرى .
ولا بأس ان اختم بقصة احد الشخصيات العراقية الناجحة الذي ذكر بانه قد قضى طفولة يائسة بائسة ، ابتدأت بمحاولات الاطفال الاصحاء ممارسة دور( الشقاوة) في المحلة لغرض السيطرة على الاطفال الاخرين ومرت بمراحل صعبة منها الفقر المدقع للعائلة مما دفع الوالدة الى اجباره على بيع ( اللبلبي والباجلا) في الصباح الباكر ثم العودة لاخذ الكتب والذهاب الى المدرسة ، وكان الطفل يعطي الكثير من اللبلبي ( للمشترية) حتى ينتهي بسرعة ولكن والدته التي كانت تنظر اليه بنظرة ملئها الحنان والاحساس بالذنب تقنع باي مبلغ ياتي به ولو كان قليلا ، ليس هذا فقط بل كان يجد صينية من مواعين المحلبي بانتظاره عندما يعود من المدرسة فيضطر وسط الاحراج الشديد من اقرانه الى حملها والجلوس في زاوية بالمحلة ينتظر بيعها والاطفال الاخرون يسرحون ويمرحون ويلعبون ، واذا ترك الصينية ليلتهي بلعبة او فعالية يأتي الاشرار ليعبثوا او ياكلوا المحلبي بدون دفع فلوس ، وكان الانكسار يصل عنده الى اعلى درجاته اذا جاءت كرة طائشة وبعثرت ما في الصينية ومرغتها بالتراب ، وذلك ليس لان امه ستعاقبه بالضرب وانما لان ذلك سيزيد في انكسار قلب امه التي كان يعشقها ، وما كان عليها ان تفعل وهي المراة التي لا معيل لها ولا ضمان اجتماعي توفره الدولة للمعوزين ، انها لقمة العيش وما اصعبها ، وانها البراءة التي عبثت بها يد الزمان ، وانه الثمن الفادح الذي يدفعه الاطفال لأمر ليسوا مسئولين عنه .
فرعى الله الطفولة نهرا عذبا ، وحفظ اطفال العراق واطفال العالم من كل مكروه .

[email protected]



#حسين_ابو_سعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا (عراق ) في غوغول
- مختصر تفاصيل الزمن المتوقف
- الشعراء والموت في الغربة
- دم الرضيع ما زال في الفضاء
- العلاقة بين الاعراب والتشريح
- انتظروني بعد منتصف الليل
- عرس داقوق
- المتعبون وموسم العودة
- المقاطع الاخيرة من صهيل التعب
- كركوك ، فلا أكف عن مغازلتها ولا هي تتمنع
- عندما تموت الاغنية على شفاه النهر
- صهيل التعب
- مادعاك ان تموت مبكرا
- باي حال عدت يا عيد
- رسالة الى الارهابيين الشرفاء
- الشتاء القادم هو شتائي


المزيد.....




- متوسط 200 شاحنة يوميا.. الأونروا: تحسن في إيصال المساعدات لغ ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يندد بفشل نتنياهو بإستعاد ...
- إيطاليا.. الكشف عن تعرض قاصرين عرب للتعذيب في أحد السجون بمي ...
- -العفو الدولية-: كيان الاحتلال ارتكب -جرائم حرب- في غزة بذخا ...
- ألمانيا تستأنف العمل مع -الأونروا- في غزة
- -سابقة خطيرة-...ما هي الخطة البريطانية لترحيل المهاجرين غير ...
- رئيس لجنة الميثاق العربي يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحري ...
- بعد تقرير كولونا بشأن الحيادية في الأونروا.. برلين تعلن استئ ...
- ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في غزة


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حسين ابو سعود - الطفل العراقي ... وقفة عاطفية