أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- 2















المزيد.....

قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- 2


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 10:54
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


5
"حزب شيوعي... لا إشتراكية ديمقراطية"، هذا هو عنوان الفصل التاسع من الجزء الأول من الكتاب، وهو عنوان كراس مشهور وهام في تاريخ الحزب وقد إعيد طبعه مرارا. والكراس عبارة عن رسالة تتضمن أجوبة على أسئلة هامة لأحد الرفاق تتعلق بأسس بناء الحزب ومبادئه.

في دراسته لهذا الموضوع يبذل الكاتب عزيز سباهي جهدا إستثنائيا لكي يكون موضوعيا. فالموضوع حساس وهام ويتعلق في الجانب الأكبر منه بمؤسس الحزب وبانيه وقائده التاريخي يوسف سلمان يوسف (فهد). ما يذكره الكاتب عبارة عن معلومات غزيرة وأحكام موثقة. ولكن ما يشوبه هو خلل ما في منهجية البحث. ويتمثل ذلك اولاً في إصدار أحكام بمنطق اليوم على تلك الفترة التاريخية دون الإشارة بأن هذه الأحكام تعود لوعينا اليوم. ويتجسد هذا الخطأ عندما نعرف بأن الكاتب ينطلق فكريا من واقع الحزب الراهن المتجدد أيديولوجيا والمتغير في طبيعته من حزب شديد المركزية ذي ضبط حديدي الى حزب ديمقراطي من حيث جوهره واهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى. ويتبنى الحزب اليوم التعددية والتداول السلمي للسلطة، كما أشرنا الى ذلك سابقاً. وعلى سبيل المثال لا الحصر يذكر الكاتب في الفقرة الأولى من الفصل ما يلي:

" الرسالة (الكراس)، في تقديرنا، تعطي تفسيرا للكثير مما حدث، وتسلط الأضواء بقدر كاف على المنهج الذي سلكه الحزب،أو بالأحرى قائد الحزب والمشرف على تأسيسه وبنائه، يوسف سلمان يوسف (فهد) لمواجهة هذه الأحداث، وهو منهج صارم في تحديداته، وغدا،تاريخيا، المقياس الذي تقاس به السياسات الحزبية الداخلية من بعد." ص215.

ويذكر في مكان آخر ما يلي:

" وإذا كنا نرى التشديد والتفريط اللذين عومل بهما المثقفون في تلك الفترة... الخ". ص226.

لا خلاف مع الكاتب حول صرامة المنهج في تحديداته والتشديد وربما بعض التفريط. والخلاف هو أنه لا يشير الى أن تلك الأحكام هي بمنطق اليوم، أو يشير الى إنها كانت السمة العامة للأحزاب الشيوعية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي آنذاك. وأعتقد بأن مثل هذه الإشارة ضرورية حيثما نصدرأحكاما أو نخرج بإستنتاجات تنتقد أخطاءاً في تاريخ الحزب. وبذلك نجنب القارئ التشوش ونحترم عقله وننصف التاريخ ونخدم المستقبل. أما إذا كانت هناك أخطاء حتى بمنطق الماضي، فما على الكاتب سوى البرهنة عليها.

* وأعتقد بأن نسيان الظروف التاريخية أو تجاهلها عند تناول الأمور التاريخية هو خطأ آخر في منهجية البحث التاريخي، ينبغي تجنبه. لنرى من هذا المثل مدى تجنب الكاتب لذلك.

يذكر الكاتب في الصفحة 225 ما يلي:

" ...إلا أنه (فهد) يشدد على أهمية أن يتوصل الحزب الشيوعي الى نظريته الوطنية الخاصة. إن الإنتباه منذ ذلك الحين الى هذه المسألة الحيوية كان ينبغي أن يكون مفتاح سعي متواصل لتطويرالإبداع النظري في الحزب وفقا لظروف البلاد وتقاليدها وتجنيب الحزب مطبات التقليد الجامد والدوكماتية الغبية." (خطوط التشديد مني. جاسم )

لم يحدد الكاتب زمن المطبات لكي نناقشه بالملموس. لاينكر أحد وجود تلك المطبات الدوكماتية، لا أعرف إن كانت هناك دوكماتية ذكية وأخرى غبية! ولكني أعرف بأن شروط الأممية الثالثة، لم تترك هامشا كبيرا للأحزاب الشيوعية للتحرك في مجال الإبداع النظري، ومع ذلك فقد إستفاد الرفيق فهد من الهامش المتيسر لوضع تكتيك وستراتيج سياسي صحيح عموما للحزب، ولم يقفز على المراحل بالرغم من النزعة اليسارية التي كانت سائدة في الحركة الشيوعية العالمية. أما أسس بناء الحزب ونهجه الفكري والتنظيمي فكانت ستالينية، وجسًدها كراس "حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية" والنظام الداخلي للحزب. وظل الحزب ملتزما بشروط الأممية التي وضعها لينين وأقرها مؤتمرها الثاني حتى بعد حل الكومينترن في عام 1943. وإستمر الإلتزام، بهذا الشكل أوذاك، بتلك الشروط، حتى إنهيار الإتحاد السوفيتي. وأضافت الظروف الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مرحلة الحرب الباردة عبءاً جديدا على تلك الأحزاب التي تدخل حكوماتها في علاقات صداقة وتعاون مع الإتحاد السوفيتي. وصادف حزبنا ذلك في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم وفي السبعينيات من القرن الماضي.

إن تطبيق النظرية بإبداع على الواقع الوطني كان ممكناً، وهذا ما قام به الرفيق فهد في خطابه السياسي الداخلي وفي معالجاته الواقعية والملموسة للشؤون الإقتصادية، وعلى سبيل المثال كراس "البطالة ـ أسبابها وعلاجها". ساعده في ذلك ثقافته الوطنية العامة ووعيه وواقعيته التي اكتسبها من مدرسة الحياة التي تعلم منها الكثير قبل دراسته في موسكو. أما تطويرالإبداع النظري فهو طموح غير واقعي. فالتهم بالإنحراف اليميني واليساري كانت جاهزة لكل من يحاول القيام بذلك خارج الإطار النظري الرسمي للحركة الشيوعية العالمية، ومكافحة ذلك أحد شروط الأممية. وتاريخ الحركة الشيوعية مليء بتلك "الإنحرافات". ومن أكثرها طراوة الأورو شيوعية.

يشرح الباحث كيف أن تأسيس الحزب تزامن مع هيمنة الستالينية فكرا وممارسة في الإتحاد السوفيتي ويذكر ما يلي:

" كان يوسف سلمان يوسف (فهد) قد درس في الإتحاد السوفيتي في لجة هذه العملية، وعاد وهو متأثر بهذه الستالينية الى الحد الذي بات يقول : "وأصبح ما يقوله قائدهم الأكبر ستالين وما يؤمر به ، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا ليس فقط من قبل أعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفيتية والشعوب السوفيتية بل من البروليتاريا العالمية والشعوب "

ويعلق الكاتب على ذلك بالقول :

" ولكي لا نظلم الرفيق فهد نسارع الى القول بأن هذه الفكرة قناعة جميع الأحزاب الشيوعية وقادتها يومذاك." ص217.

ما يذكره الكاتب صحيح ولكنه ناقص ، فهو يشير الى العامل الموضوعي الذي تأثر به فهد أثناء دراسته في موسكو. ولم يغوص في التكوين الفكري للرفيق فهد وجانب هام من ثقافته، وبشكل خاص في ما درسه في مدرسة كادحي الشرق. فمؤلفات ستالين، مثل الأسس اللينينية وفي سبيل تكوين بولشفي ، والمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، وكتاب تاريخ الحزب المكتوب بإشراف ستالين، وكذلك شروط العضوية المتشددة للقبول في الأممية، كانت من المصادر الأساسية في الدراسة.

وكانت هذه المصادر في واقع الأمر تشكل برنامجا لتثقيف الحركة الشيوعية العالمية, وقد حاول بلورت أفكارهذا البرنامج الكاتبان د. كاظم حبيب ود. زهدي الداوودي في كتابهما القيم والموسوم "فهد والحركة الوطنية في العراق" في الصفحة 141 وما يليها. وإستهلا ذلك بقولهما :

" وفيما يلي محاولة لبلورة البعض من تلك الأفكار التي تغذى بها طلاب المدرسة الحزبية في موسكو حينذاك ومنهم فهد:

* إعتبار الماركسيةـ اللنينية هي النظرية العلمية الوحيدة القادرة على فهم وتفسير العالم، وبالتالي فهي تملك الحقيقة، والحقيقة الى جانبها أبداً.

* إعتبار الإتحاد السوفيتي بلد الإشتراكية الأول الذي يفترض في كل الشيوعيين والتقدميين الدفاع عنه ومساندته ودعم توجيهاته.

* إعتبار المعارضين والمختلفين مع الحزب الشيوعي السوفيتي أعداء له وبالتالي فهم أعداء الحركة الشيوعية العالمية، ومنهم كل الإنتهازيين والمحرفين الذين يفترض محاربتهم بكل السبل الممكنة بإعتبارهم مطايا الإمبريالية في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية.

* إعتبار الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة والفلاحين بالمطلق ولا يمكن ولا يجوز أن يوجد غيره، وفي حالة بروز حزب آخر منافس فلابد أن يكون خاطئا ويفترض محاربته.

* تأكيد دراسة الماركسية إعتمادا على كتابات ماركس، إنجلز، لينين وستالين بإعتبارهم من الكلاسيكيين والإبتعاد عن غيرهم.

* إعتبار الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية جزء من أحزاب الأممية الثانية التي خانت قضية الطبقة العاملة في العالم منذ أوائل القرن العشرين وتجسد ذلك في موقفها من الحرب العالمية الأولى، ويفترض مواجهة أفكارها وإجتهاداتها بالتفنيد والمحاربة الكاملة.

* وإعتبار ستالين المرجع الفكري للثلاثي ماركس ـ إنجلز ولنين، وبالتالي يصبح هو القائد الفعلي للحركة الشيوعية العالمية وللشيوعيين في العالم. ويفترض أن تدرس كتاباته ومنها حول المسألة القومية وفي سبيل تكوين بولشفي وحول أسس الماركسية ـ اللينينية التي كانت تتضمن الى جوانب عديدة وأساسية أخرى، قضايا الحزب من الطراز الجديد والطاعة الكاملة لشخصية "أب الشعوب".

* وكانت هذه المقولة الأخيرة تتضمن إعتبار الحزب الماركسي اللينيني يمتلك الخصائص التالية :

( وقبل الدخول في خصائص الحزب يمكن إضافة ما يلي الى مجموعة الأفكار المذكورأعلاه. إعتبار إقرار مبدأ دكتاتورية البروليتاريا حدا فاصلا بين الأحزاب الشيوعية والأحزاب الإشتراكية الديمقراطية. ضرورة العمل في الجيش في كل الظروف والأحوال، ويعتبر التخلي عن ذلك خيانة للأممية الشيوعية. إعتبار تحالف العمال والفلاحين مبدأ أساسيا في نهج الحزب . جاسم )

** إن الحزب هو طليعة الطبقة العاملة وتنتظم في عضويته خيرة أبناء الطبقة العاملة الذين يتحملون مسؤولية وضع برنامج في ضوء النظرية الثورية والنضال من أجل تحقيقه.

** والحزب الطليعة المنظمة للطبقة العاملة حيث يعمل أعضاؤه بالضرورة في إحدى تنظيماته القاعدية ويؤدون مهامهم بحيوية.

** وتمتلك الطبقة العاملة مجموعة من المنظمات كالشباب والنساء والنقابات. إلا أن الحزب هو الشكل الأرقى لتنظيم الطبقة العاملة وقيادة نضالها ( فهو هيئة أركان حرب الطبقة العاملة. ج). وتبقى تلك التنظيمات وسيلة التواصل مع الجماهير والتعبير عن مصالحها وتعبئتها للنضال.

** والمبدأ الأساسي في التنظيم الحزبي هو المركزية الديمقراطية، وهي أداة البروليتارية التى لا تمتلك غيرها في الوصول الى السلطة. وطبيعة بناء الحزب هي التي تقرر ما إذا كان الحزب ثوريا أم لا. ويحتاج الحزب لتحقيق مهامه قيادة مركزية وإنضباطا حزبياً صارماً، إضافة الى المشاركة في قرارات ونشاط الحزب وممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي. ويتطلب تنظيم العلاقة بين مختلف مستويات الحزب الإستناد الى قاعدة المركزية الديمقراطية.

** ويفترض في الحزب أن يطوِّر نفسه من خلال مواجهة المهمات الجديدة التي تطرحها الحياة والعملية النضالية وفق الظروف الملموسة في كل بلد من البلدان. ويتحمل الحزب مسؤولية محاربة الإتجاهات الإنتهازية اليمينية واليسارية، التحريفية والجمود العقائدي إستناداً الى فهم القوانين العامة و المحركة والظروف الملموسة.

** إن تحرير البروليتاريا يمكن أن يتم من خلال ممارسة النضال الأممي لكل الفصائل الوطنية للطبقة العاملة وتنفيذ إلتزاماتها إزاء البروليتاريا العالمية. إنها التجسيد العملي لشعار "يا عمال العالم إتحدوا" إذ في مقدور فصائل الطبقة العاملة أن تناضل وطنيا وتتضامن دوليا على قاعدة ومبدأ الأممية البروليتارية.

** إن الحزب الماركسي اللينيني القائد على الصعيد الدولي هو الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي. والإعتراف بدوره القيادي للحركة الشيوعية والعمالية العالمية ينطلق من دوره التاريخي في النضال التحرري للطبقة العاملة وحلفائها على الصعيد العالمي، وهو الذي يقود بناء الإشتراكية في روسيا ويقود عملية إنتصار العلاقات الإنتاجية على صعيد الإتحاد السوفيتي.

** ويعتبر الموقف من الحزب الشيوعي السوفيتي والدولة السوفيتية هو المحك الأساسي عن مدى إخلاص كل حزب شيوعي وكل رفيق شيوعي، وبالتالي فإن التعلم منهما هو بمثابة تعلم الإنتصار."

بإعتقادي كان من الضروري أن يتطرق الكاتب عزيز سباهي الى ذلك قبل المباشرة بتناول كراس "حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية"، وهذا عين ما فعله الكاتبان حبيب والداوودي، لكي يفهم القارئ بشكل صحيح أسباب تلك الصرامة والتشدد وتمجيد الحزب الشيوعي السوفيتي وستالين من قبل الحركة الشيوعية العالمية. وبذلك لا يخرج بإستنتاجات غير دقيقة تدعو الى الشفقة على المستوى السياسي والفكري لفهد حسب النص المثير الذي إسستشهد به الكاتب والذي سبق وأن ذكرناه وهو:

" وأصبح ما يقوله قائدهم الأكبر ستالين وما يؤمر به ، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا... الخ ".

ويبدو لي بأن سباهي شعر بأن القارئ سيشفق على فهد فسارع، كما مر ذكره، بالقول:

" نسارع الى القول بأن هذه الفكرة قناعة جميع الأحزاب الشيوعية وقادتها يومذاك."

وبذلك عمم الكاتب الشفقة على الجميع! ولم يكن يقصد الكاتب ذلك، فقد جاء ذلك نتيجة الخلل الثالث في منهجية البحث، ليس إلا. وجاء هذا الخلل جراء الإكتفاء بالمؤثرات الموضوعية في الظاهرة موضوعة البحث وإهمال الجانب الذاتي، والذي هو أساسي، فيها.

ومن المفارقات التي لا يمكن الا التوقف عندها هي أن كراس "حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية" والذي يعبر عن النهج الفكري والتنظيمي للمرحلة الستالينية المدانة من قبل جميع الماركسيين تقريباً، قد خدم الحزب في حينه وكان مصدرا لقوته. يقول سباهي في هذا الصدد ما يلي:

" وعلى أي حال فإن للرسالة (الكراس) أهميتها السياسية الى جانب أهميتها الفكرية والتنظيمية. لقد أوجد نشرها والإنصراف الى دراستها في خلايا الحزب ثقة كبيرة لدى رفاق الحزب في القدرة على تحدي وتخطي العقبات التي أوجدتها الإنشقاقات، وعودتهم على خوض الصراعات الفكرية ضد القوى التي تخالفهم الرأي، وأوجدت ترابطا روحياً بين القيادة والقاعدة كان ضروريا في خوض المعارك الواسعة التالية، وأبعدت عن الناس المحيطين بالحزب صورة الإنهيار الذي إنتهى اليه الحزب في الثلاثينات أثر تعرضه ( للحملات البوليسية و.. جاسم ) للصراعات الشخصية في قيادة الحزب." ص 235.

لم يشر الكاتب الى أسباب المفارقة. يبدو لي بأن الكراس جاء منسجما مع الحالة الذهنية والنفسية التي كانت سائدة في وسط واسع من الثوريين واليساريين آنذاك جراء عوامل عديدة ومنها:

* الإعتراف الرسمي بالرفيق فهد زعيما للحزب الشيوعي العراقي من قبل الحركة الشيوعية العالمية.

* قوة شخصية فهد وشعبيته وإنحداره الطبقي وخبرته التنظيمية وصدقيته وجديته وإخلاصه وتفانيه غير المحدود في سبيل الحزب وقضيته الوطنية والطبقية. وقد شهد بذلك كل الذين عملوا معه أوعايشوه قبل إعتقاله وبعده. ولم يغير من هذه الحقيقة شيئاً كون ماشاب طبيعة شخصيته وقيادته للحزب كانت تحمل ملامح المرحلة الستالينية في الحركة الشيوعية العالمية.

* ثبوت عدم مصداقية عدد من أبرز خصوم الرفيق فهد لإنهيارهم في التحقيق عند تعرضهم للإعتقال أو مساومتهم مع الحكومة.

* الصمود البطولي للشعب السوفيتي والجيش الأحمر بقيادة ستالين أمام الغزو الألماني ومن ثم الشروع بتحقيق الإنتصارات لدحره.

6

وقبل الإنتهاء من ملاحظاتي وتعليقاتي على هذا الفصل أود القول بأن إدانتنا لعبادة الفرد ومحاولتنا لتقييم دور الرفيق فهد بشكل موضوعي لا تبيح لنا ترديد كلمات نابية قيلت بحقه من قبل شخصيات سياسية متحاملة عليه لأنه أثبت تفوقه السياسي عليها ليس في إدراك المصلحة الوطنية فحسب، بل وفي إدراك مصلحة أحزابها بالذات. فالموضوعية تتطلب أما التدليل على صحة تلك الكلمات أو إبداء الرأي الصريح فيها، نظرا لحساسيتها، بعد توضيح الظروف والملابسات التي تتعلق بها.

لقد ذكر المؤرخ الكبير حنا بطاطو تصريحا نابياً للفقيد كامل الجادرجي أحد أبرز زعماء الطبقة البرجوازية الوطنية في العراق في أواسط القرن الماضي. لقد إقتبس الكاتب عزيز سباهي التصريح وإقتبسه آخرون ومن خلال المقارنة سنكتشف أين يكمن خطأ سباهي. يذكر سباهي في الصفحة 219 ما يلي :

" يقول كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني الديمقراطي إن "فهداً أظهر ثقة بالنفس وصلت حد الوقاحة". ولكن بطاطو يعلق على هذه الثقة البالغة بالنفس، والتي كانت تبعد عنه السياسيين والمفكرين السياسيين، بأنها كانت مصدر إلهام للعوام من الناس الذين كانت علاقاته بهم هي الأنشط ".

والآن لنرى كيف إقتبس الكاتبان حبيب والداوودي نفس المقتبس وعالجاه في الصفحة 282 وما يليها من كتابهما الذي سبقت الإشارة اليه، وذلك في معرض تحديدهما ما يخص الحزب وقيادته من مسؤولية في المسائل التي عقـّدت العلاقة بين الحزب والقوى الوطنية الأخرى، إذ يذكران ما يلي:

" النقد الشديد الذي كان يوجهه فهد للأحزاب الديمقراطية الأخرى على سياساتها ومواقفها من مواقع تبدو وكأن الحزب يمتلك الحل الأصوب والحقيقي. وكان هذا الموقف يثير تلك الأحزاب ويعطيها الإنطباع وكأن فهدا مغال في الثقة بنفسه ومعتد برأيه ومتعال على الآخرين. هناك بعض المذكرات بهذا الصدد، ومنها تلك المذكرة النقدية التي وحهها فهد الى كامل الجادرجي بعد استيزار عضو من قيادة الحزب الوطني الديمقراطي في الوزارة السعيدية التاسعة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1946، إذ اعتبر هذه المشاركة بمثابة تزكية لوزارة لا تستحق ذلك وإنقاذاً لها من أزمة كان يمكن أن تعصف بالوزارة والتي أثارت الجادرجي كثيرا، إذ كانت حادة في صياغتها، رغم أن النقد كان واردا ومفيدا. وانتهى الأمر بإستقالة محمد حديد والآخرين من وزارة نوري السعيد بعد عدة أسابيع من عملهم المشترك.
ومن هنا جاءت ملاحظات كامل الجادرجي، رغم إنها قاسية ( نابية. جاسم ) من جهة، وإنها وحيدة الجانب من جهة أخرى ، لكنها كانت تعبر عن مزاج قيادات الأحزاب الديمقراطية العلنية إزاء فهد والحزب الشيوعي العراقي حينذاك.
وذكر حنا بطاطو نقلا عن كامل الجادرجي [ إن فهدا أظهر ثقة بالنفس وصلت الى حد الوقاحة ] ".

وبعد أن يذكر الكاتبان مقتطفا مما كتبه رفعت الجادرجي نقلا عن والده كامل الجادرجي حول فهد من أقوال، وفي رأيي إنها غير لائقة وحاقدة، يبدي الكاتبان رأيهما على الشكل التالي:

"ويبدو من هذا المقتطف أن الجادرجي كان متحاملا على فهد ولا يكن له الاحترام دع عنك الود، بسبب مواقف فهد وتقديراته لسياسات كامل الجادرجي ونقده لها."

وشهادة المتحامل أو أحكامه لايمكن الركون اليها ومردودة، ولا أعرف لماذا لم يعلق الكاتب سباهي على كلام كامل الجادرجي النابي أو يعطي تفسيرا له.

يتبع



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
- هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
- حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
- كتاب - لحقيقة كما عشتها
- التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- رسائل عزيزة
- نبذة مختصرة عن مدينة كربلاء
- سنوات بين دمشق وطهران ( 6 )
- سنوات بين دمشق وطهران 5
- سنوات بين دمشق وطهران 4
- سنوات بين دمشق وطهران - 3
- سنوات بين دمشق وطهران - 2
- سنوات بين دمشق وطهران - 1
- في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
- الديمقراطية في الحزب الشيوعي العراقي
- الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ال ...


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- 2