أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح عوده - الصورة في صباحات زياد جيوسي















المزيد.....

الصورة في صباحات زياد جيوسي


سامح عوده

الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


منذ أكثر من عام ونيف وأنا أتابع مطر حروف الأديب والكاتب القدير زياد جيوسي ، يظللنا بمظلته و نقائه ، ما ان يبدأ صباحنا حتى نهرع إلى الأثير ، نفتح ُ نافذة الشوق على مصراعيها ، لتعبر أنغام الحروف الفيروزية إلى هوائنا ، ويبدأ ( صَخَب ُ .. ) العزف الباذخ ( يُدَنْدنُ ) في مخيلتنا أجمل لحن ٍ تطرب له الأذن .. وتسكن له النفس ، وكأن الروح على موعد ٍ منتظر لصباح ٍ قادم ، من شوارع رام الله يحمل ُ معه فصلا ً جديدا ً من ذاكرة الوطن الجميل او الحزين أحيانا ، لذلك ابتكر الأديب زياد جيوسي فنا ً جديدا ً يضاف ُ إلى قائمة الفنون الموجودة الا وهو الرسم بالحروف ، وهو فن لا يتقنه الا المبدعون ممن يمتلكون مخيلة واسعة وحسا ً مرهفا ً يترجمون معالم الصورة الراسخة في أذهانهم .. الى حروف ، تجد ُ صداها في نفس القارئ الذي تولد لديه حالة من الإدمان الاختياري مع كل ما يكتب ُ هذا الأديب .
لم تكن متابعتنا بشغف لكل ما يكتب زياد جيوسي من صباحات جميلة محض صدفة ، بل إن حروفه الشفافة الراقية التي تأتي من أعماق الحالة الفلسطينية تلقى طريقها في النفس ، فهو يتقن ببراعة تجسيد حالة الوطن بكل أوضاعه من خلال أدبياته المتوهجة طهارة ً ونقاء ، لا شك ان النفس وما يعتصرها من الم أو فرحة تعكس ُ مدى انتماء الكاتب للقضية التي يكتب أو يناضل من اجلها ، حينما يميل للبعد عن الفئوية الضيقة فانه يكسر القيد الذي يجعلك تتمحور في قالب يفقدك الق الحرف والسمو نحو الإبداع الذي ينتظره جمهور القراء ، فهم الحكم الأول وشاهد الإثبات على ما يخرجه الكاتب من صور يهدف الى توصيلها لمن يمر من أمام النص فربما يطيب له المكوث طويلا .
زياد جيوسي مثقفا ً وأديباً وإنسانا ً .. قبل كل شيء ، ممن علمتهم الحياة الكثير الكثير ، فمن معترك الحياة السياسية وما تبعها من تداعيات وإرهاصات لم تثنه عن مواصلة الدرب ، نحو القبلة التي يريد فمن أقبية التحقيق والعزل الانفرادي وما تبعها من عذاب نفسي وجسدي ( تَحَمَل ّ ) معه ما تحمل بقي بالنقاء المعهود نفسه ، فسخر قلما ً نظيفا ً لم تلوثه قذارة المرحلة لخدمة قضية عادلة آمن بها حق الإيمان بل وربما حد اليقين ، فالقلم النظيف لا يقل شأنا ً في النضال عن مراحل النضال المختلفة ، فهو لم يهمل مرحلة من مراحل عمره أو يوما ً من أيام حياته إلا وسخره للهدف نفسه الذي اعتقل من أجله يوم أن عرف الوطن في صورته الأولى على شكل إله مقدس ٍ لا يمكن الكفر به مهما كانت الأسباب والدوافع ، لقد استطاع بإنسانيه المعهودة أن يكون من الطليعة الأولى و النخبة المثقفة في عالمنا العربي وممن سخروا جل وقتهم لهدف نبيل هو الوطن الحاضر دائما ً في ضميرهم .
في كل يوم نعيش صورة جديدة مع حرفه الصباحي الذي ينقلنا الى المكان الذي التقطت فيه الصورة .. لنعيش تفاصيل الوقت واللحظات مستلهمين درسا ً جديدا ً وفكرة جديدة يريد إيصالها لنا لتكون البوصلة التي بها نهتدي نحو المستقبل ، تساعدنا على قراءة الواقع بأسلوب أدبي قريب إلى النفس دون أن تخدش دواخلنا ، أو تحرفنا عن درب الحقيقية التي نبحث عنها دون تريث ، في كل يوم ومن خلال محيطنا المتداخل وواقعنا الشائك ، تصادفنا مليون صورة وصورة فمن مشاهد الحياة الى وسائل الإعلام التي تعبر محيطنا الواسع ، نشاهد صورا ً كثيرة بألوان مختلفة ، وبعدسات مختلفة ، لكن السواد الأعظم منها لا يبقى في الذاكرة فهي تذوب وتتلاشى سريعا ً ك َ ( حبات ) البرد ما تلبث ُ ان تلامس الثياب حتى تسقط على الأرض فنمضي عنها الى غير رجعة ، ولكن هناك صورة بليغة الأثر كَحبات ( المطر .. ) تنفث الى أعماقك وان كنت مرتديا معطفا سميكا فإنها تتغلغل إلى الأعماق السحيقة حتى تلامس قلبك فتبقى معلقا ً بها لا تغيب عن مخيلتك ، مهما حاولت الهروب منها أو عدم تذكرها ، وهكذا هو الأديب الفلسطيني زياد جيوسي استطاع بحنكة ٍ ودراية ٍ نبعت من عمق التجربة الحافلة بالعطاء ان يرسم آلاف الصور لقضيته ووطنه وللفكرة التي يناضل من اجلها والتي يريد ايصالها للقارئ حتى يبقى مع المشهد بتفاصيله الدقيقة لا مغيبا ً مضللا ً وراء كلمات تدغدغ عواطفه ما تلبث ان ينساها بعد انتهائه من قراءة النص .
هكذا هي صباحات زياد جيوسي ما تلبث ان تقرأ عبارة ( صباحكم أجمل .. ) حتى تبدأ تعيش النص كَصورة مرسومة بريشة الحروف ، لهذا فقد قرأنا نصوص الأديب المتكررة التي تحكي حكايات صباحات الوطن ما جعلنا في كثير من الأحيان نحفظها عن ظهر قلب ، نعم لقد استطاع بحنكتة أن يرسم بريشته الإبداعية الرقيقة معالم القضية والإنسان الفلسطينيين ، وما يتداخل من ظروف موضوعية وغير موضوعية تؤثر سلبا او إيجابا ً في المشهد الفلسطيني ، فهي تجعلك تعيش أدق تفاصيل تلك الصورة .
فللوطن والنكبة والنكسة والاحتلال النصيب الأكبر في صور الأديب المتعددة ، تتداخل فيها الوان مختلفة قاتمة حد السواد او بيضاء كالثلج ، لذلك فهو يرسم الوطن بطريقته الخاصة ، بالهيئة التي يريد وبالألوان التي يريد بالرغم من أننا لم ( َنر َ ) له َ لوحة فنية واحدة عرضت في أي معرض ، إنما هذه الطريقة الراقية من الإبداع الأدبي تعطي إيحاءات لدى القارئ بأن صاحب هذا القلم هو فنان قبل أن يكون كاتبا ً .
كثيرا ً ما استمعت لما يعلقه جمهور القراء على صباحات ( زياد جيوسي ) التي تجعلهم يسترسلون من الكلمة الأولى وحتى نهاية النص بإمعان وشغف فالنص المتوازن البعيد عن الفوضى الادبيه والتنظير هو الدافع المحفز للاسترسال والتواصل مع الكاتب .
لقد استطاع زياد جيوسي أن يرسم فلسطين بريشة العشق وشفافية الروح وهذا هو الملاحظ من خلال .. نصوصه (الزاخرة ) التي عكست مدى تعلقه .. بالأرض والقضية التي تحمل معاناة المنافي وليل السجون المظلمة ، فالشريحة الواسعة من المثقفين على امتداد وطننا العربي تتابع تلك الصباحات إذ استطاع الكاتب بما لا يدع مجالا للشك أن ( ُيعَرّف ْ ) جمهور المتابعين له برموز الحياة اليومية وتفاصيلها في المدن والقرى كمان هي ، من خلال نقل صورة حية ، واقعيه لما هو كائن على الأرض وفق معاير الموضوعية التامة التي تضمن مصداقية للكاتب مع جمهوره ، وكمثال بسيط على الصور التي أوصلها جيوسي للقارئ حينما كتب عن برتقال ( يافا ) الحزين فهو أوحى ضمنا بصورة خيالية ليافا وبرتقالها وبحرها .. وبذلك ( رَسَخَ ) في ذهن القارئ العربي ( قُدْسية ) وجمال الأرض الفلسطينية وهذا ما لم تستطع فعله كثير من الأقلام الفلسطينية ربما لأنها لم تكن موفقة في قراءة الصورة من زواياها الأربعة ، وإعادة رسمها كما هي حروفا صباحيا متواصلة على نفس الوتيرة في العزف والإيقاع .
( حين أكتب من ذاكرة الوطن فأنا ربما أكتب ذاكرة للمستقبل، أكتب لأجيال قادمة لم تعرف الوطن ولا ذكرياتنا وذاكرتنا التي هي جزء من ذاكرة الوطن، أؤمن أن الوطن بلا ذاكرة وطن يضيع، لذا أشعر بضرورة الحديث عن هذه الذاكرة ونقلها أمانة لأبنائنا وأحفادنا، لست بالمؤرخ ولكني قد أكون شاهدا على مرحلة، لذا تجدني حين أجول شوارع المدينة في الصباح الباكر وأعود الى صومعتي، ما أن أكتب عبارة صباحكم أجمل الا ونزف الذاكرة يهبط مرة واحدة..لذا أرى ما أكتبه نزفا ً من الروح دون إعداد مسبق..هو وليد الصباح ونزف الروح وابن ذاكرة الوطن.. )
ان الكتابة مرحلة من السمو الإنساني والإبداع الذهني ، وهي نزف لذاكرة المكان والزمان يستخدم الكاتب نزفه الروحي ويعصر زبد فكره حتى يصيغها بالقالب الذي يريد ، من المهم وحتى يضمن النجاح لفكرته والفكر الذي يحمله أن يحاول قدر المستطاع أن يجعل تلك الفكرة التي كتبها في نص أدبي يعيشها القارئ بكل تفاصيلها ، وإن مر زمن طويل على قراءة النص ، لأن الصورة الحية الواقعية التي تجذبك لقراءتها نصا ً ، حيث تبقى معك راسخة متجذرة فيك كالزيتون ساكنة في أعماق النفس البشرية وإن طال الزمان .



#سامح_عوده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل امني ام فصل عنصري ؟
- الحب يطلُ من شرفةٍ عاليةٍ
- المغتصبه !!
- بوس الواوا !!
- شموع منتصف الليل
- أصل فكرة حقوق الإنسان وإطارها الفلسفي
- هل حقا القدس عروس عروبتنا ؟
- أزمة قيادات أم تصحر !!!
- طفوله ماسوره واحلام مبتوره
- اغتيال الذاكره
- ليلة شتاء مجنونة
- الدكتور !!!
- لعن الله الفتنة !!
- نقطة ضوء ....... أمريكيا والإرهاب
- كل عام والوطن بالف خير
- عندما يكون من الموت فلسفة
- حرب المهزومين


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح عوده - الصورة في صباحات زياد جيوسي